في البدء كانت الإلهة "نمو" ولا احد معها، وهي المياه الأولى التي انبثق منها كل شيء. فأنجبت الإلهة "نمو" ولدا وبنتا، الأول "آن" السماء المذكر، والثانية "كي" إلهة الأرض المؤنثة، وكانا ملتصقين مع بعضهما، وغير منفصلين عن "نمو" أمهما. فتزوج "ان" ب "كي" فأنجبا ولدا هو "انليل"، اله الهواء، الذي كان في مساحة بينهما ضيقة لا تسمح له بالحركة. هذا الإله الشاب الذي لم يطق السجن الذي هو فيه، فقام بقوته الخارقة بإبعاد أمه عن أبيه، رفع الأب فصار سماء، وبسط الأم فصارت أرضا، ولكن الإله انليل كان يعيش في الظلام، فأنجب ابنا هو "نانا" الاهة القمر الذي ينير الأرض ويبدد الظلام في السماء، وأنجبت إلهة القمر "اوتو" اله الشمس.
وبعدها قام الإله "انليل" رفقة بقية الآلهة بخلق مظاهر الحياة الأخرى.
وفي كتاب أخر يتحدث عن "التكوين البابلي"، حيث مع بعد حضارة السومارية ظهرت الحضارة البابلية، التي أخذت عن الأساطير السومارية الكثير وأعادت بناءها وأضافت عليها، ونجد هذه الأساطير في ألواح "فاينوما ايليش"، التي تم اكتشافها من قبل علماء الآثار موزعة على سبعة ألواح فخارية، ويقد ب"فاينوما ايليش" ما معناه "عندما في الأعالي" أي حينما لم يكن في الأعالي سماء، وفي الأسفل لم تكن الأرض، تقول الأسطورة في إحدى الكتب:
لم يكن في الوجود سوى المياه الأولى ممثلة في ثلاثة آلهة وهي: "ابسو" ونعامة" و"ممو"، ف"بسو" هو الماء العذب، و"نعامة" زوجته الماء المالح، أما "اممو" هو الضباب المنتشر فوق تلك المياه والناشئ عنها، وكانت هاته الكثة المائية تملئ الكون، وكانت هاته الآلهة تعيش حالة سرمدية من السكون والصمت المطلق، ممتزجة يبعضها البعض في حالة هيولية، لا تمايز فيها ولا تشكل، ثم أخذت هاته الآلهة بالتناسل، فولد لابسو ونعامة إلهان جديدان هما "لخمو" و"لخامو"، وهذا الأخيران أنجبا، "انشار" و"كيشار"الذين فاقا أبويهما قوة ومتعة، وبدأت كل الآلهة بالتناسل إلى أن امتلأت أعماق الإلهة نعامة الأم بالآلهة الشباب والحيوي، فعكرت السكون الأزلي، فقام الأب ابسو بوضع خطة لإبادة الآلهة الجدد للعودة للسكون الأول، فعلم به الآلهة الشباب فلجئوا إلى الإله "اياد" الذي كان أقواهم فقتل أبوه ليصبح الماء العذب، وقتل نعامة وقام بشقها إلى شقين، رفع الشق الأول للأعلى وصار سماء، وانزل الشق الثاني وصار أرضا، ثم خلق النجوم وصنع القمر والشمس وحدد لهما مسارهما، وخلق الحيوانات والنباتات فيما بعد. وفي أواخر القرن السادس قبل الميلاد تمكن جيوش البابليين من تدمير مملكة اليهود الفلسطينيين، واقتيدوا اليهود سبايا إلى بابل، وبعد استجلاء الفرس على بابل وعودة اليهود لاورشاليم، قاموا بتجميع نصوص التوراة المتفرقة في كتاب شامل فأدخلوا بعض النصوص التي أتوا بها معهم من بابل، وكانت "فاينوما ايليش"، غاية التأثير فيهم، حيث كانت موزعة على سبعة ألواح فخارية متفرقة، فكانت ستة الأولى منها مخصصة لعملية خلق الكون، أما القطعة السابعة مخصصة لجلوس الإله "مردوخ" على العرش. فأوحى هذا التقسيم لمحرري "التكوين التوراتي" على فكرة الخلق في ستة أيام واستراحة الخالق في اليوم السابع، فقد جاء في سفر التكوين أول إصحاح التوراة: "وقال الله ليكن جلد في وسط المياه وليكن فاصلا بين مياه ومياه، فكان كذلك، وصنع الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد، وسمى الله الجلد سماء. وكان صباح وكان مساء: يوم ثان. وقال الله: لتجتمع المياه المياه التي تحت السماء في مكان واحد وليظهر اليبس. فكان