بسم الله الرحمن الرحيم
« مدخل لموضوع التجويد »
"أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل"
رواه البيهقي في شعب الإيمان (*)

أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم على قلب محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله بلسان عربي مبين، فحفظه ووعاه، وأدَّاه كما أوحاه الله إليه . وكان العرب أمّة أمية لا تكتب ولا تحسب، وكان اعتمادهم على الحفظ في صدورهم. وكان القرآن يكتب في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وبأمره فيما تيسر من الوسائل المتاحة للكتابة في ذلك الزمن كاللخاف والعسب ونحوها.
ولما توفي عليه الصلاة والسلام وتولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة، وقتل كثيرٌ من القُراء في حروب الردة أشار عمر رضي الله عنه على أبي بكر بجمع القرآن مخافةً عليه من الضياع، فتم جمعه في صحف مجموعة بقيت عند أبي بكر مدة خلافته، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم آلت إلى حفصة رضي الله عنها، وهذه الصحف هي التي نسخت منها في عهد عثمان رضي الله عنه المصاحف، وبعثَ بها إلى الأمصار؛ لما ظهرت بوادر الاختلاف في القراءة؛ حمايةً للنص القرآني من أي تحريف .

تجويد الخط والكتابة :

ثم تنوعت مظاهر العناية بالقرآن الكريم- بعد الصدر الأول - وبخاصة من ناحية كتابته وتجويدها، وتحسينها، ثم إعجام الحروف. ومهر جمهرة من الخطاطين على مرّ العصور ببراعة الخط وجماله، وكتبوا المصاحف الخاصة والعامة، وكان الغالب في كتابة المصاحف الخط الكوفي حتى القرن الخامس الهجري، ثم كتبت بخط الثلث حتى القرن التاسع الهجري، ثم استقرت كتابتها بخط النسخ إلى وقتنا الحالي .
ومع ظهور الطباعة برزت عدة طبعات مبكرة للقرآن الكريم في أوربا، اكتنفتها دوافع مريبة ، ولم تلق الذيوع ولا القبول عند المسلمين؛ لما فيها من أخطاء شنيعة، ولمخالفتها قواعد الرسم العثماني .
كما صدرت بعد ذلك طبعات للقرآن الكريم في بلدان أخرى، إلا أنها لم يلتزم فيها الرسم العثماني .
وبقي الأمر على ذلك حتى طُبع المصحف الذي كتبه الشيخ المقرئ أبو عيد رضوان بن محمد المخللاتي عام (1308 هـ) في المطبعة البهية بالقاهرة، وراعى فيه أصول الرسم والضبط، ووضع له ستة أنواع من علامات الوقف والابتداء .
ثم توالت طبعات المصحف الشريف في مصر، وغيرها من أقطار العالم الإسلامي.
وتعود بداية طباعة المصحف في المملكة العربية السعودية إلى عـــام (1369 هـ - 1949 مـ) عندما تمت طباعة مصحف باسم: مصحف مكة المكرمة، وتولَّت طباعته شركة مصحف مكة المكرمة .
ثم ظهر مصحف آخر في مدينة جدة عام (1399 هـ - 1979مـ) في مطابع الروضة، بعد مراجعته، والموافقة عليه من الجهة المختصة في المملكة.
تعريف بالقرآن الكريم
القرآن الكريم هو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم من عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم . لا تشبع منه العلماء ولا تلتبس به الألسن ولا تزيغ به الأهواء ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً . [قراءة من تقديم لمعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ، لبحث من إعداد أ.د/ محمد سالم بن شديد العوفي؛ الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة ، 1422هـ‍/2001م ، تحت عنوان :" تطور كتابة المصحف الشريف وطباعته، وعناية المملكة العربية السعودية ، بطبعه ونشره وترجمة معانيه "]
تعريفه :
هو كلام الله أنزله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه وآله وسلم وتعبدنا بتلاوته .
أسماؤه وصفاته :
هو القرآن والذكر والفرقان والكتاب ، ومن صفاته الهدى و النور و الشفاء و الرحمة و الضياء .
فضيلة قراءة القرآن وحملته :

قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } [ فاطر:29-30 ].

