انه الله عالم الغيب والشهادة

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

انه الله عالم الغيب والشهادة

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: انه الله عالم الغيب والشهادة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    08:13 AM

    افتراضي انه الله عالم الغيب والشهادة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الحمد لله الحليم الشكور ، يجير بين البحور ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، يدرك ما بين السطور ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له الرحيم الغفور ، يقي من فتنة القبور ، ويدفع دعوة الثبور ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الصبور ، والرسول الوقور ، حذر من الكفر والشرور ، ومن الركون لدار الغرور ، صلى الله وسلم وبارك عليه بالعشي والبكور ، وعلى آله وأصحابه على مر الدهور ، وجريان العصور ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحبور .

    من المسلمات في ديننا ، ومن الأصول المعتقدة في شريعتنا ، ومن الثوابت في عقيدتنا ، أن الله وحده استأثر بعلم الغيب ، قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ التغابن18 ] ، قال الطبري رحمه الله : " عالم الغيب والشهادة : يعني الذي يعلم السرّ والعلانية الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها " .
    لقد نفى الله جل جلاله أن يعلم الغيب أحد من الخلق أجمعين سواه سبحانه المتفرد بالعبودية والربوبية والألوهية ، فقال عز من قائل عليماً : { قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [ النمل65 ] .
    وقال تعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام59 ]

    مفاتيح الغيب الخمسة لا يعلمها إلا الله وحده لا شريك له ، قال الله جل شأنه : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان34 ] .

    الملائكة عباد الله الذين يطيعونه ولا يعصونه ، فقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة : " فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه آخر ما عليهم " ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم6 ] .

    بل يسبحونه بالليل والنهار ، لا يفترون ولا يسأمون ، قال تعالى : { وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }[ الأنبياء19-20 ] .

    وقد خلقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره ، فكل منهم له عمل مخصوص ، ومع ذلك فهم مفطورون على عبادة الواحد الأحد ، ويرون أنهم مقصرون في حق ربهم وخالقهم ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " . . . إِنَّ لله في سَماءِ الدُّنْيا ملائِكَةً خُشوعاً لا يَرْفَعونَ رُؤُوسَهُمْ حَتّى تَقومَ السّاعَةُ، فَإِذا قامَتِ السَّاعَةُ رَفَعوا رُؤُوسَهُمْ ثُمَّ قالوا: رَبَّنا ما عَبَدْناكَ حَقَّ عِبادَتِكَ . . . " [ أخرجه الحاكم ، وقال صحيح على شرط البخاري ] ، وعن جابر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " مَا فِي السَّماوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ ولا شِبْرٍ ولا كَفٍّ إِلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ ، ومَلَكٌ رَاكِعٌ ، أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ ، فًّإذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعاً : سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ ، إِلاَّ أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً " [ أخرجه الطبراني في الأوسط ، وفيه : عروة بن مروان ، قال الدار قطني : ليس بقوي في الحديث ، وبقية رجاله رجال الصحيح ] .

    ومع كل ما يتمتع به الملائكة الكرام من قرب من ربهم تبارك وتعالى ، وما يحظون به من مكانة عظيمة ، ورفعة كبيرة ، إلا أنهم لا يعلمون الغيب ، ولا يطلعون عليه ، فقد اختص الله به سبحانه نفسه العلية الكريمة ، قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } [ الجن26- 27 ] ، يخبر الله جل وعلا أنه لا يعلم الغيب أحد من الملائكة ولا الرسل إلا من أطلعه الله على بعض الأمور الغيبية ، فلما مات الرسول البشري انقطع علمه من الله تماماً بموته ، وكذلك انقطع خبر السماء عن أهل الأرض بوفاته ، لأن الرسل هم الواسطة بين الله وخلقه ، هم الذين يبلغون عن ربهم ، وهم الذين اختصهم الله لذلك ، وانتدبهم لهذا الأمر العظيم ، فلما ماتوا وبلغوا رسالة ربهم ، بقي الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها إلا هالك .

    الرسل الكرام _صلوات الله وسلامه عليهم _ هم أفضل البشر على الإطلاق ، وخير الناس إلى الأبد .
    وأفضلهم أولوا العزم الخمسة وهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد _ عليهم أفضل الصلوات وأعظم التسليمات _ وأفضل هؤلاء الخمسة ، هو خاتمهم وآخرهم محمد بن عبد الله _ صلى الله عليه وسلم _ ومع تلكم المكانة المرموقة لأنبياء الله عند ربهم ، ورفع منازلهم ، إلا أنهم لا يعلمون الغيب ، فقد قال أولهم نوح عليه السلام : { وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ } [ هود31 ] .

