من جملةِ اعتراضاتِهم على كلامِ نبيِّنا r الذي في اعتقادِهم أنه يُهضم حقَ المرأةِ قوله : r" لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"
قالوا : هل وصل عدم احترامِها إلى درجةِ السجود للزوجِ... ؟!
الحديث رواه ابنُ ماجةَ في سننه برقم 1842 ، ورواه الترمذي كِتَاب (الرَّضَاعِ ) بَاب (مَا جَاءَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ) برقم 1079 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ". قال الألباني : حسن صحيح ، ابن ماجة ( 1853 )

• الرد على الشبهة

أولاً: إن قولَهم واعتقادَهم بأن هذا الحديث يُهضم حقَ المرأةِ هذا من الجهلِ البيّنِ ؛ لأن الحديثَ ليس فيه أي هضم لحقوقِ للمرأةِ ؛ بل فيه دعوة للمرأة للوفاءِ بزوجِها ، وتذكيرِها بحقوقِه عليها ، فكم تعب وعانى من أجلِ إرضائِها سواء في النفقةِ..... فهل تذكير المرأة بحقوقِ زوجِها عليها فيه هضمٌ لحقوقِها ؟! هذا هو .

قال صاحبُ تحفة الآحوذي (محمد عبد الرحمن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا):
قَوْلُهُ : ( لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ) أَيْ: لِكَثْرَةِ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا وَعَجْزِهَا عَنْ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا . وَفِي هَذَا غَايَةُ الْمُبَالَغَةِ لِوُجُوبِ إِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ ....
ثم نقل عن الشوكانيِّ فقال : قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ : فَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ لَوْ صَلُحَ السُّجُودُ لِبَشَرٍ لَأَمَرْت بِهِ الزَّوْجَةَ لِزَوْجِهَا يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. أهـ بتصرف

ثانيًا : للإجابة على الشقِ الثاني من سؤالِهم الذي يقول : هل وصل احتقارها ( المرأة ) إلى درجةِ السجودِ للزوجِ ...؟!
قلتُ :إن الحديثَ ليس فيه أمرٌ أو جواز بأن تسجد المرأةٌ لزوجِها ؛ الحديث يقول: " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ".
وأتساءل: أين في الحديثِ أن النبيَّ r أمر للزوجةِ بالسجود للزوجِ ؟!
الجواب : ليس فيه ذلك ؛ بل في شرعنا لا يجوز السجود إلا للهِ  ....
إن الحديثِ فيه مبالغة من النبيَّ r في إطاعةِ المرأة لزوجِها ؛ فالحديث يدلُ على عظمِ حقِ الزوجِ على زوجتِه، وعلى لزومِ طاعتِه ...
ثم إن حرف( لو ) المذكور في الحديثِ هو حرف امتناع لامتناع ، ومما يقوي ما سبق بيانه:
أن الترمذي - رحمه اللهُ - لما خرّج الحديثَ ذكره في بَاب(مَا جَاءَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ) ،
وذكره ابنُ ماجةَ - رحمه اللهُ - في بَاب ( حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ)
ولم يذكرا الحديثَ تحت بابِ( وجوب سجود المرأة للزوج) أو ( استحباب سجود المرأة للزوج ) ، فلم يفهما من الحديثِ كما فهم المعترضون.... !

ثالثًا : إن هذا الحديثَ يدل على أن اللهَ  أعطى لنبيِّنا r حق التشريع من عنده ؛ تكريمًا وتعظيمًا له r ؛ حيث إن صيغة الحديث تدل على أن النبيَّ r له الحق أن يأمر هو بنفسه ، لكنه لم يأمر أحدًا بالسجود لبشر.
إن قيل: إن السجود يجوز لبعض البشر في شرع المسلمين كما جاء في القرآن عن سجود الملائكةِ لآدمَ:وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ(البقرة 34).
وسجود أخوة يوسف ، وأبيه ، وأمه ليوسف u : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً (يوسف100).
قلتُ :إن فهم هذه الآيات فهمًا صحيحًا يكون من وجهين:
الأول : أن السجودَ المذكور ليس سجود عبادة ؛ بل هو سجود تكريم ، و تعظيم ، وتشريف.
وقال بعضُ المفسرين كالجلالين: سجود انحناء لا وضع جبهة .
الثاني : أن هذا السجودَ في شرعِ من كان قبلنا ؛ يسجد بعضهم لبعضٍ تكريمًا وتشريفًا... أما في شرعِنا فلا يجوز ، ومن المعلومِ أن شرعَ من كان قبلنا إذا خالف شرعنا فهو ليس بحجةٍ لنا، وبالتالي فهذا ليس حجة علينا ، والأدلة على تحريمِه في شرعِنا كثيرة ؛ منها : قولُ اللهِ : وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)  (فصلت).
و الحديث الذي معنا ؛ قولُهr :" لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا" .
وغير ذلك من الأدلة.