وعن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " [ رواه البخاري ] .
وعن عائشـة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " [متفق عليه].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" مثل الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر " [رواه البخاري – و مسلم].
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :" إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواماً ويضع به آخرين " [ رواه مسلم ] .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :" اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفعياً لأصحابه " [ رواه مسلم ].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :" لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " [رواه البخاري و مسلم ].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " [ رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب " [ رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ] .

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :" يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " [ رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ].
وعن الحميدي الجمالي قال : سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال : القرآن لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :" خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . والمقصود غزو التطوع لا الجهاد الواجب . [ قراءة من كتاب خيركم من تعلم القرآن وعلمه لفضيلة الشيخ الدكتور سعيد عبد العظيم، الإسكندرية ] .
فالقارئ لكتاب رب العالمين والدارس للْقُرْآن العظيم والمحقق في المصحف الشريف يتحصل على درجات علا كما و يستنبط منه علوماً جمة؛ والمراد بعلوم القرآن : العلم الذي يتناول الأبحاث المتعلقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه ومعرفة المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن وقد يسمى هذا العلم بأصول التفسير لأنه يتناول المباحث التي لابد للمفسر من معرفتها للاستناد إليها في تفسير القرآن . والهام في الأمر أنه نقل القرآن إلينا نقلاً متواتراً ، حفظته الصدور والسطور أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى وهذا مصداق قول الله تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونََ } [آية 9 من سورة الحجر].
وروي البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال :" والله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه " .
ولم يقتصر حرص هؤلاء الأفاضل على حفظه فقط ومعرفة علومه بل حرصوا كذلك على العمل به والوقوف عند أحكامه .
فعن أبي عبدالرحمن السلمي أنه قال :" حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً ".
أين القرآن في حياتنا ؟
أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته ، وأجمعوا على أن من جحد منه حرفاً مما أجمع عليه أو زاد حرفاً لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر .
إن الواجب علينا حكاماً ومحكومين أن نقيم القرآن في حياتنا الخاصة والعامة، في حربنا وسلمنا، في مسجدنا وسوقنا، في سياستنا واقتصادنا واجتماعنا وأخلاقنا، وأن نحذر أن نكون ممن اتخذوا القرآن مهجوراً، وصار عندهم بضاعة للموتى ولعمل الأحجبة وزخرفة البيوت والسيارات والتلاوة في المناسبات !!! .
فما نزل القرآن إلا لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين .

