حجم العقاب وحجم الخطيئة
اذا كان الكلام عن العدل والرحمة وما يسمى بالتوفيق بينهما فلابد أن يكون هناك توفيق من نوع آخر بما أن الكلام عن العدل وهو التوفيق بين حجم العقاب وبين حجم الخطيئة من ناحية الجسامة والعدد الذى يحتم تفاوت حجم العقاب بتفاوت العدد وجسامة الخطأ المتعلقان بالخطيئة والا سوف يكون من الضلال الشديد أن نتكلم عن العدل ومن الضلال الأشد ان نتكلم عن الرحمة .
بدايتا نطرح هذا السؤال :
ما هى الألفاظ التي تندرج تحت إطار العدل ؟
الألفاظ التي تندرج تحت إطار العدل هى :
المساواة وتصحيح وضع الحق سواء اخذه او اعطائة او بمعنى اخر وضع الشىء فى مكانه الصحيح .
فلو صفع إنسان إنسان آخر صفعة على وجهه فمن العدل والانصاف تمكين الإنسان المصفوع من رد الصفعة بدون التعدي إلى صفعة أخرى ولو حدث تعدى , فسوف يتحول الأمر من العدل إلى الجور وهذا يندرج تحت اخذ الحق بدون زيادة او نقصان.
فهل فى القوانين الوضعية يحدث ذلك ؟
فى القوانين الوضعية التي وضعها البشر نجد ذلك التناسب بين حجم الخطيئة وحجم العقاب موجود تحت ما يسمى بقانون العقوبات فكل جريمة لها العقاب المناسب لحجمها بدون تعدى إلى عقاب جريمة أخرى مع العلم بحجم العقاب ذاته المرتبط بهذه الخطيئة .
كيف ذلك ؟
اى إذا كان العقاب المترتب على جريمة القتل عشر سنوات مثلا بينما العقاب المترتب على جريمة السرقة ثلاث سنوات فمن الخطأ الذي لا يرضاه البشر تحت فهمهم الفطرى للعدل أن يحدث تعدى من عقاب السرقة إلى عقاب القتل أو من عقاب شيء إلى شيء آخر ولم ياتى هذا (عدم الرضا) الا من فطرية هذه النسبة التى لا تتغير حتى عندما يختلط الجهل بالعصبية في بوتقة الانتقام بالنسبة للبشر (في جرائم مثل جرائم الثار) يكون العقاب على قدر الجريمة النفس بالنفس مما يعنى أن ذلك شيء فطرى و تشوه الفطرة لا يعنى الفساد الكلى لها ولقد تكلمنا عن ذلك في موضوع الأخلاق مقولة فطرية .
فهل يلتفت إلى ذلك الجانب الإنسان بعلمه الناقص ولا يلتفت إليه العليم الخبير (وان سالنا لماذا التفت الإنسان الى هذه الجزئية و جعل لها مثل هذه الأهمية ؟ لا نجد الا اجابة واحدة !! العدل من الاشياء الفطرية عند الانسان و متداخل مع حواشيها وبذلك يكون شىء تلقائى لا يحتاج الى بحث او اجتهاد) .
إذن, هناك حجم للعقاب مرتبط بحجم الخطيئة .
يقول عنه ابن القيم فى اعلام الموقعين "العقوبة يجب ان تكون على قدر الجريمة ـ لا إفراط، ولا تفريط ـ؛ لإن الذي شرعها هو المَلِكُ العَدْلُ، الحكيمُ الخبيرُ، يقولُ ابن القيم ايضا : "فلما تفاوتت مراتب الجنايات، لم يكن بُدّ مِن تفاوتِ مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وُكِلُوا إلى عقولهم في معرفة ذلك، وترتيب كل عقوبة على ما يناسبها من الجناية جنسًا ووصفًا وقَدْرًا لذهبت بهم الآراء كل مَذْهَبٍ، وتشعَّبت بهم الطرق كل مَشْعَبٍ، ولعظُم الاختلاف، واشتدَّ الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين مؤنة ذلك، وأزال عنهم كُلفَتَهُم، وتولَّى بحكمته وعلمه ورحمته تقديرَهُ نوعًا وقدرًا،ورتب على كل جناية ما يناسبها، ويليق بها من النَّكَالِ". اهـ [إعلام الموقعين (2 /384)].
