الشيخ جاد الحق.. هكذا يكون شيخ الأزهر

الأربعاء, 30 مارس 2011



جاد الحق على جاد الحق

كتبت-هبة عبد الهادى:


إن من عباد الله أناسا اختارهم الله ليكونوا مصابيح نور, تحن السماء إلى طلعتهم, فهم أناس سرائرهم كعلانيتهم, وأفعالهم كأقوالهم, ترتفع المناصب بهم....وتبكى لفراقهم....فهم يزينون الكراسى وهم أزهد الناس..... يصدعون" يقولون"بالحق ولو كان مرًا ...ومن هؤلاء النبلاء الشيخ "جاد الحق" فقد كان الشيخ زاهدا فى الدنيا... ضاربا المثل الصادق للعلماء الربانيين. هو من الأعلام الذين حملوا راية العلم ومصباح النور ليضيئوا الطريق حتى نعبر جميعا جسرا عاليا من الظلام, فالشيخ "جاد الحق" من أبرز علماء الأزهر الشريف تلك المؤسسة العريقة التى أفرزت لنا العديد من الشيوخ والمواهب والأعلام المصرية ذات القيمة الغالية والعالية فى شتى بقاع الأرض.

زهد الشيخ رحمه الله

لقد بلغ الشيخ "جاد الحق"مبلغا عجيبا من الزهد, فكان الشيخ يسكن فى إحدى الشقق العادية لم يكن كغيره ممن يسكنون الفيلل والقصور, فكان عفيف النفس,زاهدا فى الدنيا, راضيا بما قسمه الله له, فلم يحاول أن يستغل نفوذه أو سلطته, لجلب مصلحة شخصية... فكان الشيخ يسمى بشيخ الزهاد وذلك لأنه ضرب أروع الأمثلة فى الزهد.

وعندما حصل الشيخ على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام والمسلمين لم يأخذ منها لنفسه شيئا, بل أقام بها مجمعا إسلاميا كبيرا, فى قريته يضم معهدا أزهريا, ومسجدا, ومستشفى خدمة لأهل القرية.

أدب الشيخ جاد

كان الشيخ "جاد الحق" عالما, فأثر العلم فيه ظاهرا وباطنا, وكان عف اللسان, وقّافا عند حدود الله, حكيما فى تصرفاته, يحسن المعاملة مع كل الظروف, وكان حليما لا يغضب سريعا, حريصا فى أحكامه, كان ودودا, عطوفا, يحب الخير للناس.

مواقف الشيخ الجريئة

لم يكن الشيخ جاد الحق خطيبا مفوها, لكنه كان باحثا دقيقا, فترك مئات الفتاوى الشرعية القيمة فى مختلف المجالات, وكان معروفا بدقة ألفاظه, وقلة عباراته, وبراعته فى الخروج من المواقف الصعبة.

ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1- أنه عندما تولى مشيخة الأزهر الشريف فتح باب الأزهر على مصراعيه أمام الطلاب الوافدين من الوطن الإسلامى وخارجه, وزاد من المنح الدراسية لهم, حتى يعودوا لأوطانهم دعاة للإسلام, وقد نجح الشيخ فى فتح فروع للأزهر الشريف فى جميع أنحاء مصر, وعقدت الجامعة فى عصره لأول مرة مؤتمرات دولية فى قضايا طبية وزراعية وثقافية مهمة تحدد رأى الأزهر والإسلام فيها.

2- كان موقفه واضحا من العدو الصهيونى, وكانت عبارات السخرية التى يطلقها على إسرائيل والأمريكان تزيد من مكانته العالية وشعبيته الطاغية بين الناس, وترفع من مكانة الأزهر الشريف فى نفوس أبناء الأمة الإسلامية, فرفض مسألة التطبيع مع إسرائيل.

3- ونراه عندما اختير رئيسا للمجلس الإسلامى العالمى للدعوة والإغاثة, كان نصيرا للأقليات المسلمة المستضعفة فى العالم, وكان فى أى حديث له أو حواراته مع الصحف ينبه إلى خطورة التحديات التى تواجه هذه الأقليات, فكان دائم العى لحماية حقوقهم, والحفاظ على حياتهم وأموالهم.

4- وعندما نشبت حرب الإبادة للمسلمين فى البوسنة, كان رحمة الله عليه أول من أعلن أن هذه الحرب هى صليبية فى المقام الأول, وهدفها هو إبادة المسلمين فى البوسنة, وهو أول من دعا لعقد مؤتمر إسلامى فى الأزهر غقب صلاة الجمعة لمناصرة إخواننا المستضعفين فى البوسنة والهرسك, وقد نجح الشيخ وقتها نفضل منصبه كرئيس لمجلس الدعوة والإغاثة أن يجمع ملايين الدولارات ويرسلها إلى المجاهدين فى البوسنة.

