قال تعالى في سورة آل عمران :

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران: 186]


تفسير الطبري:

قال أبو جعفر: يعني بقوله: تعالى ذكره: " لتبلون في أموالكم "، لتختبرن بالمصائب في أموالكم ،" وأنفسكم "، يعني: وبهلاك الأقرباء والعشائر من أهل
نصرتكم وملتكم
. انتهى

الذي يعنينا في هذا المقال الجزء الثاني من الآية الذي يمثل إعجازا غيبيا . (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا )

لماذا ؟

لآن السورة نزلت في المدينة قبل تمام انتشار الاسلام وبعد غزوة أحد ، وقد كان عرب الجزيرة يتربصون بالمسلمين كما كان غيرهم من الفرس والروم ينتظرون
نتائح المنازلة بين المسلمين وعرب الجزيرة المشركين . يعني الخلاصة ان الاسلام كان مازال مهددا في مهده ، وكان بالحسابات الدنيوية يعتبر ظاهرة يمكنها
ان تنتهي عاجلا أو آجلا لكثرة الاعداء داخل الجزيرة العربية وقوة الاعداء في الخارج .
ومعنى ان القرآن يقول : ( وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ) أن الاسلام ظهر ليبقى ولن يقضى عليه لآن الاعداء من المشركين ومن أهل الكتاب لن يحاولوا توجيه هذا الأذى للمسلمين إلا لو كان دينهم ظاهرا ( لا احد يؤذي اهل الديانات الميتة بأذى ) ويسبب لهم القلق من كثرة
ما يدخل من اتباعهم فيه فيضطرون لرميه بما عندهم من أذى ، ولاحظ كلمة (وَلَتَسْمَعُنَّ) ، فهي تدل على ان الأذى بالقول سيكون له نصيب كبير .

طبعا في العصر الحديث ، تتألق هذه الآية بشدة ، حيث ان الاسلام هو الدين الأكثر تعرضا للأذى القولي بالشبهات والشائعات والأكاذيب وفحش القول في وسائل الاعلام العالمية ، بل اعتقد أنه الدين الوحيد الذي لابد ان يسب يوميا و يلصق به ما ليس فيه زورا وبهتانا في الاعلام العالمي ليلا ونهارا ، هذا مع ان العالم به أكثر من اربعة آلاف دين ، ولكن التركيز هو ضد الاسلام فقط ، فلا نسمع احد في الاعلام العالمي يفند او يسب او يناقش الهندوسية او البوذية مثلا ، ولم نر رساما اوروبيا يرسم صور مسيئة لبوذا او كريشنا او كونفوشيوس ، بل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقط هو الذي يُرسم وليس غيرة .
ولم نقرأ عن كتب تناقش هذه الاديان ، ولكننا نعرف ان هناك ملايين الكتب تطعن في الاسلام و كتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم . فلماذا ؟
طبعا الموضوع واضح لكل صاحب بصيرة يفكر في الامر بإنصاف وتجرد ، فالنقد يوجه فقط للإسلام كأنه في جانب ، وفي الجانب الآخر يقف جميع الاديان
يتسامح بعضها مع بعض ، فلماذا ؟
الجواب واضح ، فهناك دائما طرفان ، الحق والباطل ، فأين يقف الاسلام ؟
طبعا مستحيل ان يمثل الجانب الآخر الحق ، لآن الحق لابد ان يكون واحدا ولا يتعدد .

ثم انظر من هم الذين سوف نسمع منهم الأذى اولا ؟ إنهم أهل الكتاب ( اليهود والنصارى) ، طبعا هذا متحقق تماما في عصرنا الحديث ، وطبعا سائر انواع
الكافرين لهم نصيب في ذلك حتى اليوم . فسوف تسمع من الهندوس والبوذيين وغيرهم نفس الأذى ولكن النصيب الأوفر لأهل الكتاب.

المعجزة الغيبية هنا هي إثبات الآية للأذى القولي خاصة وهو ما نعيشه ليل نهار كل يوم وخاصة عند سماع (وَلَتَسْمَعُنَّ) الأخبار ، ولايزال الأمر كما هو
بعد اكثر من 1400 عام ، كذلك في نوعية القائمين بالأذى .
ثم أخيرا تخبرنا الآية عن الحل : "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"

قال الطبري : وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فيهم وفي غيرهم من طاعته،" وتتقوا "، : وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم، فتعملوا في ذلك بطاعته،" فإن ذلك من عزم الأمور "، : فإن ذلك الصبر والتقوى مما عزم الله عليه وأمركم به.

فسبحان الله العظيم