سألوا سؤالاً فيه استهزاء بكلامِ النبيِّ  قائلين: هل الكلب الأسود شيطان ؟
وتعلقوا بما جاء في صحيحِ مسلمٍ كتاب (الصَّلَاةِ ) باب ( قدر ما يستر المصلي ) برقم 789 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا اِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: ح و حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يُونُسَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ ". قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ  كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ :" الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ ".
• الرد على الشبهة
أولاً : إن اعتراضَهم على قولِه "  الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " ،لا قيمة له ؛ لأن هذه مسألة إيمانية غيبة، ونحن نؤمن بالغيبِ كما قال  عن المؤمنين : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (البقرة 3 ) .
فلا نرد ما صح عن النَّبِيِّ في أمرٍ غيبيٍّ ...
وأتساءل: هل عند المعترضين دليل من الكتابِ المقدس ، أو من أي كتابٍ على وجهِ الأرضِ يناقض ما قاله النبيُّ  بأن الكلبَ الأسود شيطان ؟
الجواب: لا يوجد ما يمنع , بل يوجد في الكتاب المقدس ما يؤيد هذا الحديث الذي معنا ؛ كما سيتقدم معنا - إن شاء الله – .
وعليه فالأولى لنا أن نقدم المثبتَ على المنفي ، فهذا الكلام يفهمه العقلاء....
ثانيًا : إن حديثَ النَّبِيِّ  " الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " يُفسر على عدةِ أوجهٍ منها :
1- أنه لما كان الكلبُ الأسودُ أشد ضررًا وقبحًا من غيره سُمي شيطانًا من باب التشبيه لا أكثر.
2- قد يقال بأن الأمر على حقيقته ، وأن بعض الشياطين تتصور بصورة الكلاب السود ، ولا غرابة في ذلك إذ لا يوجد ما يمنع ذلك .
3- أن كون الكلب الأسود شيطانًا يحتمل أن يكون المعنى أنه على صفته أو مسخ من الشيطان، أي: أن الكلب كان في الأصل شيطانًا فمسخ بتلك الصورة وهي صورة الكلب، وهذا قول بعيد عن الصحة.
وألخص ما سبق بكلماتٍ موجزةٍ ذكرها صَاحِبُ كتاب عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
قوله : " الْكَلْب الْأَسْوَد شَيْطَان" : قَالَ فِي فَتْح الْوَدُود حَمَلَهُ بَعْضهمْ عَلَى ظَاهِره ، وَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَان يَتَصَوَّر بِصُورَةِ الْكِلَاب السُّود ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ أَشَدّ ضَرَرًا مِنْ غَيْره فَسُمِّيَ شَيْطَانًا اِنْتَهَى .

ثالثًا : إن الأناجيلَ تذكر أن يسوعَ أخرج الشياطين من رجلٍ فدخلت في قطيعٍ من الخنازيرِ ...،وذلك في إنجيل مرقس إصحاح 5 عدد 1وَجَاءُوا إِلَى عَبْرِ الْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ الْجَدَرِيِّينَ. 2وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ السَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، 3كَانَ مَسْكَنُهُ فِي الْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلاَ بِسَلاَسِلَ،4لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيرًا بِقُيُودٍ وَسَلاَسِلَ فَقَطَّعَ السَّلاَسِلَ وَكَسَّرَ الْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. 5وَكَانَ دَائِمًا لَيْلاً وَنَهَارًا فِي الْجِبَالِ وَفِي الْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِالْحِجَارَةِ. 6فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، 7وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ:«مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ الْعَلِيِّ؟ أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي!» 8لأَنَّهُ قَالَ لَهُ:«اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ». 9وَسَأَلَهُ:«مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ قِائِلاً:«اسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ». 10وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ لاَ يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ الْكُورَةِ. 11وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى، 12فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ الشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ:«أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا». 13فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ الْقَطِيعُ مِنْ عَلَى الْجُرْفِ إِلَى الْبَحْرِ. وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَاخْتَنَقَ فِي الْبَحْرِ.
نلاحظ من تلك النصوص: أن يسوعَ أخرج الشياطين فدخلت في الخنازيرِ....!
إذًا الشياطينُ دخلت في الخنازيرِ بحسب نصوصِ الأناجيل ، وبعد ذلك ينكرون علينا أن الشياطين تدخل في الكلبِ الأسود . ....!
ثم إن معتقد المعترضين في اللهِ خالقِ السماوات والأرض أنه ظهر في مخلوقاتِه وتجسد ؛ أعنى : ظهروتسجد في الإنسان يسوع.... ويستدلون على ذلك بالنص الوارد في رِسَالَةِ بُولُسَ الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ إصحاح 3 عدد 16وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.
قلتُ : رُغم اعتقادنا بأن هذا النصَ محرفٌ ؛ لأنه غير موجود في أقدم النسخ ، وليس من كلامِ يسوعَ نفسه.. وعلى كلٍّ أقول: إنهم يتعجبون من أن الشيطان يدخل في الكلب الأسود، ولا يتعجبون من أن ربَّ السماوات والأرض يدخل في جسد إنسان( يسوع ) يأكل ، وينام ، ويقضي حاجاته....
فكيف يمتنع ذلك في بعض مخلوقاته ،مثل الشيطان أن يظهر في كلبٍ أسودٍ ؟ أفلا يعقلون !!
ثم إنهم يعترضون على أن الكلب الأسود أُطلق عليه لفظ (شيطان)،ولا يعترضون على أن يسوع قال لبطرس كبير الحوارين:" يا شيطان " ،وذلك في إنجيل متى إصحاح16 عدد23فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ:«اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».
وأني واللهِ لفي غايةِ العجبِ والدهشة أن تخرج شبهةً كهذه من المعترضين إذ لو خرجت من الملحدين ما تعجبتُ !
يقول  :  بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) (يونس ).

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-