وردت شبهةٌ تقول :إن هناك تناقضًا بين قولِ رسول الإسلامِ :" لَا نُورَثُ " ،وما جاء في القرآنِ : وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ أليس هذا تناقضًا؟!

الرد على الشبهة

أولاً: إن من يدعي أن هناك تناقضًا بين القرآنِ والأحاديثِ الصحيحة فعليه أن يتهم نفسَه بالجهلِ ،فلا تناقض عندنا - - بفضل اللهِ  كما ستقدم معنا إن شاء الله  - في الرد على هذه الشبهةِ التي هي أوهن من بيت العنكبوت.

ثانيًا :إن الثابتَ عند المسلمين أن الأنبياءَ لا يورثون أموالاً ، أو كنزًا .... ثبت ذلك عن نبيِّنا r في الآتي:
1- مسند أحمد 25059 عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ r حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r أَرَدْنَ أَنْ يُرْسِلْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ لَهُنَّ عَائِشَةُ: أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ ".
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم.
(لَا نُورَثُ) أي: نحن معاشر الأنبياء ما تركنا صدقة على الفقراء....وليس لأقاربِهم منها نصيب .
2- صحيح البخاري كِتَاب (فَرْضِ الْخُمُسِ) بَاب (نَفَقَةِ نِسَاءِ النَّبِيِّ r بَعْدَ وَفَاتِهِ) برقم 2865 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ:" لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ ".
3- سنن الترمذي كِتَاب (الْعِلْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ) بَاب( مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ) برقم 2606 قالr :" إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".
تحقيق الألباني : صحيح ، ابن ماجة ( 223 ).

وأما عن قولِ اللهِ  بشأنِ سليمانَ لما ورث أباه : وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)  (النمل).
هي وراثة نبوة ،وعلم ،وملك (حكم بين الناس ) وليست وراثةَ أمولٍ ، فإن الأنبياءَ لا يورثون أمولاً ؛ إنما ورثوا العلم والنبوة والملك كما تقدم معنا ....تدلل على ذلك التفاسير التي يؤمن بها المسلمون منها:
1- تفسير الجلالين : "وَوَرِثَ سُلَيْمَان دَاوُود" النُّبُوَّة وَالْعِلْم دُون بَاقِي أَوْلَاده "وَقَالَ يَا أَيّهَا النَّاس عُلِّمْنَا مَنْطِق الطَّيْر" أَيْ : فَهْم أَصْوَاته "وَأُوتِينَا مِنْ كُلّ شَيْء" تُؤْتَاهُ الْأَنْبِيَاء وَالْمُلُوك "إنَّ هَذَا" الْمُؤْتَى "لَهُوَ الْفَضْل الْمُبِين" الْبَيِّن الظَّاهِر.أهـ
2- التفسير الميسر: وورث سليمان أباه داود في النبوة والعلم والملك، وقال سليمان لقومه: يا أيها الناس عُلِّمنا وفُهِّمنا كلام الطير، وأُعطينا مِن كل شيء تدعو إليه الحاجة، إن هذا الذي أعطانا الله تعالى إياه لهو الفضل الواضح الذي يُمَيِّزنا على مَن سوانا.أهـ
3- قال ابنُ كثيرٍ – رحمه الله - في تفسيرِه : وقوله: { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } أي: في الملكِ والنبوةِ، وليس المراد وراثَةَ المال؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإنه قد كان لداود مائةُ امرأة. ولكن المراد بذلك وراثةُ الملك والنبوة؛ فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، كما أخبر بذلك رسول الله r في قولِه: نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة . أهـ
قلتُ : على هذا أتفق المفسرون فلا يوجد أدنى تناقض كما ذكر المعترضون ... ثم إن الآية التي معنا هي كقولِ اللهِ عن زكريا  وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)  (مريم ).

ثالثًا : إن وراثة الأموال التي يتحدث عنها المعترضون هي من أخبارِ الإسرائيليات التي لا تتفق مع معتقدنا ؛فقد نسب الكتابُ المقدس لسليمانَ أنه قتل أخاه الأكبر( أَدُونِيَّا ) ، من أجلِ الملكِ ؛ لأن أَدُونِيَّا كان الأكبر في السن وله الحق بالملك منه فقتله .... جاء ذلك في سفر الملوك الأول أصحاح 2 عدد23وَحَلَفَ سُلَيْمَانُ الْمَلِكُ بِالرَّبِّ قَائِلاً: «هكَذَا يَفْعَلُ لِيَ اللهُ وَهكَذَا يَزِيدُ، إِنَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ أَدُونِيَّا بِهذَا الْكَلاَمِ ضِدَّ نَفْسِهِ. 24وَالآنَ حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي ثَبَّتَنِي وَأَجْلَسَنِي عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ أَبِي، وَالَّذِي صَنَعَ لِي بَيْتًا كَمَا تَكَلَّمَ، إِنَّهُ الْيَوْمَ يُقْتَلُ أَدُونِيَّا». 25فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ بِيَدِ بَنَايَاهُو بْنِ يَهُويَادَاعَ، فَبَطَشَ بِهِ فَمَاتَ.

كتبه الشيخ / أكرم حسن مرسي
نقلاً عن كتابه رد السهام عن الأنبياء الأعلام – عليهم السلام –
في دفع شبهات المنصرين عن أنبياء رب العالمين