قالوا: لقد أباح رسولُكم أن تتوضئوا بماءٍ مختلطٍ بلحمِ الكلاب ، وَالنَّتْن ، والقاذورات وهذه نجاسات ... يا له من شيء مقذذ !! وتعلقوا بحديثٍ جاء في سنن أبي داود كِتَاب (الطَّهَارَةِ ) بَاب (مَا جَاءَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ) برقم 60 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ قَالُوا :حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ r: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ".
قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقَالَ بَعْضُهُمْ :عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ.

• الرد على الشبهة

أولاً : إن هذا الحديثَ الذي تعلقوا به على شبهتهم حديثٌ صحيحٌ ، صححه الألبانيُّ - رحمه اللهُ - في
المشكاة ( 478 ) ، و صحيح أبي داود ( 59 ).
وجاء في عون المعبود قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضهمْ . وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَام أَحْمَدَ بْن حَنْبَل أَنَّهُ قَالَ : حَدِيث بِئْر بُضَاعَة صَحِيح ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن ، وَجَوَّدَ أَبُو أُسَامَة هَذَا الْحَدِيث لَمْ يَرْوِ حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي بِئْر بُضَاعَة أَحْسَنَ مِمَّا رَوَى أَبُو أُسَامَة . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ أَبِي سَعِيد . أهـ
لكن ادعاؤهم باطل ، وشبهتهم باطلة ؛ لأنهم يجهلون معرفة هذا البئر المسمى ( بِبئْرِ بُضَاعَةَ ) للآتي:
1- جاء في عون المعبود لشرح سنن أبي داود :
يَعْنِي أَنَّ النَّاس يُلْقُونَ الْحِيَضَ وَلُحُوم الْكِلَاب وَالنَّتْن فِي الصَّحَارِي خَلْف بُيُوتهمْ فَيَجْرِي عَلَيْهَا الْمَطَر وَيُلْقِيهَا الْمَاءُ إِلَى تِلْكَ الْبِئْر ، لِأَنَّهَا فِي مَمَرّ الْمَاء ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاس يُلْقُونَهَا فِيهَا لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُجَوِّزُهُ كَافِرٌ فَكَيْف يُجَوِّزُهُ الصَّحَابَةُ  كَذَا قَالُوا ( لَا يُنَجِّسهُ شَيْء ) : لِكَثْرَتِهِ، فَإِنَّ بِئْر بُضَاعَة كَانَ بِئْرًا كَثِير الْمَاء يَكُون مَاؤُهَا أَضْعَاف قُلَّتَيْنِ لَا يَتَغَيَّر بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاء. وَالْمَاء الْكَثِير لَا يُنَجِّسهُ شَيْء مَا لَمْ يَتَغَيَّر.أهـ
نلاحظ أنه يقول: إن البئر كان كثير الماءِ؛ أي: متجدد الماء.
2- قال الطَّحَاوِيُّ في عون المعبود : بِأَنَّ بِئْر بُضَاعَة كَانَتْ طَرِيقًا إِلَى الْبَسَاتِين فَهُوَ كَالنَّهَرِ.
نلاحظ كلمة ( كالنهر) فهذه أدلة علي أن مياهه متجددة ، وكثيرة كمياه النهر ، وليست مياه راكدة تلقي فيها الأوساخ ، وبذلك كان الماءُ طهورًا ؛ لذلك أمر الرسولُ rالصحابةَ  أن يتوضئوا منه ؛ فلو كان ماء البئر ساكنًا متغيرًا لما أمر الرسولُ rالصحابة  أن يتوضئوا منه !
3- قَالَ الْإِمَام الْحَافِظ الْخَطَّابِيُّ في شرح سنن أبي داود: قَدْ يَتَوَهَّم كَثِيرٌ مِنْ النَّاس إِذَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْهُمْ عَادَة ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ هَذَا الْفِعْل قَصْدًا وَتَعَمُّدًا ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوز أَنْ يُظَنّ بِذِمِّيٍّ بَلْ بِوَثَنِيٍّ فَضْلًا عَنْ مُسْلِم ، فَلَمْ يَزَلْ مِنْ عَادَة النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، مُسْلِمهمْ وَكَافِرهمْ ، تَنْزِيه الْمِيَاه وَصَوْنهَا عَنْ النَّجَاسَات ، فَكَيْف يُظَنّ بِأَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَان ، وَهُمْ أَعْلَى طَبَقَات أَهْل الدِّين وَأَفْضَلُ جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ وَالْمَاء بِبِلَادِهِمْ أَعَزُّ وَالْحَاجَة إِلَيْهِ أَمَسُّ ، أَنْ يَكُون هَذَا صُنْعهمْ بِالْمَاءِ ، وَقَدْ لَعَنَ رَسُول اللَّه r مَنْ تَغَوَّطَ فِي مَوَارِد الْمَاء وَمَشَارِعه ، فَكَيْف مَنْ اِتَّخَذَ عُيُون الْمَاء وَمَنَابِعه رَصَدًا لِلْأَنْجَاسِ وَمَطْرَحًا لِلْأَقْذَارِ ، وَلَا يَجُوز فِيهِمْ مِثْل هَذَا الظَّنّ وَلَا يَلِيق بِهِمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ هَذَا الْبِئْر مَوْضِعهَا فِي حُدُور مِنْ الْأَرْض ، وَأَنَّ السُّيُول كَانَتْ تَكْشَح هَذِهِ الْأَقْذَار مِنْ الطُّرُق وَالْأَفْنِيَة وَتَحْمِلهَا وَتُلْقِيهَا فِيهَا ، وَكَانَ لِكَثْرَتِهِ لَا يُؤَثِّر فِيهِ هَذِهِ الْأَشْيَاء وَلَا تُغَيِّرهُ ، فَسَأَلُوا رَسُول اللَّه r عَنْ شَأْنهَا لِيَعْلَمُوا حُكْمهَا فِي النَّجَاسَة وَالطَّهَارَة . أهـ
وعليه تسقط شبهتهم - بفضل الله  -.

ثانيًا : إن الكتاب المقدس يذكر لنا ( فطيرة حزقيال ) التي تصنع على الخراءِ الذي يخرج من الإنسانِ، ويأكل بعدها أكلةً شهيةً ( بالهناء والشفاء )!
وأتساءل:هل هذه الفطيرة بهذا الصنع نجاسات وقاذورات.... ؟! لنقرأ ماذا قال الربُّ لنبيِّه حزقيال في سفرِ حزقيال إصحاح 4 عدد 12وَتَأْكُلُ كَعْكًا مِنَ الشَّعِيرِ. عَلَى الْخُرْءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ تَخْبِزُهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ». 13وَقَالَ الرَّبُّ: «هكَذَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ خُبْزَهُمُ النَّجِسَ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهِمْ». 14فَقُلْتُ: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، هَا نَفْسِي لَمْ تَتَنَجَّسْ. وَمِنْ صِبَايَ إِلَى الآنَ لَمْ آكُلْ مِيتَةً أَوْ فَرِيسَةً، وَلاَ دَخَلَ فَمِي لَحْمٌ نَجِسٌ». 15فَقَالَ لِي: «اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ لَكَ خِثْيَ الْبَقَرِ بَدَلَ خُرْءِ الإِنْسَانِ، فَتَصْنَعُ خُبْزَكَ عَلَيْهِ».
قلتُ: يا له من أمرٍ مقذذ لقد عزفت نفسي عن كلِّ الفطائرِ بسببِ تلك النصوص ....
كذلك نلاحظ (الناسخ والمنسوخ) في الكتابِ المقدس فتلك النصوص دليلٌ من الأدلةِ على وجودِه ؛ حيث إن الربَّ يقول لحزقيال النبيِّ :" اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ لَكَ خِثْيَ الْبَقَرِ بَدَلَ خُرْءِ الإِنْسَانِ، فَتَصْنَعُ خُبْزَكَ عَلَيْهِ "!!
ويذكر الكتابُ المقدس أن الربَّ يعاقب بإلقاءِ روث الحيوانات على الوجوه ! وذلك في سفر ملاخي إصحاح 2عدد 1«وَالآنَ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ: 2إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ. 3هأَنَذَا أَنْتَهِرُ لَكُمُ الزَّرْعَ، وَأَمُدُّ الْفَرْثَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، فَرْثَ أَعْيَادِكُمْ، فَتُنْزَعُونَ مَعَهُ.
وأتساءل: أليس روث الحيوانات من النجاسات والقاذورات ؟!
وهل الربُّ يعاقب بالنجاسات والقاذورات ؟!
ويذكر الكتاب المقدس شرب بول الإنسان ، وأكل خراء الإنسان ، وهي من النجسات والقاذورات..... وذلك في سفرِ الملوكِ الثاني إصحاح 18 عدد 27فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟» .،
وفي سفر إشعياء إصحاح 36 عدد 12فَقَالَ رَبْشَاقَى : «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَم؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟».

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-