    وقال آخرهم وخاتمهم محمد بن عبد الله _ صلى الله وسلم عليه _ : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف188 ] .
    وأكرم الخلق على الله بعد رسله وأنبيائه ، متبعوهم ومحبوهم ، لاسيما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي عنهم أجمعين ، فقد تركوا الأموال والديار والأهل ، محبة لله ولدينه ، واتباعاً لنبيه _ صلى الله عليه وسلم _ قدموا جماجمهم لإعلاء كلمة التوحيد ، وشعار الإسلام عالية خفاقة ، ضحوا بكل ما يملكون في سبيل نصرة دين الله تعالى ، فوعدهم الله أجراً عظيماً ، وجنات تجري تحتها الأنهار ، قال تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [ الفتح29 ]

    وقال سبحانه : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } [ آل عمران195 ]
    وقال جل من قائل عليماً : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [ التوبة100 ] ، ومع ما وعد الله به الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان بالمغفرة ، والبشرى بالجنة ، إلا أنه نفى سبحانه أن يكون أحدهم قد اطلع على الغيب أو علمه ، قال تعالى : { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران179 ] ، وهذا نفي منه سبحانه أن يكون أحد من البشر أو الملائكة قد علم الغيب أو علم ما كان قبل وقوعه ، أو ما سيكون ، وهذا تعجيز من الله تعالى لعباده جنهم وإنسهم .
    الجن خلق من خلق الله تعالى ، منهم الكافر ومنهم المؤمن ، قال تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } [ الأحقاف 29-32 ]

    وقال تعالى على لسان الجن : { وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن 14-15 ] .
    فالقرآن الكريم يثبت وجود الجن ، ولا ينكر ذلك إلا جاحد لصحة القرآن ، ويثبت كتاب الله تعالى أيضاً أن هناك من الجن مؤمن وكافر ، مردة وفساق وأهل فساد ، ومع ذلك فهم لا يعلمون الغيب ، ولم يطلعوا عليه قط ، إلا ما يسترقونه من السمع ، عندما يقضي الله أمراً فيسمعون من الملائكة ، ومع ذلك يحرقهم الله بالشهب ، قال تعالى : { إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } [ الحجر18 ]

    عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا قضى اللَّهُ الأمرَ في السماء ، ضَرَبَتِ الملائكةُ بأجنِحَتِها خُضعاناً لقوله ، كالسِّلسلة على صفوان ، قال عليُّ وقال غيرُهُ : صفوانٍ يَنُفَذُهم ذلك ، فإذا فزِّعَ عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربُّكم ؟ قالوا للذي قال : الحقَّ وهو العليُّ الكبير، فيسمعُها مُسترقو السمع ، ومسترقو السمع ، هكذا واحدٌ فوقَ آخر ، وَوَصَفَ سفيانُ بيدِهِ وفرَّجَ بين أصابع يدهِ اليمنى ، نَصبَها بَعضَها فوق بعض ، فرُبما أدركَ الشهابُ المستمعَ قبل أن يَرمِيَ بها إلى صاحبِهِ فيُحرِقَه ، وربما لم يُدركهُ حتَى يرميَ بها إلى الذي يَليه _ إلى الذي هو أسفلَ منه _ حتى يُلقوها إلى الأرض ـ وربما قال سفيانُ : حتى تنتهي إلى الأرض ـ فتُلقى على فم الساحِر ، فَيَكذبُ معها مائةَ كَذبة ، فَيُصَدَّقُ ، فيقولون _ أي الناس _ : ألم يُخبرنا يومَ كذا وكذا ، يكون كذا وكذا فوجدناه حقاً ؟ للكلمةِ التي سُمعت من السماء " [ أخرجه البخاري ] .

    وكما قلت فهم لا يعلمون الغيب ، بل يسترقون علم السماء ، فيموتون قبل إيصاله إلى الأرض ، ومن يصل منهم سالماً لم يصله ممن هو فوقه شيء ، وإن وصله أمر يسير كذب معه مائة كذبة ، ثم ألقاها على فم الساحر ، فيكذب الساحر معها مائة كذبة أيضاً ، قال تعالى في قصة سليمان عليه السلام ، وكان قد قيضهم الله لنبيه ، يطيعونه ولا يعصونه ، يخافون عقوبته ، منة من الله على عبده ونبيه سليمان عليه السلام ، ومع اضطهادهم وإرادتهم الخلاص من سليمان عليه السلام ، فلم يعلموا أنه قد مات وهو مرتكز على عصاه ، إلا بعد أن أكلتها دابة الأرض ، ويصور الله تعالى ضعف الجن وقصورهم عن معرفة الغيب في قوله سبحانه : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } [ سبأ14 ] .

