زعموا أن محمدًا r ليس برسولٍ ، وبنوا هذا الزعم على أن الكتبَ السابقة : التوراة وملحقاتها والأناجيل خلت من البشارةِ برسولِ اللهِ r !وقالوا عن قولِه  : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ...  (الأعراف157) .
ليس مكتوبًا عندنا أين هو مكتوب عندنا ؟!
ثم سألوا قائلين : ومن يشهد له من علماءِ اليهودِ والمسيحيين بنبوتِه ؟!

• الرد على الشبهة
أولاً : إن البشارات بالنبيِّ r من الكتبِ المقدسةِ ثابتة لا ريب فيها ؛ فقد أكدت نصوصُ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وجود البشارة بالنبيِّ r في كلامِ الأنبياءِ السابقين في التوراةِ، والإنجيلِ ؛ بالرُغم مما تعرضت له هذه الكتب من زيادةٍ ونقصانٍ وتبديلٍ؛ أعني تحريف , إلا أنه لا يزال بها بعض من دلائلِ نبوة رسولِ الله r . وهذا ما سوف أثبته - إن شاء اللهُ - أقوم بذكر بعضَ هذه البشارات به r ، ردًا على قولهم : ليس مكتوبًا عندنا أين هو مكتوب عندنا ؟! وذلك من كتبهم التي يؤمنون بها علمًا بأننا نجد أن اللهَ  بيّن أن الإخبار به r في كتب أهلِ الكتابِ من أعظمِ أدلةِ صدقِه ، وصحةِ نبوتِه r؛
يقول اللهُ  :  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ...  (الأعراف 157) .
جاء في التفسيرِ الميسر: هذه الرحمة سأكتبها للذين يخافون الله ويجتنبون معاصيه, ويتبعون الرسول النبي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب, وهو محمد r , الذي يجدون صفته وأمره مكتوبَيْن عندهم في التوراة والإنجيل. أهـ
أولاً : البشارات من العهد القديم أذكر منها ما يلي :
البشارة الأولى :
جاءت في : سفر إشعياء إصحاح 29عدد 12 أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «اقْرَأْ هَذَا» فَيَقُولُ: « لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ» .
النص في التراجم الإنجليزية " يقال له :اقرأ، فيقول :لا أعرف القراءة " أو " لم أتعلم القراءة " , وهذا هو الأقرب للصحة فمن غير المعقول أن تطلب من أحدٍ القراءة فيقول لك " أنا لا أعرف الكتابة " , ولكن الطبيعي أن يقول : " أنا لا أعرف القراءة " أو " أنا غير متعلم" !.
فالصحيح ما جاء في ترجمةِ كتابِ الحياةِ: " إشعياء 29 : 12وَعِنْدَمَا يُنَاوِلُونَهُ لِمَنْ يَجْهَلُ الْقِرَاءَةَ قَائِلِينَ: اقْرَأْ هَذَا، يُجِيبُ: لاَ أَسْتَطِيعُ الْقِرَاءَةَ ".
وهذا ما ثبت في صحيح البخاري باب (بدء الوحي) برقم 3
عَنْ عَائِشَةَ - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ ـ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ .‏‏ قَالَ: ‏"‏ مَا أَنَا بِقَارِئٍ ‏"‏ ‏‏ قَالَ: ‏ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ ‏‏. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ‏.‏ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ .‏ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ ‏.‏ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ ‏ : ‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ‏ ‏, ‏‏ فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.....
البشارة الثانية :
هي قول الربِّ لموسى  في سفرِ التثنيةِ إصحاح 18 عدد 18أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. 19وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ. 20وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ .
من المعلوم أن أبناءِ إبراهيم هما : إسماعيل وإسحاق , وقد جاء كلُّ الأنبياء من ذريةِ إسحاق بداية من ابنه يعقوب ( إسرائيل ) , نهاية بالمسيح، ولم تأت نبوة واحده من نسلِ إسماعيل - عليهم جميعا الصلاة السلام - .
فالعرب أولاد إسماعيل ؛ أخوة اليهود أولاد إسحاق، فحينما قال اللهُ  لموسى:" أقيم لهم نبيًّا من إخوتهم " أي :( ليس منهم ), فالمقصود من نسلِ إسماعيل  ،نلحظ ذلك من خلالِ الرجوع إلى سفر التكوين إصحاح 25 عدد17وَهذِهِ سِنُو حَيَاةِ إِسْمَاعِيلَ: مِئَةٌ وَسَبْعٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً، وَأَسْلَمَ رُوحَهُ وَمَاتَ وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ. 18وَسَكَنُوا مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الَّتِي أَمَامَ مِصْرَ حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ أَشُّورَ. أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ.
نلاحظ " أَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ نَزَلَ".
العجيب أن المعترضين يزعمون أن المقصود بهذه النبوءة هو المسيح  ! ولا شك أن هذا غير مقبولٍ بحالٍ من الأحوالِ كما سيتقدم معنا - إن شاء الله - .
النصُ يقول " مِثْلكَ "
وأتساءل :هل تنطبق هذه النبوءة على المسيحِ  أم على محمد r ؟
الجواب:إن المثلية بين موسى و محمدٍ - عليهما السلام – جلية جدًا؛ فموسى يشبه محمدًا r، ولا يشبه المسيح  أبداً وذلك من خلالِ النظر إلى عقيدةِ المعترضين ، وجزء كبير من عقيدتنا ؛ بيان ذلك في الآتي:
1- موسى  ولد من أب و أم.
محمدٌ r ولد من أب و أم.
بينما المسيح  ولد من أم بلا أب !

