« أخشى عليكِ ... يا صبية! »
*****
لا تظنين أيتها الصبية
انني تعلمتُ فن الإتيكيت على يد المربية الفرنسية
أو
انني مؤمن بآله كما ربتني الخادمة الهندية
أو
انني أتحدث لغات كما رافقتني الراعية الفليبينية
أو
انني متحرر حين شاهدت الأفلام الأمريكية
أو
رومانسياً كما تخبرنا الروايات
أو
مانشاهده على الشاشة الفضية
أو
فحلاً فاعلاً كما يظهر على القنوات الهابطة الإباحية
أو
انني متحضر أو استفدت من الشهادة العالمية
بل
إنني ما زلت سطحيّ التفكير
عشوائي المشاعر
تحركني شهوتي
وتثيرني كل الغرائز البدائية
واسعى لإشباع حاجاتي العضوية
فــ لم ارتق .. بعد لحضارة الألفية
أو أفهم كثيراً في المدنية
*****
أنا كـــ الأمريكي راعٍ للبقر في ثياب زهية
أنا كــ الإنجليزي بارد المشاعر كجليد سيبيريا
المتجمد في شمال القطبية
أنا كــ الأعرابي .... البدوي الجلف الصلد
الذي بال في المساجد النبوية
دياري الصحراء الجرداء خلف الكتل الترابية
و الكثبان الرملية
أنا
كــ الأفريقي العار يربط آلته الذكورية بخشبة العفة
و يتجول بين نساء الحي
و رجال القبلية
******
أمامُكِ ..
أحسن تركيب مفردات الخطاب
و أذبح القلم بعد الإنتهاء من الخطبة
و اعتقل مَن له رأي غير ما أرى
و اسجن مَن لا يسبح بحمدي
و أعلق المشانق لمن لا يصفق لي من الرعية
*****
فأبي كان من البلطجية
و عمي من الشبيحة
و خالي تاجر حقيبة دبلوماسية
و جدتي تخطف الرضع
و تبيعها للعواقر
في سوق العطارين و الملابس المستعملة و الأحذية البالية
و عمتي ذبحت بعلها لحظة منعها أن تطل من المشربية
مرضعتي؛ تقول أمي من حي اللبان
تسكن في بيت سكينة و راية الصعيدية
*****
قال لي أبي :
"جدك كان يصطاد السمك و الطحالب من بحيرة المطرية "،
و
" جد جدك كان يختبئ خلف الأعشاب ليقتنص الغزالة في البرية ،
و
جدهُ كان يتسلق الأشجار لقطف الثمار الشهية
أما
جده الأول فكان يرتقي كــــ القردة المنطقة الجبلية ،
و كانوا يشربون من البئر دون أكواب فضية أو ذهبية
و يأكلون دون معالق إيطالية أو عاجية
و يفترشون الرمال
و يلتحفون الغمام في عيشة بدائية
و بدون مناسبة حللنا ... يا بني ... بدلا من القوى الإستعمارية
و تحكمنا في شعوبنا عوضاً عن الإمبريالية
******
أيتها الصبية!!!
أرجوكِ ... اجعليني كآدمَ ...
صنعه الخالق من قبضةٍ ترابية
خلقه الصانع بيده على بصيرة وروية
المخلوق الوحيد الذي له عقل
يفكر به
و له القدرة على التعلم
و إعادة ما لديه من ثروة معلوماتية
الله ... خلقه « كتلة بشرية »
حواء ... صقلت الــ « كتلة الإنسانية »
جعلته يَشْعُر بها
دربته أنْ يعبر عن أحاسيسه
اعطته دروساً في فن " مقدمات الحب "
جمعَ لها عطراً من زهور من حديقتها الخلفية
جعلته رجلاً ... !!!
ليس فحلاً فاعلاً
فأفسدَ عليها الشيطان تربية الذرية
و أعانه عبدالحارث و الصراع يتجدد كل ثانية
******
يا صبية !!!
اجعليني كآدمَ ... أحسن التعبير
فقد علمه ربُّه الأسماءَ كلها و حفظها بذكاء و ألمعية
فلما نسى وُلدتُ فأصابتني البلية
فرصتك مازالت سانحة ..
عشقي لك بداية المدرسة المهدية
عيناكِ ...
عينٌ كــ ضوء القمر يسلط على سبورة مطالعتي
و عينٌ كــ شمس تبصرني الطريق الهادية
جدائلك .. روابط الحساب و التاريخ و العلوم
و اللُغة الفصحى العربية
و اللُغات الحية الأجنبية
أصابعك ترسم الكون من حولي
و تحدد لي الهوية
و وقع أقدامك على المجرة
موسيقى حالمة
و زفيرك قرآن يتلى
و شهيقك آيات إنجيلية
******
اجعليني...
يا صبية رجلاً!!
كــــ آدم
أحسن معاملة النساء ...
فأقف لأحداهنَّ في حافلة المواصلات
المزدحمة للعجوز و للحامل
اجعليني ...
ياصبية رجلاً !!
كــ آدم
أكتبُ شعراً ...
لا أسرق حروف الأبجدية
و ارصها دون شعور و إحساس كــ قوالب الكونترجية
دعيني أشرب بيدي اليمنى شَهْدَكِ جالساً متربعاً
دعيني أتناول حليبي في شرفتك المطلة على ثغر الإسكندرية
علميني ...
أن العشق فناً
و ليس نزوة على الريفيرا الفرنسية
فـــ نساء فرنسا يدعينَّ أنهنَّ يحسنَّ العشقَ .. و المرأة الإيطالية
بيْد أنهنَّ فقدوا الرجل الشهم ذو الأصالة الزكية
******
تربيتُ في حقبة الجمهورية
بعد جلاء المستعمر و نيل الإستقلال و الحرية
و كنتُ أنظر باعجاب لـــ جمال
مَثلي الأعلى ... مبارك
ناهب ثروات الأمة المصرية
و محصل شيكات المساعدات الأمريكية
و حافظ أمن الصهاينة و الدولة العبرية
قائد القوات الجوية

