تشكل بكنوزها مؤسسة ثقافية متكاملة
مكتبة جامع الشيخ زايد... منارة إشعاع حضاري

أبوظبي- محمد مصطفى موسى

التاريخ: 14 مارس 2011

«أمة لا تقرأ هي أمة بلا حاضر ولا مستقبل»، «قل لي: ما تقرأ، أقل لك من تكون»، «أنا من بدّل بالكتب الصحابا، فلم أجد لي وافيا إلا الكتابا».. هذه الحكم الخالدة، والعبارات التي تفيض إشادة ومديحاً للقراءة، والتي أطلقها شعراء وكتاب وفلاسفة ومفكرون، تؤكد لنا ما للقراءة من قيمة سامية، وتكشف حقاً أن الأمم الساعية إلى النهضة، لن تتلمس معالم طريقها بغير غرس هذه الهواية الراقية، في نفوس أبنائها، صغاراً وشباباً وشيوخاً.

وتعد مكتبة جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، واحدة من أهم منارات العلم على أرض الدولة، حيث تسعى انطلاقاً من رؤيتها إلى استئناف روح التفاعل مع الآخر والإفادة من المعارف العالميّة وتشجيع البحث العلمي الذي ميّز عصور التقدّم العربيّة الإسلاميّة، عن طريق توفير مصادر استثنائيّة تجعل منها، في غضون السنوات العشر المقبلة، واحدة من المكتبات المميّزة في نوعية مقتنياتها العالمية الخاصّة بموضوعة الحضارة الإسلامية كما تتبدّى في مرايا الآخرين، ومركزاً علمياً مرموقاً للحوار والتسامح والتفاعل بين الحضارات.

يقول طلال المزروعي مدير إدارة الأنشطة والفعاليات في مركز جامع الشيخ زايد الكبير: تهدف المكتبة إلى تحقيق مجموعة متشابكة من الأهداف من أبرزها توفير مختلف أوعية الإنتاج الفكري وتنظيمها من كتب ودوريات ومواد سمعيّة وبصريّة، ومخطوطة تتوزع على مجالات المعرفة المختلفة.

كما تهتم باقتناء النتاج الفكري المتعلّق بالحضارة الإسلامية وعمارتها وفنونها وعلومها، المكتوب باللغات العالميّة الحيّة، وتوثيقه بجميع أشكاله من الدوريّات والبحوث والدراسات المتخصصّة والمقارنة، وكذلك نشر المعرفة والثقافة المعاصرة والاهتمام بالموروث العربي والإسلامي والإسهام في إحيائه وتجديده وقراءته، فضلاً عن توفير الخدمات المكتبيّة النوعيّة والمساهمة في إدارة الفعاليات والأنشطة بمركز جامع الشيخ زايد الكبير الخاصّة بأعمال الترجمة والنشر العلمي في مجالات العلوم العربية والإسلامية، بما يحقق إضافة نوعية للبحث العلمي.

ورداً على سؤال حول مقتنيات المكتبة يقول: تضمّ المكتبة مصادر أساسية متخصصّة في العمارة الإسلامية وفنونها وعلومها، تتمحور حول الحضارة الإسلامية كما تتبّدى في تصورات الآخرين. وقد شرعت المكتبة بتوجيه من سموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، وبدعم سخيّ منه في بناء مقتنياتها بإعداد ثلاثة آلاف عنوان من أوعية المعلومات المطبوعة من كتب ودوريات عن الفنون والعمارة الإسلامية وتاريخها مكتوبة في اثنتي عشرة لغة حيّة أو يزيد، كما يتوافر في المكتبة مجموعات من نفائس الكتب النادرة ذات الطبعات الفريدة في قيمتها العلميّة أو التاريخيّة، والأخرى القديمة والمميزّة في بابها.