كذلك. فسمى الله اليبس أرضا... وتجمع المياه سماه الله بحارا... وقال الله لتنبت الأرض نباتا عشبا يخرج بزرا، وشجرا مثمرا يخرج ثمرا بحب صنفه، بزره فيه على الأرض، فكان كذلك... وكان مساء وكان صباح يوم ثالث، وقال الله: لتكن نيرات في جلد السماء لتفصل النهار والليل، وتكون علامات للمواسم والأيام والسنين" وتضيف التوراة، "وهكذا أكملت السموات والأرض وجميع قواتها، وانتهى الله في اليوم السابع من عمله الذي عمله، واستراح في اليوم السابع من كل عمله الذي عمله."
وقد جاء في كتاب "الهداكا" وهو نوع من شروح التوراة، أن الله عندما خلق السماء جعلها سبع طبقات تتدرج من السماء الدنيا التي تستند إلى الأرض، وصولا إلى السماء السابعة التي تتصل بين يدي الخالق. والخطير في الأمر أن بعض الكتب تربط بين هذا الشرح وما ورد في بعض أساطير الكنعانيين، حيث أن "إيل" كبير الآلهة ورب السماء عند "الاوغارتيين" يعتلي عرشه في السماء السابعة التي تفصله عن الأرض، وهو الذي كان شائعا ومعبودا من قبل جميع الشعوب في منطقة سوريا وفي بعض الحواضر الفينيقية، منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، كما نجده في تدمر وغيره من القبائل المجاورة. كما انه قام بعد أن خلق السموات والأرض بخلق الأجرام المضيئة والقمر والشمس وجعلها زينة.
إذن ماذا يقول الدين الإسلامي من خلال القران الكريم عن كل هذا؟
القران يقر انه في البداية لم يكن سوى الله والماء، حيث يقول في الآية 7 من سورة "هود": " هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء"، وفي صحيح البخاري في الصفحة 387 ، قوله الرسول : "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض..." وفي حديث أخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: كل شيء خلق من ماء." كما أن السموات والأرض كانتا كثل واحدة في الأصل ويقول الله في هذا في سورة الأنبياء، الآية 30: " أو لم ينظر الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون." ثم رفعت السماء يقول تعالى في سورة الرعد الآية 2 : " الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش"، وقد استغرق خلق الأرض وتنظيمها أربعة أيام من أيام الخلق الستة، يقول الله، في سورة فصلت، الآيات من 9 إلى 12: "قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداد، ذلك رب العالمين. وجعل فيها روسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض أثينا طوعا أو كرها قالتا أثينا طائعين."
ويضيف القران في نفس السورة لإتمام الخلق، في الآية 13: " فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها، وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا."
وبعد تمام الخلق في ستة أيام، استوى الله تعالى على العرش في اليوم السابع، يقول في سورة الحديد الآية 4: " هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ."
وفي هذا الإطار يطرح تساؤل حول المدة هل هي حقا ستة أيام، وذلك كما نعد الأيام، أن اليوم مقداره ألف سنة مما نعد تماشيا مع قول الله في سورة الحج الآية 47، " وان يوما عند ربك كإلف سنة مما تعدون." وبالتالي نكون أمام ستة ألاف سنة.
كما أن بعض الدعاة المسلمين مثل الدكتور زغلول النجار، قد تبثوا هذا الإعجاز العلمي للقران، وخاصة من خلال الأيام التي تقول بكون أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وهي تؤكد أن الأرض والسماء كانتا كثلة واحدة فتم تقسيمهما إلى شطرين، من خلال الانفجار العظيم.
