أثيرت شبهة حول نبيِّ اللهِ يحي يقول أصحابُها : إن المفسرين يذكرون لنا أن يحي النبي (يوحنا ) كان عنينًا ،وذلك في تفسيريهم لهذه الآية :  فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)  (آل عمران).
اعتمدوا على ذلك بما جاء في الآتي:
1- تفسير الجلالين: "فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَة" أَيْ: جِبْرِيل "وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب" أَيْ :الْمَسْجِد "أَنَّ" أَيْ :بِأَنَّ وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ بِتَقْدِيرِ الْقَوْل "اللَّه يُبَشِّرك" مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا "بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ" كَائِنَة "مِنْ اللَّه" أَيْ بِعِيسَى أَنَّهُ رُوح اللَّه وَسُمِّيَ كَلِمَة لِأَنَّهُ خُلِقَ بِكَلِمَةِ كُنْ "وَسَيِّدًا" مَتْبُوعًا "وَحَصُورًا" مَمْنُوعًا مِنْ النِّسَاء "وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ" رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَل خَطِيئَة وَلَمْ يَهِمّ بِهَا.أهـ
2- تفسير ابن كثير: وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، أنبأنا جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس في الحَصُور: الذي لا ينزل الماء، وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثا غريبًا جدا فقال: حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب البغدادي، حدثني سعيد بن سليمان، حدثنا عبادة -يعني ابن العوام-عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المُسَيَّب، عن ابن العاص -لا يدري عبد الله أو عمرو-عن النبي r في قوله: { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } قال: ثم تناول شيئا من الأرض فقال: "كان ذكره مثل هذا" .
ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سِنان، حدثنا يحيى بن سعيد القَطَّان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري؛ أنه سمع سعيد بن المُسَيَّب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص  يقول: ليس أحد من خلق الله لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا، ثم قرأ سعيد: { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } ثم أخذ شيئا من الأرض فقال الحصور ما كان ذكره مثل ذي وأشار يحيى بن سعيد القطان بطرف إصبعه السبابة. فهذا موقوف وهو أقوى إسنادًا من المرفوع، بل وفي صحة المرفوع نظر، والله  أعلم. أهـ

الرد على الشبهة

أولا:إن سياق الآيات فيها مدح لهذا النبيِّ الكريم ،والعنة ليست من المدح في شيء...بل تكون من الذم الذي لا مرية فيه.... ثم إن ابن كثير ينفي رفع الروايات للنبيِّ r لما قال: " وفي صحة المرفوع نظر، والله أعلم ".

ثانيًا:إن معنى حصورًا ليست عنينًا ،أولا يشتهي النساءَ ؛بل معناها أنه كان يحصر نفسَه على طاعةِ الله،ويحبس نفسه عن الشهوات والمغريات..... يدلل على ذلك الآتي:
أولاً:إن ظاهر القران الكريم ليس فيه هذا الادعاء السخيف... فين الدليل من القران على ذلك؟!
ثانيًا: إن السنة المطهرة الصحيحة لم تذكر مثل هذا الأمر قط ،بل مدحته بأنه كان يحصر نفسه عن المعاصي وهو مقدم عن سائر الأنبياء في ذلك ؛جاء ذلك في مسند أحمد برقم 2600 ، وصححه الألبانيُّ في السلسةِ الصحيحةِ برقم2984
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:" مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ".
ثالثًا:إن إجماع المسلمين على خلاف ما جاء في تلك الفرية فالله سبحانه لم يرسل رسولاً بمرض ينفر منه الناسُ أو فيه منقصة لقدره...
رابعًا :إن كثيرًا من المفسرين و المحدثين ، لم يفسروا الآيةَ كما فسرها من استشهد بهم المعترضون،فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ذلك فيما يلي:
1-التفسير الميسر: فنادته الملائكة وهو واقف بين يدي اللهِ في مكان صلاته يدعوه: أن الله يخبرك بخبر يسرُّك، وهو أنك سترزق بولد اسمه يحيى، يُصَدِّق بكلمة من الله -وهو عيسى ابن مريم  ويكون يحيى سيدًا في قومه، له المكانة والمنزلة العالية، وحصورًا لا يأتي الذنوب والشهوات الضارة، ويكون نبيّاً من الصالحين الذين بلغوا في الصَّلاح ذروته.أهـ
2-تفسير ابن كثير: قال القاضي عياض في كتابه الشفاء: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان { حَصُورًا } ليس كما قاله بعضهم: إنه كان هيوبا، أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حُذَّاقُ المفسرين ونقاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولا تليق بالأنبياء- عليهم السلام- وإنما معناه: أنه معصوم من الذنوب، أي: لا يأتيها كأنه حصر عنها، وقيل: مانعا نفسه من الشهوات. وقيل: ليست له شهوة في النساء.
وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها: إما بمجاهدة كعيسى أو بكفاية من الله عز وجل، كيحيى . ثم هي حق من أقدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه درجة علياء، وهي درجة نبينا محمد r الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة، بتحصينهن وقيامه عليهن، واكتسابه لهن، وهدايته إياهن. بل قد صرّح أنها ليست من حظوظ دنياه هو، وإن كانت من حظوظ دنيا غيره، فقال: "حُبِّبَ إليَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ". هذا لفظه. والمقصود أنه مدح يحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء، بل معناه كما قاله هو وغيره: أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال: { هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } كأنه قال: ولدًا له ذرية ونسل وعَقِب، والله أعلم.أهـ
3-تفسير البغوي: قوله تعالى: { وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } الحصور أصله من الحصر وهو الحبس. والحصور في قول ابن مسعود  وابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة  وعطاء والحسن: الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن، وهو على هذا القول فعول بمعنى فاعل يعني أنه يحصر نفسه عن الشهوات [وقيل : هو الفقير الذي لا مال] له فيكون الحصور بمعنى المحصور يعني الممنوع من النساء. قال سعيد بن المسيب: كان له مثل هدبة الثوب وقد تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره. وفيه قول آخر: أن الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه. واختار قوم هذا القول لوجهين { أحدهما } : لأن الكلام خرج مخرج الثناء، وهذا أقرب إلى استحقاق الثناء، و{ الثاني } : أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء.أهـ
4- قال بن حجر في الفتح :قَوْله : ( وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : وَحَصُورًا لَا يَأْتِي النِّسَاء )
وَقَعَ هَذَا بَعْد ذِكْر الْمُسَوَّمَة ، وَصَلَهُ الثَّوْرِيّ فِي تَفْسِيره عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر بِهِ ، وَأَصْل الْحَصْر الْحَبْس وَالْمَنْع ، يُقَال لِمَنْ لَا يَأْتِي النِّسَاء أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ بِطَبْعِهِ كَالْعِنِّينِ أَوْ بِمُجَاهِدَةِ نَفْسه ، وَهُوَ الْمَمْدُوح وَالْمُرَاد فِي وَصْف السَّيِّد يَحْيَى  .

ثالثًا: إن الأناجيل تذكر أن يوحنا) يحي) كان حصورًا في طاعةِ الله ....كما ذكره نبيُّناr ... يقول عنه كاتبُ إنجيل متى : " يوحنا عند الجميع نبي " (متى 21/26) .
وفي موضعٍ آخرٍ " أفضل من نبيٍّ " (متى 11/9).
هذه تدعم ما سبق بيانه ،وتبطل شبهتهم من كتابهم ...- بفضل الله تعالى-

كتبه الشيخ / أكرم حسن مرسي
نقلاً عن كتابه رد السهام عن الأنبياء الأعلام – عليهم السلام –
في دفع شبهات المنصرين عن أنبياء رب العالمين