بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة . .
انتشار الإسلام بالسيف أكذوبة تدحضها حقائق التاريخ

الجمعة ,21/01/2011



من الافتراءات والأكاذيب التي توارثها خصوم الإسلام في الغرب الزعم بأن الإسلام انتشر بحد السيف، وأن الفتوحات الإسلامية كانت حملات عسكرية استعمارية على الشعوب والأمم التي دخلتها عقيدة الإسلام بالإكراه . هذه التهمة للأسف تجد آذاناً مصغية في الغرب ويروج لها الإعلام الصهيوني لإلصاق رذيلة العنف بالإسلام، وهو الهدف الأساسي الذي يسعى الإعلام الغربي إلى تحقيقه الآن لتبرير الحملات العسكرية التي تستهدف العالم الإسلامي، والمواقف الغربية المتشددة تجاه القوى المناهضة للاحتلال في عالمنا العربي والإسلامي .

والواقع الذي يشهد به المنصفون من مؤرخي الغرب ومفكريه وعقلائه أن الإسلام لم يعتمد إطلاقاً على السيف في نشر دعوته، أو في دخول البلاد التي فتحها وأشاع فيها قيم التسامح والرحمة والإخاء . فالإسلام من خلال كل البراهين الدينية التي تنطق بها نصوصه دين يعترف بالحرية الدينية ويكفل حرية العقيدة، ويرفض الإكراه في الدين والنصوص في ذلك كثيرة ومتنوعة . وحقائق التاريخ تؤكد أن المسلمين لم يكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام، وأنهم احترموا عقائد أهل البلاد التي فتحوها، وحافظوا على أماكن عبادتهم ووفروا لها الحماية والصيانة، وفتحوا أبوابها أمام أصحابها ليمارسوا شعائرهم وعبادتهم في حرية تامة .

الفتوحات الإسلامية لم تكن أبداً استعماراً ولا احتلالاً ولا نشراً لعقيدة الإسلام بالإكراه بين الأمم والشعوب كما يزعم بعض الغربيين الذين عميت أعينهم عن حقائق التاريخ، فالمحققون المتدبرون للتاريخ الذي يقرؤونه قراءة صحيحة غير سطحية ولا متعسفة كما يقول الداعية الفقيه د . يوسف القرضاوي قد أكدوا في أبحاثهم وشهاداتهم التاريخية أن الجيوش الإسلامية انطلقت في اتجاهات متعددة لتحقيق أهداف إنسانية، في مقدمتها: أنها أرادت كسر شوكة السلطات الطاغية والمتجبرة التي كانت تحكم تلك البلاد، وتحول بين شعوبها وبين الاستماع إلى كلمة الإسلام، ودعوة القرآن التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام لأن هذه السلطات تريد أن يبقى الناس على دينها ومذهبها، ولا يفكر أحد في اعتناق دين آخر، ما لم يأذن له كسرى أو قيصر، أو الملك أو الأمير فالناس في تلك الأزمان كانوا على دين ملوكهم، ولا يجرؤ أحد على تغيير دينه، فأراد المسلمون أن يردوا الأمور إلى نصابها، وأن يعيدوا للشعوب اعتبارها واختيارها، لاسيما في هذه القضية الأساسية المصيرية التي هي أعظم قضايا الوجود على الإطلاق . قضية دين الإنسان الذي يحدد هويته ويحدد غايته ومصيره .

ومن هنا كانت الحرب الموجهة إلى هؤلاء الملوك والأباطرة وليس الشعوب لهدف واضح هو (إزالة الحواجز) أمام الدعوة الجديدة حتى تصل إلى الشعوب مباشرة وتتعامل معها بحرية واختيار، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة من دون خوف من جبار يقتلهم أو يصلبهم في جذوع النخل كما كان يحدث مع الذين يحاولون تغيير عقائدهم في هذه البلاد قبل دخول الإسلام إليها .

حروب تحريرية

كانت الفتوحات الإسلامية حروب تحرير للشعوب المستضعفة، حيث كانت شعوب المنطقة تعاني من ظلم الحكام الذين سلطوا عليها فترة من الزمن، فقد كان العالم في الجاهلية تتنازعه دولتان عظميان هما دولة الفرس في الشرق، ودولة الروم في الغرب، وقد سيطرت كل منهما على بعض البلاد، واتسعت رقعة إحداهما حيناً على حساب الأخرى وانحسرت حيناً اخر . كما نص القرآن على ذلك في أوائل سورة الروم: “غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون” . وكانت دولة الفرس تمتلك بعض ديار العرب في العراق، وكانت الروم تملك بلاداً أخرى في الشام، كما تملك مصر وغيرها في شمال إفريقيا . وكان هذا لوناً من ألوان الاستعمار المتسلط المستكبر في الأرض بغير الحق، وكان على الإسلام مهمة باعتباره رسالة تحرير للعالم من عبودية البشر للبشر هي أن يقوم بدور إنقاذ هذه الشعوب . وكان لابد من مساعدة هذه الشعوب على التحرر من هذا المستعمر الغريب عنها، وهذا ما جعل هرقل يقول بعد دخول جيوش المسلمين إلى الشام: “سلام عليك يا سوريا، سلام لا لقاء بعده” .