    مما سبق ذكره من اختصاص الحق تبارك وتعالى بمعرفة الغيب ، واطلاعه عليه وحده لا شريك له ، يجب أن يعلم كل مسلم أن من ادعى علم الغيب من الكهنة والمشعوذين والسحرة والمنجمين ومن يقرءون الكف والفنجان أنهم جميعاً كفار مرقوا من الدين ، وخرجوا عن طاعة رب العالمين .
    ومما تأسف له النفوس ، أن هناك جهلة وضعفاء دين من المسلمين انطالت عليهم حيل الكذابين ، فانساقوا وراء ترهات الأحلام ، وخرافات الأوهام ، حتى صدقوا المشعوذين والمبتزين ، فوقعوا ضحايا للأبراج والنجوم ، وما علموا أنهم قد تقحموا النار على بصيرة والعياذ بالله ، يتابعون الأبراج عبر الصحف والمجلات والقنوات ، فتقذفهم ذات اليمين وذات الشمال وهم في غمرة ساهون ، وعن الحساب غافلون ، وفي الغفلة غارقون ، ويوم القيامة لا محالة نادمون .

    وكم هي الرحلات والزيارات التي يقوم بها المسلمون لأولئك السحرة والمشعوذين ، دون خوف من الله تعالى ، أو تفكير في عقابه سبحانه ، أو تأمل في وعيده لهم ، عن بعضِ أَزواجِ النبـيِّ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ ، عن النبـيِّ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ قالَ : " مَنْ أَتـى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عن شيءٍ ، لـم تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ لـيلةً " [ أخرجه مسلم ] .
    وعيد شديد ، وتهديد أكيد من الله تعالى لمن عصاه وسأل كاهناً أو عرافاً بمجرد السؤال فقط ، لا من أجل أن يصدقه ، أن لا تُقبل له صلاة أربعين ليلة والعياذ بالله .
    فإن سألهم وصدقهم فهي الكارثة التي لا كارثة بعدها ، لأن في ذلك خروج من حوزة الإسلام والإيمان ، إلى دائرة الكفر والعصيان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، وأخرج البيهقي من حديث عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ : " مَنْ أَتَـى ساحراً أَوْ كَاهِناً أَو عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بـما يقولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِـمَا أُنْزِلَ علـى مـحمدٍ صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ " .

    فاحذر أيها المسلم ، وأيتها المسلمة أن تأتي عرافاً أو كاهناً أو ساحراً ، لأي غرض من أغراض الدنيا ، لا للعلاج ، ولا لكشف غمة ، ولا لأذى تلحقه بالآخرين ، ولا لإيجاد مفقود ، ولا لفك سحر ، فكل ذلك حرام أشد الحرام ، وهو شرك بالله الواحد القهار ، الذي لا يعلم الغيب سواه ، قال سبحانه : { عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ المؤمنون92 ] .

    وبالرّغم من صراحة الآياتِ في تحريم ادعاء علم الغيب ، والحذر من تصديق من ادعى ذلك ، فإنّك تأسَف لحالِ بعضِ جهَّال المسلمين وسفهائهم ، وقد وقَعوا في مثلِ هذه البلايا ، فأهلكوا أنفسهم ، وتنصلوا من دينهم ، بأنواعٍ من البدَع والضلالات ، وتعلَّقوا بالسحرة والمنجمين لمعرفة غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وتوجَّهوا إلى المشعوذين في طلبِ الحاجات ودفعِ الكربات ، حتَّى عمّت الفتنةُ كثيراً من بلاد المسلمين ، واتخذ الناس فيها رؤوساً جهالاً من الدجالين الكذابين ، ومن المعلوم أنه متى ما ظهر الجهل وأطبق ، ظهر السحرة والكهنة وأمثالهم ممن يدعون علم الغيب وشفاء المرضى والدلالة على المفقود ، لعباً بعقول المسلمين لابتزاز أموالهم ، ونهب مقدراتهم ، فيطلب الناس منهم ما لا يُطلب إلا مِن الله ، ويسوقون إليهم الهدايا والأموال ، ويقدِّمون النذورَ ، ويطلبون جلبَ النفع ، ودفعَ الشرور ، ونسوا أن النافع الضار هو الله الواحد القهار ، قال تعالى : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ يونس107 ] ، وقال سبحانه : { وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [ الأنعام17 ] .

    فما من مصيبة تصيب العبد ، ولا هم ، ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا آجره الله عليها ، فترفع له الدرجات ، وتكثر الحسنات ، ولو عقل الناس ذلك لما لجئوا لغير الله تعالى في تفريج الكربات ، وقضاء الحاجات ، ودفع الشرور والأخطار ، قال تعالى : { قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } [ الأنعام63-64 ] .
    ولو تدبر العاقل الحصيف ، واللبيب الأريب ، أن المصائب كفارات للذنوب ، ماحيات للخطايا ، ما تركوا سبيل الرشاد ، وطرقوا سبيل الغواية والضلال ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ ، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنهما ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " ما يُصيبُ المسلمَ من نَصبٍ ولا وَصَبٍ ولا همّ ولاَ حَزَن ولا أذى ولا غَمّ ـ حتى الشَّوكةِ يُشاكها ـ إلا كفَّرَ اللهُ بها من خَطاياه " [ متفق عليه والفظ للبخاري ] ، وفي لفظ لمسلم ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا ، إِلاَّ رَفَعَهُ اللّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " .

