المسلمون في الولايات المتحدة يبحثون عن هويتهم المفقودة

بعد مرور 10 سنوات على هجمات 11 سبتمبر



لا تزال الجاليات المسلمة تحوم حولها الشكوك على الرغم من دمجها بين ثقافتها الأم والثقافة الأميركية الحديثة (واشنطن بوست)

واشنطن: مارك فيشر*

فور هجرته إلى ولاية تكساس الأميركية، طلب الفلسطيني فواز إسماعيل من الجميع مناداته باسم «توني»، وكان لهذا الاسم مفعول السحر في إبعاد القلق عن نفوس كل من كان معه في مدرسة دالاس الثانوية، وترك كرة القدم التي كان يلعبها وتحول إلى لعبة كرة القدم الأميركية، وتعلم قليلا من اللهجة التي تتميز بها ولاية تكساس.
وظل إسماعيل يحمل اسم توني عندما انتقل إلى شمال فرجينيا لكي يتوسع في الأعمال التجارية لعائلته، التي تحقق مبيعات كبيرة. وشعر توني أنه أميركي، حيث يزخر متجره في منطقة فولز تشيرش، الذي يحمل اسم «ألامو فلاج»، بلافتات وأعلام وملصقات تحمل ألوان العلم الأميركي بنجومه وخطوطه الشهيرة.

ثم جاءت الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وهو اليوم الذي أصبح فيه «توني» أجنبيا مرة أخرى. وفي ظهيرة هذا اليوم، بدأ الناس يتدفقون على متجر «ألامو فلاج» وكان الكثير منهم يرتدون نظارات سوداء كي تخفي الدموع التي تتلألأ في عيونهم، وباع إسماعيل الآلاف من الأعلام الأميركية في تلك الأيام التي كانت تختلط فيها مشاعر الخوف والوحدة الوطنية، ووزع توني، أو إسماعيل، آلافا أخرى من دون مقابل.

ولكن بعد فترة وجيزة من سقوط برجي التجارة العالمي واحتراق وزارة الدفاع، شعر إسماعيل أن وطنه الجديد قد بدأ يلفظه، وقرر أن يقاوم ذلك فتخلى عن اسم «توني» إلى الأبد واستعاد اسمه «إسماعيل» الذي أصبح الآن، بعد مرور عقد من الزمن، رسالة يومية لرفقائه الأميركيين وكان مفادها أنه: ينبغي عليهم التعامل معه كما هو.. مسلم يحب بلاده ويبيع أعلامها بكل فخر واعتزاز.

وقال: «يستخدم الكثير من الناس أسماء مستعارة حتى يتمكن الأميركيون من نطقها بسهولة، ولكني لا أضع هذا في الاعتبار الآن. عليهم أن يتمكنوا من نطق اسمي كما هو، وأعتقد أنه ليس بالأمر الصعب».

كان هناك نوع من الاعتزاز وراء اتخاذ هذا القرار، ولكن كان هناك أيضا نوع من الغضب الحقيقي الذي لا يزال يتزايد تجاه الأميركيين الذين ينظرون إلى أي شيء إسلامي على أنه إرهابي؛ وتجاه الجيل الأكبر سنا من المسلمين الأميركيين الذين تم تصويرهم على أنهم متعصبون؛ وتجاه أولئك الذين يقبلونه إذا كان اسمه «توني» وينقلبون عليه عندما يصبح «إسماعيل».

وقال: «إنه لشيء صعب أن يتم تصوير عقيدتك طوال الوقت على أنها شيء مخيف وشرير، كما يصعب تحمل سحابة الشك التي يشعر المسلمون الأميركيون أنها تنمو يوما بعد يوم بدلا من أن تتبدد على مدى العقد الماضي».

ومثله مثل معظم المسلمين الأميركيين، نجد أن إسماعيل (50 عاما) غير متعمق بشكل كبير في الدين، غير أنه يحب الاستماع إلى تلاوة القرآن أثناء الليل كي يشعر بالراحة. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، ناضل إسماعيل مع الواقع المتمثل في نظرة بعض الأميركيين له وسؤالهم: «هل هو حقا واحد منا؟».

