بسم الله الرحمــــن الرحــــيـــم
اخوتي الكرام انزلت هذا الموضوع الذي كتبه احد النصارى على الفسبوك والان اريد ان يساعدني احد جزاكم الله خيرا لارد عليه .قد سبق ان رديت لكن اريد ردا على كل ما قيل في هذا الموضوع لو سمحتم الموضوع يقول


صار زواج محمد من زينب بنت جحش عند المفسرين القدامى مشكلة عويصة تحتاج إلى تبرير وتعليل لما انطوى عليه من حوادث غريبة .

(راجع قصة زينب بنت جحش وزواجها من محمد: تاريخ الطبري، 2:265ء365 ، تفسير الطبري (جامع البيان)، 22:9 ، طبقات ابن سعد، 8:101ء102 وما يليها، أنساب الأشراف، 1:334 ، أسد الغابة 5:364 ، السمط الثمين، ص 801 ، المحبر، ص 058 ، Pاريت، Rودي، Mوهامميد وند دير خوران، 144 ف. Wاتت، Mونتعومميري، Mوهامميد ات Mيدينا، 329ء331، Oخفورد 1956)

لا تنسجم مع الآداب والأعراف التي جاء بها محمد للبشرية على ما يزعم المسلمون. ولكن قبل أن نذكر آراء المفسرين وحججهم لتأويل ما حدث وتبريره، يجدر بنا أن ننقل هنا ما سجله ابن سعد في طبقاته، والطبري في تاريخه:

عن محمد بن يحيي بن حبّان قال: جاء رسول الله ص بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله ص الساعة فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه فلم يجده. وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فُضلاً

(وفي رواية وردت في تاريخ الطبري: أن الرسول جاء يطلب زيداً وعلى باب زيد ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف منها وهي في حجرتها حاسرة فوقع إعجابها في قلب رسول الله (الطبري، 2:354)

فأعرض رسول الله (ص) عنها فقالت: ليس هو هاهنا يا رسول الله فادخل بأبي أنت وأمي. فأبى رسول الله أن يدخل وإنما عجلت زينب أن تلبس لما قيل لها رسول الله (ص) على الباب، فوثبت عجلى فأعجبت رسول الله. فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يُفهم منه إلا ربما أعلن: سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب. فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله أتى منزله. فقال زيد: ألا قلتِ له أن يدخل؟ قالت: قد عرضتُ ذلك عليه فأبى. قال: فسمعتِ شيئاً؟ قالت: سمعته حين ولى تكلم بكلام ولا أفهمه، وسمعته يقول سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب. فجاء زيد حتى أتى رسول الله فقال: يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها. فيقول رسول الله: أمسك عليك زوجك. فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم، فيأتي إلى رسول الله فيخبره، فيقول رسول الله: أمسك عليك زوجك، فيقول: يا رسول الله أفارقها. فيقول رسول الله: احبس عليك زوجك. ففارقها زيد واعتزلها وحلت، يعني انقضت عدتها. قال فبينا رسول الله جالس يتحدث مع عائشة، إلى أن أخذت رسول الله غشية فسُري عنه وهو يبتسم وهو يقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله قد زوجنيها من السماء. وقلت: هي تفخر علينا بهذا. قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول الله (ص) تشتد فتحدثها بذلك، فأعطتها أوضاحاً عليها (ءطبقات، 8:301 جامع البيان، 22:21 أنساب الأشراف، 1:534 ، البخاري، توحيد 2، مسلم تفسير السورة 33:61).

فكانت زينب تفخر على نساء النبي وتقول: زوَّجكن أهلكن وزوَّجني الله من فوق سبع سموات (انظر للوطر الذي يُفسر عادة بالحاجة أو الإرب (أبو عبيدة مجاز القرآن 2:831 ، تحقيق عبد الرزاق حسين، بيروت 7891 ، الفيروزآبادي، القاموس المحيط ص 436 ، بيروت 7891 وكذا: البخاري، طلاق 11). يشرح الطوسي الوطر بقضاء الحاجة وعليه فتعني الآية: وعندما قضى زيد حاجته منها. زوجناكها يا محمد (التبيان 8:442)).

لقد أجمع المفسرون على أن هذا الحدث (أي ما دار بين محمد وزينب من جهة وبينه وبين زيد من جهة أخرى) سبب لنزول الآية التالية:

وإذ تقول للذي أنعم الله عليه: وأنعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. فلما قضى زيد منها وطراً (ءطبقات، 3:24)

زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً (الأحزاب 33:73).

