قالوا : تنكرون علينا أن اللهَ تجسد في يسوعَ ، ولا تنكرون كلام نبيِّكم أن اللهَ خلقَ آدمَ على صورتِه؟
ثم ذكروا ما ثبت في صحيحِ مسلمٍ كِتَاب ( الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ) بَاب (النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ) برقم 4731حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r وَفِي حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ:" إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ".

• الرد على الشبهة

أولاً : إن هذا الحديثَ محل شبهتهم لا يخدم المعترضين بحالٍ من الأحوالِ ؛لأنه من جهةٍ أخري تغيب عن عقولِهم يدل على رحمتِه r ، وعطفِه على الناسِ ،وذلك إذا اقتتلوا مع بعضِهم البعض يكون لهم r ناصحًا أمينًا ؛هذا واضحٌ من قولِه r : " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ".
قال النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه لصحيحِ مسلمٍ : قَوْله r : ( إِذَا قَاتَلَ أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ )
وَفِي رِوَايَة : ( إِذَا ضَرَبَ أَحَدكُمْ ) وَفِي رِوَايَة : ( لَا يَلْطِمَنَّ الْوَجْه ) وَفِي رِوَايَة : ( إِذَا قَاتَلَ أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْه ، فَإِنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَته )،
قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا تَصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ ضَرْب الْوَجْه ؛ لِأَنَّهُ لَطِيف يَجْمَع الْمَحَاسِن ، وَأَعْضَاؤُهُ نَفِيسَة لَطِيفَة ، وَأَكْثَر الْإِدْرَاك بِهَا ؛ فَقَدْ يُبْطِلهَا ضَرْب الْوَجْه ، وَقَدْ يُنْقِصُهَا ، وَقَدْ يُشَوِّه الْوَجْه ، وَالشَّيْن فِيهِ فَاحِش ؛ وَلِأَنَّهُ بَارِز ظَاهِر لَا يُمْكِن سَتْره ، وَمَتَى ضَرَبَهُ لَا يَسْلَم مِنْ شَيْن غَالِبًا ، وَيَدْخُل فِي النَّهْي إِذَا ضَرَبَ زَوْجَته أَوْ وَلَده أَوْ عَبْده ضَرْب تَأْدِيب فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْه . أهـ
ثم إن من الأمثالِ الدارجةِ بين الناسِ عندنا في مصرَ ، مثل يقول: " ضرب الوش مفهوش معلش ".هكذا اعتاد الناسُ على مر العصور ...