«إنني أدفع الضرائب وأحب هذا البلد. وإذا كنتم تتحدثون عن الوطنية فأنا رمز للوطنية»، كانت هذه هي كلمات إسماعيل الذي أصبح مواطنا أميركيا منذ أن كان في مرحلة المراهقة، وأضاف: «إنني أبيع أفضل الأعلام المصنوعة في الولايات المتحدة، وليست المصنوعة في الصين، مثلما يفعل الكثير من المتاجر الأخرى. إنني رجل معتدل وأحب فرقة (فليتوود ماك الموسيقية)».

وعندما يرخي الليل سدوله، يحتسي إسماعيل كوبا من شاي البابونغ ممزوجا ببذور اليانسون في محاولة شاقة لكي يخلد إلى النوم، تماما كما هو الحال مع الكثير من أصدقائه المسلمين.

ويقول إسماعيل: «أراهم وهم يستخدمون حبوب النوم ومضادات الاكتئاب، وأنا أعرف مدى صعوبة ذلك. إنني أدخن لأنني أشعر بالضغط، وأحيانا أتمنى لو أنني ولدت سويديا».

وبينما كان إسماعيل يتحدث، قال نجله طلال (20 عاما) إنه ذاهب إلى المسجد–في الطابق السفلي لإحدى سلاسل «بيست ويسترن» الفندقية في شارع 7–لأداء صلاة الجمعة. ويعمل طلال، الذي يرتدي «تي شيرت» وجينز وأقراطا في أذنيه، عازفا في فرقة لموسيقى «الميتال»–موسيقي «الميتال المتقدم»–ويعمل في محل لبيع الأعلام.

ويمثل طلال الصورة التي يراها والده لمستقبل الإسلام في هذا البلد: شاب أميركي يشوي البرغر مع والده، ثم يتوقف لأداء الصلاة وهو في طريقه إلى العمل. ويقول فواز إسماعيل: «هذا هو الشكل المناسب».

لقد رحل أسامة بن لادن، ولكن ما زال إرثه يؤثر على حياة 2.4 مليون أميركي مسلم كل يوم. ونتيجة لعقد من نظرات الشك والإهانات في المطارات والحوادث المثيرة للقلق من الإرهاب الداخلي، ابتعد بعض من هؤلاء المسلمين عن دينهم، في حين تعمق البعض الآخر في إيمانهم، ولجأ عدد قليل إلى التطرف الشديد الذي أثار الريبة التي يواجهونها.

وخلال الـ18 شهرا الماضية وحدها، شعر المسلمون الأميركيون بأنهم مضطرون لشرح وتوضيح–لأنفسهم ولجيرانهم غير المسلمين–أسباب المذبحة التي وقعت في قاعدة فورت هود بولاية تكساس، ومحاولة تفجير «تايمز سكوير»، ورد الفعل العنيف ضد مركز إسلامي مقترح إنشاؤه بالقرب من «جروند زيرو» والعمليات السرية التي أدت إلى إلقاء القبض على إرهابيين مسلمين مزعومين بدءا بمدينة بورتلاند في ولاية أوريغون وصولا إلى آشبورن.

وكلما ازداد شعور المسلمين بالعزلة، زاد تركيزهم على الانقسامات الشديدة في صفوفهم: بين الصغار والكبار، بين السكان الأصليين والوافدين الجديد، بين العلمانيين والمتدينين، بين المتشددين والمعتدلين. والجدير بالذكر أن ثلثي المسلمين في هذا البلد هم من المهاجرين القادمين من عشرات البلدان، وفقا لمسح أجراه مركز «بيو» للأبحاث.