لقد أدّى زواج محمد من زينب وهي زوجة ابنه زيد بالتبني إلى اتهامات ضد محمد، فقال المنافقون: محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه زيد (نفس المصدر، 3:34)

وفي رواية عن عبد الله بن عمر: ما كنا ندعوه (أي زيداً) إلا زيد بن محمد (ء نفس المصدر، 3:34).

فاستلزمت هذه التهمة التي لم يوجهها المنافقون فقط إلى محمد نزول وحي آخر: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليماً (الأحزاب 33:04). فقال عبد الله بن عمر: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت ما كان أبا أحد من رجالكم (نفس المصدر).

تأويل الآية عند المفسرين المسلمين :

يشرح المفسرون المسلمون الآية (33:73) كما يلي: اذكر يا محمد. إذ قلت لزيد (الذي أنعمت عليه بالتحرير والإعتاق (الطبري، 22:21 الرازي، 52:212 ، الدر المنثور، 5:202). الذي أنعم الله عليه بالإسلام الذي هو أجلّ النعم، وبتوفيقك لعتقه ومحبته واختصاصه (الكشاف، 2:935))

امسك عليك زوجك واتق الله في أمرها فلا تطلقها ضراراً وتعللاً بتكبرها (الرازي، 52:212 ، البيضاوي، 2:372 ، الكشاف، 1:935)

وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله فأعجبته وهي في حبال مولاه لألقى في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع، فأراد فراقها، فذكر ذلك لرسول الله زيد، فقال له رسول الله (أمسك عليك زوجك) وهو (ص) يحب أن تكون قد بانت منه لتنكحها (واتق الله) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك .(الطبري، 22:21 الكشاف 2:953 وذلك أن رسول الله أبصرها بعد ما أنكحها إياه فوقعت في نفسه فقال: سبحان الله مقلّب القلوب، فذكرتها لزيد وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، ولو أرادتها لاختطبها وسمعت زينب بالتيمية فذكرتها لزيد، ففطن وألقى الله في نفسه كراهية صحبتها والرغبة عنها لرسول الله).

وفي رواية عن وهب: قال ابن زيد: ركان النبي (ص) قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله ص يوماً يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص). فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: مالكَ، أرابك منها شيء؟ قال: لا، والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيراً، فقال له رسول الله صأمسك عليك زوجك واتق الله) فذلك قول الله تعالى (وإذ تقول للذي أنعم الله عليك وأنعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها (جامع البيان، 22:31).

عن علي بن حسين قال: كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه ص أن زينب ستكون من أزواجه، فلما أتاه زيد يشكوها قال: راتَّق الله وأمسك عليك زوجك قال الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه. عن عائشة قالت: لو كتم رسول الله ص شيئاً مما أوحي إليهمن كتاب الله لكتم وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه (ءنفس المصدر).

قال الحسن: ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها، قوله وتخفي ما نفسك ما الله مبديه ولو كان نبي الله ص كاتماً شيئاً من الوحي لكتمها. وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه قال: خشي نبي الله ص مقالة الناس (نفس المصدر، الكشاف، 2:935ء45).

بين المفسرين القدامى يبقى ابن كثير (3731) الوحيد الذي يرفض أقدم الروايات الواردة عما حدث بين محمد وزينب، دون أن يلجأ إلى أي تعديل أو تبرير لذلك فيقول: إن ابن جرير وابن أبي حاتم ذكرا أخباراً كثيرة في هذا الشأن نتركها هنا لأنها ليست بصحيحة (ابن كثير، 3:194).

غير أن ابن كثير الذي يطعن في صحة تلك الأخبار زاعماً أنها غير صحيحة، لا يجد حرجاً في الاستشهاد برواية متأخرة تقول: تخفي في نفسك ما الله مبديه يعني: مع أن الله أخبرك يا محمد بأن زينب ستكون من أزواجك قلت لزيد: أمسك عليك زوجك (نفس المصدر، الخازن 5:021 (في مجمع التفاسير) أن هذه الرواية خرافة شعبية على ما يبدو).

المشكلة الكبرى عند الرازي هي خوف رسول الله في قوله: وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. ولكن هذا ليس إشارةً إلى أن النبي خشي الناس ولم يخشَ الله، بل المعنى: الله أحق أن يخشاه وحده ولا تخشى أحداً معه وتخشى الناس أيضاً، فاجعل الخشية له وحده (ءودوام الآية: فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم الدليل القاطع عند الرازي على أن محمداً لم يتزوج من زينب لقضاء شهوة، بل لبيان الشريعة بفعله، فإن الشرع يستفاد من فعل النبي وقوله (الرازي، 52:212)).