"فلا بد أن يكون العقاب مكافئا للجريمة، مع عدم مجاوزة ما يستحقه الجاني من العقاب" (مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – اصدار الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة - ملتقى اهل الحديث - الدكتور احمد الكبيسى استاذ الشريعة بجامعة بغداد)
وليس ذلك كلام ابن القيم او الدكتور احمد الكبيسى بل هو ايضا المبدأ (العقوبة على قدر الجريمة) الذى استقرت عليه العدالة الدولية، ولم تحيد عنه (قانون مكافحة الارهاب والقانون الدولى – عبد النبى العكرى - الحوار المتمدن - العدد: 1208 - 2005 / 5 / 25 ) .
و ورد فى كتاب قصة الحضارة اصدار الموسوعة الشاملة : وإذا لم تكن الذنوب كلها بدرجة واحدة ولا من نوع واحد فقد جعلت النار سبع طبقات في كل طبقة من العقاب ما يتناسب مع الذنب الذي ارتكبه المذنب، ففيها الحرارة التي تشوي الوجوه، وفيها الزمهرير، وحتى من يستحقون أخف العقاب يلبسون أحذية من نار، ويشرب الضالون المكذبون من الحميم وشرب الهيم (سورة الواقعة 40 وما بعدها)
و ورد ايضا فى نفس الكتاب ما يؤكد كون ذلك من الحواشى الفطرية للانسان بغض النظر عن عقيدته ان قس انجيليزى قصاص يدعى آدم ده رس Adam de Ros وصف في قصيدة طويلة طواف القديس بولس في النار يقوده الملاك ميخائيل؛ وينطق ميخائيل بوصف مراتب العقاب التي توقع على درجات الذنوب المختلفة، ويظهر بولس وهو يرتجف من هذه الأهوال .
اذن اذا كان هناك درجات للذنوب من الكبائر الى الصغائر فهناك مراتب للعقاب خاصة بكلا منهما وهذا يظهر ان ذلك (كون العقاب على قدر الجريمة) شىء فطرى متعلق بالنفس الانسانية والعدل .
ثانيا : كل قانون يجب ان يقترن به بيان نوع وحجم العقوبة الذان بدورهما يختلفان من جرم إلى اخر ويتكافآن في نفس الوقت مع جسامة الخطأ وقدره وشناعته , ولقد وردت هذه الروأيا (لهذا الاساس العدلى) في كثيرا من فقرات الكتاب المقدس بدايتا من خطيئة ادم كما ورد في سفر التكوين (2-17) (واما شجرة معرفة الخير والشر فلا تاكل منها لانك يوم تاكل منها تموت موتا) .
فتم اعلام ادم بجرم الفعل ثم توازى مع ذلك انذاره بعقوبة معروفة الكم والكيف والنوع والوصف والقدر والجنس تتناسب مع هذه الخطيئة وهى الموت من وجهة نظر الكتاب المقدس.
وسار الكتاب المقدس على هذا النهج من الاعلام اولا بجرم الفعل (والا لكان مباحا) ثم الانذار بالعقاب المعلوم المعالم من حجم ونوع وكيف وقدر وجنس في جميع عقوباته المتعلقة بالحدود او بحقوق البشر على البشر من قتل وزنا وسرقة وسب وعقوق ونهب وسلب ...الى اخره مع عدم تجاهل التناسب بين حجم الخطيئة وحجم العقاب من وجهة نظره هو لاختلافها وشذوذها عن ما قاله ابن القيم فى اعلام الموقعين او مع ما استقر عليه مبدأ العدالة الدولية نظرا لتشوه بعض الحواشى الاخرى عند النصارى واختلاط بعض الامور عليهم بجانب خوفهم من مواجهة الحقيقة الفطرية نظرا لحساسية الانسان الاكبيرة اتجاه دينه .
ولو نظرنا فى الكتاب المقدس نظرة اخرى نجد ان العقوبة تختلف وتتنوع للجريمة الواحدة باختلاف الظروف و الاحوال ولم يحدث ذلك الا لبناء على الاساس الفطرى السابق .
ويمكن ان نأخذ جريمة الزنا فقط لايضاح ذلك .