عباد الله !!!
إن القرآن الآن وكأنه ينادينا من مكان بعيد ، من يوم بدر وأحد :{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آية رقم 144 من سورة آل عمران] . [ قراءة في كتاب :" خيركم من تعلم القرآن وعلمه ؛ د. سعيد عبدالعظيم ، الإسكندرية ]
تجويد القراءة
و التجويد علم بذاته وسنبحث في الصفحات المقبلات من هذه المذكرة المسائل المتعلقة بهذا العلم بإذنه تعالى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الحديث قرأته في كتاب النشر في القراءات العشر وهو جزءان من تأليف الحافظ أبي الخير محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري، المتوفي سنة 833، وقد أشرف على تصحيحه ومراجعته للمرة الأخيرة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل علي محمد الضباع شيخ عموم المقارئ بالديار المصرية، النص ورد في الجزء الاول طبعة دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، وجاء في الكتاب؛ وهو ذائع الصيت :" قال مولانا الإمام شيخ الإسلام، مقتدى العلماء والأعلام، مقري ديار مصر والشام، افتخار الأئمة، ناصر الأمة، أستاذ المحدثين، بقية العلماء الراسخين، شمس الملة والدين، أبو الخير محمد بن الجزري الشافعي رحمه الله ورضي عنه.. قال :" كما أخبرنا الشيخ الإمام العالم أبو العباس أحمد بن محمد الخضر الحنفي رحمه الله بقراءتي عليه بسفح قاسيون ظاهر دمشق المحروسة في أوائل سنة إحدى وسبعين وسبعمائة قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي سماعاً عليه سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة قال أخبرنا أبو طالب عبداللطيف بن محمد بن القبيطيفي آخرين إذناً قالوا أخبرنا أبو بكر أحمد بن المقرب الكرخي أخبرنا الإمام أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيدالله البغدادي أخبرنا شيخنا أبو علي المقري يعني الحسن بن علي بن عبيدالله العطار أخبرنا إبراهيم بن أحمد الطبري حدثنا أبو بكر أحمد بن عبدالرحمن بن الفضل العجلي قال حدثني عمر بن أيوب السقطي حدثنا أبو إبراهيم البرجماني يعني إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني وكنا نعده من الأبدال عن نهشل أبي عبدالرحمن القرشي عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أشرف أمتي حملة القرآن» .. ثم قال :" نهشل هذا ضعيف وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث الجرجاني هذا عن كامل أبي عبدالله الراسبي عن الضحاك به إلا أنه قال " أشرف أمتي حملة القرآن " ولم يذكر نهشلاً في إسناده والصواب ذكره كما أخبرتنا ست العرب ابنة محمد بن علي مشافهة في دارها بسفح قاسيون سنة ست وستين وسبعمائة، قالت: أنا جدي علي بن أحمد بن عبدالواحد أنا أبو سعد الصفار في كتابه أنا زاهر بن طاهر سماعاً أنا أحمد بن الحسين الحافظ أنا أبو عبدالرحمن السلمي وأبو الحسين محمد بن القاسم الفارسي إملاءً قالا حدثنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن قريش حدثنا الحسين بن سفيان حدثنا أبو إبراهيم البرجماني حدثنا سعد بن سعيد الجرجاني أخبرنا نهشل بن عبدالله عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل» كذا رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو الصحيح." قلتُ :" بيْد أنه لم يصرح بضعف الحديث أو وضعه ".
ثم تتبعت الحديث« أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل » والراوي هو عبدالله بن عباس فوجدت أن المصادر التالي ذكرته :
المصدر الأول : الكامل في الضعفاء ، الصفحة أو الرقم: 8/324، المحدث: ابن عدي خلاصة حكم المحدث: غير محفوظ ، وأيضاً نفس المصدر الكامل في الضعفاء الصفحة أو الرقم: 4/398، خلاصة حكم المحدث: [فيه] سعد بن سعيد تفرد به ولا يتابع عليه
المصدر الثاني: ذخيرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم: 1/406، المحدث: ابن القيسراني خلاصة حكم المحدث: [فيه] نهشل بن سعيد ليس بشيء [وروي من طريق] سعد الجرجاني وهو ضعيف
المصدر الثالث: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 1/294 المحدث: المنذري ، خلاصة حكم المحدث: [ لا يتطرق إليه احتمال التحسين]
المصدر الرابع : المتجر الرابح - الصفحة أو الرقم: 71 المحدث: الدمياطي ، خلاصة حكم المحدث: سنده سقيم [كما نص على ذلك في المقدمة]
المصدر الخامس: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 1063 المحدث: السيوطي ، خلاصة حكم المحدث: ضعيف
المصدر السادس: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 1195 المحدث: الألباني ، خلاصة حكم المحدث: إسناده ضعيف جداً
المصدر السابع: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 2416 المحدث: الألباني ، خلاصة حكم المحدث: موضوع
المصدر الثامن: ضعيف الترغيب - الصفحة أو الرقم: 366 المحدث: الألباني ، خلاصة حكم المحدث: ضعيف
المصدر التاسع: ضعيف الجامع - الصفحة أو الرقم: 872 المحدث: الألباني ، خلاصة حكم المحدث: موضوع. والله أعلم .
*****
يتبع بإذنه تعالى
الرمادي
11 رجب الأصم 1432هـ ~ 12 يونيه 2011مـ