وفي واشنطن، يذهب المسلمون الرواد في مجالات التكنولوجيا والطب والسياسة إلى المساجد للصلاة، وتجدهم يصلون جنبا إلى جنب مع الأشخاص الذين اتهموا في وقت لاحق بالتآمر لتفجير محطات المترو أو السفر إلى باكستان للتدريب على الجهاد ضد الولايات المتحدة.

ويتم إدارة الكثير من المنظمات الإسلامية الكبيرة في البلاد–الدينية والمدنية والتعليمية–من قبل المهاجرين أو يتم تمويلها عن طريق جماعات تتمتع بعلاقات قوية مع دول ذات ثقافات مختلفة للغاية.

ويقول ثاقب علي (36 عاما)، وهو مهندس برمجيات ومشرع سابق في ولاية ماريلاند ويعيش في غايثرسبيرغ: «في جيل آبائي، كان هناك أكثر من معنى للارتباط بدولة أجنبية، ومع ذلك، كان هناك الكثير من المعتقدات الدينية، أما الناس من جيلي فهم أكثر ثقة وأكثر تصميما على التمتع بحقوقنا. لن نعبر عن شكرنا لمجرد السماح لنا بالعيش في هذا البلد».

ولا تزال الجمعيات الخيرية التي تروج للإسلام المحافظ والمتشدد تمثل جهات مانحة هامة لكثير من المدارس الإسلامية والمساجد، ولا تزال معظم المساجد في الولايات المتحدة تدار من قبل أئمة تدربوا في الخارج، وغالبا في المعتقدات الأصولية، وهو ما يعقد من الجهود التي سيبذلها الجيل القادم لصياغة الإسلام في الولايات المتحدة.

وفي منطقة سترلنغ منذ وقت ليس ببعيد، نظرت امرأة إلى الابنة الكبرى لصدف إقبال التي تبلغ من العمر 4 سنوات، وقالت: «لديها شعر مجعد جميل، إنه لشيء من العار أن تضطر لتغطيته».

ولم ترد إقبال، التي تبلغ من العمر 30 عاما وتغطي شعرها في الأماكن العامة منذ أن كانت في الحادية عشرة من عمرها، سوى بصمت مذهل. وبعد عدة أيام، قالت: «ما زلت لا أعرف ما الذي كان ينبغي علي قوله. بالنسبة لي، فإن تغطية شعري ليست شيئا من العار على الإطلاق. والمرأة التي قالت ذلك كانت مجرد امرأة جاهلة».

ومن جانبه، لم يبق إبراهيم معز، زوج إقبال الذي يبلغ من العمر 31 عاما ويعمل محاميا في مدينة فيرفاكس ويتولى القضايا العائلية والأعمال الصغيرة التي غالبا ما تأتي من المجتمع المسلم المتنامي بشكل كبير في ولاية فرجينيا الشمالية، صامتا.

وقال معز إن الغضب «قد سيطر عليه». ومع ذلك، فقد اكتسى حافز معز في الدفاع عن زوجته بالنظرة العملية الأميركية.

وقال معز: «لقد ازدهر الإسلام على مدار 1400 عاما لأنه يناسب كل المجتمعات ويتكيف معها، ولذلك فإن هؤلاء الذين يطالبون النساء بارتداء الحجاب، أو الرجال الذين يقولون إنه ينبغي ترك اللحية، يجعلون الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لأطفالهم، إذا ما تبنوا مثل هذا النهج المتشدد».

ويقول معز إن مسؤولية شك الأميركيين في المسلمين تقع في معظمها على عاتق زملائه المسلمين، لا سيما أولئك الذين يرفضون التكيف مع ثقافة أوطانهم الجديدة.

ومن الجدير بالذكر أن معز، الذي ولد في الولايات المتحدة لأب مهاجر من الهند، هو مسلم متدين قضى سنوات في دراسة القرآن الكريم في سوريا قبل أن يبدأ في مهنة المحاماة في واشنطن. وما إن تسأل معز عن الإسلام، حتى يتطرق في معظم إجاباته إلى الدستور الأميركي والآباء المؤسسين.