    فالمؤمن مبتلى مفتون في هذه الحياة الدنيا ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، ليتفاوت الناس في الدرجات العلى إلى الجنة ، ولهذا قال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت 2 ] ، عن سعد رضي الله عنه قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء ؟ فقال : " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، فيبتلىٰ الرجل على حسب دينه ، فإن كان رقيق الدين ابتلي على حسب ذاك ، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك ، قال : " فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي في الأرض وما عليه خطيئة " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده ، وفي ماله ، وفي ولده ، حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة " [ أخرجهما أحمد في مسنده ] .

    فياله من فضل عظيم يؤتاه العبد المسلم ، ولكن أكثرهم لا يعلمون .
    وما أعظم أجر الصبر إذا صبر العبد على البلايا ، واحتسب المصائب والمنايا ، قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر10 ] .
    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل : " إذا ابتَلَيتُ عبدي بحبيبتيهِ _ عينيه _ فصَبَر عوضتُه منهما الجنة " [ أخرجه البخاري ] .

    وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه ، أن رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " يقولُ اللّهُ تعالى : ما لعبدي المؤمِن عندي جَزاءٌ إذا قَبَضتُ صفيَّه مِن أهلِ الدنيا ثمَّ احتَسَبه إلا الجنّة " [ أخرجه البخاري ] .
    لقد فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الإرشادات القرآنية الربانية ، والتوجيهات النبوية الإيمانية فهماً لم يفهمه كثير من الناس اليوم ، لذلك صبروا لما أصابهم ، وما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا ، ولم يتجهوا لغير الله تعالى لتفريج ما بهم من ضائقات الأمور ، وفواجع الدهور ، بل تشبثوا بحبل رب العالمين ، خالق الإنس والجن وجميع المخلوقات ، فمن كان تعلقه بالله أكبر ، كان جزاؤه أعظم ، وفي نهاية المطاف جنات تجري من تحتها الأنهار ، عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَىٰ ، قَالَ : هٰذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللّهَ لِي ، قَالَ : " إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ" ، قَالَتْ : أَصْبِرُ ، قَالَتْ : فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا " [ متفق عليه ] .

    فنسأل الله تعالى أن يلهمنا الصبر والاحتساب ، وأن يعيذنا من مضلات الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم إنا نعوذ بك من السحرة والكفرة والمردة ، اللهم إنا نعوذ بك من كيد الكائدين ، وحسد الحاسدين ، وحقد الحاقدين يا ذا الجلال والإكرام ، سبحان الله وبحمده ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .


    كتبه
    يحيى بن موسى الزهراني
    إمام جامع البازعي بتبوك




    إنه الله عالم الغيب




    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    08:13 AM

    افتراضي

    موضوع ىخر عن الله عالم الغيب والشهادة


    الحمد لله رب العالمين ، أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً ، والصلاة والسلام على النبي الأمي الكريم وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .
    أما بعد :
    فإن الله قد أحاط بعلم الغيوب كلها وهو شاهد على علم الشهادة كله لهذا قال الله تعالى عن نفسه (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) وقال الله جل وعلا : (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) [سورة التوبة : 78] . (فالغيب : ما غاب عن الناس ، والشهادة : ما شهدوه وأبصروه وعاينوه ، فعلم الله سبحانه وتعالى تام ، وكامل ، ومحيط بكل شيء ، لم يسبقه جهل ، ولا يلحقه نسيان (وماكان ربك نسياً) [سورة مريم : 64 ]، (وأحاط بمالديهم وأحصى كل شيء عدداً) [سورة الجن : 28]. يقول الله سبحانه : (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً) [سورة طه : 98] ، ويقول : (قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً) [سورة الفرقان : 6]. فما من قول ولا فعل في السر ولا في الجهر ، في السماء ولا في الأرض ، في البحر المحيط الواسع ، أو في الفضاء البعيد العالي إلاَّ يعلمه سبحانه وتعالى بتفاصيله .

    أحاط علمه بالحبة في ظلمات الأرض ، وبالورقة الساقطة فيها ، وبالرطب واليابس ومثل ذلك وأعظم منه علمه بمكاييل البحار وعدد قطر الأمطار، ومافي البر من مثاقيل الجبال وعدد حبات الرمال ، كل ذلك أحاط به الله جل جلاله وتباركت أسماؤه إحاطة كاملة فـ(لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) [سورة سبأ :3] . أحصاه الله وكتبه في كتاب لايضل ربي ولاينسى . يقول تعالى : (وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولاحبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولايابس إلا في كتاب مبين) .