ولا يَخفى على أحد أن تفسير الرازي هذا لم يكن معروفاً قبله، وأنه بلا شك من إنتاج خياله.

أما الزمخشري فيتناول جوانب أخرى في تحليله للقصة فيقول: وعن عائشة رضي الله عليها: لو كتم رسول الله ص شيئاً مما أُوحي إليه لكتم هذه الآية. فإن قلت: فماذا أراد الله منه أن يقوله حين قال له زيد أريد مفارقتها، وكان من الهجنة أن يقول له افعل فإني أريد نكاحها. قلت: كأن الذي أراد منه عز وجل أن يصمت عند ذلك، أو يقول له أنت أعلم بشأنك حتى لا يخالف سره في ذلك علانية، لأن الله يريد من الأنبياء تساوي الظاهر والباطن والتصلب في الأمور والتجاوب في الأحوال والاستمرار على طريقة مستتبة، كما جاء في حديث إرادة رسول الله (ص) قتل عبد الله بن أبي سرح واعتراض عثمان بشفاعته له أن عمر قال له: لقد كان عيني إلى عينك. هل تشير إليّ فأقتله؟ فقال إن الأنبياء لا تومض، ظاهرهم وباطنهم واحد. فإن قلت: كيف عاتبه الله في ستر ما استهجن التصريح به ولا يستهجن النبي ص التصريح بشيء إلا والشيء في نفسه مستهجن وقالة الناس لا تتعلق إلا بما يستقبح في العقول والعادات وماله لم يعاتبه في نفس الأمر ولم يأمره بقمع الشهوة وكف النفس عن أن تنازع إلى زينب وتتبعها، ولم يعصم نبيه ص عن تعلق الهجنة به وما يعرضه للقالة. قلت: كم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحي من إطلاع الناس عليه، وهو في نفسه مباح متسع وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله. وربما كان الدخول في ذلك المباح سلماً إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين ويحل ثوابها. ولو لم يتحفظ منه لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم إلا من أوتي فضلاً وعلماً وديناً ونظراً في حقائق الأمور ولبوبها دون قشورها. ألا ترى أنهم كانوا إذا طعموا في بيوت رسول الله (ص) مرتكزين في مجالسهم لا يريمون مستأنسين بالحديث وكان رسول الله (ص) يؤذيه قعودهم ويضيق صدره حديثهم والحياء يصده؟ ولو أبرز رسول الله ص مكنون ضميره وأمرهم أن ينتشروا لشقَّ عليهم ولكان بعض المقالة فهذا من ذاك القبيل، لأن طموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته من امرأة أو غيرها غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع، لأنه ليس بفعل الإنسان ولا وجوده باختياره، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضاً وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ولا طلب إليه، وهو أقرب منه من زر قميصه، أو يواسيه بمفارقتها مع قوة العلم بأن نفس زيد لم تكن من التعلق بها في شيء، بل كانت تجفو عنها ونفس رسول الله (ص) متعلقة بها، ولم يكن مستنكراً عندهم أن ينزل الرجل عن امرأته لصديقه ولا مستهجناً إذا نزل عنها أن ينكحها الآخر، فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة آستهم الأنصار بكل شيء، حتى أن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجر وإذا كان الأمر مباحاً من جميع جهاته ولم يكن فيه وجه من وجوه القباحة ولا مفسدة ولا مضرة بزيد ولا بأحد بل كان مستجرّاً مصالح، ناهيك بواحدة منها أن بنت عمة رسول الله ص أمنت الأيمة والضيعة ونالت الشرف وعادت، أما من أمهات المسلمين إلى ما ذكر الله عز وجل من المصلحة العامة في قوله لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، فبالحري أن يعاتب الله رسوله حين كتمه وبالغ في كتمه بقوله رأمسك عليك زوجك واتق اللهذ وأن لا يرضى له إلا اتحاد الضمير والظاهر والثبات في مواطن الحق حتى يقتدي به المؤمنون فلا يستحيوا من المكافحة بالحق، وإن كان مراًذ (الكشاف، 3:372 وما يليها).