ويقول معز: «يتعين علينا اكتشاف ما هو صحيح بالنسبة للإسلام في هذا البلد. إنه مثل القانون؛ فهناك أشخاص، مثل أنتونين سكولياس الذي يقوم بتفسير الدستور بدقة وهناك آخرون مثل كاجان، يسألون عن كيفية تفسير هذه النصوص اليوم. إننا نعرف أنه يجب علينا الاقتضاء بالنبي، ولكن هل يعني هذا أنه يجب علينا أن نترك لحانا طويلة؟ هل يجب علينا أن نشبهه أم أن الشيء المهم هو أن نفهمه؟».

ومن الجدير بالذكر أن معز عمل كاتبا في مقاطعة برينس جورج لأول قاض مسلم في ماريلاند، ثم عمل بعد ذلك لفترة في دعاوى التمييز التي رفعها المسلمون الأميركيون. وترك هذا العمل اعتقادا منه بأن الكثير من زملائه المسلمين–مثل العامل الذين اشتكى من أن صاحب العمل لم يعطه يوم الجمعة إجازة حتى يتمكن من أداء صلاة الجمعة، في حين أنه في الواقع يحتاج إلى ساعة واحدة لأداء الصلاة–سوف يشرعون بسرعة كبيرة في رفع مثل هذه القضايا لإحساسهم بأنهم هم الضحية.

الإسلام الذي اختاره معز هو إسلام تقليدي في بعض النواحي، لكنه أميركي بوضوح في نواح أخرى. فيقول معز، الذي يرتدي قميص تنس: «أنا لا أرتدي الجلباب التقليدي، لكنني على يقين من أن طريقة لبسي إسلامية».

قدرة معز على تكييف إيمانه مع محيطه الذي يعيش فيه حوله إلى موضع إقبال في مسجده، مركز دالاس للجمعية الإسلامية في سترلينغ الذي يضم 5000 فرد، حيث يطلب الآباء من المهاجرين في المركز من معز تعليم أبنائهم المراهقين، الذين يخيفون آباءهم في بعض الأحيان بالتزامهم غرفهم والدخول إلى الإنترنت، حيث يوجه منظرو الجهاد فيديوهاتهم إلى الشباب الأميركي.

اثنان من بين هؤلاء الشباب كانا موجودين في غرفة المعيشة في منزل معز في سترلينغ حيث يجتمع الأبناء الصغار تأهبا للنوم قبل صلاة العشاء.

تميل إقبال لكي تحمل ابنتها الصغيرة تسنيم التي تبلغ من العمر 8 أشهر، التي تحبو على السجادة، بينما يمسك معز بعصا لعبة الفيديو من طارق زغادي (14 عاما)، الذي يوشك على خسارة مباراة كرة القدم أمام صديقه سلمان مهاتير (17 عاما).

ويقول معز: «حسنا.. دعني أساعدك في العودة إلى المباراة»، لكن سلمان يتمكن من هزيمة معلمه بعد دقائق.

ويحاول طارق الذي التحق بمدرسة بريار وودز الثانوية في آشبورن بعد سنوات من التعليم المنزلي، العثور على مكان وسيط له بين تدين والديه–والده من الهند ووالدته أميركية المولد–وحياته العلمانية كطالب.

لم يثر الدين عائقا له في المدرسة، لكنه يشعر في بعض الأوقات وكأن عليه أن يجر عائلته إلى اتباع الأساليب الأميركية كما كان الحال عندما كان والداه يرغبان في تسمية أخته الصغيرة أسماء مرغبة مثل «ليون كنغ» أو «زينا» أو أي شيء أشبه بذلك، لكن العائلة استقرت على اسم «نورين» بفضل ضغوط أبنائهم المولودين في أميركا.

يمرح الأطفال مع معز حول أسلوب لاعب كرة القدم الأميركية إيلي ماننغ في التمرير، ويحاولون المرح معه من خلال فيديوهات كرة القدم عندما كان يشارك في فريق المدرسة. كان الأولاد منهمكين في لعب كرة القدم، وقال لهم: «سنصلي بعد أن ننهي هذا الشوط من المباراة، اتفقنا؟».