ثانيًا : بعد أن بيّنتُ عظمةَ هذا النبيِّ الرحيم r - بفضل اللهI - في الجزءِ الأولِ من الحديث ؛ يتبقى لنا الإشكالية الواضحة عندهم ، وإنكارهم على قولِه r: " فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ".
قلتُ: وقع ذلك منهم ؛لأنهم يجهلون معتقدنا ،فإننا نعتقد أن اللهَ  ليس كمثله شيء ؛ يقول I عن نفسِه :  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ  (الشورى 11).
إننا لا نشبه ، ولا نعطل ، ولا نمثل ، ولا نئول إلا لضرورة إذا دعينا للتأويل والأسلم عدم التأويل.
قال النوويُّ - رحمه اللهُ – في شرحِه لصحيحِ مسلمٍ : هُوَ مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَاب الْإِيمَان بَيَانُ حُكْمهَا وَاضِحًا وَمَبْسُوطًا ، وَأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاء مَنْ يُمْسِك عَنْ تَأْوِيلهَا ، وَيَقُول : نُؤْمِن بِأَنَّهَا حَقٌّ ، وَأَنَّ ظَاهِرهَا غَيْر مُرَاد ، وَلَهَا مَعْنَى يَلِيق بِهَا ، وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور السَّلَف ، وَهُوَ أَحْوَط وَأَسْلَم . وَالثَّانِي أَنَّهَا تُتَأَوَّل عَلَى حَسَب مَا يَلِيق بِتَنْزِيهِ اللَّه تَعَالَى ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء. أهـ
وقال- رحمه اللهُ - في قولِه :r" فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ" .
قَالَتْ طَائِفَة : الضَّمِير فِي ( صُورَته ) عَائِد عَلَى الْأَخ الْمَضْرُوب ، وَهَذَا ظَاهِر رِوَايَة مُسْلِم ، وَقَالَتْ طَائِفَة : يَعُود إِلَى آدَم ، وَفِيهِ ضَعْف ، وَقَالَتْ طَائِفَة : يَعُود إِلَى اللَّه تَعَالَى ، وَيَكُون الْمُرَاد إِضَافَة تَشْرِيف وَاخْتِصَاص كَقَوْلِهِ I : نَاقَة اللَّه  (الشمس13). وَكَمَا يُقَال فِي الْكَعْبَة : بَيْت اللَّه وَنَظَائِره . وَاَللَّه أَعْلَم .أهـ
في أثناءِ بحثي وجدتُ كلامًا رائعًا للشيخ ابنِ العثيمين - رحمه اللهُ - سئل فضيلته ما معنى قولِ النَّبِيِّ r : "إن اللهَ خلق آدمَ على صورتِه"؟.
فأجاب بقولِه: هذا الحديث أعني قول النَّبِيِّ r : " إن اللهَ خلق آدمَ على صورته". ثابت في الصحيح ، ومن المعلوم أنه لا يراد به ظاهره بإجماع المسلمين والعقلاء؛ لأن اللهَ  وسع كرسيه السماوات والأرض، والسماوات والأرض كلها بالنسبة للكرسي موضع القدمين كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة فما ظنك برب العالمين؟ لا أحد يحيط به وصفاً ولا تخيلاً، ومن هذا وصفه لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعاً لكن يحمل على أحد معنيين:
الأول : أن اللهَ خلق آدمَ على صورةٍ اختارها، وإضافها إلى نفسِه – تعالى- تكريماً وتشريفاً.
الثاني : أن المراد خلق آدمَ على صورته من حيث الجملة، ومجرد كونه على صورته لا يقتضي المماثلة والدليل قوله : r" إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب في السماء " ولا يلزم أن تكون هذه الزمرة مماثلة للقمر؛ لأن القمر أكبر من أهل الجنة بكثير، فإنهم يدخلون الجنة طولهم ستون ذراعاً، فليسوا مثل القمر. أهـ
فهمتُ مما سبق :أن قوله r : "خلق آدمَ على صورتِه" . يعنى: صورة من الصورِ التي خلقها اللهُ وصورها؛ قال I :  وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ  ( الأعراف11)، والمُصُور آدم ؛ إذًا آدم على صورةِ اللهِ I أعني: أن اللهَ I هو الذي صوره على هذه الصورة التي أحبها I ،فهي تعد أحسن صورة في المخلوقات ؛ قال : I و لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (التين4) ، فإضافة اللهI الصورة إليه من باب التشريف ؛ اعتنى I بهذه الصورة ،فمن أجل ذلك وغير ذلك نهى أن يُضرب الوجه فتعيبه حساً ، ولا تقبحه كـأن تقول: قبح اللهُ وجهك ، ووجه من أشبه وجهك فتعيبه معنى .. ...
الخلاصة هي : أن اللهَ I له وجه ، وله عين ، وله رجل I ، ويضحك ، ويفرح ..... لكن لا يلزم أن تكون هذه الصفات مماثلة للإنسان ، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة ، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن دون مماثلة ، فهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة .....

ثالثًا: إن قيل : إن هناك رواية أخرى تقول: قال r:" لا تقبحوا الوجهَ ; فإن ابن آدم خُلق على صورةِ الرحمن ".
قلتُ : إن هذه الرواية ضعيفة؛ ضعفها الألبانيُّ - رحمه اللهُ - في " السلسلةِ الضعيفة و الموضوعة " برقم 1176، وغيرُ واحدٍ من المحققين .

