إن الرواياتِ التي استشهد بها المعترضون في الشقِ الثاني من سؤالِهم منكرة ، وموضوعة على نبيِّنا r لا نعترف بها ، وبالتالي تسقطهم شبهتهم التي تقول : هل الله يُصَلِّي واستدلالهم بما جاء في السيرة الحلبية للاتي:
أولاً: الشيخ الألباني - رحمه اللهُ – بيّن أنها موضوعة في السلسةِ الضعيفةِ برقم 1387 لما أسري بالنبيِّ r إلى السماء السابعة قال له جبريل : رويدك فإن ربك يصلي ! قال : وهو يصلي ؟ قال : نعم. قال : وما يقول ؟ قال : يقول : سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي . ( منكر ) و أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1/119 ).
، وبرقم 1386 - " قلت : يا جبريل أيصلي ربك ؟ قال : نعم ، قلت : ما صلاته ؟ قال : سبوح قدوس ، سبقت رحمتي غضبي ، سبقت رحمتي غضبي " .( موضوع بهذا التمام). أهـ
ثانيًا: إن الصحيح في هذا الأمر هو ما جاء في صحيحِ مسلمٍ برقم 752 عن عائشةَ كان رَسُولُ اللَّهِ r كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ :" سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ" .
فهذا من كلامِ النَّبِيِّ r في صلاتِه ؛ في ركوعه وسجوده، وليس ذلك من كلامِ ربِّ العالمين في صلاتِه كما تذكر السيرةُ الحلبية ، وكما يزعم المعترضون ....
فعلى ذلك تبطل الشبهة - بفضل اللهِ  - .
وأما ما جاء في السيرةِ الحلبية بعد الخبرِ الأولِ ؛ قال صاحبُها: وورد أن بنى إسرائيل سألوا موسى هل يصلى ربك؟ فتكابد موسى r لذلك فقال اللهُ : يا موسى ما قالوا لك؟ فقال : قالوا : الذي سمعت قال : أخبرهم أنى أصلي ، وأن صلاتي تطفئ غضبي . والله أعلم.
قلتُ :إن هذا باطل ومنكر أيضًا ؛ذكر ذلك الألبانيُّ - رحمه اللهُ - في السلسةِ الضعيفةِ برقم 1387 .
وأما الحديث الصحيح هو عند البخاريِّ في صحيحه برقم 2955عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:" لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي".
نلاحظ ليس من الحديثِ الصحيحِ أن اللهَ يُصَلِّ ، ويقول : إن صلاتي تطفئ غضبي ؛ لا في هذا الحديثِ ، ولا في غيرِه من الأحاديثِ الصحيحةِ.

سادسًا : إن الأناجيلَ تخبرنا أن الربَّ يسوع بحسب إيمانِهم كان يُصَلِّي .. جاء ذلك في عدةِ مواضعٍ منها :
1- إنجيل لوقا الإصحاح 22عدد 41وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى .
2- إنجيل مرقس الإصحاح 1 عدد 35وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ.
3- إنجيل متى إصحاح26عدد 39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».
4- انجيل يوحنا إصحاح 4 عدد22أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. 23وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ.
5- إنجيل متى إصحاح 4 عدد10حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».
أتساءل :
1-إن البشرَ يصلون للهِ ، فلمن كان يُصَلِّي يسوع الذي هو الله بحسبِ إيمانهم ؟!
2-هل اللهُ يُصَلِّي صلاة المحتاج لغيرِه...؟
3- هل اللهَ يُصَلِّي للهِ....؟ أم أن يسوع المسيح كان نبيَّا يصلي للهِ ،ويأمر بني إسرائيل بذلك...؟!

