الشبهة:

جاء في القرآن الكريم: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. [البقرة 230] وورد في تفسيرها: قالت امرأة رفاعة لرسول الله: إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإن ما معه مثل هدبة الثوب. فقال رسول الله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت: نعم. قال: لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك. وكثير ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلِّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل فإذا الشرع القرآني يُلزم هذه السيدة أن تُجامع غير زوجها قبل أن تعود إليه.



الرد عليها: معنى الآية والحديث السابق:

إن المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" أي: لا يحل لمن طلَّق زوجته ثلاثًا أن يراجعها حتى تتزوج بزوج آخر زواجًا صحيحًا، ثم تُطَلَّق منه من غير أن يقصد هذا الزوج الثاني التحليل للزوج الأول، فإن أرادت الزوجة الرجوع إلى الزوج الأول جاز لها ذلك.

وقد أخطأ السائل حين قال: " فإذا الشرع القرآني يُلزم هذه السيدة أن تُجامع غير زوجها قبل أن تعود إليه "، ليُوهِم أن المقصود: تُجَامع غير زوجها بغير زواج، بينما الآية والحديث في ذكر دخول الزوج الثاني على زوجته، وقد تزوجها بعقد زواج صحيح.

قال الله تعالى في حق المطلقة ثلاثا: { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}،

أي: حتى تنكح زوجًا غيره نكاح رغبة، نكاحًا معتادًا، يراد للدوام والاستمرار،

لا نكاحًا صوريا ليس فيه من النكاح إلا صورته،يعنى نكاحا ليس فيه من معنى النكاح الحقيقى من سكون كل منهما إلى الآخر، ومن التواد والتراحم والتحاب فليس منها في قليل ولا كثير، ويدل على ذلك أن من مقاصد الشرع أن يصون المرأة.

وقد رجح العلماء أن زواجها من الثاني يكون باطلًا إن كان باتفاق مسبق مع الزوج الأول، لكي يُحَلِّل لها الرجوع إليه، وفي الحديث الصحيح: " لعن الله المحلل والمحلل له"(1) أي: الذي يتزوج المرأة باتفاق معها أو مع زوجها الأول، ثم يطلقها لتحل للزوج الأول.

وقد رجح العلماء كذلك أن طلاق الغضبان لا يقع، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طلاق في إغلاق"(2) والإغلاق هو: الغضب الشديد، فقد أخطأ السائل في قوله: وكثيرًا ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل.

وغاب عن السائل أن احترام أحكام الدين أمر واجب وأن هذا الشخص الذي هو من سادة المجتمع كان جديرًا به أن يقدر أحكام الشريعة ولا يستهيين بأحكام الطلاق.

لماذا شرع الله الطلاق وجعله ثلاثًا؟

وقد شرع الله الطلاق إبطالاً لما كان يُفعل في الجاهلية، فقد كان للرجل أن يطلق امرأته، فإذا قاربت العدة راجعها، ثم يطلقها، ثم يراجعها، وهكذا حتى تكون كالْمُعَلَّقة، لا هي ذات زوج فتسكن إليه، ولا هي مسرحة حتى تحل للأزواج، فأبطل الله ذلك، وأبان أنه ليس للرجل أن يفعل ذلك إلا مرتين فإن طلقها الثالثة فلا تعود له إلا بعد أن تتزوج غيره،


قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان الرجل يطلق امرأته، ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا راجعها، وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: واللّه، لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبدًا. قالت: وكيف ذلك ؟

قال: أطلقك، فكلما همَّت عدتك أن تنقضي، راجعتك. وهذا تعسف من الرجل بكل تأكيد فما هو الحل فى الاسلام لهذه العاده الجاهليه البغيضه؟


فذهبت المرأة، حتى دخلت على عائشة، فأخبرتها، فسكتت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن: " الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" [البقرة: 229] (3) قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً؛ من كان طلق، ومن لم يكن طلق.

فإن طلقها الثاني حلت للأول مثله مثل غيره من الرجال إن أراد ان يرجع إليها

وهذا فيه قطع طمع الرجل فيها، إذ شرط في حلها له أن تبعد عنه فتكون ذات زوج، وربما أمسكها هذا الزوج الثانى طول حياته فلا ينالها الزوج الاول أبدًا، فيكون ذلك أدعى لأن يتروَّى في الطلاق فلا يُسْرِف فيه ولا يُبَذِّر.

وما من دين شرعه الله لعباده إلا وله تكاليف يُكلِّف الله بها عباده، وهو بغير هذا لا يُسَمَّي دينا، حتى الفلسفات الحديثة التي تريد أن تحل محل الدين فإنها تطالب أتباعها بتكاليف كثيرة.

والهدف من تشريع الإسلام للطلاق: تربية الإنسان على ضبط نفسه، وعدم التسرع، فإن هو تسرع وفعل ذلك اغتفر له مرة وثانية دون زيادة على ذلك.

سنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في التَّحْلِيلِ، حديث رقم 2078( 1)

(2) سنن ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، حديث رقم 2124

(3) الترمذي: كتاب الطلاق - باب الطلاق مرتان...، حديث رقم1230