فمثلا إذا زنى رجل مع امرأة عقوبتهما الرجم حتى الموت طبقاً لما ورد في لاويين 20: 10 ، تثنية 22 عدد 24 وَإِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ فَإِذَا زَنَى مَعَ امْرَأَةِ قَرِيبِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ.
اما اللواط أو السحاق : عقوبتهما الموت ... طبقاً لما جاء في سفر اللاويين 18 عدد 22 ، عدد 29 (( وَلاَ تُضَاجِعْ ذَكَراً مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ. .. ... 29بَلْ كُلُّ مَنْ عَمِلَ شَيْئاً مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الرَّجَاسَاتِ تُقْطَعُ الأَنْفُسُ الَّتِي تَعْمَلُهَا مِنْ شَعْبِهَا ))
بينما إذا زنى خطيب مع خطيبته : فعقوبتهما الرجم حتى الموت .
إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي المَدِينَةِ وَاضْطَجَعَ مَعَهَا 24فَأَخْرِجُوهُمَا كِليْهِمَا إِلى بَابِ تِلكَ المَدِينَةِ وَارْجُمُوهُمَا بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا. الفَتَاةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لمْ تَصْرُخْ فِي المَدِينَةِ وَالرَّجُلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَذَل امْرَأَةَ صَاحِبِهِ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ .. تثنية 22عدد 23 و 24
و إذا زنت ابنة الكاهن ..عقوبتها تُحرق حية حتى الموت :
وَإِذَا تَدَنَّسَتِ ابْنَةُ كَاهِنٍ بِالزِّنَى فَقَدْ دَنَّسَتْ أَبَاهَا. بِالنَّارِ تُحْرَقُ ..لاويين 21عدد 9
واخيرا عند زواج (أو زنا) المحارم : عقوبتهما الحرق أحياء حتى الموت :
وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةِ أَبِيهِ فَقَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَبِيهِ. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. 12وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ كَنَّتِهِ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. قَدْ فَعَلاَ فَاحِشَةً. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. 13وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ ذَكَرٍ اضْطِجَاعَ امْرَأَةٍ فَقَدْ فَعَلاَ كِلاَهُمَا رِجْساً. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. 14وَإِذَا اتَّخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَأُمَّهَا فَذَلِكَ رَذِيلَةٌ. بِالنَّارِ يُحْرِقُونَهُ وَإِيَّاهُمَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ رَذِيلَةٌ بَيْنَكُمْ .. لاويين 20 عدد 11-14
وَإِذَا أَخَذَ رَجُلٌ أُخْتَهُ بِنْتَ أَبِيهِ أَوْ بِنْتَ أُمِّهِ وَرَأَى عَوْرَتَهَا وَرَأَتْ هِيَ عَوْرَتَهُ فَذَلِكَ عَارٌ. يُقْطَعَانِ أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي شَعْبِهِمَا. قَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أُخْتِهِ. يَحْمِلُ ذَنْبَهُ. .. .. .. 19عَوْرَةَ أُخْتِ أُمِّكَ أَوْ أُخْتِ أَبِيكَ لاَ تَكْشِفْ. إِنَّهُ قَدْ عَرَّى قَرِيبَتَهُ. يَحْمِلاَنِ ذَنْبَهُمَا. 20وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةِ عَمِّهِ فَقَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ عَمِّهِ. يَحْمِلاَنِ ذَنْبَهُمَا. يَمُوتَانِ عَقِيمَيْنِ. 21وَإِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةَ أَخِيهِ فَذَلِكَ نَجَاسَةٌ. قَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ. يَكُونَانِ عَقِيمَيْنِ..... لاويين 20عدد 11 و12 و17و 19-21
نلاحظ مما سبق من فقرات الكتاب المقدس عقوبات مختلفة ومتنوعة لنفس الجريمة بسبب اختلاف الظروف والاحوال سبقت بالانذار وتجريم الفعل وصاحبها او توازى معها التحديد للحجم والكيف .