لم يطرأ جديد على قائمة الحجج التي أتى بها الزمخشري (4411) والرازي (9021) فنرى كيف يحاول الكتاب المسلمون بنفس الحجج والطرق تأويل هذه القصة بل الدفاع عنها. حيث يظنون أن في طياتها حكماً مكنونة، لم ينضج فهم البشر بَعْدُ لسبر غورها (ءيقول محمد رشيد رضا: فلما حرم الله التبني في الإسلام وأَبطل كل ما كان يتعلق به من أحكام، ومن أهمها تحريم زوجة الدعي على متبنيه كحرمها على والده ء وكان العمل بإلغاء هذه الأحكام شاقاً على الأنفس لا يسهل على الجمهور إلا إذا بدأ به من يشرّف الكبير والصغير الاقتداء به، فلا يعيره أحد أمر الله نبيه أن يزوج زيداً بزينب هذه، لعلمه تعالى بأنهما لا يثبتان على هذه الزوجية، لأنه بطبعها ونسَبها تترفع عليه وتسيء عشرته، ففعل فاشتد الشقاق بينهما، فطلقها فأنزل الله تعالى.. (فتاوي الإمام، 5:0191). أما الصابوني فيتكلم بلهجة أكثر صراحة: أما زينب بنت جحش، فتزوجها رسول الله لحكمة لا تعلوها حكمة، وهي إبطال بدعة التبني (الصابوني، 2:333)).

ونلاحظ وجود تناسق غريب بين المتزمتين ممن يدعون بأصوليين وأصحاب الإصلاح ودعاة التقدم. فيتحدث محمد حسين هيكل بصدد تفنيده لمزاعم V.Vاچچا بشأن زينب في دائرة المعارف الإسلامية عن مفخرة من مفاخر محمد التي جعل منها المستشرقون والمبشرون قصة حبٍ. أما زينب بنت جحش وما أضفى المستشرقون والمبشرون عليها من أستار الخيال حتى جعلوها قصة غرام ووله، فالتاريخ الصحيح يحكم بأنها من مفاخر محمد، وأنه وهو المثل الكامل للإيمان قد طبق فيها حديثه الذي معناه: لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكفي لهدم كل القصة التي قرأت عنها من أساسها أنه هو الذي خطبها على زيد مولاه (دائرة المعارف الإسلامية، 11:92 ، طهران بدون تاريخ حياة محمد، ص 333).

هذا ولا يهمل العلامة هيكل أن يضيف: كان بمقدورنا أن نجنِّبه هذه الأقوال جميعاً بقولنا: فلتكن صحيحة، فماذا فيها ما يطعن على عظمة محمد أو على نبوته ورسالته؟ إن القوانين التي تجري على الناس لا سلطان لها على العظماء، فأولى ألا يكون لها سلطان على المرسلين والأنبياء. ألم ير موسى خلافاً بين رجلين، هذا من شيعته وهذا من عدوه، فوكز الذي من عدوه وقضى عليه، وهذا قتل محرم! مخالف للقانون. مع ذلك لم يخضع موسى للقانون، ولم يطعن ذلك في نبوته ولا في رسالته ولم يطعن في عظمته. وشأن عيسى في مخالفة القانون أكبر من شأن موسى ومن شأن محمد ومن شأن الأنبياء المرسلين جميعاً. فليس يقف أمره عند بسطة في القوة أو الرغبة، بل خرج بمولده وبحياته على قوانين الطبيعة! (حياة محمد، ص 333).

فلنضع هذه المغالطات جانباً وندع المسلمين يبحثون عن العلاقة القائمة بين قتل موسى رجلاً غير مذنب من جهة، ومولد عيسى من العذراء من جهة أخرى، وما له بسبب يتصل بما حدث بين محمد وزينب. فالغرابة في الأمر هي أن يورد العلامة هيكل كحجة دامغة تزويج محمد زينب بزيد ليدحض دعوى الخصوم القائلة بأن الأمر قصة غرام ووله! ء ولا نظن أن هيكل ليس له عهد بما ورد في المصادر الموثوق بها من أن النبي روقع في قلبه بعد زواجها من زيد!ذ (تاريخ الطبري، 8:101 وما يليها، جامع البيان، 22:31 ، أسد الغابة، 5:364 وما يليها، الكشاف، 2:935 ، الخازن 5:023 (في مجمع التفاسير) وفي تفسير النسفي: أن رسول الله أبصرها بعدما أنكحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب، وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، وسمعت زينب بالتيمية فذكرتها لزيد ففطن وألقى الله في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول اللهذ (النسفي، 5:911 في مجمع التفاسير). بينما يبذل المفسرون القدامى قصارى جهدهم في تأويل القصة يذكر ابن سعد أنه لم يكن هيّناً لزيد التخلي عنها (طبقات، 8:301). يظهر أن أصحاب السير المتقدمين لاحظوا غرابة ما في هذا الزواج مما يفسر عدم ذكر ابن اسحاق إياها وسرده عند ابن هشام بشكل مقتضب جداً (Pاريت، ص. 145)).

