من ادعائهم أنهم قالوا :إن نبي الإسلام يخبر أتباعه أن في الجنة خمر...فكيف تكون النجاسات في مكان طاهر مطهر كالجنة..؟!
واستندوا في ادعائهم بما جاء في صحيح مسلم برقم 3736 عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ:" مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ ".

الرد على الشبهة

أولاً:إن خمر الدنيا ليست كخمر الآخرة كما يتبادر ذلك في أذهان المعترضين... تدلل على ذلك عدة أدلة منها:
الدليل الأول: قوله : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)  (الواقعة )
1-جاء في تفسير الجلالين: "لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزَفُونَ" بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرهَا مِنْ نَزَفَ الشَّارِب وَأَنْزَفَ أَيْ لَا يَحْصُل لَهُمْ مِنْهَا صُدَاع وَلَا ذَهَاب عَقْل بِخِلَافِ خَمْر الدُّنْيَا. أهـ
2-جاء في التفسير الميسر: يطوف عليهم لخدمتهم غلمان لا يهرمون ولا يموتون، بأقداح وأباريق وكأس من عين خمر جارية في الجنة، لا تُصَدَّعُ منها رؤوسهم، ولا تذهب بعقولهم. أهـ
3- جاء في تفسير ابن كثير: وقوله: { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ } أي: لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة.
وروى الضحاك، عن ابن عباس، أنه قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول. فذكر الله خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال.
وقال مجاهد، وعِكْرِمَة، وسعيد بن جُبَيْر، وعطية، وقتادة، والسُّدِّيّ: { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } يقول: ليس لهم فيها صداع رأس.
وقالوا في قوله: { وَلا يُنزفُونَ } أي: لا تذهب بعقولهم. أهـ

الدليل الثاني: قوله : يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)  (الصافات )
1-جاء في تفسير الجلالين: "لَا فِيهَا غَوْل" مَا يَغْتَال عُقُولهمْ "وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ" بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرهَا مِنْ نَزَفَ الشَّارِب وَأَنْزَفَ : أَيْ يَسْكَرُونَ بِخِلَافِ خَمْر الدُّنْيَا. أهـ
2-جاء في التفسير الميسر: يدار عليهم في مجالسهم بكؤوس خمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها، بيضاء في لونها، لذيذة في شربها، ليس فيها أذى للجسم ولا للعقل. أهـ
الدليل الثالث :قوله : يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25 )  ( المطفيفين)
1-جاء في تفسير الجلالين: " يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيق " خَمْر خَالِصَة مِنْ الدَّنَس " مَخْتُوم " عَلَى إِنَائِهَا لَا يَفُكّ خَتْمه غَيْرهمْ. أهـ
2- جاء في التفسير الميسر: ما أعدَّ لهم من خيرات، ترى في وجوههم بهجة النعيم، يُسْقَون من خمر صافية محكم إناؤها، آخره رائحة مسك، وفي ذلك النعيم المقيم فليتسابق المتسابقون. وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عين في الجنة تُعْرَف لعلوها بـ "تسنيم"، عين أعدت ; ليشرب منها المقربون، ويتلذذوا بها. أهـ
إذن كان ما سبق دليل على هدم شبهتهم التي تقول: إن نبي الإسلام يخبر أتباعه أن في الجنة خمر فكيف تكون النجاسات في مكان طاهر مطهر كالجنة..؟!

ثانيًا:إن قيل: سلمنا بقولك أيها الكتاب ،فلماذا سميت بالخمر ،لماذا لم تسم باسمٍ آخر...؟!
قلتُ:إن هذه التسمية من باب تقريب المعاني التي يعرفها الإنسان لا أكثر،وليس ما في نعيم الدنيا ونعيم الجنة إلا أسماء فقط ،وأما المحتوى يختلف بكثير ... جاء في صحيح البخاري برقم 3005 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: قَالَ اللَّهُ:" أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ }".

ثالثًا : إن الخمر الذي يدور في أذهان المعترضين في الجنة ، هي التي جاءت في كتابهم المقدس على لسان ربهم يسوع - كما يزعمون- ...وذلك في إنجيل متى إصحاح 26 عدد 29وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي».
ثم إن هناك نصوصًا أخرى تبين أن الرب يسوع شرب الخمر َ،مثل نص: أكول وشريب خمر،و صنع الخمر في العرس... وبالتالي فهي حلال في الأرض عندهم ،ولا ينبغي أن تحرم في السماء..وذلك على لسان يسوع المسيح في موضعين من إنجيل متى هما:
الأول: إصحاح 16 عدد 19وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ».
الثاني: إصحاح 18 عدد 18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ.
نلاحظ من خلال ما سبق هذه العبارة: وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ.
والمعنى: أن أي شيء حلال ليس بمحرم في الدنيا يكون حلالاً في جنة الرب ... لا تعليق !

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-