    وقد حضيت صفة العلم في نصوص القرآن بمكانة خاصة ؛ لأنها مرتبطة ارتباطاً شديداً بمسؤولية الإنسان، ووقوفه أمام الله جل وعلا ، وما ينبني عليها من الإحساس بمراقبة الله على أعمال الإنسان الظاهرة والباطنة ، ولذلك نجد الإشارة إليها تتخلل آيات القرآن من أوله إلى آخره ، مع التركيز على علم الله لأفعال العباد ، حسنها وسيئها ، لكي يظل إيمان الإنسان بها قائماً في أعماق النفس ، وباعثاً له على تجويد العمل ، والإحسان في القصد ، ثم يربط بين الاعتقاد بهذه الصفة وبين السلوك البشري الصحيح ، يقول سبحانه وتعالى :(واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن غفورحليم) [سورة البقرة : 235 ] ، ويسوق الحديث عن العلم الإلهي المحيط مشفوعاً بما يترتب عليه من إحصاءٍ للأعمال ، ومن محاسبة عليها ، ومن مجازات بالنعيم والجحيم (وإن تبدوا مافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) [ سورة البقرة : 284 ] (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم مافي السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير * يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد) [ سورة آل عمران : 29 و 30 ].
    وتأتي الآيات الكثيرة في كتاب الله ؛ لتذكر بأن ّالله عالم بالعباد ، وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم وشقائهم وسعادتهم ، ومن يكون منهم من أهل الجنة ، ومن يكون منهم من أهل النار قبل أن يخلقهم ويخلق السموات والأرض . فهو سبحانه وتعالى عليمُ بما كان وما هو كائن وما سيكونُ ، لم يَزَل عالِما ولا يَزال عالما بما كان وما يكون ، ولا يخفى عليه خافية في الأَرض ولا في السماء ، أَحاط عِلمُه بجميع الأَشياء باطِنِها وظاهرها ، دقِيقها وجليلها [1].

    وقد اشتملت الآيات على مراتب العلم الإلهي ، وهو أنواع :

    أولهـا : علمه بالشيء قبل كونه ، وهو سر الله في خلقه ، اختص الله به عن عباده .
    وهذه المرتبة من العلم هي علم التقدير ومفتاح ما سيصير ، ومن هم أهل الجنة ومن هم أهل السعير ؟ فكل أمور الغيب قدرها الله في الأزل ومفتاحها عنده وحده ولم يزل ، كما قال تعالى : (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم مافي الأرحام وماتدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) [لقمان:34] ، وقال سبحانه : (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلأالله وما يشعرون أيان يبعثون) . [النمل:65] .

    ثانيـها : علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته وقبل إنفاذ أمره ومشيئته .
    فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة ، والمخلوقات في اللوح قبل إنشائها كلمات ، وتنفيذ ما في اللوح من أحكام تضمنتها الكلمات مرهون بمشيئة الله في تحديد الأوقات التي تناسب أنواع الابتلاء في خلقه ، وكل ذلك عن علمه بما في اللوح من حساب وتقدير ، وكيف ومتى يتم الإبداع والتصوير ؟ كما قال تعالى : (ألم تعلم أن الله يعلم مافي السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) [الحج:70] ، وقال أيضا : (من ما أصاب من مصيبة في الأرض ولافي أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها)[الحديد:23] .

    ثالثـها : علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ووقت خلقه وتصنيعه ، كما قال : (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وماتزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) [الرعد:8] ، وقال تعالى : (يعلم مايلح في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور) [سبأ:2] .

    رابعـها : علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه .
    فالله عز وجل بعد أن ذكر مراتب العلم السابقة في قوله تعالى : (وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولاحبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولايابس إلا في كتاب مبين) [الأنعام:59] ، ذكر بعدها المرتبة الأخيرة فقال : (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ماجرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون). [الأنعام:60] ، وقال أيضا : (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ) [قّ:4] ، وقال : (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) [التوبة:78][2] .