أما الصابوني فيستبعد علاقة غرام أو حب في هذا الزواج إذ كيف يقدم إنسان امرأة لشخص وهي بكر حتى إذا تزوجها وصارت ثيباً رغب فيها؟ (الصابوني، 2:533)

ويهاجم الصابوني من يسميهم المستشرقين والمبشرين الدساسين الذين ادعوا أن الله عاتب محمداً لما يخفيه في قلبه من رغبة في زينب. غير أن تلك الافتراأت للمستشرقين والمبشرين وردت في طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وتفسيره كما نقلت في الكتب المؤلفة بعدهما، وابن سعد والطبري لم يكونا من أعداء الإسلام ولا مستشرقين دساسين، ولم يعرفا أن محمداً تزوجها فقط لإلغاء وإبطال حكم التبني (ءنفس المصدر)

الحجة التي لم تكن معروفة في عهد الطبري.

ويوجد الآن بين المسلمين الأصوليين أو الكتّاب المسلمين الذين تحظى مؤلفاتهم بإعجاب الأصوليين من اكتشف في ميل النبي إلى النساء فضيلة أخرى له. إذ برهن النبي بذلك على أنه بشر بكل معنى الكلمة (يتبين من قصة زواج محمد من زينب أن محمداً كسائر البشر كان تحت حكم عواطفه ومشاعره وإن حاول إخفاءها. لقد لعب الجانب الشخصي دوراً مهماً في هذا الزواج مع الجانب البشري. ومن هنا يتضح أن محمداً بشر بسطوة الحب وبضعفه. لقد أنكر الكتاب المعاصرون العوامل البشرية لهذا الزواج. غير أن المسلم من حقه أن يفتخر بأن نبيه بشر طبيعي اختاره الله للبشرية ء يذكر الكتاب لفاروق محمد الزيات فقط، لكي نحيط القارئ علماً أنه قد اعتاد المسلمون الأصوليون خاصة الذين يخاطبون القراء الأوروبيين على تفسير ما يمكن اعتباره مطاعن في الإسلام من حياة النبي من خلال ضعفه البشري، وإلا فليس لِمؤلَّف الزيات أي قيمة، إذ أن الكاتب لخص فقط رنساء النبيذ لعائشة عبد الرحمن، والذي قدمته كرسالة دكتوراه.).

إن هذه الحجة الحديثة التي عبرت عنها عائشة عبد الرحمن (إنها معروفة في العالم الإسلامي بربنت الشاطئذ كتبت رسالتها لنيل الدكتوراه في الحياة الزوجية لمحمد وأزواجه، والذي طُبع في القاهرة سنة 7691 تحت العنوان رنساء النبيذ وتُرجم إلى اللغة الانكليزية: )

إيسها إبد الءRاهمان، طهي Wيڢيس وف تهي Pروپهيت، Lاهوري 1971

لأول مرة بصراحة يجب اعتبارها انتقاداً للكتّاب الذين يحاولون تبرئة الرسول من كل شعور بشري، فتقول تعليقاً على كلام محمد حسين هيكل في شأن زواج النبي من زينب (ولا يخفى على أحد استهزاؤها اللاذع به): هل لي أن أقول بعد هذا إن الدكتور هيكل أخطأ من حيث أراد الدفاع عن الرسول؟ ذلك أنه بإنكاره ميل الرسول إلى زينب، ورفضه أن يكون ص تعلق بها، قد ألقى على المسألة ظلالاً من الريبة، توهم أن هذا التعلق خطأ لا يجوز على الرسول ومنقصة يجب أن ننزهه عنها. وما في الأمر شيء من ذلك قط، إنما هي البشرية تتعرض لما لا تملك دفعه من أهواء، فتتسامى وتترفع في نبل وعفة، ثم تأبى إلا المضي في الامتناع عما أحل الله دفعاً لمقالة الناس، ويأبى الله على رسوله ألا أن يُقدم على زواج كهذا أباحَه الشرع، وقضت به مصلحة عامة هي رألا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراًذ. ومصلحة أخرى خاصة هي أن تأمن زينب ء بنت عمة الرسول ء الأيمة والضيعة، وتنال الشرف بأن تغدو من أمهات المؤمنين. ومن هنا كان عتاب الله لرسوله، حين كتم الأمر وبالغ في كتمه، والله لا يرضى له إلا اتحاد الضمير والظاهر، والثبات في مواطن الحق، حتى يقتدي به المؤمنون فلا يستحيوا من المكافحة بالحق وإن كان مراً (عائشة عبد الرحمن، نساء النبي، ص 161 (الطبعة 31) بيروت 1958).