ولو نظرنا الى بعض القوانين الوضعية كقانون العقوبات المصرى نجد ان الحكومة المصرية ''بالرجوع إلى المادة 342 الأصلية من قانون العقوبات قد تدرجت في التجريم والعقاب وفقاً للقواعد الأصولية في شأن تقنين الجرائم والعقوبات، وأضافت الحكومة أنه ''من المسلم به في فقه القانون الجنائي أن لكل جريمة جزاؤها الخاص بها، ومن ثم فإن الأمر في مقام تقدير العقوبة تحكمه وجهتا نظر، الأولى: ترى أهمية التدخل التشريعي لإجراء التعديلات اللازمة على قانون العقوبات كلما دعت الحاجة إليها، والثانية: ترى أنه من دواعي استقرار القوانين، ومنها قانون العقوبات، والحرص على توفير الثبات النسبي لها أن تصل إلى المنفعة الجدية لتحقيق أهدافها''. (ناصر زين – مجلة الوقت - العدد 1340 الخميس 3 ذي القعدة 1430 هـ - 22 اكتوبر 2009)
كما التفت إلى تلك الجزئية (العقاب يجب ان يكون على قدر الجريمة بلا افراط او تفريط) الكثير من الشعوب في الحضارات القديمة الشىء الذى حثهم على وضع قانون للعقوبات كل وظيفته هو وضع العقوبات المتعلقة بالجرائم المختلفة مع مرعاة الشروط السابقة وهذا لا ينفى كون بعض هذه القوانين ظالمة ولكن ظلمها كان بعيدا تماما الاخطاء التى يؤمن بها النصارى او رؤيتهم المشوهة للعدل التى لن يبررها عذر لان الارتباط حجم الخطيئة وحجم العقاب فطرى وبديهى ولا يحتاج الى تفكير او مراجعة .
فمثلا فى قانون العقوبات الرومانى السارق الذي يضبط متلبسًا بجريمة السرقة يصبح عبدًا للمسروق منه. وكانت العقوبات تختلف و تتفاوت من الغرامة البسيطة إلى النفي، أو الاسترقاق أو الإعدام، ومنها ما كان يجري بطريق القصاص (lex talionis). وكثيرًا ما كانت الغرامات تحدد تحديدًا دقيقًا حسب طبقة المعتدي عليه: "فكانت عقوبة كسر عظام الحر 300 آس، وكسر عظام العبد 150 آسًا(18)". وكان القذف والرشوة والحنث في الإيمان، وسرقة المحصولات الزراعية، وإتلاف غلات الجار ليلاً، وخديعة المحامي للمتقاضين، وممارسة السحر، ودس السم في الطعام، والاغتيال، "والاجتماع في المدينة ليلاً لتدبير الفتن والمؤامرات" كانت هذه كلها يعاقب عليها بالإعدام (19). وكان الابن الذي يقتل أباه يوضع في كيس ومعه في بعض الأحيان ديك، أو كلب، أو قرد، أو أفعى، ويلقى في النهر(20). على أنه كان من حق المواطن في العاصمة نفسها أن يستأنف الحكم الصادر عليه بالإعدام من أية جهة قضائية عدا حكم الدكتاتور نفسه إلى الجمعية المئوية، وإذا رأى المتهم أن الأمور في الجمعية تسير في غير مصلحته كان له أن يخفف .
وبعد كل ذلك لن ننسى ان نذكر بان القانون الرمانى قانون وثنى قام على نظام استبدادى ومن ذلك انه كان يفرق بين النبلاء والعامة فى حجم العقوبة بين التشديد والتخفيف فيخفف على النبلاء ويشدد على العامة ولكنه لم يتجاهل التحديد لحجم العقاب بغض النظر عن المبالغة فيه او عدم المساواة بين فئات الشعب مع علمه بالجور والحيود عن الفطرة والعدل . كما انه كان يبيح للاب بيع ابنائه باعتبارهم ارقاء شريطة ان يقع البيع خارج روما . [راجع كتاب افتراءات واباطيل حول الاسلام – المستشار على عبد اللاه طنطاوى رئيس محكمة القيم ص77 , 78] [وكتاب القانون الرومانى – الدكتور عبد المنعم بدر] المهم فيما سبق ان القانون الرومانى الوثنى وما تلته من قوانين وضعية فى مختلف الاقطار وضعوا فى اعتبارهم بيان حجم ونوع العقوبة لكل جرم بحيث لا تتعدى الى عقوبة جرم اخر حتى ولو كانت العقوبة ظالمة لكن على الاقل التصق بها الحجم والنوع والكيف والجنس والقدر وليس فى ذلك استغراب لان الفطرة المشوهة تبقى بها بعض الحواشى السليمة منها ما هو متعلق بالعدل كالانذار والتحذير وبيان نوع وحجم العقوبة ومنها ما هو متعلق بالاخلاق لان الفساد سوف يكون متعلقا بالعقيدة هذا من ناحية ومن ناحية اخرى النفس سوف تميل الى اشياء اخرى تماشيا مع هواها ليس له علاقة ببيان نوع وحجم العقوبة كالميل الى الجور والطمع واخذ حقوق الغير او الاستلاء عليها بغير وجه حق والمبالغة فى العقاب وغير ذلك مما يندرج تحت امراض القلوب مع العلم الذاتى بالقبح فكيف يرتقى القانون الوثنى والوضعى بالعدل الى تلك المنزلة الرفيعة التى تتضمن على الاقل بيان حجم العقوبة مع الانذار والاعلام المسبق بينما يهبط القانون الالهى بالعدل الى فوهة سحيقة لا نجاة منها .