    الآثـار الإيمانيــة :

    من الأثــار :
    أن يتيقن المؤمن دائماً أن الله عليم بما يصنعه بجوارحه ، وما يعزم عليه في قرارة نفسه ، علماً يجعله دائماً نزَّاعاً للطاعات ، مسارعاً للخيرات ، مجانباً للسيئات ، مراقباً لنفسه بنفسه ، وحذراً من نفسه على نفسه ، فيحقق المراقبة لله سبحانه وتعالى وبدوام ذلك والمجاهدة عليه يترقى المؤمن من درجة الإيمان إلى مرتبة الإحسان وهي ((أن تعبد الله كأنك تراه)) [3] وفي لفظ لمسلم ((أن تخشى الله كأنك تراه)) [4] ؛ لأن هناك علاقة قوية يبرزها القرآن بين الإيمان بعلم الله ، وبين الامتناع عن الإثم ، والفسوق ، والعصيان ، وبين المسارعة في أعمال البر والطاعة ، قال الله سبحانه : (ولاتجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لايحب من كان خوانا أثيماً * يستخفون من الله ولايستخفون من الناس وهو معهم إذ يبيتون ما لايرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً) . [النساء 107-108].

    والغفلة عن هذا المعنى تجعل الإنسان يقتحم بحر الذنوب العميق ، ويخوض غماره خوض الجسور لاخوض الجبان الحذور ، وتجعله يتوغل في كل مظلمة ، ويتهجم على كل مشأمة ، فإذا بلغ علمه اليقين الجازم أن الله يطلع على خفايا الإنسان ، ويحاسبه عليها ، ويجازيه حتى على نياته ، ويراقبه حتى على خلجاته ؛ ورث الهيبة من قربان حدودها ، فبقدر قوة إيمان الإنسان بسعة علم الله تزداد خشيته ، ويعظم ورعه ، ويحسن عمله ، وترتدع نفسه ، وبقدر ضعف إيمانه وجهله بذلك يكثر زلله ، ويتوالى انحرافه .
    والله المستعان .
    إنّ يقين المؤمنِ بأن الله يعلم أحواله ، سرها ، وعلنها ، يحمله على التهيب من الإقدام والجرأة على حدود الله واقتحام حرماته حياء منه سبحانه ، فالزوج الذي يتذكر هذه الرقابة الدائمة لايخون الله ولايخون زوجته ، والمرأة المراقبة لله لا تضيع أمانة زوجها وشرفه ، والأجير لا يسرق من مال صاحبه ؛ لأن الجميع يعلمون أن الله يعلم ما في أنفسهم فيحذروه .

    فمهما تكن عند من امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
    فلا تكتمن الله مافي نفوســـكم *** لتخفى ومهما يكتم الله يعلم
    يوخر فيوضع في كتــاب فيدخر *** ليوم الحساب أو يعجل فينقم [5]

    ** ومن الآثــار :
    الاعتقاد بأن الله عز وجل علم في الأزل جميع ما هو خالق ، وعلم جميع أحوال خلقه ، وأرزاقهم ،و آجالهم ، و أعمالهم ، و شقاوتهم و سعادتهم ، وعلم عدد أنفاسهم ولحظاتهم ، وجميع حركاتهم و سكناتهم أين تقع و متى تقع وكيف تقع ، كل ذلك بعلمه ، و بمرأى منه و مسمع ، لا تخفى عليه منهم خافية سواء في علمه الغيب والشهادة و السر والجهر والجليل والحقير لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض و لا في الدنيا و لا في الآخرة .(إن الله لايخفى عليه شيء في الأرض ولافي السماء) [آل عمران:5] (يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار) [الرعد :8-10] . فهذا الاعتقاد يورث المؤمن تعظيم الله والرضى عنه والتسليم لمقاديره حلوها ومرها .
    إن الإيمان بعلم الله يجعل الإنسان يعتدل في حياته فلا تبطره النعمة ولا تقنطه المصيبة لعلمه أن الجميع من عند الله ، وأن ذلك بعلم الله ومشيئته .

    ومن الآثـار :
    أنّ جماع الخير أن ينزل الإنسان عن محبوباته لوجه الله عز وجل ، وبذلك تسخو نفسه ، وتتحرر من رق الشهوات وعبوديتها ، ولا يقدر الإنسان على ذلك إلا إذا عرف أن الله سبحانه يعلم ما ينفقه الإنسان ويشكره عليه ويجازيه أحسن الجزاء وعلى هذا الدرب سار الكثير يلبون نداء الله ليرتقوا مرتقى البر العالي الكريم ؛ ولذا لمانزل قوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }. جاء أبو طلحة الأنصاري وكان أكثر أنصاري بالمدينة مالاً, وكان أحب أمواله إليه بيرحاء, وكانت مستقبلة المسجد, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب, قال أنس: فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قال أبو طلحة: يا رسول الله, إن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}, وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء, وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله تعالى, فضعها يا رسول الله حيث أراك الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم, «بخ بخ ذاك مال رابح, ذاك مال رابح, وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين», فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله, فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [6].وقال ابن عمر رضي الله عنه (أصاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمر به قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر ... ) [7] . وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : حضرتني هذه الاَية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا ممما تحبون} فذكرت ما أعطاني الله, فلم أجد شيئاً أحب إليّ من جارية لي رومية , فقلت: هي حرة لوجه الله, فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها , يعني تزوجتها [8].إنه الافتداء والإنفاق ليوم لا ينفع فيه الإنفاق ولا الافتداء ؛ فافتد نفسك وانفق عليها واعلم أنك لن تنال البر حتى تنفق مما تحب وأن ماتعمل من شيئ فإن الله به عليم [9].