ويقول معز إن والدا طارق «أرادا مني أن أقترب منه، وأن أتعرف على ما يدور في ذهنه، لأنه عندما يعود إلى المنزل من المدرسة يذهب إلى غرفته»، وماذا يفعل فيها وماذا يفعل عقله اليافع تجاه الصدام الثقافي لوالديه والانطباعات الثقافية عن الإسلام التي يمكن أن تكون مثيرة للفزع بالنسبة للوالدين اللذين نشآ في بيئة سلطوية لا تسمح بالجدال.

ويؤكد طارق أن والديه ليسا في حاجة إلى القلق، فهو يميل إلى لعبة الهوكي ولا يهتم بالسياسة، لكن معز يعلم يقينا أن هناك الكثير من الشباب المسلم الذين يواجهون صعوبات بسبب دينهم، فقد يؤدون الصلوات في المنزل، لكنهم يسقطونها في المدرسة، ويسمعون عن الجهاد وكل هذه القوانين الصارمة التي لم تكن تطبق في أغلب التاريخ الإسلامي.

ويقول معز: «إن الإسلام قادر على التأقلم مع القيم الأميركية، في حالة كون الأبناء ولدوا على الأراضي الأميركية–الأفراد مثله الذين يعرفون كرة القدم وألعاب الفيديو إلى جانب حفظهم للقرآن–يسلم إليهم مشعل القيادة».

في الوقت ذاته يحاول أن يظهر للآباء المهاجرين ميزة الاستفادة من ثقافة التساؤل الأميركية.

ويقول: «ما ساعدني على البقاء بعيدا عن التطرف–سواء أكان من جانب متطرفين أو جماعات متطرفة–كان التساؤل والتشكيك في ما كانت أتلقاه. هذه هي الطريقة الأميركية التي تتلاءم بشكل أكبر مع الإسلام، لكن ليس الإسلام المنغلق والمتشدد الذي يحمله الكثير من الأئمة من ثقافات أخرى إلى هنا».

ومع غروب الشمس ينتقل معز والأولاد وأبناؤه إلى غرفة المعيشة للصلاة. وعندما تنتهي الصلاة يتفقد معز وإقبال هواتفهما الذكية ويعود الأولاد مرة أخرى إلى ممارس كرة القدم.

وتسأل إقبال الأولاد: «أتريدون كعكا وحليبا؟».

من بين الشخصيات الأخرى التي تحاول غرس ثقافة الجمع بين الإسلام والمدنية، زهراء فاضل، التي قامت بلف حجاب على شعرها وأخذ نفس عميق ثم تقدمت إلى خشبة المسرح للتحول لتقديم شخصية «زد هيدسكارف»، عازفة الروك المسلمة.

وأمام جمهور من 150 شخصا، هو خليط من المسلمين وغير المسلمين في مسرح راوند هاوس في سيلفر سبرنغ، طرحت زهراء، الحادة وذات الشخصية المرحة في الوقت ذاته، عددا من الأسئلة التي ما كان أقرانها من الشباب يجرؤون على طرحها على آبائهم.

لماذا ينبغي عليها هي ووالدها البقاء في غرف مستقلة أثناء الاحتفال في المسجد؟ إذا كان على المرأة أن تغطي وجهها أمام الرجال ممن هم ليسوا من عائلتها، فماذا عن السحاقيات؟ هل عليها أن ترتدي الحجاب أمام جميع النساء؟

وتقول: «ماذا ينبغي علي أن أكون.. سفيرة الإسلام؟ لماذا ينبغي علي أن أمثل باكستان في الوقت الذي لم أزر فيه باكستان إلا مرتين؟ (زد) ابنة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المسلمة التي تحاول إزاحة الستار عما خفي».

وتقول زهراء، التي تبلغ من العمر 26 عاما، وتحاول شق طريقها في التمثيل والكتابة في واشنطن، على الرغم من عملها في التصميم في مدينة كريستال سيتي: «(زد) أكثر شجاعة مني، فهي قادرة على طرح أسئلة لا أستطيع أن أسألها».

وعلى الرغم من عنوان العرض، فإن «زد» أقل غضبا منها محبطة ومرتبكة. فهم يعيشون على حافة التهميش وممزقين بين عوالم مختلفة لا ينتمون إليها.

وخلال أدائها دور «زد» تتحدى زهراء المسلمين الأميركيين بمواجهة التناقضات التي تشوب هويتهم المستقلة. وفي بعض الأحيان يتجنب الشباب من الجمهور الالتفات إلى آبائهم، وبخاصة عندما تؤدي «زد» أغنية بشأن الوقوع في الحب، على الرغم من الضوابط الدينية التي تمنع الجنس قبل الزواج. وتقول «زد» لحبيبها صراحة: «الشيء الوحيد الذي سأقوم به 5 مرات يوميا».

لكن «زد» وعرضها تغلبا على الآباء. في ما بعد تبدأ الأجيال المختلفة بالضحك معا و«زد» تغني على نغمة الأغنية الأميركية «جواد بلا اسم»، «مررت بالمطار كمعتقل مسلم.. وفي المطار لا يمكنك استخدام اسمك الحقيقي.. لأن قائمة الأفراد الممنوعين من السفر جوا تمنع سفر أي شخص باسم حسين».

لم يحضرا والدا زهراء، كانا طبيبين باكستانيين، أيا من عروضها، فقد توفيا قبل أن تنهي ابنتهما من كتابة هذه المسرحية، لكنها تعتقد أنهم سيدركون مدى المعاناة والمرح والغضب في تصويرها لحياة المسلم في الولايات المتحدة.

ولدت زهراء في مدينة ليبرتي فيل في ولاية إلينوي، ونشأت في المدينة التي اعتبرت ليبرالية وفق المعايير الإسلامية ومحافظة في أعين أقرانها المسيحيين. ولم تكن عائلتها تكثر من الذهاب إلى المسجد، لكن بعض القواعد الأبوية جعلت زهراء وشقيقاتها مختلفات.

فقد قال لها أبوها في السابق: «اجعلي من كتبك صديقك. ولا تأسفي على عدم حضور حفل تخرج».

وفي كلية ويلسلي في ماساتشوستس، سارعت زهراء في الابتعاد عن مجموعات الطلبة المسلمين، وكانت غالبية صديقاتها من الطلبة البيض.

لكن في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تبدِ ارتياحا بقرار والدها بالظهور على شاشة التلفزيون المحلي للشرح بأن الإسلام دين سلام. ونشأت ساخطة على المدى الذي ينبغي أن تقوم به لإثبات وطنيتها للغرباء وغاضبة من وضع اسم والدها على قوائم الممنوعين من السفر بصورة مؤقتة؛ لأنه كان يشبه اسم أحد الإرهابيين.

وبعد الانتقال إلى نيويورك وجدت زهراء نفسها وهي ترسم أثناء انتظارها لدورها على خشبة المسرح في مسرحية عن مأمن موطنها الأصلي في مسرح «تشيرش ستريت».

رسمت صورة مغنية روك ترتدي الحجاب، وبمرور الوقت تحول الرسم إلى شخصية حقيقية، مغنية للأغاني الشعبية التي نجحت أغانيها في إلهاب حماسة الجميع.

والآن تعتبر هذه الممثلة التي تخرجت في الجامعة قبل 6 سنوات مسرحيتها «هيد سكارف آند ذا أنجري بيتش» التحدي الأصعب والأقوى والأجرأ والذي تفتخر به.

