فضائح الرهبان .. انحرافات وصمت مخز

بعد سلسلة طويلة مشينة من فضائح رجال الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة شمالها وجنوبها والغرب الأوروبي، لم يعد الفاتيكان قادرًا على إطفاء نار غضب وثورة ضحايا تجرعوا الألم لسنوات طوال على أيدي رهبان وقساوسة منحرفين جنسيًا. وذلك على الرغم من المحاولات المستميتة لتكميم الأفواه ورفع التابوهات العتيقة التي تمنع المساس بأباطرة الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية.
وقد حاول الفاتيكان مرات ومرات من خلال جحافل المؤسسات التابعة له ومعاونيه والجهات المنتفعة والجماعات ذات المصالح والأجندات السياسية رأب ذلك الصدع الخطير الذي عمقه ظهور العديد من الأصوات الشريفة المطالبة بكشف ستر الخائنين وإعادة حق الضحايا الذين نزعوا عن أنفسهم حاجز الصمت وذهبوا يروون قصص معاناتهم مع رجال الكنيسة. والمآسي والاعتداءات التي تعرضوا لها؛ والتي كانت في كثير من الأحيان تتراوح ما بين التحرشات والمضايقات التي بلغت في كثير من الأحيان حد الاغتصاب؛ وذلك وسط حالة من التستر والتغطية والتهوين المخزي من قبل بعض القيادات الكنسية.
وكثيرًا ما رفض الفاتيكان شكاوى قدمها ضحايا تعرضوا للتحرش الجنسي من قبل كهنة وقساوسة وأساقفة وقاموا بنقل المنحرفين أو تستروا عليهم.
وقد اتخذت مؤخرًا جمعية "إس إن اي بي" الأمريكية- التي تمثل ضحايا التحرش الجنسي على أيدي الكهنة- موقفًا مغايرًا حيث رفعت دعوى ضد البابا ومسئولين آخرين في الكنيسة الكاثوليكية أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية.
واتهم رافعو الدعوى مسئولين في الفاتيكان بالتستر بشكل منهجي على جرائم جنسية واغتصاب لأطفال على مستوى العالم. كما دعموا دعوتهم القانونية بعشرة آلاف صفحة توثق لقضايا التحرش الجنسي بحق أطفال.
وإذا كانت الجريمة صارخة وبشاعتها لا يمكن أن تتقبلها الفطر السليمة، فإنها في النهاية لابد من وضعها في إطارها الصحيح؛ فمن غير المنطقي اعتبار عشرات الآلاف من الضحايا من مختلف أنحاء العالم وتعرضهم لأنماط متعددة من التحرشات الجنسية هو محض ظاهرة أو جريمة بشعة فحسب. كما أن الأعداد التي يتم الكشف عنها ربما ليست إلا قمة جبل الثلج لا سيما وأن تلك الانحرافات لم يتم الكشف عنها في كنائس وأديرة الولايات المتحدة فقط، بل في العديد من الكنائس الأوروبية بما فيها المعاهد اليسوعية بألمانيا والأسقفيات في سويسرا وايرلندا وكذلك في أمريكا الجنوبية وغيرها.
إن تلك الجرائم المزرية لم تطل الأطفال فحسب بل كان من ضحاياها كذلك العديد من الراهبات؛ فقد ذكرت صحيفة " لاريبيبليكا" الإيطالية أن الاعتداءات الجنسية والتي تورط فيها حوالي 4 آلاف كاهن وقسيس وكاردينال لم تعد تقتصر على الأطفال والقصر من النساء فقط ، بل شملت أيضًا راهبات تعرضن للاعتداء الجنسي والاغتصاب وذلك في نحو 23 دولة منها الولايات المتحدة، والبرازيل، والفلبين، والهند، وإيطاليا، وداخل الكنيسة الكاثوليكية (الفاتيكان) نفسها.
مما سبق لابد وأن يكون السؤال البديهي المطروح هو لماذا تقع مثل تلك الأفعال المشينة من جانب شخصيات يفترض فيها الإيمان وحمل التعاليم النصرانية واعتناق الرهبنة التي يقولون أنها "تدخلهم في ملكوت الله"؟!.


نشيد الإنشاد وتضليل الفطرة
إن الإجابة على هذا السؤال لا يمكن أن تبدأ من أي نقطة أخرى سوى انحراف الفطرة وضلالها والإصرار عليه، فالرهبنة في أصلها ليست إلا بدعة ابتدعها النصارى، قال في شأنها الله عز وجل: " وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" [الحديد:27]
وهي ليست إلا فصلاً بين الدين والواقع تجبر من ينخرط فيها على مخالفة فطرته التي جبله الله عليها وتقدم له خيارين لا ثالث لهما؛ إذا يكون مخيرًا بين الدخول في ملكوت الله، أو الطرد منه! ما لم يصدع للأوامر المقننة الصارمة التي يجب ينتهجها في عبادته لله.

إن أسفار نشيد الإنشاد التي يندى الجبين لكلماتها تعتبر من النصوص المقدسة في النصرانية بالرغم من احتوائها على الكثير من العبارات التي تبعد كل البعد عن أن تكون إلهية أو مقدسة ولكنها جزء من التعاليم النصرانية لا محالة. ولا يمكن بالطبع التشكيك في كل نصوص الكتاب المقدس ولكن وجود نشيد الإنشاد ليس إلا دليل على حدوث تشوهات يرفض النصارى الاعتراف بها وإن كانت تنال منهم ومن صورة المسيحية في عيون معتنقيها قبل غيرهم.
ولم لا وقد طالعتنا وسائل الإعلام العالمية منذ أيام عن تحول إحدى الكنائس الأمريكية- وتسمى كنيسة "معبد الآلهة" - إلى وكر يمارس فيه الزنا والسفور بزعم العلاج الروحاني وخدمة المجتمع من خلال أنشطة محرمة قال عنها موقع الكنيسة المشبوهة نفسه قبل إغلاقه أنها ممارسات تتمحور حول الجسد؛ وهو ما أكدته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية حيث نقلت عن المتحدث باسم شرطة ولاية أريزونا الأمريكية التي ألقت القبض على 30 شخصاً متهمين بالتورط في ممارسات الكنيسة: "إن المتهمين قد استغلوا الحرية الدينية للقيام بأعمال غير مشروعة.. وأنهم يستخدمون ألفاظاً مراوغة" للخدمات المقدمة مثل "الاتحاد المقدس" و"عبادة الآلهة"، وهي أسماء وصفتها "ديلي ميل" بأنها ليست إلا أسماء مشفرة.
إن استمرار التجاوزات في الكنائس الكاثوليكية وفي الفاتيكان نفسه والتزام بابا الكاثوليك الصمت المخزي حيالها قد لفت أنظار بعض المحللين إلى أرجحية وجود ثمة علاقة بين تصاعد حدة موجات العداء التي تتعرض لها الجاليات الإسلامية في الغرب عن طريق اتساع مد تيار اليمين المتطرف واستشراء تأثيره في غضون السنوات القليلة الماضية وبين الموقف الحرج الذي تعاني منه الكنيسة الكاثوليكية في ظل تضخم الشكاوى المقدمة ضد قساوسة منحرفين متورطين في فضائح جنسية لا حصر لها؛ الأمر الذي ربما ينبيء باحتمال وجود صفقة سرية بين الفاتيكان وجماعات اليمين المتطرف.