2- موسى  كان بشرًا رسولاً.
محمد r كان بشرًا رسولاً.
و هذا بخلافِ حالِ المسيح  ، فإن المعترضين يؤمنون أنه هو الله نفسه !!

3- موسى  تزوج ، و كانت له ذرية.
محمد r تزوج ، وكانت له ذرية.
بينما المسيح بحسب اعتقاد المعترضين لم يتزوج ، ولم تكن له ذرية .

4- موسى  آتاه اللهُ كتابًا كاملاً موحى به منه  ؛ يحوى قصصَ الأنبياءِ، وأخبار الأمم السابقة و القادمة ، والوصايا ، والشرائع مثل: الطهارة و الصلاة و الصيام و المناسك و الذبائح و الحدود و الزواج و الطلاق و الميراث و الجهاد...
محمدٌ r أتاه اللهُ كتابًا كاملاً موحى به منه  ؛ يحوى قصصَ الأنبياءِ ، وأخبار الأمم السابقة ، و القادمة ، والوصايا ، والشرائع مثل: الطهارة و الصلاة و الصيام و المناسك و الذبائح و الحدود و الزواج و الطلاق و الميراث و الجهاد....
بينما المسيح لم تكن له شريعة ؛ بل جاء ببعض الوصايا مكملاً ، وتابعًا لشريعةِ موسى والمقصود بالإنجيل: البشارة ، وهي بالنبيِّ r .... جاء في إنجيل متى إصحاح5 عدد17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.

5- موسى جاء بشريعةٍ جديدةٍ كاملةٍ لقومِه.
محمد  جاء بشريعةٍ جديدةٍ كاملةٍ للعالمين.
بينما المسيح  قال :" مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ ".

6- موسى  هاجر بقومه من أذى الكافرين؛ من مصر إلى حدودِ القدسِ.
محمد  هاجر بقومه من أذى الكافرين ؛ من مكةَ إلى المدينةِ.
بينما المسيح  لم يهاجر ، ولم يكن له أتباع كافين لنصرتِه هو نفسه ، وذلك بحسبِ نصوصِ الأناجيل التي منها:" فتركه الجميعُ وهربوا " ( مرقس 14 / 50).

7- موسى  حملَ السيفَ ، وكان نبًّيًا مجاهدًا.
محمد  حملَ السيفَ ، وكان نبيًّا مجاهدًا.
بينما المسيح جاء ليُصلب بزعمِ المعترضين .

8- موسى  دخل أتباعه الأرضَ بعد أن جاهدوا .
محمد دخل الأرضَ بعد أن جاهدَ وفتحها هو أتباعه.
بينما المسيح  لم يجاهد ولم يفتح أرض.

9- موسى  جاهدَ في سبيلِ اللهِ ، وأقام دولةً حكمها بالشريعة ، وكان يملِكُ على أتباعِه.
محمد  جاهد في سبيلِ اللهِ ، و أقام دولةً حكمها بالشريعة ، وكان يملك على أتباعِه.
بينما المسيح  لم يجاهد ، ولم يقم دولة ، ولم يملك على قومِه بل قتله قومُه شر قتلة ؛ على الصليب ، وذلك بزعم معتقد المنصّرين.
10- موسى هزم أعداءَه وقهرهم .
محمد  هزم أعداءه وقهرهم.
بينما المسيح  هزمه أعداؤه وقتلوه مصلوبًا كما يزعم المعترضون.