و كنتُ ابتسم حين يفتح علي عبدالله صالح فاه ليتكلم من الإذاعة اليمنية
أو
قائد ثورة الفاتح من سبتمبر الأخ العقيد
هم
قتلوا الشيوخ و اغتصبوا حرة بلدي و ذبحوا الأطفال
و بقروا بطون الحوامل ..
إنه قائد النكسة المصرية اليمنية الليبية العربية
سرقوا ..
نهبوا ..
كمموا الأفواه ..
سجنوا أصحاب الرأي و المنادين بالحرية
و العربان ...
لا يحركون ساكناً يخشون على مقاعدهم
و يخافون على الوحدة الوطنية
و يحمون الأمة العربية
و يباركون الأمم الإسلامية
بخطابات جوفاء بـــ لكْنة خرقاء
و حروف مهلهلة و صياغة ساذجة أولية
******
يا صبية ...
أنا اخشى عليك أكثر من نفسي
فقد يكون مثالك ــــ دون أن تدري و أدري ــــ
ليلى النابلسية التونسية
أو
سوزان الإنجليزية المصرية
أو
صفية الممرضة الليبية
و حين أتزوجك تلدين لي
معمراً صالحاً مباركاً
فتفسدين بذلك الرعية و الذرية
******
أنا أحملُ بذرةَ الخطيئة الأولية
كما يقول القديس بولس رسول الأمم الوثنية
و ابن الآله لم يستطع تحرري من الخطيئة الأبدية
أو مزاولتي للمعصية
و محمد خاتم الأنبياء لم يستطع ...
فقد أخترقت منظمة المؤتمر الإسلامية
و لي صداقة مع رابطة العالم الإسلامية
و " مفرقة " العرب صارت قهوة بـــ منتدى
تقدم خدمات كمبيوترية
لأصحاب اللحى و الكروش والعروش الوهمية
و للتصفح على النت
و تقديم المهلبية
و سحب الشيشة في فضاء الأوهام الرمادية
و تربيتُ دهراً في المنظمات الشبابية
قدراتهم جميعاً فقط :
" التنديد "
و
" الشجب "
و
" الإعتراض "
ثم
الذهاب لمقر المنظمة الأممية
و الأخذُ بالفتوى التي تقول :
« قليل من الماء يطهر النجسة العاهرة الدنية »
و العمل بالآثر المشهور
« مَن كان منكم بلا خطيئة ... فليرجمها بــ حجر »
فانفض الحضور دون عتاب و ألقم الكل بحجر
و استشرى الفساد و الظلم و المحسوبية
******
ماذا ستصنعين فيَّ
أو
ماذا أصنع فيكِ

غير أنني قرأت قبل خلق آدم
قوله : « قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿ البقرة : آية ٣٠ ﴾ »
للحضرة الملآئكية

******
عندها أستيقظتُ من نوم الهجيرة على صوت المؤذن
" حيّ على الثورة العربية "
*****
د. محمد الرمادي

السبـت 20 جمـادىٰ الاولـى 1432 هـ ~ 23 ابريل 2011م