5- أما بالنسبة لموقفه من القضية الفلسطينية, خاصة قضية القدس فقد كان الشيخ مشغولا بهذه القضية المهمة التى تشغل حيزا كبيرا من الوطن العربى, فعندما قررت أمريكا أن تنقل سفارتها إلى القدس المحتلة, أصدر الشيخ بيانا صريحا قال فيه" إن أمريكا تدعى أنها صديقة العرب, وهى أصدق فى صداقتها لإسرائيل, تؤيدها وتدفعها إلى المزيد من العدوان على العرب, وتساعدها على وضع العراقيل أمام عملية السلام التى تتظاهر بدعمها, إن الأزهر الشريف يرفض هذا القرار الظالم من أمريكا التى تسعى إلى إتمام السلام,ولكن هذا القرار أكد أن دعاة السلام هم دعاة الغدروالاغتيال للأرض والعرض.

6- وكذلك رفض الشيخ لما تردد عن حصول إسرائيل على مياه النيل من خلال مشروع ترعة السلام وقال مقولته الشهيرة:" إن حصول إسرائيل على مياه النيل أصعب من امتلاكها سطح القمر". وعن قتل إسرائيل أسرى حرب 1967 فقد قال رحمة الله عليه إن القتل العمد ضد أسرانا يستحق القصاص.

7- وقد رفض الشيخ أيضا القرارات التى كان من المفترض أن تصدرها مصر, وكانت هذه القرارات تخالف صحيح الدين الإسلامى والأديان السماوية.

حيث تناقلت وسائل الإعلام المختلفة, قبيل انعقاد مؤتمر السكان الذى يتضمن إباحة الشذوذ الجنسى, والزنا, وإباحة مسألة الإجهاض, وإباحة كل ما حرم الله.وعندما علم الشيخ بهذه الوثيقة بعد دراستها ودراسة ما جاء فيها أصدر بيانا شديد اللهجة والصراحة والرفض لمثل هذه الوثيقة وقد أكد البيان أن"الإسلام لا يقر أي علاقة إباحية خارج نطاق الزواج الشرعى, كما يحرم الإسلام الزنا, وإجهاض الجنين ولو جاء من الزنا, وأهاب بالأمة حينها عدم الالتزام بأى بند يخالف الشريعة الإسلامية.

8- ومن مواقفه الجريئة التى لا تنسى موقفه من قرار وزير التعليم وقتها بمنع الحجاب فى المدارس الابتدائية والاعدادية, وضرورة موافقة أولى الأمر على ارتداء ابنته الحجاب, فقد وقف الشيخ موقفا متشددا من هذا القرار وأصدر بيانا قال فيه:"إن القرار الوزارى يخالف الشريعة الإسلامية ونصوص الدستور, وقد تم وقتها منع هذا القرار من التفعيل.

وكان للشيخ "جاد الحق" مواقف جريئة وشجاعة فى الكثير من القضايا المحلية والدولية, تمسك فيها بموقف الإسلام, انطلاقا من موقعه كشيخ للأزهر.

مؤلفات الإمام

وهناك العديد من المؤلفات التى تركها الشيخ العلامة الإما "جاد الحق", فقد ترك لنا تراثا زخما علميا, به الكثير من الفتاوى المهمة والمقالات التى كتبها الشيخ فى حياته, ومنها

(مع القرآن الكريم, النبى فى القرآن الكريم, الفقه الإسلامى, بيان الناس, رسالة فى القضاء فى الإسلام).

نبذة عن نشأته

ولد لشيخ "جاد الحق" فى 13 جمادى الآخرة من عام 1917 ميلادى ببلدة" طرة" مركز "طلخا" الدقهلية. فقد نشأ الشيخ نشأة دينية خالصة, وكان والده رجلا صالحا معروفا بالأمانة وحملها, وقد أثرت هذه النشأة عليه كثيرا, فحفظ القرآن, وأجاد القراءة والكتابة فى سن مبكرة, فالتحق بالمعهد الأزهرى ثم التحق بكلية الشريعة الإسلامية وتخرج فيها عام 1944.

وقد عين الشيخ مفتيا للديار المصرية, ثم وزيرا للأوقاف عام1982 وبعدها عين شيخا للأزهر, وقد توفى الشيخ رحمة الله عليه عام 1996ومات متوضيئاوهو يشرع للصلاة.

قـــــــــــــــالـــــــــــــــوا عــــــــــــنــــــــــه:

1- الشيخ القرضاوى"إن الرجل قدر المنصب الذى كان فيه, فلم ينزلق بالأزهر إلى الفتاوى التى زلت أقدام آخرين, وحافظ على كرامة الأزهر".

2- وقال عنه علماء المسلمين" لقد كان جاد الحق صادقا مع نفسه فصدق مع ربه, كانت عقليته عقلية القاضى الذى ينظر إلى الأمور بهدوء".

3- ويقول عنه محمد رجب البيومى" لقد كان مجاهدا عمليا, يصدع بكلمة الحق تاركا جزاء كفاحه لربه".



موقع الوفد - الأربعاء, 30 مارس 2011