11- موسى ناصره أتباعه ، وجاهدوا معه، وضحوا بأنفسهم ؛ إلا المنافقين منهم.
محمد ناصره أتباعه ، وجاهدوا معه وضحوا بأنفسهم ؛ إلا المنافقين منهم.
بينما المسيح  خذله أتباعه ؛باعوه وسلموه ؛ أنكره بطرس ثلاثَ مراتٍ ( لوقا 22 /16). وباعة يهوذا لليهود بثلاثين من الفضة (متى 26 / 15) . وذلك بزعم نصوصِ الأناجيلِ .

12- موسى  حفظه اللهُ  حتى أتم رسالته ثم توفاه مكرمًا .
محمد  حفظه اللهُ  حتى أتم رسالته ثم توفاه مكرمًا .
بينما المسيح  قتل شر قتلةٍ مصلوبًا ملعونًا ! وذلك بزعم معتقدِ المعترضين ، والكتابِ المقدس (غلاطية 3 /13).

13- موسى مات ودُفِنَ في الأرض .
محمد  مات ودفن في الأرض .
بينما المسيح  هو حيٌ إلى الآن باتفاقِ الجميع إلا بعض المسلمين .

ثم إن آيات القرآن جاءت تحكى عن هذه المثلية التي بين موسى و محمدٍ - عليهما السلام – تدلل على ذلك عدة أدلة منها:
1- قوله  :  إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً  (المزمل15).
2- قوله  حاكيًا عن الجنِ لما سمعوا القرآن :  وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ29 قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم30  ( الأحقاف ) .
نلاحظ من قولِِ الجنِ أنهم سمعوا كتابًا أنزل من بعد موسى ، ولم يقولوا أنزل من بعد عيسى  علمًا بأن الإنجيلَ بعد التوراة ، ولكن أشاروا إلى موسى نظرًا لما وجدوه من المثليةِ والشموليةِ لمحتوى القرآن من القصصِ والعقائدِ و الشرائعِ .... وبين توراة موسى .
3- قوله  : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)  (هود ) .
جاء في تفسير الجلالين : { أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ } بيان { مِّن رَّبِّهِ } وهو النبي r أو المؤمنون وهي القرآن { وَيَتْلُوهُ } يتبعه { شَاهِدٌ } له بصدقه { مِنْهُ } أي: من الله وهو جبريل { وَمِن قَبْلِهِ } أي: القرآن { كتاب موسى } التوراة شاهد له أيضاً { إَمَامًا وَرَحْمَةً } ؟ حال ، كمن ليس كذلك؟ لا { أولئك } أي: من كان على بينة { يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي: بالقرآن فلهم الجنة { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب } جميع الكفار { فالنار مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } شك { مِنْهُ } من القرآن { إِنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ ولكن أَكْثَرَ الناس } أي: أهل مكة { لاَ يُؤْمِنُونَ }. أهـ
4- قوله  :  وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)  (الأحقاف ).
جاء في تفسير الجلالين : { وَمِن قَبْلِهِ } أي: القرآن { كِتَابُ موسى } أي: التوراة { إَمَامًا وَرَحْمَةً } للمؤمنين به حالان { وهذا } أي: القرآن { كتاب مُّصَدّقٌ } للكتب قبله { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } حال من الضمير في مصدّق { لِّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ } مشركي مكة { و } هو { بُشْرَىً لِّلْمُحْسِنِينَ } المؤمنين .أهـ


5- آياتُ القرآنِ تنزلت بقصصِ الأنبياءِ ؛ لتثبت فؤاده r لاسيما قصة موسى ، وذلك لأن موسى  كان أقرب الأنبياء شبهًا برسولِ اللهِ r فقد كان أكثرَ الأنبياء ذكرًا في القرآنِ الكريمِ ؛ جاء ذكره  فيه 136 مرة ؛ ليتأسى به رسولُ اللهِ r ، ويتعلم من سيرتِه في مجاهدةِ الكافرين ، و سياسةِ قومِه ، وهذا من حكمةِ مُنّزل القرآن الحكيمُ العليم ؛ جاء ذلك في عدة مواضع منها:
1- قوله  :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)  (الأحزاب).
2- قوله  :  أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ  (البقرة108).