وتقول: «لقد حان الوقت الذي ينبغي فيه على هذه المجموعة العرقية والدينية أن تتوقف عن القسوة على نفسها. أنا لست على يقين من أن المجتمع المسلم المحافظ يتمتع بحس الدعابة، لكن جيل الشباب مستعد لذلك؛ فهم يقرون بأنه لا غضاضة في السماح للثقافات الأخرى بالدخول إلى هويتك، وليس لأني مسلمة لا ينبغي أن لا أكون هذا الشيء الآخر، حتى وإن كان هذا الشيء ضارا أو محرما دينيا».

أو كما تقول «زد» في مسرح «راوند هاوس»: «كرات البولينغ–كانت في البداية حراما والآن أصبحت حلالا–وإلين ديجينرز حرام قطعا». ومؤخرا سألت إحداهن سيرون زيدان، عما ستفعله إذا جاءتها ابنتها وقالت لها إن لها صديقا وإنها ترغب في الإنجاب، فردت سيرون بالقول: «إن هذا أمر غير قابل للنقاش من البداية».

لكن يحيى هندي، زوج سيرون، كان ينصت عبر الغرفة، وأطل برأسه وقال: «سيرون.. أنا أتحداك، مثل هذا الشيء ممكن الحدوث وينبغي عليك أن تستعدي لمناقشته».

ويحكي هندي–إمام جامعة جورج تاون وأول إمام بدوام كامل في جامعة أميركية–لزوجته عن عائلة استشارته مؤخرا بشأن ابنتهم ذات الـ15 ربيعا، التي أخبرتهم أنها غير مهتمة بالإسلام وأنها لا علاقة لها بالدين.

صرخت سيرون: «يا إلهي.. لا يمكنني أن أصدق أن هذا الأمر يمكن أن يقع».

رد هندي بالقول: «كلا إنه ممكن، وقد وقع، في هذه السن ينبغي عليك أن تسأل أسئلة. هكذا تنشأ وتنمو في هذه الثقافة».

من خلال العمل في الحرم الجامعي يشاهد هندي الصدام بين الهويات عدة مرات يوميا. أصبحت عقيدة الإسلام التي يتبناها تطرح أسئلة أكثر من منعها.

سورين، الفلسطينية التي هاجرت إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة والعشرين وتعيش في مقاطعة فريدريك مع زوجها، ليست لديها رغبة في جعل حياتها أكثر صعوبة بالنسبة لأطفالها. لكنها كمسلم مراقب ترتدي غطاء الرأس خارج المنزل، فإن لديها أفكارا محددة بشأن كيفية إحداث توازن بين نشأتها التقليدية وحقيقة كون أطفالها أميركيين.

أنجبت سورين 4 أبناء، تتراوح أعمارهم ما بين الـ14 والـ9 وجميعهم يرتادون المدارس العامة ويعلمون أنهم غير مسموح لهم بلبس الملابس اللافتة للنظر بشكل حاد أو شرب الكحول.

وتقول سورين: «لا أريدهم أن يصبحوا مسلمين متعصبين، كما لا أريدهم أن يصبحوا متحررين يشربون الكحول ويأكلون لحم الخنزير. أنا أريدهم أن يكونوا مسلمين معتدلين، مزيجا ما بين مسلمين وأميركيين».

يعرف إمام جورج تاون (45 عاما)، البشوش، الذي لا يستطيع السير في الحرم الجامعة دون أن يستوقفه طلبة من كل الأطياف للحديث معه أو استشارته أو حتى من أجل مزحة خفيفة، هذا التعارض جيدا، لكنه توصل إلى قناعة بأن «العيش في الولايات المتحدة يجعل الإسلام أقوى وأكثر مرونة». ويقول هندي: «إنه كطفل فلسطيني كان يرى العالم باللونين؛ الأبيض والأسود».

فيقول: «بالنسبة لي كان اليهود إسرائيليين يركبون دبابات. وكنت أعتقد أنك ما لم تكن مسلما فسوف تدخل النار».

انتقل يحيى إلى الولايات المتحدة في سن الثانية والعشرين ودرس اللغة العبرية والتوراة على يد أستاذة إسرائيلية كانت دائما ما تستضيفه في منزلها، وعندما كانت الأستاذة تخرج للتسوق كانت تترك الهندي وحده في منزلها.

