مقدمة مهمة لمسألة التصديق والمعرفة:
إننا إذ نبحث في كيفية ستر الكفر للإيمان [كحال الكافر المرتد، غطى الكفرُ على إيمانه في قلبه ونفاه]،
أو ستر الكفرِ للتصديق [كحال الجاحد استيقَنَ وشاقَقَ]،
أو ستر الكفر للمعرفة [كحال من عانَدَ أو أنكَرَ، عَرَفَ وأنكَرَ وأبَى] عند الكافر، وطمْسه لمعالمه في قلبه،
ينبغي لنا أن نسأل أنفسنا إن كان في قلب هذا الكافر نوعٌ من المعرفة أو التصديق، تمَّ سترهما بحجاب الكفر،
ويتبادر للذهن أكثر صورة الكافر الذي أنكر الحق ولم يصدقه، وكذب به، ولم يقتنع به،
ولكننا سنرى نوعا آخر إذ نتأمل في أحوال بعض الكافرين، ممن بين لنا القرآن الكريم خبايا نفوسهم، وأن قلوبهم صدَّقت ببعض قضايا الحق، تصديقا جازما، ولكنهم ستروا هذا التصديق وغطوه بحجب كثيفة من الجحود والعناد، فكفروا:
نقول هذا، لنتبين الترابط بين الكفر وضده في نفس المرء، وكيف ينفي الضدُّ ضدَّهُ ويمحوه:
قبل الشروع بتفصيل هذه القضايا المهمة علينا أن نتدبر في هذا النص لأهميته القصوى هنا:
لننظر إلى الصورة الكبيرة للإيمان، حيث أنه هو نقيض الكفر،
وعلى المرء أن يقوم بأمور معينة لينتقل من الكفر إلى الإيمان:
فهو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، بكافة ما جاء به الرسول إجمالاً وما ثبت بالدليل القطعي تفصيلاً، وأن يكون تقبل ذلك عن رضى وتسليم.
فإن لم يتقبل ذلك، أو لم يتقبل بعضه، عن رضى وتسليم، لا يتحقق فيه وصف: التصديق،
لاحظ أننا نتكلم عن الإيمان بكل ما جاء به الرسول، عليه سلام الله،
فمثلا: عندما جاء موسى عليه سلام الله قومَ فرعون بالآيات المبصرات، استيقنوها، أي استيقنوا هذه الأدلة، فكان لديهم التصديق الجازم بصدقه في تلك الآيات المعجزات،
لكنهم لم يصدقوا باليوم الآخر، على الصورة التي أمرهم بالإيمان بها عليها، ولم يتبعوا رسولهم، فهم استيقنوا أشياء وكذبوا بأشياء،
ومثلا، علماء بني إسرائيل عرفوا محمدا عليه السلام بكل علاماته،
لكنهم فرقوا بين أنبياء الله، فآمنوا ببعضهم وكفروا ببعضهم،
فتصديقهم لم يكن بكل ما جاء به الرسول، وهذه عادتهم فلا تستغربنها، فهم رأوا من موسى عليه السلام الآيات العظيمة ولكنهم عبدوا العجل عند أول سانحة،
فهذا يدل على أن التصديق إن توفر ببعض حقائق الاعتقاد، فإنه قد لا يتوفر في البعض الآخر،
فلا يكون لدى صاحبه: التصديق الذي هو حدٌ من حدود تعريف الإيمان، وهذا لا ينفي وجود التصديق لديه بالحقائق التي استيقنها، كالآيات المبصرات عند قوم فرعون، وهو في المحصلة كافر.
يتبع ----
المفضلات