ثم إن أول ما قاله ورقةُ بنُ نوفل حين أخبره رسولُ اللهِ r بخبرِ الوحيِّ قال : " هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَىr " . صحيح مسلم رقم 231 .
و ما وقع من بعضِ المسلمين الجدد مع رسولِ اللهr في طريقِهم إلى غزوةِ حنين ، قالوا : "يا رسولَ اللهِ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط " ؛ كان للكفارِ سدرة يعكفون حولها، ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط يتباركون بها ، فقال r :" اللهُ أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم ". رواه أحمد في مسنده برقم 20892.
و كذلك لما تكلم بعضُ المنافقين في رسولِ اللهِ r واتهموه في عدلِه ، تغير وجهه حزنًا و غضبًا ، و قال " رحم اللهُ موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر". رواه أحمد في مسنده برقم 3934.

ولما خرج النبيُّ r لغزوةِ تبوك ، واستخلف على المدينةِ عليَّ  ، عاب المنافقون عليًا  بقولِهم: خلّفَه مع النساءِ والصبيانِ استثقلا منه لعليِّ ، فلما أخبره عليُّ  بذلك ، قال له r: " أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي". صحيح البخاري رقم4064 .
وكذلك لما استشار النبيُّ r أصحابَه  في أمرِ مقاتلةِ المشركين يوم بدر ؛ رد المقدادُ بنُ الأسود ردًا جميلاً بيّن فيه أن أصحابَه ليسوا كالمنافقين من قومِ موسى  نظرًا لتشابه المثلية في الموقف ، وذلك في صحيح البخاري برقم 3658 عن ابن مسعود قال: شَهِدْتُ مِنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَتَى النَّبِيَّ r وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى:{ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا } وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ r أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ.
و حين قُتل أبي جهل في غزوةِ بدر الكبرى، قال رسول الله : r" مات فرعونُ هذه الأمة " رواه أحمدُ في مسنده برقم 4025، وذلك تشبهًا بفرعونَ مصرَ الذي حارب موسى .
و عندما أُعرج برسولِ اللهِ r ، وشُرّعت الصلوات خمسين صلاة ؛ كان الذي يرد رسولَ اللهِ r إلى ربِه  هو موسى  فظل يترددr بين الله وبينه  لتصل الصلوات بفضلِ اللهِ إلى خمسٍ في العددِ و خمسين في الأجرِ؛ و إنما أختص بموسى  بذلك دون غيره ؛ لأنه أشبه الناسِ حالاً برسولِ الله r في الإتيانِ بالشريعةِ ، و تجربة حكم قومه بها ؛ لذا قال هو نفسه  في أثناء ذلك " يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا، فتركوه ".
الخلاصة : أن المثلية بين رسولِ اللهِ محمدٍ r، و موسى  لا تقبل المزايدة و المماراةِ في إثباتِها.
ثم يقول النصُ " وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ" وهذه إشارة إلى نزول القرآن مقروءً على لسان رسولِ اللهِ النبي الأمي الكريم r ، ودلالة على الوحي اللفظي الذي لا يؤمن به إلا المسلمون
قال  : وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى4  ( النجم ).
و قال  :  لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إن 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17  (القيامة) .
وأما بالنسبة للمعترضين فلا يوجد في كتبهم إلا كلام بالمعنى ، وحكايات متضاربة بين الأناجيل الأربع في نفس الوقائع عن أقوالِ المسيح ...
ثم يقول النصُ: " وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ ". و هذه إشارة إلى قهره لأعدائِه ، ووقوع الخزي عليهم ، كما كان من نبيِّنا r ؛ هزم قومَه ، ومن عارضه حتى فتح اللهُ له ... تدلل على ذلك أدلة منها:
1- قوله  :  قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة29).
2- قوله  :  ُمحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ (الفتح29).
3- قوله  :  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ  (محمد32).
4- قوله  : إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (المجادلة20).
5- قال r : " وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري" .رواه أحمد في مسنده برقم 4869.
6- مكن اللهُ لنبيِّه r و للصحابةِ الكرامِ حتى غيروا معالم الأرضِ بأيديهم ، ولم يتوفوا حتى أشهدهم الله نصره ، و فتحه ،و رأوا الناسَ يدخلون في دين الله أفواجًا بفضله  ...

و أخيراً يقول النصُ :" وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ "
من المعلومِ أن رسولَ اللهِ rقد حفظه ربُّه  ، ولم يتوفه إلا بعدما أكمل رسالتَه غير منقوصة ؛ قال  :  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة 3).
و جاء في شعبِ الإيمان للبيهقي برقم 9989 عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ  قال : قال رسول الله r: " إنه ليس شيء يقربكم من الجنة ، ويباعدكم من النار إلا قد أمرتكم به ، وليس شيء يقربكم من النار ، ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه ، وأن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ".