قالوا على سبيلِ الاستهزاءِ: كان في بيتِ رسولِكم مخنث! ماذا كان يفعل هذا المخنث في بيتِه ؟ أليس هذا من الشذوذ ؟!
وتعلقوا بما جاء في صحيحِ البخاري في كتابِ ( اللباس ) باب ( إخراج المتشبهين بالنساء ) برقم 5436 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ r الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ:" أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ ". قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ r فُلَانًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا.

• الرد على الشبهة

أولاً : كان على المعترضين أن يفرقوا أولاً بين المخنثِ و الخنثى لو كانوا يفقهون !
المخنثُ: هو الذي لا يشتهي النساءَ ، ويتشبه بهن في مشيتِه أو في كلامِه وحركاتِه ،ولا يشترط أنه يؤتى من الخلف...
والخنثى :هو ما يطلق عليه في زماننا -الجنس الثالث- تشترك فيه أعضاء الذكورة والأنوثة معًا ...
ولا شك أن الحديثَ يتكلم عن الأول

ثانيًا : إن بعضَ كلامِهم صحيح ؛ فقد كان في بيت النبيِّ r مخنثٌ يخدم بيتَه ؛ هو أنجشة ،وبقيته افتراء وكذب ينمُ على فكرٍ مريضٍ وسوء ظن برسولِ اللهِ r ...
قال ابنُ حجرٍ في الفتح : كَانَ أَنْجَشَةُ حَبَشِيًّا يُكَنَّى أَبَا مَارِيَة. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث وَاثِلَة أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ نَفَاهُمْ النَّبِيُّ r مِنْ الْمُخَنَّثِينَ. أهـ
وقال أيضًا في تعليقِه على هذا الحديثِ : وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَتَمَّام الرَّازِيُّ فِي فَوَائِده مِنْ حَدِيث وَاثِلَة مِثْل حَدِيث اِبْن عَبَّاس هَذَا بِتَمَامِهِ وَقَالَ فِيهِ: " وَأَخْرَجَ النَّبِيُّ rأَنْجَشَة ، وَأَخْرَجَ عُمَر فُلَانًا " وَأَنْجَشَة هُوَ الْعَبْد الْأَسْوَد الَّذِي كَانَ يَحْدُو بِالنِّسَاءِ . أهـ

ثالثًا : إن هناك سؤالاً يطرح نفسه من خلاله أنسف به الشبهة نسفًا - إن شاء اللهُ – هو: لماذا أمر النبيُّ r بطرد المخنثين وطرد أنجشة ؟
الجواب :أن النبيَّ r لم يكن يعلم أن أنجشةَ من المخنثين ، ولما علِم أنه منهم طرده r من بيتِه ، وأمر أصحابَه  بطردِ كلِّ مخنثٍ من بيوتِهم ،ولو كان أنجشةُ يعمل عملَ قوم لوط ( يؤتى ) لاختلاف الحكم؛ فلم يكن للنبيِّ r أن ينفيه بل يقتله، فهذا حد من يعمل عمل قوم لوط (القتل)؛تدلل على ذلك عدة أحاديث منها:
1- سنن أبي داود برقم4280 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ":rمَا بَالُ هَذَا" ؟فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا نَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ:" إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ".
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ :وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ.
تحقيق الألباني : صحيح ، المشكاة ( 4481 / التحقيق الثاني )
2- سنن أبي داود برقم 3869 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ ". تحقيق الألباني : حسن صحيح ، المشكاة ( 3575 ) ، الإرواء ( 2348 ) ، التعليق الرغيب ( 3 / 199 )
3- سنن ابن ماجة برقم 2552 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r فِي الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ قَالَ:" ارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ ارْجُمُوهُمَا جَمِيعًا ". تحقيق الألباني : حسن بما قبله ( 2561 ) ، الإرواء ( 6 / 17 )
4- تهذيب الآثار للطبري برقم 2908 عن ابنِ عباسٍ أن رسولَ اللهِ r قال : « من وقع على الرجلِ فاقتلوه » يعني: عمل قومِ لوط.
وعليه تنسف فريتهم نسفًا، فكم فيها من همزٍ ولمزٍ حول أخلاقِ نبيِّنا r ، التي مدحه اللهُ  بها قائلاً :  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ  ( القلم 4 ) .
وصدق اللهُ لما قال: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) (آل عمران).

رابعًا: إنني أجدُ شكوكًا مطروحةً من الكتابِ المقدس لقارئه.... نجد أن شاول الملك طرد ابنه يُونَاثَانَ وسبه سبًا قبيحًا لأنه كان يحب ابْنَ يَسَّى (داود)...وذلك في سفر صموئيل الأول إصحاح 20 عدد 30فَحَمِيَ غَضَبُ شَاوُلَ عَلَى يُونَاثَانَ وَقَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ الْمُتَعَوِّجَةِ الْمُتَمَرِّدَةِ، أَمَا عَلِمْت أَنَّكَ قَدِ اخْتَرْتَ ابْنَ يَسَّى لِخِزْيِكَ وَخِزْيِ عَوْرَةِ أُمِّكَ؟!
وأتساءل:ما معنى قول شاول لأبنه يُونَاثَانَ: أَنَّكَ قَدِ اخْتَرْتَ ابْنَ يَسَّى لِخِزْيِكَ وَخِزْيِ عَوْرَةِ أُمِّكَ؟!
قلتُ :أن الذي جعلني أزدادُ شكًا هو ما قاله داود النبي لما مات يُونَاثَانَ ... وذلك في سفر صموئيل الثاني إصحاح1 عدد 26قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْوًا لِي جِدًّا. مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ.
ترجمة أخري للنص26لَشَدَّ مَا تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يا أخي يُونَاثَانُ. كُنْتَ عَزِيزاً جِدّاً عَلَيَّ، وَمَحَبَّتُكَ لِي كَانَتْ مَحَبَّةً عَجِيبَةً، أَرْوَعَ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ.
ويبقى السؤال :أليس سب وطرد شاول لابنه يُونَاثَان هذه المحبة التي كانت أروع من محبةِ النساءِ... لما قال له: أَمَا عَلِمْت أَنَّكَ قَدِ اخْتَرْتَ ابْنَ يَسَّى لِخِزْيِكَ وَخِزْيِ عَوْرَةِ أُمِّكَ؟!.....
أما نحن–المسلمين- نبرئ داودَ مما نُسب إليه كهذا النص وغيره ...

قلتُ : إن الملاحظ أن النبيَّ داودَ كان يحب يُونَاثَان بن شاول محبة أورع من محبةِ النساءِ ، وحزن عليه حزنًا شديدًا لما قتل فقال هذه الكلمات .... ونحن –المسلمين- نبرئ داودَ مما نُسب إليه كهذا النص وغيره ...
كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-