قالوا :هل يعقل أن هناك كلبًا قد مات كان تحت سرير النبيِّ ،وظل الحال زمنًا ،فلم ينزل جبريلُ للنبي ِّ بالوحي بسبب ذلك الكلب الميت....ما هذه الخرافات أيها المسلمون؟!
واستشهدا على ذلك بما جاء في الآتي:
1- تفسير القرطبي (ج20/93 ) وروى عن أبي عمران الجوني، قال: أبطأ جبريل  على النبي r حتى شق عليه، فجاء وهو واضع جبهته على الكعبة يدعو، فنكت بين كتفيه، وأنزل عليه: " ما ودعك ربك وما قلى ".
وقالت خولة - وكانت تخدم النبي r -:إن جروا دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث نبي الله r أياما لا ينزل عليه الوحي.
فقال: [ يا خولة، ما حدث في بيتي ؟ ما لجبريل لا يأتيني ] قالت خولة فقلت: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار، فجاء نبي الله ترعد لحياه - وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة - فقال: [ يا خولة دثريني ] فأنزل الله هذه السورة.
ولما نزل جبريل سأله النبي r عن التأخر فقال: " أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة ". أهـ
2- تفسير الالوسي (ج24/ ص 4 ): وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث خوله وكانت تخدم رسول الله r أن جروا دخل تحت سرير رسول الله r فمات ولم نشعر به فمكث رسول الله r أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال يا خولة ما حدث في بيت رسول الله r جبريل لا يأتيني فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير منا اليوم فأخذ برده فلبسه وخرج فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل به حتى بدا لي الجر وميتا فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار فجاء النبي r ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فقال يا خولة دثريني فأنزل الله تعالى: { والضحى * والليل } إلى قوله سبحانه : { فترضى } وهذه الرواية تدل على أن الانقطاع كان أربعة أيام وعن ابن جريج أنه كان اثني عشر يوماً وعن الكلبي خمسة عشر يوماً وقبل بضعة عشر يوما وعن ابن عباس خمسة وعشرين يوماً وعن السدي ومقاتل أربعين يوماً وأنت تعلم أن مثل ذلك مما يتفاوت العلم بمبدئه ولا يكاد يعلم على التحقيق إلا منه r والله تعالى أعلم . أهـ
3- تفسير اللباب لابن عادل: وروي أن خولة كانت تخدم النبي r فقالت : « إن جرواً دخل البيت ، فدخل تحت السرير فمات ، فمكث نبي الله أياماً لا ينزل عليه الوحي ، فقال : » يا خولةُ ما حدّثَ في بَيْتِي؟ ما لِجِبْريلَ لا يَأْتِينِي «؟ قالت خولة : فقلت : لو هيأت البيت ، وكنسته ، فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فإذا جرو ميت ، فأخذته ، فألقيته خلف الجدار ، فجاء نبي الله r ترعد لحياه - وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة - فقال : يا خولة دثِّرِيِنْي ، فأنزل الله هذه السورة ، ولما نزل جبريل  سأله النبي r عن التّأخر ، فقال : " أما عَلِمْتَ أنَّا لا ندخلُ بَيْتَاً فيهِ كَلبٌ ، ولا صُورةٌ " .

