الشيخ عبد الواحد بيديرسون كشف لـ«الشرق الأوسط» عن عزلة يعيشها رسام الكاريكاتير المسيء للرسول.. وأن دولا ترفض استقباله

محمد القشيري

كشف الشيخ عبد الواحد بيديرسون إمام المسلمين في الدنمارك والمشرف على المركز الإسلامي في العاصمة كوبنهاغن عن قرب تدشين أول مسجد في الدنمارك، بعد ما كان المسلمون يؤدون فرائضهم في مصليات صغيرة عبارة عن غرف وشقق داخل الأبراج السكنية والتجارية، والتي يبلغ عددها 200 مصلَّى.
وأوضح بيديرسون، الذي اعتنق الإسلام عام 1980، بعد رحلة استكشافية دامت أربع سنوات في دول أفريقية وآسيوية، أن الإسلام يشهد توسعا في البلاد وخاصة بين صفوف الشباب والفتيات، وأن الحكومة الحالية تتعامل مع المسلمين بشكل ألطف بعد أن أسهم الحزب اليميني الشعب الدنماركي بالحكومة السابقة في التشدد والتحذير من الإسلام وتصويره خطرا على الدول الأوروبية.

وبين عبد الواحد بيديرسون، الذي أسلم على يده 160 شخصا، أن رسام الكاريكاتير المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام «يعيش عزلة كبيرة ولا يستطيع الخروج إلا برفقة جيش من الحراسات، من أفراد الشرطة»، وكشف أن كثيرا من الدول الأوروبية اعتذرت عن عدم استقباله لوجود تهديدات بقتلة، رافضا مطاردته وهدر دمه، على أن يكون البديل اللجوء إلى المحاكم والقضاء لمحاكمته.

وكشف الشيخ بيديرسون في حوار مع «الشرق الأوسط» بالعاصمة كوبنهاغن أن المقاطعة الاقتصادية للسلع الدنماركية كانت مؤثرة جدا، وأسهمت في خسائر فادحة للشركات، إلا أنه اعتبر المقاطعة ليست حلا لبلاده التي وصفها بـ«المتسامحة مع الإسلام والمسلمين وأن ما يحدث لا يتعدى كونه حالة فردية».. وفيما يلي نص الحوار:


* بداية صف لنا أحداث الجدل، وردود الأفعال حول العالم على الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، عليكم كدنماركي؟.

- بالطبع هذه الردود جعلتنا، وأقصد كمسلمين، بين طريقين؛ طريق الدفاع عن حبيبنا رسول الله والآخر بلدنا الذي حمل تبعات تصرفات فردية، لبعض السكان. لذا كنا نقوم بالعمل على شقين؛ شق يتعلق بنصرة نبينا والشق الآخر هو يتعلق أيضا باتجاهين؛ الأول موجه للمسلمين الذين اعتبروا الدنمارك دولة ضد الإسلام، والثاني التوعية بالإسلام والمسلمين بين صفوف السكان المحليين بصفة خاصة والدول الأوروبية بصفة عامة.

* كيف تقيّم أجندة الحكومة الحالية، والمنتخبة حديثا، بعد أن كانت الحكومة السابقة ذات توجهات يمينية عنصرية ضد الإسلام، حيث كانوا يصورون انتشار الدين الإسلامي على أنه الخطر الأكبر في أوروبا؟.

- لا أستطيع أن أقول إنها عنصرية، ولكن كان حزب الأغلبية حزب الشعب الدنماركي متشددا جدا مع الإسلام والمسلمين، والحكومة الحالية ألطف بكثير، وعموما الشعب الدنماركي شعب متسامح مع الدين الإسلامي الذي يشهد ولله الحمد توسعا في اعتناق الدين الإسلامي حتى أصبح الدين الثاني في البلاد.

* كم يبلغ عدد المساجد في الدنمارك وكم يشكل المسلمون من نسبة السكان؟

- للأسف لا توجد مساجد، فقط نصلي في مصليات كشقق في الأبراج العالية، وخلال الأشهر المقبلة سوف ندشن أول مسجد في الدنمارك، والذي تم بناؤه عن طريق مجهودات ذاتية من المسلمين، والذين يشكلون نسبة 2 في المائة.

* لماذا تأخر بناء المسجد.. وهل كانت هناك صعوبات في الحصول على تصاريح للبناء؟

ـ لا، ولكن كان ينقصنا الدعم المادي.

