يقول دانيال بايبس ان اوروبا تصبح يوماً بعد يوم اقليما من أقاليم الاسلام، او مستعمرة اسلامية، وفقاً لما قالته أوريانا فلاتشي في كتابها الجديد "قوة المنطق". ولعل هذه الصحافية الايطالية المشهورة على حق اذ ان الاسلام اخذ يغزو معقل المسيحية القديم ـــ اوروبا.
هناك قوتان تساهمان في هذا التغيير الذي قد يهزّ العالم.

اولاً، تفريغ المسيحية من قيمها التاريخية وتقاليدها. اذ ان عدد المسيحيين الملتزمين يتناقص في الجيلين الماضيين لدرجة انه بدأ يطلق عليها اسم "القارة المظلمة". ويقول المحللون ان مساجد بريطانيا يعمرها عدد من المسلمين هو اكبر من عدد الذين يذهبون الى الكنيسة الانكليكانية.

ثانيا، تدني نسبة الولادات في اوروبا (من قبل اهل البلاد الاصليين). اذ ان سكان اوروبا الاصليين يتضاءل عددهم يوماً بعد يوم. وتذكر احصاءات الاتحاد الأوروبي ان النسبة المطلوبة للحفاظ على عدد سكان اوروبا الحالي يتطلب نسبة ولادة تبلغ 2.1 للمرأة الواحدة، في حين ان النسبة الحالية هي 1.5 وهي آخذة في التدنّي. وتشير دراسة الى ان سكان اوروبا سيتدنى عددهم من 375 مليون نسمة الى 275 في عام 2075 ان لم تستمر الهجرة الى البلدان الاوروبية. ويحتاج الاتحاد الاوروبي الى 1.6 مليون مهاجر سنوياً ليحافظ على التوازن بين المواطنين العاملين والمتقاعدين. اما الآن فانه يحتاج الى 13.5 مليون مهاجر لتسوية النقص الحاصل من قبل.

لذلك فإن الاسلام والمسلمين يأتون لملء هذا الفراغ. ففي حين تتداعى المسيحية يزداد الاسلام قوة، ويؤكد وجوده ويعمل على تحقيق طموحاته. وفي حين يتناقص عدد الأوروبيين بسبب الشيخوخة، يتكاثر المسلمون الذين يتزوجون في اعمار مبكرة.
ان نسبة 5 في المئة من الاتحاد الأوروبي، او 20 مليون نسمة يعتبرون انفسهم مسلمين، وان استمرت الأمور على ما هي عليه ستصل النسبة الى 10 في المئة في عام 2020. وان تركت العناصر غير الاسلامية اوروبا فستصبح غالبية السكان من المسلمين في عقود قليلة.
حين يحصل هذا ستبدو الكاتدرائيات الضخمة كبقايا أثرية من عصر بائد، على الاقل الى ان يحولها نظام مثل حركة طالبان الى مساجد. وستذبل الثقافات القومية مثل الفرنسية والايطالية والبريطانية وتذوي لتحل محلّها الهوية الاسلامية التي تضم عناصر من افريقيا الشمالية وتركيا وآسيا وغيرها. هذه التنبؤات ليست جديدة. ففي 1968، القى السياسي البريطاني خطابه الشهير "انهار الدم" الذي حذّر من خلاله من السماح لكثير من المهاجرين بالاستيطان في اوروبا، وكانت بريطانيا حينها تزدحم بشكل خاص بالهنود. (وقد تسببت هذه الكلمات بعرقلة مستقبله السياسي). كما ان الكاتب الفرنسي جين راسبيل نشر في السبعينات رواية بعنوان "مخيم القديسين" تصوّر اوروبا وهي تعج بالمهاجرين القادمين من شبه القارة الهندية. ان تحول اوروبا من حضارة الى اخرى بطريقة سلمية لم يسبق له مثيل في التاريخ، وهو ما يجعل مسألة تجاهل هذه الاصوات المعارضة أمراً سهلاً.
ما زالت هناك امكانية لاعاقة هذا التحوّل، لكن التطلعات الى ذلك قد تتلاشى مع الوقت. في ما يأتي بعض الطرق الممكنة لتحقيق ذلك:

اولا، تشجيع متغيرات تؤدي الى عودة الايمان المسيحي وزيادة نسبة الولادة وصهر المهاجرين في المجتمع الاوروبي، وهذه المتغيرات قد تحدث لكن ما سيدفعها ويحفزها يصعب تصوره.

ثانيا، التحديث الاسلامي، لسبب ما، فإن العصرنة تؤدي الى انخفاض في معدلات الولادة بشكل جذري، وقد تكون الاسباب تثقيف المرأة او الاجهاض عند الضرورة او مشاغل الانسان في الحياة العصرية التي تأخذ الكثير من وقته. كذلك فإن تحديث العالم الاسلامي قد يؤدي الى انخفاض معدل الهجرة من العالم الاسلامي الى اوروبا.

ثالثا، استقبال مهاجرين من بلدان اخرى مسيحية مثل اميركا اللاتينية ما قد يسمح لأوروبا بالحفاظ على هويتها التاريخية. كما أن توافد الصينيين والهنود مثلا سيخفّف من إمكان سيطرة العناصر الاسلامية.
ان التيارات والميول الحاضرة توحي بأن "أسلمة" اوروبا ستحدث لا محالة لان الاوروبيين يجدون حضانة الاطفال شاقة وايقاف الهجرة صعبا، وحتى تنويع مصادر المهاجرين غير متوافر، ويفضلون القبوع والتسليم بـ "الخرف الحضاري".
لقد بلغت اوروبا، في الوقت نفسه درجة عالية من الازدهار والسلام واظهرت قدرة فريدة على الحفاظ على تماسكها.