الرد على الشبهة

أولاً: إن هذه الرواية رواية منكرة من جهة العقل والنقل ؛فأما من جهةِ العقل فإن العقل يرفض هذا الأمر رفضًا باتًا ؛لأن الكلبَ يتعفنُ بعد موته ،وتظهر له رائحة عفنه.....
وأما من جهةِ النقل فهذه الراوية أو القصة منكرة عند العلماء لا يعترفون بصحتها كما يلي:
1- قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح(ج14/ص122 ): وَوَجَدْت الْآن فِي الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَف أَنَّ سَبَب نُزُولهَا وُجُود جَرْو كَلْب تَحْت سَرِيره r لَمْ يَشْعُر بِهِ فَأَبْطَأَ عَنْهُ جِبْرِيل لِذَلِكَ ، وَقِصَّة إِبْطَاء جِبْرِيل بِسَبَبِ كَوْن الْكَلْب تَحْت سَرِيره مَشْهُورَة ، لَكِنْ كَوْنهَا سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة غَرِيب ، بَلْ شَاذّ ، مَرْدُود بِمَا فِي الصَّحِيح وَاَللَّه أَعْلَم.أهـ
2-قال الشيخُ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الضعيفة برقم 6136 ( منكر) ( يا خَوْلَةُ ! مَا حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ؟ جِبْرِيلُ لا يَأْتِينِي ! فَهَلْ حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ حَدَثٌ؟ ... يَا خَوْلَةُ ! دَثِّريني !
فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى . مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/249/636) : حدثنا علي ابن عبدالعزيز : ثنا أبو نعيم : ثنا حفص بن سعيد القرشي : حدثتني أمي عن أمها - وكانت خادم رسول الله r- :
أن جرواً دخل البيت ، ودخل تحت السرير ومات ، فمكث نبي الله r أياماً لا ينزل عليه الوحي ، فقال : (فذكر الحديث) ، فقلت : والله! ما أتى علينا يوم خيراً من يومنا ، فأخذ برده فلبسه وخرج ، فقلت : لو هيأت البيت وكنسته ، فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فإذا شيء ثقيل ؛ فلم أزل حتى أخرجته ، فإذا بجرو ميت ، فأخذته بيدي فالقيته خلف الجدار ، فجاء نبي الله ترعد لحيته - وكان إذا أتاه الوحي أخذته الرعدة - ، فقال : "يا خولة ! دثريني ... " الحديث .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده " ، ومن طريقه ابن أبي عاصم في آخر"الآحاد والمثاني " ، ومن طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة" (6/ 94) : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ... به .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ وله علتان ، وهما الجهالة :
الأولى : أم حفص بن سعيد : لم أجد لها ترجمة ، وبها أعله الهيثمي ؛ فقال في "المجمع" (7/138) : "رواه الطبراني ، وأم حفص لم أعرفها" .أهـ
3- قال الشيخ سليم الهلالي والشيخ محمد آل نصر- رحمهما الله- في كتاب الاستيعاب (3/523): (ضعيف) .أهـ

ثانيًا: إن قيل:بما أن القصةَ لم تصح فما هو سبب انقطاع جبريل  بالوحي عن نبيكم مدة من الزمن....؟!
قلت:إن الذي يظهر لي أن السبب في ذلك هو لما سأل اليهودُ النبيَّ r عن أمورٍ ثلاثةٍ... وقالr لهم : سأخبركم غداً ،ولم يقل:" إن شاء الله" فاحتبس عنه الوحي...والله أعلم.
يدعم ذلك أقوال المفسرين كما يلي:
1- تفسير البغوي) : ص 569 ): وقال المفسرون سألت اليهودُ، رسولَ الله r عن ذي القرنين ،وأصحاب الكهف، وعن الروح ؟ فقال: سأخبركم غدًا، ولم يقل: إن شاء الله، فاحتبس عنه الوحي.أهـ
2-تفسير السراج المنير(سورة الضحى / ص5212 ) : «أنّ اليهود سألوا النبيّ r عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف؟ فقال r :سأخبركم غداً ، ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس عنه الوحي إلى أن نزل جبريل  بقوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} (الكهف: 23) .
فأخبره بما سئل عنه، وفي هذه القصة نزلت {ما ودّعك ربك}» واختلفوا في مدّة احتباس الوحي عنه. فقال ابن جرير: اثنا عشر يوماً. وقال ابن عباس: خمسة عشر يوماً. وقال مقاتل: أربعون يوماً. قالوا: وقال المشركون: إنّ محمداً ودّعه ربه وقلاه فأنزل الله تعالى هذه السورة فقال النبيّ r :«يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك؟ فقال جبريل  : إني كنت إليك أشدّ شوقاً ولكني عبد مأمور وأنزل الله تعالى: {وما نتنزل إلا بأمر ربك}» (مريم: 64) .أهـ
3- اللباب في علوم القران ( ج16 / ص 372): وقيل : لما سألته اليهود عن الروح ، وذي القرنين وأهل الكهف ، قال النبي r: » سَأخْبركُمْ غداً « ولم يقل : إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي إلى أن نزل جبريل  بقوله تعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله } [ الكهف : 23 ، 24 ] ، فأخبره بما سئل عنه ، وفي هذه القصة نزلت : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى } .أهـ
وقد حدث له r إيذاءٌ شديدٌ في تلك الفترة التي انقطع عنه الوحي من المشركين والمنافقين، فصبر على ما أصابه r ....روى مسلمٌ في صحيحه كِتَاب (الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ) بَاب( مَا لَقِيَ النَّبِيُّ rمِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) برقم 3355 حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا و قَالَ ابْنُ رَافِعٍ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ يَقُولُا :اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ r فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ :" يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ" قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-:{ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }.

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-
في دفع شبهات المنصرين عن النبي الأمين