وقد كان الروم يعتبرون مصر بقرة حلوباً يحلبون ضرعها، وإن لم ترضع أولادها، ولهذا رحب الشعب المصري بالفاتحين الجدد، وفتح لهم صدره وذراعيه واستطاع المسلمون بثمانية آلاف جندي فقط أن يفتحوا مصر ويحرروها من سلطان الروم إلى الأبد .

ويرد د . القرضاوي على الذين يرددون أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف ويقول: السيف يمكنه أن يفتح أرضاً، ويحتل بلداً، ولكن لا يمكنه أن يفتح قلباً، ففتح القلوب وإزالة أقفالها يحتاج إلى عمل آخر، من إقناع العقل، واستمالة العواطف، والتأثير النفسي في الإنسان، والسيف المسلط على رقبة الإنسان كثيراً ما يكون عقبة تحول بينه وبين قبول دعوة صاحب السيف، فالإنسان مجبول على النفور ممن يقهره ويذله .

ومن ينظر بعمق في تاريخ الإسلام ودعوته وانتشاره يجد أن البلاد التي فتحها المسلمون، لم ينتشر فيها الإسلام إلا بعد مدة من الزمن، حين أزيلت الحواجز بين الناس وبين الدعوة واستمعوا إلى المسلمين في جو هادئ مسالم، بعيداً عن صليل السيوف، ورأوا من أخلاق المسلمين في تعاملهم مع ربهم وتعاملهم مع أنفسهم، وتعاملهم مع غيرهم ما يحبب الناس إليهم، ويقربهم من دينهم الذي رباهم على هذه المكارم والفضائل .

لا إكراه في الدين

وحول إكراه الشعوب المفتوحة على اعتناق عقيدة الإسلام يقول د . نصر فريد واصل أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر: لو استعرضنا تاريخ الدعوة الإسلامية في كل مراحلها لظهر لنا بوضوح أن الإسلام لم يكره أحداً على اعتناقه، والدعوة الإسلامية استمرت في مكة ما يقرب من ثلاثة عشر عاماً، ومع ذلك فإن المؤمنين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم يعتنقوا الإسلام إلا طائعين، بل لاقوا في سبيل عقيدتهم الجديدة ضروباً من الأذى وألواناً من الاضطهاد لا يحيط به وصف، ورغم هذا لم يتخلوا عن عقيدتهم بل ازدادوا تمسكاً بها، بل منهم من استشهد في سبيل ذلك، وهذا ما يدل دلالة واضحة على أن إيمانهم راسخ لا يتزعزع ونابع من اقتناع جازم، فدعوة الحق لم تنتشر إلا عن طريق الحجة والبرهان .

وحقائق التاريخ تؤكد أن الذين يعتنقون الإسلام كانوا يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون أحداً لسيوفهم، وكانوا يلقون عنتاً ولا يمسون أحداً بعنت، وقد ظاهر المشركون على إخراجهم فخرجوا من ديارهم فراراً بأنفسهم وأبنائهم فحين اشتد عليهم الأذى بمكة، وصب عليهم لظى الاضطهاد هاجر منهم إلى الحبشة بعضة وثمانون نفراً، وانتشر الإسلام في المدينة بين الأوس والخزرج قبل أن يهاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن طريق الكتب والوفود أسلم الكثيرون طواعية واختياراً دون إكراه أو تهديد .

منهج الدعوة

ومما يكشف أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف كما يقول د . منيع عبدالحليم محمود الأستاذ بكلية أصول الدين بالأزهر أن الإسلام يرفض كل صور الإكراه في الدعوة إليه، فقد حدد الإسلام منهجاً واضحاً يتحتم على المسلمين اتباعه في الدعوة إلى الإسلام في كل زمان وفي كل عصر وقد حددت هذا المنهج الآية القرآنية الكريمة: “ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” . ووردت في القرآن الكريم آيات تزيد على مئة وعشرين آية تفيد كلها أن نشر الإسلام أساسه الإقناع الهادئ، والتعليم المجرد، وترك الناس أحراراً بعد عرض الدعوة عليهم ليقبلوها أو يردوها . وهذا ما حدث بالفعل وما أكدته لنا حقائق التاريخ فلم يثبت أن المسلمين أجبروا يهودياً أو مسيحياً على اعتناق الإسلام، ومن هنا كان إعطاء الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه لأهل بيت المقدس من المسيحيين الأمان على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم، “لا يضار أحد منهم ولا يرغم بسبب دينه” .

لقد رفض الكثيرون من علماء ومفكري الغرب الموضوعيين أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف ومن هؤلاء المستشرقة الألمانية “ريغريد هونكه” حيث تقول في كتابها (الله مختلف تماماً): “لقد أدى التسامح العربي دوراً حاسماً في انتشار الإسلام، وذلك على العكس تماماً من الزعم القائل بأنه قد انتشر بالنار والسيف، وقد أصبح هذا الزعم من الأغاليط الجامدة ضد الإسلام” . وتقول في موضع آخر من الكتاب: “لقد كان أتباع الديانات الأخرى أي المسيحيين واليهود والصائبة والوثنيين هم الذين ألحوا من تلقاء أنفسهم على اعتناق الإسلام” .