هل إله الإسلام يأمر بالفجور...؟

قالوا :من الذي يلهم بالفجور الله أم الشيطان... ثم قالوا : إن اله الإسلام يأمر بالفجور......؟
وتعلقوا بقوله تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)  (الشمس)

الرد على الشبهة

أولاً: إن الله  لا يهلهم النفسَ البشريةَ الفجورَ فقط ،ولكنه يلهم التقوى أيضا ،وهذا من عدله  ،وذلك لأنه بين للنفس البشرية الطريقين طريق الفجور وطريق التقوى ،وعليها أن تجتهد في اختيار التقوى ؛لأن التقوى هي طريقه ،وأما الفجور فهو طريق الشيطان ،وهذا يدل أيضا على أن الله لا يعذب إنسانًا إلا بعد أن يختار طريقَ الفجور.... في حين أنه سبحانه بيّن للنفس البشرية حبه  لطريق التقوى أمرها بها...
و التقوى هي:لفظهٌ جامعةٌ لحقوقِه  ،وذلك باجتنابِ محارمِه ،وفعلِ أوامره ...
وان تفعل ما أمرك به اللهُ به إخلاصًا له وإتباعًا لرسولِه r وأن تترك ما نهى اللهُ عنه امتثالاً لنهي الله وتنزها عن محارمه  ، مثل: أن تؤدي صلاتك ،وزكاتك ،وصيامك...
رغب ربنا  في التقوى وحببها للنفس البشرية وكفاء من عليها كما يلي:

1-التقوى من أعظم العباداتِ التي امرنا الله بها ،وذلك في عدة مواضع من القران الكريم منها:
قولُه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ (الحشر).
وقوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) ( البقرة).
وقوله :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102))  آل عمران).
وقوله :  فاتقوا الله ما استطعتم (التغابن).

2-التقوى من أعظم الأسباب التي تؤدي تكفير السيئات ومغفرة الذنوب...
قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) (الأنفال).

3-التقوى من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى قبولِ الأعمالِ الصالحة.... قال : إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)  (المائدة).

4-التقوى من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى الخروج من كل ضيق وهم وكرب، وتؤدي إلى سعة الرزق ....
قال : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.. (3) (الطلاق).
وقال الله  :  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) (الطلاق).

5-التقوى من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى النجاةِ من المهالك في الدنيا والآخرة على الصراط... قال : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) ( مريم ).

6-التقوى من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى دخول الجنة .....قال : تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) (مريم).

وعليه فمن خلال ما سبق يتبين لنا أن الله الهم النفس البشرية الفجور والتقوى ،كي يكون الانسان خيرا ،فإن أختار التقوى فاز بالله ،إن اختار الفجور خسر بالشيطان وهو كقوله تعالى : وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)  (البلد)
جاء في تفسير الجلالين: " وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " بَيَّنَّا لَهُ طَرِيق الْخَيْر وَالشَّرّ. أهـ

ثانيًا: بعدما بيت للقارئ الكريم إن الآية تدل على عدل الله سبحانه ،وان الإنسان في هذه الدنيا مخير بين الفجور والتقوى ؛الخير والشر ، يبقى سؤل هام هو: الآية تقول: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)  (الشمس)
هل الشيطان يلهم بالتقوى؟ أم يأمر النفس بالضلال ،وبتزين المعاصي حتى يكونوا من الصحاب الجحيم ...؟
الجواب : الشيطان لا يؤمر بالتقوى بل حذرنا الله منه ....

1-قولُه : يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)  ( البقرة).
2-قولُه : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)  (البقرة).
3-قولُه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)  (النور).
4-قولُه : وعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)  (العنكبوت).
5-قولُه : إن الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)  (فاطر).
6-قولُه : إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)  (المجادلة).
7-قولُه : وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)  (الأعراف).

وعليه فمن خلال ما سبق يتبين لنا : أن الله لا يأمر بالفحشاء والفجور ،إنما الذي يأمر بها هو الشيطان ... لا كما ادعى المعترضون ...