* ماذا أعددتم كمسلمين في الدنمارك للتوعية والرد على الهجوم من قبل بعض الساسة والمثقفين والإعلاميين على الهجوم على الإسلام والمسلمين وخاصة دور أفلام السينما؟.

- بعد الرسوم المسيئة تحركنا كمسلمين، وأعددنا مقرا تحت عنوان المركز الإسلامي الدنماركي واشترك في هذه المنظمة 40 ألف مسلم ومسلمة، وأصبح للمركز نشاطات ومساهمات عديدة تتعلق بالتوعية ومساعدة المسلمين الجدد من داخل البلاد وخارجها، وللعلم فإنه بعد الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، دخلت أعداد كبيرة من المسلمين، وخاصة من فئة الشباب، والفتيات، وإن كانت النساء الدنماركيات أكثر إقبالا على الإسلام من الرجال، فهن يقبلن على الكتب والنشرات المعرِّفة للإسلام بعد ترجمتها، وجميعهن يشغلن مناصب في جميع المجالات الحكومية والخاصة المؤثرة في البلاد.

* هل صحيح أن هناك رسوما أخرى مسيئة للرسول وللإسلام بعد رسوم الكاريكاتير الشهيرة في عام 2005 لصاحبها كورت فيسترغارد؟

- نعم هناك رسومات وتزيد على 10، ولكنها ليست بدرجة الإساءة التي حدثت في الكاريكاتير الأول.

* يتردد أن رسام الكاريكاتير المسيء يعاني من أمراض مزمنة نتيجة العزلة؟ فما قولكم؟

- لا أعرف، ولكن أفراد الشرطة لا يفارقونه ويوجد في منزله حراسات عديدة، خشية قتله، وكثير من الدول الأوروبية رفضت استقباله، وكان آخرها قبل أسبوعين، حيث أخرجته النرويج من أرضها بعد تلقيها أنباء تفيد بتهديده بالقتل.

* وكيف تنظر إلى مثل هذا الأمر من مطاردات لقتلة وإهدار دمه؟

- أنا لا أوافق على ذلك، ما فعله الرسام، حسابه عند الله، وعلى المسلمين إذا رغبوا في رد الاعتبار، اللجوء إلى القضاء لمحاكمته، فالإسلام دين حكمة وعدل.

* بعد الرسومات قاطع غالبية المسلمين في الدول العربية والإسلامية المنتجات الدنماركية، وهناك تقارير اقتصادية تؤكد أن بعض الشركات المتعاقدة مع الدنمارك رفضت الاستمرار معها وفتح شراكات مع دول أوروبية أخرى.. فما هو تعليقكم؟

- المقاطعة قد تكون ضرورية في بعض الأحيان، كما أن العنف يكون ضروريا في أحيان أخرى، ولكن بصفة عامة فإن الدنمارك بلد متسامح مع الإسلام والمسلمين. وأنا أكرر ما قلته في السابق، ما حدث هو حالة فردية، وأستطيع القول إن المقاطعة كانت مؤثرة بشكل كبير، وأسهمت في خسائر فادحة بين القطاع الخاص وبالدرجة الأولى شركات الألبان، وقد عرضت على أكبر شركة ألبان دنماركية في حينها المساعدة بحكم علاقتنا بالهيئات والمنظمات الإسلامية ولكنهم رفضوا.

* تعمل حاليا كإمام المسلمين في العاصمة كوبنهاغن هل يمكن أن تحدثنا عن دخولك في الإسلام؟

- لست مسلما بالفطرة فقد أسلمت منذ 30 عاما، حيث ساعدني السفر إلى أفريقيا على اكتشاف الإسلام بعد أن اعتنقت الديانة الهندوسية، بعد المسيحية التي اكتسبتها عن طريق والدي، إلى أن وجدت ضالتي واقتنعت بتوحيد الله وأعلنت إسلامي.

* ما هي المجالات التي تقوم بها في المركز الإسلامي الذي تشرفون عليه؟

- المركز له أعمال خيرية خارج البلاد، وتحديدا في 17 بلدا لمساعدة الفقراء، كالصومال وغزة، وكان آخر الحملات الإغاثية في ليبيا في بداية الثورة، وخاصة النازحين بين الحدود للدولتين المجاورة الجزائر وتونس، حيث كان وضعهم المعيشي والنفسي صعبا، وللأسف ركز في جميع وسائل الإعلام على الحرب بين الثوار والنظام ولم يتم التركيز على الأحداث المأساوية للنازحين.



الثلاثـاء 07 ذو القعـدة 1432 هـ 4 اكتوبر 2011 العدد 11998