    ومن الآثـار :
    أن يرضى الإنسان بالمقدور ويستسلم لمشيئة الله العليم الحكيم ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ،وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لاتعلمون ) (البقرة: 213) ، فلاتتشكى من مقادير الله واصبر وتصبر على ما أصابك ، فإن جاءتك نعمة فاشكرها ، وإن فاتك مأرب أو استعصى عليك مطلب ، فلاتتـألم . خذ لنفسك حظها من الإيمان والعلم والأدب ، ثم لا تحفل بما فاتك بعد ذلك فما فاتك شيء فقد حصلت كل شئ !.

    استخر ربك يختر لك الأفضل ، ولا تتحسر على فوات صفقة ، ولاتحزن على ذهاب زوجة فالله يعلم أن هذه التجارة لن تغنيك ، ويعلم أن هذه الزوجة لن تسعدك ، واسأل الله الخيرة وحسن العاقبة والرضى في الأمر كله .

    عن جابر رضي الله عنه قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ويسمي حاجته ). [10]

    ومن الآثــار:
    تربية الأبناء على معاني مراقبة الله واطلاعه وسعة علمه فلايزال الأب والأم يعللان أنفسهما و يذكران أولادهما بأن الله يعلم ويرى : ( ألم يعلم بأن الله يرى ) (العلق:14) ( يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير )(لقمان:16) ،وهذه هي أعظم وظيفة للأم وأجل رسالة تبلغها .فالأم مربية الأجيال الأولى ومهد البطولة والفضيلة تربي في قلوب أبناءها تعظيم الإله ، والصبر والثبات والتضحية في سبيل الإسلام ،والدفاع عن حياظه.

    الأم مدرسة إذا أعددتهـا *** أعددت شعباً طيب الأعراق .
    الأم روض لو تعاهده الحيا *** بالري أورق أيمَّــا إيـراق .

    ومن الآثــار :

    أن المؤمن حذر من التطلع لما خص به الله نفسه من علم الغيب في وقت ترامى الناس على أبواب المنجمين والعرافين وابتدروا قنواتهم ( يرقبون من هؤلاء مايرقب الروض من غادية السحب ، وهاموا بهم هيام الإبل العطاش على موارد الماء يطلبون ماوراء السريرة – والسريرة كنز مرصود لاتنجع معه النافثات ولاتجدي معه الزاجرات - فالمستقبل لله والغيب من اختصاص الله ) .

    لعمرك ما تدري الضوراب بالحصى *** ولا زجرات الطير ما الله فاعل .
    سلوهن إن كذبتموني متى الفتى *** يذوق المنايا أو متى الغيث واقع [11].

    فلا يحملنك أيها المسلم شوقك لمعرفة مستقبلك ، وحظك المنشود ، أو رفع حاضرك المنكود أن تتسور على الغيب عن طريق هؤلاء فقد قال صلى الله عليه وسلم :(من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ( من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ) [12] قال صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً ، أو كاهناً ، فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم )[13].

    ومن الآثـار :
    فضيلة العلم والتعلم ؛ لأن الله عليم يحب والعلماء ، وفي آيا ت الوحي الأولى أمر بالقراءة والتعلم (إقرأ باسم ربك الذي خلق ) بل أمرين ( أقرأ وربك الأكرم ) . وما أوتى الإنسان نعمة بعد الإيمان أعظم من تعمة العلم ،وهي التي شرف الله بها آدم عليه السلام فأمر الملائكة بالسجود له إظهارا لمزية العلم مع أنهم أكثر منه عبادة .

    ومن الآثـار :
    أنه إذا عرف الإنسان منزلة العلم ، ورفعة أهله ، وسمت همته لتحصيله؛ فعليه أن يرغب إلى الله سبحانه معلم الأنبياء أن يفتح عليه مغاليقه ، وييسر له أسبابه ؛ فإن الله سبحانه وتعالى واهب العلم والمعرفة . قال يوسف عليه السلام ( رب قد آتيتني من العلم وعلمتني من تأويل الأحاديث ) وقال سبحانه عن الخضر : ( وعلمناه من لدنا علماً) .وقال عز وجل : ( ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلما ً) وقال لسيد الأولين والآخرين ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ) .

    فإذا استغلق على الإنسان الفهم ، واشتد عليه الحفظ ؛ فليجأ إلى الله ، وقد كان ابن تيمية يخرج إلى المساجد البعيدة ويمرغ وجهه ويقول يامعلم ابراهيم علمني ويامفهم سليمان فهمني .

