يقول الدكتور/ عبد الوهاب المسيري في كتاب "الصهيونية و النازية و نهاية التاريخ":

" و قد لاحظت أثناء كتابة موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية تكرار كلمة ( مسلم) في مقال عن التدرج الاجتماعي في معسكر أوشفيتس, و قال مرجع اخر ان الضحايا الذين كانوا يقادون لأفران الغاز كانوا يسمونهم تسمية (غريبة). و قد تبين بعد قراءة عدة مراجع و موسوعات الى أن الضحايا كانوا يُسمون في واقع الأمر ( ميزلمان Muselmann) أي ( مسلم ) باللغة الألمانية, و قد ورد ما يلي في مدخل مستقل في الموسوعة اليهودية ( جودايكا ), في جزء عنوانه ( مسلم ):

"ميزلمان" أي مسلم بالألمانية, هي احدى المفردات الدارجة في ( معسكرات الاعتقال ) و التي كانت تستخدم للاشارة للمساجين الذين على حافة الموت, أي الذين بدأت تظهر عليهم الأعراض النهائية للجوع و المرض و عدم الاكتراث العقلي و الوهن الجسدي.
و كان هذا المصطلج يستخدم أساسا في أوشفتس و لكنه كان يستخدم في المعسكرات الأخرى.

هذه هي المعلومة, فكأن العقل الغربي حينما كان يدمر ضحاياه كان يرى فيهم الآخر, و الآخر منذ حروب الفرنجة ( الصليبية ) هو المسلم. و من المعروف في تاريخ العصور الوسطى أن العقل الغربي كان يربط بين المسلمين و اليهود, و هناك لوحات تصور الرسول و هو يقوم بضرب المسيح بالسياط.

ان التجربة النازية هي الوريث الحقيقي لهذا الادراك الغربي, و النازيون هم حملة عبء هذه الرؤية, و هم ممثلوا الحضارة الغربية في مجابهتها مع أقرب الحضارات الشرقية, أي الحضارة الاسلامية, و هم لم ينسوا قط هذا العبء حتى و هم يبيدون بعضا من سكان أوروبا. .................................

و الاشارة لضحايا الابادة بوصفهم ( مسلمين ) يثير قضيتين; واحدة عملية, و الأخرى معرفية. فمن الناحية العملية لابد أن تتناقل وكالات الأنباء هذه المعلومة حتى يتضح الادراك الغربي لنا, و حتى نوضح لِم لَم يتوان الغرب عن حل جريمة أوشفيتس عن طريق جريمة دير ياسين و كفر قاسم, فالمهم هو ضرب من سماهم ( المسلمين ), أي ( الآخرين ). و تأكيد هذا المصطلح يقلل من احتكار اليهود لفكرة أنهم الضحية الوحيدة و يثير قضية أن ما يُنشر من معلومات هو الذي يخدم صالح فريق بعينه, و الا فلماذا اختفى هذا المصطلح و لم يُشر اليه أحد؟

أما من الناحية المعرفية, فمن الواضح أننا تحت رحمة الغرب فنحن لا نقرأ تاريخه من منظورنا و انما نقرأ تاريخه كما ورد لنا من منظوره, و هذا ليس عيبا في الغرب و انما فينا نحن, فكُتب التاريخ موجودة و كل من يود أن يحصل على المعلومات سيجدها هناك, و عليه أن يعيد تفسيرها و أن يستنطقها عن طريق اكتشاف تضميناتها الخفية, و عن طريق اكتشاف حقائق لم تظهر للوجود أو لم تُحرز المركزية التي تستحقها"

انتهى.