العقيدة الطحاوية شرح ابن أبي العز/ من موقع:
http://ar.wikisource.org/wiki/
المتن:"ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة"يقول الشيخ ابن أبي العز:"قوله ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا"
شرح : قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . وفي الصحيح عن النبي أنه قال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف . وعند البخاري : ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة . وفي الصحيحين أيضاً : على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة . وعن حذيفة بن اليمان قال : كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر ، مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : نعم ، وفيه دخن ، قال : قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يسنون بغير سنتي ، ويهدون بغير هدي ، تعرف منهم وتنكر ، فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال : نعم : دعاة على أبواب جهنم . من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت : يا رسول الله ، صفهم لنا ؟ قال : نعم ، قوم من جلدتنا ، يتكلمون بألستنا ، قلت : يا رسول الله ، فما ترى إذا أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك . وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات ، فميتته جاهلية . وفي رواية : فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما . وعن عوف بن مالك رضي الله عنه ، عن رسول الله قال : خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ، فقلنا : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك ؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا من ولي عليه وال ، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يداً من طاعته .
فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر ، ما لم يأمروا بمعصية ، فتأمل قوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم - كيف قال : وأطيعوا الرسول ، ولم يقل : وأطيعوا أولي الأمر منكم ؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة ، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله . وأعاد الفعل مع الرسول لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله ، بل هو معصوم في ذلك ، وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله ، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله . وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور ، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل ، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل . قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وقال تعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم وقال تعالى : ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك . وقال تعالى : وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون . فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم ، فليتركوا الظلم . وعن مالك بن دينار : أنه جاء في بعض كتب الله : أنا الله مالك الملك ، قلوب الملوك بيدي ، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، لكن توبوا أعطفهم عليكم.


صحيح مسلم بشرح النووي، الإصدار 2.01 - للإمام محي الدين بن شرف النووي.
الجزء الثاني عشر >> كتاب الإِمارة >> -75- باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية
من موقع المحدث:
25- وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي: الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنْ يَزِيدَ -وَهُوَ: ابْنُ الْهَادِ- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ.
26- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي بُكَيْرٌ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ مَرِيضٌ.
فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا -أَصْلَحَكَ اللَّهُ- بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ.
فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ.
قَالَ: "إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ، مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
-----------------------------------------
قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ، مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) هكذا هو لمعظم الرُّواة.
وفي معظم النُّسخ: بواحاً بالواو.
وفي بعضها: براحاً، والباء مفتوحة فيهما. (ج/ص: 12/229)
ومعناهما: كفراً ظاهراً، والمراد بالكفر هنا: المعاصي.
ومعنى عندكم من اللهِ فيه برهان أي: تعلمونه من دين اللهِ.
ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلاَّ أن تروا منهم منكراً محقَّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحقِّ حيث ما كنتم، وأمَّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السُّنَّة أنَّه لا ينعزل السُّلطان بالفسق.
وأمَّا الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا: أنَّه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضاً، فغلط من قائله مخالف للإجماع.
قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتَّب على ذلك من الفتن، وإراقة الدِّماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه.
قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنَّه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصَّلوات والدُّعاء إليها، قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة.
قال: وقال بعض البصريِّين تنعقد له وتستدام له لأنَّه متأوِّل.
قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشَّرع، أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاَّ لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلاَّ إذا ظنُّوا القدرة عليه، فإن تحقَّقوا العجز، لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، ويفرَّ بدينه.
قال: ولا تنعقد لفاسق ابتداء، فلو طرأ على الخليفة فسق، قال بعضهم: يجب خلعه إلاَّ أن تترتَّب عليه فتنة وحرب.
وقال جماهير أهل السُّنَّة من الفقهاء، والمحدِّثين، والمتكلِّمين: لا ينعزل بالفسق، والظُّلم، وتعطيل الحقوق، ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك.
قال القاضي: وقد ادَّعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع.
وقد ردَّ عليه بعضهم هذا بقيام الحسن، وابن الزُّبير، وأهل المدينة على بني أميَّة، وبقيام جماعة عظيمة من التَّابعين والصَّدر الأوَّل على الحجَّاج مع ابن الأشعث.
وتأوَّل هذا القائل قوله: أن لا ننازع الأمر أهله في أئمَّة العدل.
وحجة الجمهور: أنَّ قيامهم على الحجَّاج ليس بمجرَّد الفسق، بل لما غيَّر من الشَّرع، وظاهر من الكفر.
قال القاضي: وقيل: إنَّ هذا الخلاف كان أوَّلاً، ثمَّ حصل الإجماع على منع الخروج عليهم، واللهُ أعلم.
قوله: (بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ) المراد بالمبايعة: المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع، لأنَّ كلَّ واحد من المتبايعين كان يمدُّ يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكفِّ. (ج/ص: 12/230)
وقيل: سمِّيت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم اللهُ من عظيم الجزاء.
قال اللَّهُ: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] الآية.
قوله: (وَعَلَىَ أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ) معناه: نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر في كلِّ زمان ومكان، الكبار والصِّغار، لا نداهن فيه أحداً، ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمَّة.
ففيه: القيام بالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر.
وأجمع العلماء على أنَّه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا، ومذهب الجماهير.
وحكى القاضي هنا عن بعضهم: أنَّه ذهب إلى الإنكار مطلقاً في هذه الحالة وغيرها.
وقد سبق في باب الأمر بالمعروف في كتاب (الإيمان) وبسطته بسطاً شافياً