رابعًا: إن المعترضين يعترضون على حديثِ النبيِّ r الذي أسلفنا بيانه ؛ ولا يعترضون على كلامِ بولس في رسالته إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ إصحاح 5 عدد 22أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، 23لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. ؟!
وأتساءل :أليس معنى كلامِ بولس للنساء" أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ " .
هو نفسه كلام النبيِّ r " لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا " !
وأما عن قولِهم بأن نبيَّناr حط من مكانةِ المرأةِ ، ولم يحترمها ، ونراهم يرددون ذلك مرارًا وتكرارًا ؛ في حين أن كاتب سفر الجامعة يقول عن النساءِ: ليس فيهن امرأة واحدة صالحة... !
جاء ذلك في سفر الجامعة إصحاح 7 عدد 27اُنْظُرْ. هذَا وَجَدْتُهُ، قَالَ الْجَامِعَةُ: وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً لأَجِدَ النَّتِيجَةَ 28الَّتِي لَمْ تَزَلْ نَفْسِي تَطْلُبُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا. رَجُلاً وَاحِدًا بَيْنَ أَلْفٍ وَجَدْتُ، أَمَّا امْرَأَةً فَبَيْنَ كُلِّ أُولئِكَ لَمْ أَجِدْ !
نلاحظ : أن كاتبَ سفر الجامعة بحسبِِ اعتقادِ بعضهم هو نبي اللهِ سليمانَ يقول: إنه يجد من بين كل ألف رجل رجلا صالحًا يعني: من بين ألفين رجل رجلين ، وهكذا ؛ لكنه لم يجد امرأةً صالحةً واحدةً قط . فهل هكذا تكون المرأة (غير صالحة)...هل هذا هو التوقير والاحترام لها الذي يرتضيه المعترضون؟!

خامسًا : إن المتأمل في بعضِ نصوصِ الكتاب المقدس يجد ما أسلفنا بيانه أن السجودَ لا يكون إلا للهِ ، هذا واضح من كلامِ يسوع في إنجيل متى إصحاح 4 عدد 10حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». ويجد أيضًا فيه العكس من ذلك كما يلي :
1- سليمان يسجد لامرأة ، وذلك في سفر الملوك الأول إصحاح 2 عدد19فَدَخَلَتْ بَثْشَبَعُ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِتُكَلِّمَهُ عَنْ أَدُونِيَّا. فَقَامَ الْمَلِكُ لِلِقَائِهَا وَسَجَدَ لَهَا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَوَضَعَ كُرْسِيًّا لأُمِّ الْمَلِكِ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ.
2- لوط يسجد لملاكين ويقول لهما: عبدكما ، وذلك في سفر التكوين إصحاح 19 عدد 1فَجَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. 2وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». فَقَالاَ: «لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ».
3- إبراهيم يسجد للشعب ، وذلك في سفر التكوين اصحاح23 عدد7فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ وَسَجَدَ لِشَعْبِ الأَرْضِ، لِبَنِي حِثَّ.
4- يوسف يسجد لعيسو ، وذلك في سفر التكوين إصحاح 33 عدد7ثُمَّ اقْتَرَبَتْ لَيْئَةُ أَيْضًا وَأَوْلاَدُهَا وَسَجَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ اقْتَرَبَ يُوسُفُ وَرَاحِيلُ وَسَجَدَا.
5- يوحنا يسجد للملاك ، وذلك في سفر رُؤْيَا يُوحَنَّا اللاَّهُوتِيِّ اصحاح22 عدد8وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هذَا.
وأتساءل: هذا من التناقض في الكتابِ المقدس ؟ أم أن السجود المذكور هو سجود احترام ، وتقدير ، وتكريم ، ومنه سجود خوفٍ كما كان من سجود يوسف لعيسو ؛ لأن أباه يعقوب سرق البركةَ من عيسو ، وذلك كله بحسب ما نسب الكتاب المقدس لهم ؟!

كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-