ثالثًا: إن الفجور الحقيقي الذي يدور في أذهانِ المعترضين هو ما ينسبه الكتابُ المقدس إلى الربِّ بأنه يضل الأنبياءَ والبشرَ ويقسي قلوبَهم ،وبهذا يدعوهم طريق الفجور والسعير .... وذلك في عدة مواضعٍ من الكتابِ المقدسِ منها:
1- سفر الخروج إصحاح 10 عدد1ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «ادْخُلْ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَإِنِّي أَغْلَظْتُ قَلْبَهُ وَقُلُوبَ عَبِيدِهِ لِكَيْ أَصْنَعَ آيَاتِي هذِهِ بَيْنَهُمْ.
قلتُ : إن الملاحظ هنا أن اللهَ هو من يقسي قلبَ فرعونَ وعبيدِه ؛ ليُهلكهم كما يذكر النصُ وغيرُه من نفسِ السفر، ففي الإصحاح 7 عدد 3وَلكِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ وَأُكَثِّرُ آيَاتِي وَعَجَائِبِي فِي أَرْضِ مِصْرَ. 4وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمَا فِرْعَوْنُ حَتَّى أَجْعَلَ يَدِي عَلَى مِصْرَ، فَأُخْرِجَ أَجْنَادِي، شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ.
2- سفر حزقيال إصحاح 14 عدد9فَإِذَا ضَلَّ النَّبِيُّ وَتَكَلَّمَ كَلاَمًا، فَأَنَا الرَّبَّ قَدْ أَضْلَلْتُ ذلِكَ النَّبِيَّ، وَسَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْهِ وَأُبِيدُهُ مِنْ وَسْطِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 10وَيَحْمِلُونَ إِثْمَهُمْ. كَإِثْمِ السَّائِلِ يَكُونُ إِثْمُ النَّبِيِّ.!
قلتُ:إن الملاحظ من النصين أن اللهَ يضلُ النبيَّ الذي يُرسله....!
وأتساءل: أليس هذا دليلاً على ضلالِ أنبياءِ الكتابِ المقدسِ بزعمِ تلك النصوصِ ؟!
3- سفرملوك الأول إصحاح 22 عدد 23وَالآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هؤُلاَءِ، وَالرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرّ»... لا تعليق!
4- سفر حزقيال إصحاح 20عدد24لأَنَّهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا أَحْكَامِي، بَلْ رَفَضُوا فَرَائِضِي، وَنَجَّسُوا سُبُوتِي، وَكَانَتْ عُيُونُهُمْ وَرَاءَ أَصْنَامِ آبَائِهِمْ. 25وَأَعْطَيْتُهُمْ أَيْضًا فَرَائِضَ غَيْرَ صَالِحَةٍ، وَأَحْكَامًا لاَ يَحْيَوْنَ بِهَا، 26وَنَجَّسْتُهُمْ بِعَطَايَاهُمْ إِذْ أَجَازُوا فِي النَّارِ كُلَّ فَاتِحِ رَحْمٍ، لأُبِيدَهُمْ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.
قلتُ : إن الملاحظ من النصوصِ أن الربَّ بحسب ما نُسب إليه يضل البشرَ وينجسهم ...!
وأتساءل: هل هذا العقاب يرتضيه المعترضون وهو أن يعاقب اللهُ البشرَ بالضلال والنجاسة... ؟!
5- سفر إشعياء إصحاح 63 عدد17لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ارْجعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ، أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ.
6- سفر إرميا إصحاح16 عدد13فَأَطْرُدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ لَمْ تَعْرِفُوهَا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ، فَتَعْبُدُونَ هُنَاكَ آلِهَةً أُخْرَى نَهَارًا وَلَيْلاً حَيْثُ لاَ أُعْطِيكُمْ نِعْمَةً.
7- رسالة بولس تسالونيكي الثانية إصحاح 2 عدد10وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. 11وَلأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، 12لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ.
8-رسالة بولس إلى رومية إصحاح 9 عدد 18فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ
إن قيل: إن في القرآنِ الكريم آيةَ تقولُ : أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ  (فاطر8) .
قلتُ : إن اللهَ يهدي من يشاء فضلاً منه ، ويضل من يشاء عدلاً ، يهدي من يستحق الهداية ، ويضل من يستحق الضلال ، وذلك بعد النذيرِ، وإقامةِ الحجة ....يدلل على ذلك الآتي:
1- قوله :  وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً  (الإسراء15).
2- قوله : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)  (فاطر)
3- قوله :  لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل)
4- قوله : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)  (الرعد)
5 - أن اللهَ لا يضل الأنبياءَ والرسلَ كما هو حال الكتابِ المقدس بل ينصرهم ... يقول:  إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ  (غافر51 ) .
6- ليس في كتابنا آياتٌ تدل على ظلمِ اللهِ لأنبيائِه ولعبادِه .... بل يقول  :  إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)  (النساء ).