سرعة قياسية

وتهتم المكتبة بتنمية محتوياتها، حيث تزيد مقتنيات المكتبة بسرعة قياسيّة وهذه المقتنيات متاحة للباحثين والمهتمّين وأصحاب الاختصاص. ويقع اقتناء هذه المجموعات ضمن أهداف المكتبة واهتمامها بالحفاظ على التراث العالمي المطبوع في شتى المجالات والعلوم والمعرفة، كما تضمّ المكتبة نسخاً من المخطوطات العربية النفيسة والكتب النادرة والوثائق وطبعات للقرآن الكريم، طبعت في أوروبا، خلال المدّة الزمنية الواقعة بين (‬1537-‬1857) وهي تبلغ في مجموعها (‬50679) ملفوفة مصوّرة من مجموع المخطوطات، التي تضمّ طبعات نادرة جداً.

ويؤكد أن المكتبة ليست مجرد مكان للقراءة فقد حرصت على الخروج من هذه الرؤية التقليدية، لتكون مؤسسة ثقافية متكاملة، حيث تبذل قصارى جهدها لرصد التراث العربي والإسلامي والإسهام في إحيائه ونشره بما يتلاءم ومتطلبات اللحظة الحاضرة، كما تسهم في خدمة المجتمع وتنميته على المستوى الثقافي، من خلال إقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات والمعارض والاحتفال بالمناسبات الدينيّة والوطنيّة والاجتماعيّة، ودعم حركة البحث العلمي تأليفاً وترجمة ونشراً، وتوفير خدمات المعلومات، وتبادل الخبرات مع المؤسسات المتخصصة وتنظيم الزيارات، إضافة إلى وجوب قيام المكتبة بعرض مطبوعات المركز من الإنتاج الفكري الذي يدعم اهتماماتها ورؤيتها وأهدافها في نشر المعرفة والثقافة، وتبادله مع نظيراتها من المكتبات والمراكز.

ويضيف طلال المزروعي: عرف المسجد في عصور ازدهار الإسلام بدوره الثقافي والعلمي والحضاري ولم يكن مجرد مكان للعبادة فقط، هل يمكن القول أن تأسيس مثل هذه المكتبة خطوة على طريق استعادة الدور الحضاري الغائب للمسجد؟

المساجد منذ صدر الإسلام وحتى الآن هي حواضن التربية الإسلامية وركيزة بناء المجتمع الإسلامي وتكوين الفرد المسلم، وعبر العصور الإسلامية المختلفة ارتبطت المؤسسات التربوية كالكتاتيب والمدارس والمكتبات ودور الحكمة بالمساجد ارتباطاً وثيقاُ، بل أنها نشأت فيها أو بجوارها وتطورت بتطورها .

ولن تستعيد الأمة الإسلامية مجدها وازدهارها إلا بتمسكها بدينها والعمل على إحياء تراثها الثقافي والعلمي من خلال الاهتمام بالمؤسسات التربوية وعلى رأسها المساجد.

متعة لا تضاهى

يؤكد عدد من الشباب الذين يترددون على المكتبة باستمرار أنها تشكل بالنسبة لهم مزارا مهماً يحرصون على التردد عليه أسبوعياً حتى يشبعوا رغبتهم في القراءة والإطلاع على ما تحتويه من كنوز ثقافية.

ويقول عمر النقبي «طالب جامعي»: أتيت إلى المكتبة لأول مرة بالصدفة قبل ستة أشهر تقريباً مع مجموعة من الأصدقاء، فشعرت بالانبهار بما تحتويه من كتب نادرة ومخطوطات، حتى أصبحت أزورها أسبوعياً الأمر الذي ساهم كثيراً في مساعدتي في دراستي وفي توسيع مداركي، مشيراً إلى أنه إلى جانب القراءة يهوى السينما غير أن التردد على السينما قد أصبح أقل من ذي قبل.

ويؤكد زميله حسن الشحي أنه ورفاقه يأتون إلى المكتبة في مجموعة ويتنافسون في قراءة أكبر كم ممكن من الكتب، موضحاً أنه يحب الكتب الدينية التي تتناول حياة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين، ففي سيرتهم كنوز أخلاقية وكلما قرأ الإنسان عنهم كلما سعى إلى التسامي أخلاقيا وفكريا.

