بعد أن قمنا بالردِ على شبهةِ سحرِ الرسولِ r ظهرت لي شبهة جديدة يقول أصحابُها: إننا وجدنا أحاديثَ تقول:" مَنْ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ " ! فلماذا لم يصطبح نبيُّكم بها كي لا يصيبه سحر؛ كما هو معلوم أنه سُحِرَ ؟ !
تعلقوا بما جاء في الصحيحين :
1- صحيح في البخاري كِتَاب ( الطِّبِّ ) بَاب (شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ وَالْخَبِيثِ) برقم 5334حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ :سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ:" مَنْ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلَا سِحْرٌ ".
2- صحيح مسلم كِتَاب( الْأَشْرِبَةِ ) بَاب ( فَضْلِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ ) برقم 3814 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ:" مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ ".

• الرد على الشبهة

أولاً : إن الردَ على سؤالِهم الذي يقول : لماذا لم يتصبح محمدٌ r بسبعِ تمراتٍ عجوة كي لا يصبه سحر كما هو معلوم أنه سُحِر r؟ يكون على وجهين :
الوجه الأول : إما أن النبيَّ r ترك أكل العجوة نسيانًا أو انشغالاً ؛ فثبت الخبر عن النبيِّ r ، ولم يثبت أنه كان لا يترك أكل التمر( العجوة ).
الوجه الثاني : إما أنه r عَلِمَ بأمرها بعد حادثةِ السحرِ فأمر بها r ناصحًا لغيره .

ثانيًا: إن قيل: هل لو أكل الإنسانُ في الصباحِ سبعَ تمراتِ عجوة لم يصبه سِحر أو سُم كما قال الرسولُ r ؟! قلتُ : نعم ، ولكن ليس أي نوع من أنواعِ التمر ؛ وإنما هو تمر المدينة فقط ،وذلك لما ثبت في صحيح مسلم برقم 3815 عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ:" إِنَّ فِي عَجْوَةِ الْعَالِيَةِ شِفَاءً ".وفي المعجم الصغير للطبراني برقم 31 " مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَات عَجْوَة مِنْ تَمْر الْعَالِيَة حين يصبح لم يضره سم ولا سحر حتى يمسي "
قال ابنُ حجرٍ في الفتحِ : وَزَادَ أَبُو ضَمْرَة فِي رِوَايَته التَّقْيِيد بِالْمَكَانِ أَيْضًا وَلَفْظه " مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَات عَجْوَة مِنْ تَمْر الْعَالِيَة " وَالْعَالِيَة الْقُرَى الَّتِي فِي الْجِهَة الْعَالِيَة مِنْ الْمَدِينَة وَهِيَ جِهَة نَجْد. أهـ
ونقل ابنُ حجرٍ في الفتحِ عن الْخَطَّابِيُّ و الْقُرْطُبِيّ قائلاً : قَالَ الْخَطَّابِيُّ:كَوْن الْعَجْوَة تَنْفَع مِنْ السُّمّ وَالسِّحْر إِنَّمَا هُوَ بِبَرَكَةِ دَعْوَة النَّبِيّ r لِتَمْرِ الْمَدِينَة لَا لِخَاصِّيَّةٍ فِي التَّمْر.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : ظَاهِر الْأَحَادِيث خُصُوصِيَّة عَجْوَة الْمَدِينَة بِدَفْعِ السُّمّ وَإِبْطَال السِّحْر ، وَالْمُطْلَق مِنْهَا مَحْمُول عَلَى الْمُقَيَّد. أهـ بتصرف.
قلتُ : ومما يقوي ما بيناه أن الإمامَ النووي - رحمه اللهُ - وضع الحديثَ في صحيح مسلم تحت بابِ (فَضْلِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ).
وعليه فإن الظاهرَ لنا أنها خصيصة لتمرِ المدينةِ دون غيرِه.

ثالثاً : إن قيل: لماذا سبع تمرات على التحديدِ ،لماذا لم تكن تسعة مثلاً ؟!
قلتُ: إن الجواب السديد قاله الإمامُ النوويُّ - رحمه اللهُ - : و عَدَد السَّبْع مِنْ الْأُمُور الَّتِي عَلِمَهَا الشَّارِع وَلَا نَعْلَم نَحْنُ حِكْمَتهَا ، فَيَجِب الْإِيمَان بِهَا ، وَاعْتِقَاد فَضْلهَا وَالْحِكْمَة فِيهَا ، وَهَذَا كَأَعْدَادِ الصَّلَوَات ، وَنُصُب الزَّكَاة وَغَيْرهَا ، فَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي هَذَا الْحَدِيث. أهـ

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-