واخيرا هل يمكن ان يكون البشر اعدل او ادق من الله بوضعهم قانون يحدد لكل جريمة عقاب مناسب لا يذيد او ينقص او يتعدى لعقاب جريمة اخرى او شخص اخر تحت ما يسمى بقانون العقوبات , ولم يحفزهم لفعل ذلك الا العدل الموجود داخل حواشيهم الفطرية من قبل الله تعالى فهل يناقض الخالق ما حشى به الفطر البشرية متغاضيا عن كل هذه القيم ؟.
ولقد اثبتا فيما سبق بان كل ابن من ابناء ادم على حده سوف يدفع ثمن الخطيئة كليا لو اخذنا بمبدأ الارث وبذك سوف يتضاعف العقاب لهذه الخطيئة الى مالا نهاية بالاضافة الى تجاهل التحديد المسبق لحجم العقاب .
اذن حجم العقاب يجب ان يكون على قدر الجريمة !!!
فهل توفر هذا لخطيئة ادم ؟ في الحقيقة لا !!!
لم يتوفر, فطبقا لقانون الإرث عند النصارى سوف يرث الأبناء خطيئته ومردود هذه الخطيئة هو العقاب والعقاب كما قلنا لابد أن يكون له حجم يتكافىء مع حجم الخطيئة ولابد أن يكون كل ذلك معلوم لآدم مسبقا فى اطار الانذار والتحذير قياسا على قانون العقوبات الذي وضعه البشر وفى هذا رحمة به وبابنائه لان التخويف والترهيب له دور كبير فى منع الفعل ... والفعل كما نعلم هو الشىء المترتب عليه العقاب وبذلك يكون الانذار والتحذير والاعلام بحجم العقاب ونوعه اساس من اهم اسس الرحمة والغريب ان كل ذلك قد توفر بالنسبة لخطيئة ادم كما ورد فى سفر التكوين والمفروض ان ينتهى الامر على ذلك ولكن نظرا للتشوه والتحريف تم فتح ابواب اخرى تعلق بالارث والابناء من السهل اغلاقها بناء على الاساس السابق الذى قرره سفر التكوين فادم بلا ظلم له يجب عليه ان يدفع ثمن الخطيئة بمفرده حتى ولو اعتبرنا النظرة المشوهة لفطرية العدل التى تتمثل فى مساهمة ابنائه فى حمل العقاب نجد ان تحديد حجم العقاب لم يتوفر فادم ليس لديه علم بعدد من سوف يساهم في حمل الخطيئة من بعده وبالتالى فلن يكون لديه العلم بحجم العقاب المترتب على خطيئته ونوعه حتى وان توفر له هو العلم فلن يتوفر لأبنائه وان لم يتوفر لابنائه يكون في ذلك خروج عن روح العدل واطاره من ناحيتين الناحية الاولى عدم تقدم الانذار والوعيد ومن قبل الاعلام بجرم الفعل فلابد ان يكون هناك فعل وفاعل وامر بالتحريم والناحية الثانية ادم هو الذى يتوجب عليه دفع الثمن باكمله (من مبدأ المقايضة بين الالم واللذة فهو الذى تلذذ بالاكل من الشجرة ) ولتفادى كل ذلك الخلط والقصور يجب أن يكون المعاقب هو الفاعل الحقيقي للخطيئة بغض النظر عن التعدي إلى من ليس لهم علاقة بالأمر برمته !!! .. هذا موضوع آخر .