رابعًا : إن المسلمين بالفعل ينكرون على المعترضين أن اللهَ تجسد في يسوع ، وينكرون عليهم أيضًا أن اللهَ يقضي حاجتَه ويُضرب ويُهان ويتبرز ويبول وينام .....
وينكرون عليهم أيضًا أن يكون الرب خروف له سبعة قرون ، ولو على سبيلِ التشبيِه ؛ جاء ذلك في موضعين:
الأول: رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ إصحاح 5 عدد 6 وَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ فِي الْوَسَطِ بَيْنَ الْعَرْشِ وَالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالشُّيُوخِ خروف قائم كَأَنَّهُ مذبوح. وَكَانَتْ لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ، وَسَبْعُ أَعْيُنٍ تُمَثِّلُ أَرْوَاحَ اللهِ السَّبْعَةَ الَّتِي أُرْسِلَتْ إِلَى الأَرْضِ كُلِّهَا.
الثاني: رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ إصحاح 17عدد 14هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ».
وينكرون عليهم أن يكون الرب مشبه بشخصٍ مخمورٍ يصرخ عالياً من شدة الخمر ، وذلك في مزمور إصحاح 78عدد 65 فَاسْتَيْقَظَ الرَّبُّ كَنَائِمٍ، كَجَبَّارٍ مُعَيِّطٍ مِنَ الْخَمْرِ. ..
وينكرون عليهم أن يكون الرب كالدودةِ ، وذلك سفر هوشع [ 5 / 12 ] يقول الربُّ : 12فَأَنَا لأَفْرَايِمَ كَالْعُثِّ، وَلِبَيْتِ يَهُوذَا كَالسُّوسِ.
وينكرون عليهم أن يكون الرب مشبه بالدب ، وذلك في سفر مراثي إرميا (3 / 10 ) " هُوَ لِي كَدُبٍّ مُتَرَبِّصٍ " . وينكرون عليهم أن يكون الرب مدخن يخرج دخانًا من أنفِه ، وذلك في سفرصموئيل الثاني إصحاح 22 عدد 8 فَارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَارْتَعَشَتْ. أُسُسُ السَّمَاوَاتِ ارْتَعَدَتْ وَارْتَجَّتْ، لأَنَّهُ غَضِبَ. 9صَعِدَ دُخَانٌ مِنْ أَنْفِهِ، وَنَارٌ مِنْ فَمِهِ أَكَلَتْ. جَمْرٌ اشْتَعَلَتْ مِنْهُ. وينكرون..............

خامسًا : إن العهدَ القديم يذكر أن اللهَI خلقَ الإنسانَ على صورتِه ؛ جاء ذلك في سفر التكوين إصحاح 1عدد26وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». 27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.
قلتُ : إن هذه النصوص ما فهمها اليهودُ مثلما فهمها المعترضون فهم فهموا أن اللهَ شبه الإنسان ، أو أن اللهَ تجسد في إنسان ....
إن اليهودَ يعتقدون أنهم ( المعترضين ) وثنيون ، فلو فهموا فهمهم لقالوا بألوهيةِ المسيح ، وما أرادوا قتله... هذه النصوص تشبه كلام نبيِّنا r ، والمعنى أن اللهَ Iَ خلق الإنسانَ على الصورةِ التي أحبها، وأعطى لها بعض الصفاتِ التي أحبها لنفسهِ مع عدمِ المماثلةِ والتشبيِه ؛ فنحن نثبت الصورةَ للهِ ،وليست الصورةُ بمعنى الوجه فقط ،فلا نؤول ،ولا نعطل ،ولا نشبه....
مثال ذلك:اللهُ يسمع والإنسان كذلك ؛ لكن سمعُ الله  ليس كسمعِ الإنسان؛ فاللهُ Iيسمع دبيبَ النملةِ السوداء فوق الصخرةِ الصماء في الليلةِ الظلماء سبحانه،لا يشغله سمع عن سمع ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.


كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-
في دفع شبهات المنصرين عن النبي الأمين