والأعجب مما سبق هو أن إنجيل متى يخبرنا في الإصحاح 27 عدد46وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟
وأتساءل: هل يسوع الإله ينادى على إلهٍ آخر ، ويسأله لماذا تركه في أيدي اليهود ليهينوه وليصلبوه.... ؟
2- هل كان يسوعُ كارهًا الموت ؟ ألم يأت من أجلِ الصلبِ... ؟!
3- من الذي مات على الصليبِ اللاهوت ( الإله ) أم الناسوت( الإنسان )؟!
فإذا كان الناسوتُ هو الذي مات على الصليبِ يكون الفداء غير صالحٍ لماذا؛ لعدةِ أدلةٍ منها :

1- إن الخطيئة الأصلية غير محدودة ؛ تقتضى أن اللهَ  ينزل ويتجسد ليصلب ؛ فليس سوى الله قادرًا على حمل خطايا البشر على الصليبِ ؛ فالإنسان لا يمكنه أن يحمل على كتفِه خطايا البشرِ كلِها .

2- إن شريعة موسى مكتوب فيها : " ملعون كل من عُلِّقَ على خشبةٍ" (التثنية 21 /23). فاللعنة نقص ، وطرد من رحمة الله ؛ فكيف يكون هذا الإنسان الذي أصابته اللعنة والنقص كُفئاً لحمل خطايا البشر ؟!

3- إن الكتاب المقدس يخبرنا أن الإنسان لا يحمل خطيئة أي إنسان ؛ بل كل إنسان بخطيئته يقتل : " لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلادِ وَلا يُقْتَلُ الأَوْلادُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ" سفر التثنية [ 24 / 16 ] فلو كان يسوعُ مات كإنسانٍ فإن الإنسانَ لا يحمل خطيئة إنسانٍ آخر !
وإذا كان اللاهوتُ هو الذي مات على الصليب فهذه إشكالية كبيرة ؛لأن اللهَ لا يموت أبدًا ؛جاء ذلك في عدةِ نصوصٍ منها:
أ-سفر التثنية يقول الربُّ عن نفسِه: " حي أنا إلى الأبــد " (32 / 40).
ب -رِسَالَةُ بُولُس الرَّسُولِ الأُولَى إِلَى تِيمُوثَاوُسَ6 / 16: " الذي وحده له عدم الموت ".
ج -سفر إرمياء إصحاح 10 عدد10أَمَّا الرَّبُّ الإِلهُ فَحَقٌّ. هُوَ إِلهٌ حَيٌّ وَمَلِكٌ أَبَدِيٌّ. مِنْ سُخْطِهِ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ، وَلاَ تَطِيقُ الأُمَمُ غَضَبَهُ.
د- إن قانونَ الإيمان الأرثوذوكسي ينص على أن اللاهوتَ لم يفارق الناسوت لحظةً واحدةً ؛ دل ذلك على أن اللهَ بحسب معتقدهم مات على الصليبِ ، وهذا يتناقض مع النصوصِ التي تخبر بأن اللهَ لا يموت أبدًا....!

سابعًا :إن الأناجيل تظهر لقارئها إن يسوع المسيح كان إنسانًا نبيًّا يدعو ربه لشفاء الآخرين ،وإحيائهم ... تدلل على ذلك أدلة منها:
1- إنجيلُ يوحنا عن معجزةِ إحياء الميت ( لِعَازَر) ، وذلك في الإصحاح 11 عدد41فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ:«أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي».
قلتُ: إن الواضحَ من النصوصِ أن يسوعَ رفع عينيه إلى السماءِ ، وشكر الأب (الرب ) ؛ لأنه سمع لدعائِه... فهل هناك إلهٌ يدعو إلهًا ، ويشكر الإلهَ ؛ لأن الإله استجاب للإله ....أفلا يعقلون؟!!
2-انجيل يوحنا إصحاح 9 عدد17قَالُوا أَيْضًا لِلأَعْمَى:«مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ:«إِنَّهُ نَبِيٌّ!».
إن ما يدعم ما سبق هو قول يسوع نفسه الذي ينفي الألوهيةَ عن نفسِه، وينفي التثليث ، ويقر بأنه رسول من عند اللهِ ... وذلك ما نسبه إنجيلِ يوحنا له في الإصحاح 17 عدد 3وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَه.

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-
في دفع شبهات المنصرين عن النبي الأمين


[/SIZE][/SIZE]