قرأت شبهة قديمة طرحها أحدُ المنصرين ،يقول مستهزئًا : هل لما رمى رسولُ الإسلام التراب في وجه المشركين وقال شاهت الوجوه ،وعميوا جميعًا... معجزة أيها المسلمون.......؟!
وجدتُ اعتراضه في تفسير قوله :  فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)  (الأنفال)

1-تفسير الالوسي : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } الخطاب للمؤمنين ، والفاء قيل واقعة في جواب شرط مقدر يستدعيه ما مر من ذكر إمداده تعالى وأمر بالتثبيت وغير ذلك ، كأنه قيل : إذا كان الأمر كذلك فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم وقدرتكم { ولكن الله قَتَلَهُمْ } بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب في قلوبهم . وجوز أن يكون التقدير إذا علمتم ذلك فلم تقتلوهم على معنى فاعلموا أو فاخبركم أنكم لم تقتلوهم ، وقيل : التقدير إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم لما روى أنهم لما انصرفوا من المعركة غالبين غانمين أقبلوا يتفاخرون يقولون : قتلت وأسرت وفعلت وتركت فنزلت . وقال أبو حيان : ليست هذه الفاء جواب شرط محذوف كما زعموا وإنما هي للربط بين الجمل لأنه قال  : { فاضربوا فَوْقَ الاعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [ الأنفال : 12 ] وكان امتثال ما أمر به سبباً للقتل فقيل فلم تقتلوهم أي لستم مستبدين بالقتل لأن الأقدار عليه والخلق له إنما هو لله تعالى ، قال السفاقسي : وهذا أولى من دعوى الحذف . وقال ابن هشام : إن الجواب المنفي لا تدخل عليه الفاء .
ومن هنا مع كون الكلام على نفي الفاعل دون الفعل كما قيل ذهب الزمخشري إلى اسمية الجملة حيث قدر المبتدأ أي فأنتم لم تقتلوهم ، وجعل بعضهم المذكور علة الجزاء أقيمت مقامه وقال : إن الأصل إن افتخرتم بقتلهم فلا تفتخروا به لأنكم لم تقتلوهم ونظائره كثيرة ، ولعل كلام أبي حيان كما قال السفاقسي أولى ، والخطاب في قوله سبحانه : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى } خطاب لنبيه عليه الصلاة والسلام بطريق التلوين وهو إشارة إلى رميه rبالحصى . يوم بدر وما كان منه . فقد روى أنه قال : لما طلعت قريش من العقنقل : هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها اللهم إني أسألك ما وعدتني فأتاه جبريل فقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فلما التقى الجمعان قال لعلي كرم الله تعالى وجهه : أعطني قبضة من حصباء الوادي فرمى بها وجوههم فقال : شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وجاء من عدة طرق ذكرها الحافظ ابن حجر أن هذا الرمي كان يوم بدر ، وزعم الطيبي أنه لم يكن إلا يوم حنين وأن أئمة الحديث لم يذكر أحد منهم أنه كان يوم بدر وهو كما قال الحافظ السيوطي ناشيء من قلة الإطلاع فإنه عليه الرحمة لم يبلغ درجة الحفاظ ومنتهى نظره الكتب الست ومسند أحمد ومسند الدارمي وإلا فقد ذكر المحدثون أن الرمي قد وقع في اليومين فنفى وقوعه في يوم بدر مما لا ينبغي ، وذكر ما في حنين في هذه القصة من غير قرينة بعيد جداً ، وما ذكره في تقريب ذلك ليس بشيء كما لا يخفى على من راجعه وأنصف . أهـ

2- تفسير البيضاوي: { فلم تقتلوهم } بقوتكم { ولكن الله قتلهم } بنصركم وتسليطكم عليهم وإلقاء الرعب في قلوبهم روي [ أنه لما طلعت قريش من العقنقل قال عليه الصلاة و السلام هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني فأتاه جبريل وقال له : خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان تناول كفا من الحصباء فرمى بها وفي وجوههم وقال ( شاهت الوجوه ) فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر فيقول الرجل قتلت وأسرت فنزلت ] والفاء جواب شرط محذوف تقديره : إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم { وما رميت } يا محمد رميا توصله إلى أعينهم ولم تقدر عليه { إذ رميت } أن إذ أتيت بصورة الرمي { ولكن الله رمى } أتى بما هو غاية الرمي فأوصلها إلى أعينهم جميعا حتى انهزموا وتمكنتم من قطع دابرها وقد عرفت أن اللفظ يطلق على المسمى وعلى ما هو كما له والمقصود منه وقيل :معناه ما رميت بالرعب إذ رميت بالحصباء ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم . .... أهـ

الرد على الشبهة


أولاً:ليس من حق المعترض الاستهزاء ؛لأن الجهل بأمر المعجزة ظاهرًا عليه ...وعلى كلٍّ فإن المعجزة أمر خارق للعادة ينعم الله بها على النبيِّ والرسول ،تأييدًا له وتصديقًا لبعثة من رب العالمين ...
ثم إن الملاحظ مما جاء في التفاسير أن النبي  أخذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان تناول كفا من الحصباء فرمى بها وفي وجوههم وقال:" شاهت الوجوه " فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم...
الملاحظ أن هذا الأمر خارق للعادة ينطبق تمامًا على تعريف المعجزة الذي أسلفته ،وبهذا ثبت جهل مدعي المعترض على اعتراضه....
ثم إن معجزاتِ النبيِّ  فاقت ألف معجزة , وأكثرها متواترة معنويًا ومتصلة السند منها :
1- القرآنُ الكريم أول معجزاتِه  .
2- آتاه اللهُ جوامعَ الكلم ، وذلك في صحيح مسلم.
3- نُطقِ الجماداتِ بين يديه ، وشهادتها له بالرسالة ، وذلك في صحيحِ البخاري ، ومسلم
4- انشقاق القمر له ، وذلك في القرآن الكريم ،و صحيح البخاري ، ومسلم
5- شفى عددا كبيرًا من المرضى بدعائه أو بلمسه ، مثل : عبد الله بن عتيك ،قتادة بن النعمان .....
6- شاة عجوز لم تلد حلبت اللبنَ حين مسّ ضرعها بيده الشريفة ، وذلك في مسند أحمد .
7- الماءُ نبع من بين أصابعِه ، وذلك في صحيح البخاري ، ومسلم .
8- الجذعُ حنَّ لفراقه ، ونطق أمام أصحابِه ، وذلك في صحيحِ البخاري ومسلم...
وثبت أكثر من ذلك بكثير في كتبِ السنةِ الصحيحةِ ،وكتبِ السيرةِ ، والكتب التي أشرتُ إليها ....

ثانيًا:إن المعترض غاب عن نظره أمرٌ هام جدًا ،وهو أن الذي أمر محمدًاr أن يأخذ قبضة من التراب هو جبريل ،وجبريل ملك من عند الله ،إذن محمد r رسول من عند الله يوحى إليه من طريق ملك هو جبريل... وبذلك يكون قد انقلب السحر على الساحر -بفضل الله-

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-