هذا عن الإسلام فماذا عن العلم؟
بعض الأقراص المدمجة التي تباع في الأسواق الشعبية أو من خلال المواقع الاليكترونية العلمية المتخصصة، أنها جميعا تنطلق من نقطة واحدة، وهي نظرية كوبرنيك، حيث أزاح الأرض عن مركز الكون خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وبالتالي ترفض النظرية العلمية اعتبار أن الأرض هي محور الكون وما الأرض سوى كوكب ضمن ملايير الكواكب في المجرة التي ننتمي إليها وهي مجرة التبانة وهذه الأخيرة واحدة من ملايير المجرات في الكون. يطرح تساؤل في هذا الخصوص حول مدة تكون الأرض، وماذا كان موجود قديما؟
تجيب هذه المواقع الاليكترونية، كون أن الكون بدأ من نقطة متناهية في الصغر وعظيمة الكثافة وليس الماء، وقد حصل فيها انفجار عظيم، مكونا الزمان والمكان وكل المادة والطاقة في الكون.
أما المدة، فان الانفجار قد حصل قبل 15 مليار عام، ولم تتشكل الأرض سوى قبل 5 مليارات عام. أن الكون تشكل واستغرق مدة تفوق مدة التي تعيشها الأرض اليوم لتتشكل بدورها هي الأخرى، أي ما يزيد عن عشر مليارات سنة، وهو يناقض ما جاء على القران وحديث الرسول في صحيح مسلم الصفحة 127 الجزء الثامن: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق ادم عليه السلام بعد عصر يوم الجمعة في أخر الخلق في أخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر والليل." وهي الأيام التي نعدها في الأسبوع.
وبقول الله " ثم استوى إلى السماء وهي دخان،" ما يعني أن الدخان الناتج عن الانفجار العظيم استمر لما بعد خلق الأرض و السموات، لكن العلم يؤكد أن الدخان أو الغاز الصادر عن الانفجار والذي تكونت منه المجرات بعد ذلك استمر لمدة ثلاث مئة ألف عام فقط بعد الانفجار العظيم في حين أن الأرض استغرقت أزيد من 10 مليارات من الأعوام لتتشكل. وهذه المجرات التي تشكلت بفعل الدخان الصادر عن الانفجار رافقه تشكل النجوم والكواكب الأخرى بمعنى أنها سابقة على تشكل الأرض بملايير السنين.
كما يقول العلم بكون السماء والأرض لم يتم فصلهما مع بعضهما بل إن الانفجار أدى إلى تشتت وانتشار المادة من نقطة واحدة في شكل شعاعي وفي مساحات أوسع وبالتالي لا يمكن الحديث عن الفصل بين الأرض والسموات في هذه الحالة، لان السماء وباقي المجرات قد تشكلت وانتظرت مدة طويلة تشكل معها جزء كبير من الكون للتشكل الأرض فيما بعد، فان كان الانفصال يعني انطلاقة تشكل الأرض مع تشكل السموات منذ لحظة وقع الانفجار، وهذا خاطئ على أساس أن الكون انطلق في عملية تشكل أولا وعمر مدة أطول من المدة التي تعمرها الأرض الآن.
وان الرتق المذكور في القران هو الماء الذي فصل القسم العلوي عن السفلي، العلوي هو السماء والسفلي هو الأرض.
إن ما ينشر الآن وما يباع من الكتب وأشرطة تتحدث عن الإعجاز العلمي في القران هو نوع من تحميل الآيات ما لا تحتمل من معاني ويخرجها من سياقيها العام والخاص وعزلها عن القرائن والحجج الداخلية والخارجية.
وما يوجد من كتب بريئة ولكن في طياتها الكثير من السموم الفكرية التي تريد بشبابنا العودة للعصور ما قبل التاريخ، لهو العبث بجيل يحيى كل يوم من اجل البحث عن لقمة العيش قبل الحقيقة، وقد تكون لقمة العيش سبيل طريق اللاعودة.
المفضلات