    ومن الآثـار :
    أن على من أوتي نصيباً من العلم أن لا يغتر ولايطغى بسبب علمه – فإن للعلم طغيان كطغيان المال إذا لم يهذب بالتقوى والخشية - عليه أن يعلم أن العلم بحر لاساحل له ولاشطآن له ودعاوى العلم قصور كبير( ومن أراد النصيب الأوفى من العلم فليشفع علمه بدوام تقوى وخشيته والعمل بأمره واستشعار علمه ومعيته حتى يخشى الله فـ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (فاطر:28) فإن من لا يخشى الله لايعد عالماً ، وأعظم طريق لتحقيق التقوى وتحصيل الخشية كثرة ذكر الله وطهارة القلب من المهلكات وطهارة الجوف من المحرمات فإن مقام العلم لايصلح إلا لمن تطهر باطنه وظاهره وصلح قوله وعلمه [14] .

    فحري بك أيها المؤمن عالماً أو متعلماً أن لاتشوه وجه إيمانك بالكبرياء فما على وجه الأرض أسمج وجها من المتكبرين والله سبحانه وتعالى يقول : ( ولاتصعر خدك للناس ولاتمش في الأرض مرحاً إن الله لايحب كل مختال فخور ) (لقمان:18) .

    ومن الآثــار :
    الحذر و الخوف من أن توافي الإنسان منيته على غير ما يحب ، وذلك ؛ لأن العاقبة في علم الله عز وجل ولايدري أحد ما الله فاعل ، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء و( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الزمن الطويل ثم يسبق عليه الكتاب فيكون من أهل النار )[15] وفي الحديث :( فوالله الذي لا إله غير إن أحدكم ليعمل بعلم أهل الجنة حتى مايكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها )[16] ، و( الأعمال بالخواتيم )[17]

    اللهم اختم بالسعادة أعمارنا وأعمالنا .

    والحمد لله رب العالمين .

    * / كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا


    --------------------------------------------------------------------------------
    [1]- ينظر : المعنى اللغوي في لسان العرب 12/421 ، والنهاية في غريب الحديث 3/292 ، ومفردات ألفاظ القرآن ص580 ، واشتقاق أسماء الله للزجاج ص50 ، الأسماء الثابتة في الكتاب والسنة للرضواني اسم (العليم) .ص59-60 بتصرف واختصار .
    [2]- ينظر: مدارج السالكين ، للإمام ابن القيم 1/107 ؛ المقصد الأسنى ، للغزالي ص 126 ؛ وشرح أسماء الله الحسنى للرازي 240 ؛ والأسماء والصفات للبيهقي ص91 ؛ أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة إعداد د .د / محمود عبد الرحمن الرضواني ص 59 -60 بتصرف واختصار .
    [3]- رواه البخاري رقم (50) ، ومسلم رقم (9) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    [4]- رواه مسلم رقم (10) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
    [5]- شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص25.
    [6] أخرجه البخاري ( 1461) ، ومسلم ( 2805). من حديث أنس رضي الله عنهما .
    [7] أخرجه البخاري ( 2586) ، ومسلم ( 1632). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
    [8] رواه البزار ، وحسنه الحافظ ابن حجر ، ينظر : مختصر زوائد البزار (2/72) .
    [9] ينظر : تفسير القرآن العظيم ، للحافظ ابن كثير (1/523) ؛ في ظلال القرآن ، لسيد قطب ( 1/424).
    [10] رواه البخاري رقم (6019) .
    [11] ديوان لبيد بن ربيعة ص 90.
    [12] أخرجه مسلم (2230) . عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
    [13] رواه أبو داود ( 15) . وهو حديث صحيح .
    [14] ينظر : موسوعة ولله الأسماء الحسنى ، للنابلسي ص 126 .
    [15] أخر جه مسلم ( 2651) . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
    [16] أخرجه البخاري ( 6221) ، ومسلم ( 2643) . من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
    [17] أخرجه البخاري ( 6233) . من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه .


    ماجد بن أحمد الصغير
    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

انه الله عالم الغيب والشهادة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رحيل عالم - العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الغديان - رحمه الله - عربي
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-07-2010, 10:10 PM
  2. عالم الحيوان والطيور.....متجدد بإذن الله
    بواسطة مريم في المنتدى قسم الأطفال
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-06-2010, 02:00 AM
  3. بيان أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 29-10-2009, 07:20 AM
  4. الأمر بتقوى الله، وبيان مفاتيح الغيب
    بواسطة انس ابن مالك في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-07-2009, 06:31 PM
  5. اثبات عالم الغيب علميا
    بواسطة علاء شهاب الدين في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-07-2009, 03:49 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

انه الله عالم الغيب والشهادة

انه الله عالم الغيب والشهادة