ويرى أحمد النيادي أن القراءة متعة عقلية وعملية تدريب متواصلة، وتتطلب من الإنسان الإصرار عليها حتى تصبح عادة يومية، مشيراً إلى أن من لم يجرب متعة القراءة فقد ضيع على نفسه سعادة لا يمكنه أن يجدها في هواية أخرى.


قراءة عنكبوتية

طرحت مكتبة جامع الشيخ زايد الكبير كافة محتوياتها على الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» في خطوة تستهدف طرح ما تحتويه من أمهات الكتب على الناشئة الأكثر إقبالاً على القراءة الإلكترونية.

وتتسم طريقة تصنيف المحتويات بالاعتماد على أسلوب الوصف المادي والموضوعي للكتب والمخطوطات فقط، ويمكن لأي باحث أو مهتم البحث عما يريده من خلال إدخال اسم المؤلف أو عنوان الكتاب أو المخطوطة، ومن الخطط المستقبلية للمكتبة نشر نصوص كاملة لبعض الكتب التي تضمها ومن بينها الكتب النادرة، ويجري الإعداد لذلك الآن من أجل التسهيل على الباحثين والمهتمين، كي يستطيعوا الاستفادة من محتويات المكتبة سواء كان ذلك من خلال التواجد داخلها أو من أي مكان آخر في العالم.

وتأتي هذه الخطوة لتسهيل نشر المعرفة والثقافة المعاصرة وتسهيل مهمة البحث العلمي، خصوصاً في مجال الحضارة العربية والإسلامية.

وتتطلّع المكتبة في المستقبل القريب إلى تكوين قواعد للبيانات والحصول على مصادر المعلومات مخزّنة على أقراص بصرية، وبناء شبكات المعلومات الداخلية التي تساعد على تنظيم المعلومات وتداولها، وستقوم المكتبة في مجال خدمات المعلومات بتقديم المعلومات والإجابات عن الاستفسارات المباشرة، أو تلك التي ترد عبر وسائل الاتصالات المختلفة، وستقدّم خدماتها بمستوى من الجودة يفوق مستوى توقعات المستفيدين من هذه الخدمات، ويلبّي احتياجاتهم ويرضي طموحهم، عن طريق إنشاء بنية مكتملة الأركان من التجهيزات الحديثة والنظم المستجدة التي تتوافق مع متطلبات البحث العلمي.


ثروة

50 ألف مخطوطة جديدة

تستعد مكتبة جامع الشيخ زايد الكبير بإثراء محتوياتها، عبر اقتناء ‬50 ألف مخطوطة جديدة من مخطوطات المكتبة البريطانية، على مصغرات فيلمية «ميكروفيش»، وستكون متاحة لرواد المكتبة عقب وصولها، وستعمل إدارة المكتبة على تحويلها من «ميكروفيش» إلى أسطوانات رقمية «ديجتال» ومن ثم وضعها على موقع المكتبة الإلكتروني لتكون متاحة للباحثين والمهتمين من كل أنحاء العالم، وهذه المخطوطات تتضمن موضوعات في الحضارة العربية الإسلامية وبعض المعارف والعلوم الأخرى.


عناوين

كتب نادرة تحتضنها أركان المكتبة

تضم المكتبة كتاباً نادراً صدر عام ‬1905 عن «تصاميم السجاد في آسيا» ويشرح عبر رسومات أصلية، كيفية صناعة السجاد في بعض الدول مثل إيران والهند وباكستان وبعض الدول الآسيوية الأخرى،أما بخصوص الكتب التي تضمها المكتبة ولا يوجد منها سوى نسخة واحدة على مستوى العالم، فيوجد كتابان، الأول عن «معالم الفن العربي» ونشر عام ‬1897 في فرنسا، والكتاب الثاني عبارة عن نسخة صادرة عام ‬1921 من الدورية البريطانية «كتالوج الكتب المطبوعة» والتي كانت بدايات صدورها عام ‬1744.



موقع البيان - ديارنا - 14 مارس 2011