رفض هندي فكرة أن المهاجرين المسلمين الذين سبقوه إلى هذا البلد هم الذين يحولون دون ملاءمة الدين الإسلامي لهذا البلد الجديد. بل يرى أن الكثير من أفراد الجالية المسلمة في الولايات المتحدة منغمسون في ثقافة الحلال والحرام.

وأثناء رحلته إلى الجنوب مؤخرا، سمع هندي إماما (يقول إنه رجل ذو لحية طويلة وخنجر سعودي)، يقول إن الموسيقى والرقص والتعليم المختلط بين الصبيان والفتيات حرام. وأضاف هندي: «لقد ذهبت إلى أعضاء مجلس إدارة الجامع الذي يخطب به هذا الإمام وقلت له أن ينتبه إلى ما يغرسه في نفوس الأطفال، مشيرا إلى وجود نحو 700 شخص في هذا المكان يستمعون إلى ذلك الرجل المجنون. وقال لي أعضاء مجلس الإدارة إنهم يعرفون لكنهم لا يدرون ما الذي ينبغي فعله».

سيعود هندي وسورين إلى منزلهما الذي تحيط به أراض خضراء شاسعة مساحتها مائة فدان في مقاطعة فريدريك لحضور مراسم العزاء. كان الإمام وبعض أعضاء مجلس إدارة مسجد فريدريك في مقهى منذ بضع سنوات عندما تطرق الحديث إلى الموت. كان الموت يعني بالنسبة إلى الكثير من المسلمين وأجيال سبقتهم من المهاجرين العودة إلى مسقط رأسهم للاتحاد مع أجدادهم.

حان الآن الوقت للمسلمين الأميركيين أن يلتزموا بأمر مختلف. أسس عبد المجيد، وهو طبيب من باكستان يعمل في مقاطعة فريدريك منذ 35 عاما، حدائق الفردوس. وكان عبد المجيد أول من يتم دفنه في حدائق الفردوس التي تعد من أول مقابر للمسلمين في واشنطن.

وقد تم دفن 88 مسلما في تلك المقابر منذ إنشائها عام 2008. وينتمي هؤلاء إلى بلدان مختلفة مثل البوسنة وتونس وأفغانستان وباكستان وترينيداد وإندونيسيا والهند ونيجريا وإيران، فضلا عن بلدان أخرى.

وهناك 8 آلاف مقبرة، تم بيع 530 منها. ويمتلك سيد نافيد 6 مقابر، وقد هاجر من الهند إلى ولاية ميريلاند منذ 22 عاما عندما كان في السادسة والعشرين من العمر لدراسة الهندسة في كوليدج بارك. ونظرا لأن لديه ابنين، أحدهما يدرس في الجامعة والآخر طالب في المرحلة الثانوية، يريد نافيد أن يضمن وحدة الأسرة في الحياة الأبدية. ويقول نافيد، مدير شركة مقاولات في روكفيل وعضو المجلس التعليمي في ميريلاند: «إننا ننتمي إلى ذلك المكان. أحيانا نشعر أننا عالقون بين المصابين برهاب الإسلام والمتطرفين الذين ينعتوننا بأسوأ الصفات. لكنها بلدنا، ونرى القيم الإسلامية هنا أكثر مما نراها في باقي أنحاء العالم مثل الأمانة والصدق والنزاهة واهتمام الجار بجاره والقيام بالأعمال الخيرية وحرية العقيدة وممارسة الشعائر». وقد اشترى هندي وأسرته مقابر في حدائق الفردوس.

يقول الإمام: «في الستينات والسبعينات قمنا ببناء مساجد فقط لأداء الصلاة. وفي الثمانينات والتسعينات قمنا ببناء مدارس لتعليم أولادنا. ونحن الآن نبني مقابر لأننا نريد الموت في أميركا، ونقول إنها وطننا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»