بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


"خيرَ الله"

تعد كتب الرحلات من أهم المصادر المعرفية، لأن الكاتب يستقي ما يكتبه من مشاهداته. وقد نشط أدب الرحلات على أيدي المستكشفين، وعرفه العرب قديما

عبدالله فدعق

يذكر الأدباء أن (أدب الرحلات) نوع من الأدب يصور فيه الكاتب ما جرى له من أحداث أثناء رحلته. وتعد كتب الرحلات من أهم المصادر المعرفية، لأن الكاتب يستقي ما يكتبه من مشاهداته. وقد نشط أدب الرحلات على أيدي المستكشفين، وعرفه العرب قديما، ولعل من أقدم نماذجه المناسبة لكتابة المقال ـ رحلة التاجر سليمان السيرافي بالبحر إلى المحيط الهندي، ورحلة البيروني المسماة (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة)؛ وتعتبر الأخيرة وثيقة هامة تجاوزت الدراسة الجغرافية والتاريخية إلى دراسة ثقافات مجتمعات الهند آنذاك، كتبها بعد أن دخل الهند برفقة السلطان محمد الغزنوي عند فتحه للهند.

بعد هذه المقدمة أنقل إليكم متشبها بمن سبق بعضا من (مشاهداتي) عن ولاية (كيرالا) في جنوب الهند، التي يقال إن اسمها اسم محرف عن الأصل العربي (خيرَ الله)، ويرجح علماء البلد وكتابها أن الاسم أطلقه التجار العرب على هذه المنطقة معبرين ببلاغة عن تباين البيئة الصحراوية التي أتوا منها، والأرض التي شغفت عقولهم وأبصارهم بطبيعتها الخلابة والساحرة. يسكن كيرالا ـ المشهورة خليجيا باسم أشهر مناطقها (مالابار أو مليبار) ـ نحو 40 مليون نسمة، ويمثل المسلمون ما بين 25 إلى 30% (10-12 مليونا). ويحتفظ التراث المحلي بكيرالا بقصة رويت زمن بعثته صلى الله عليه وسلم، ملخصها أن (بيرومال) حاكم المنطقة الساحلية من كيرالا، شهد معجزة انشقاق القمر، وفسر التجار العرب الزائرون للملك هذه المعجزة بأنها كانت علامة على أن الله أرسل نبيا إلى العرب، وبعد ذلك مباشرة سافر بيرومال إلى الجزيرة العربية، واعتنق الإسلام، وفي طريق عودته إلى الهند مات أمام ساحل ظفار في الجنوب، بعد أن أوصى مرافقيه العرب بالعودة إلى مملكته لنشرالإسلام. وبغض النظر عن حقيقة القصة، فهناك أدلة صريحة على استقرار تجار عرب ومسلمين من الجزيرة العربية على ساحل مالابار قبل وبعد البعثة، حيث كانوا يحظون بترحيب الملوك المحليين للدور العظيم الذي قاموا به في التجارة الخارجية، ومن خلال جهودهم السلمية انتشر الإسلام في المنطقة. وعبر قرون من الدعوة وانتشار التعليم الإسلامي أصبح في كيرالا اليوم نحو أكثر من ستة آلاف مدرس يدرسون اللغة العربية، وحوالي أكثر من نصف مليون طالب معظمهم مسلمون يتعلمونها، ويوجد في "مجلس الولاية للبحوث التربوية والتدريب" و"مديرية التعليم العام" قسم مستقل للإشراف على تعليم اللغة العربية، كما عينت حكومة الولاية لجنة من دارسي اللغة العربية البارزين، فقامت بإعداد كتب دراسية لتدريس اللغة العربية، وتقوم بتحديثها بانتظام، ولذا يعتبر نظام الدراسات العربية في كيرالا الأفضل تنظيما في عموم الهند. وقد ساهمت حلقات التعليم في مساجد كيرالا في نشر الإسلام، إلا أنه وبسبب اعتمادها على التعليم الشفهي، كان الطلاب نادرا ما يستطيعون الكتابة، بالرغم من دراستهم عدة سنوات، وكان المنهج يتكون أساسا من مجموعة من العلوم النقلية، بالإضافة إلى علوم أخرى كالهندسة والرياضيات والفلك والمنطق والتاريخ والطب، إلا أن الأمر اقتصر منذ القرن التاسع عشر على العلوم الشرعية.

عودا على بدء؛ أقول إن المتابع لأدب الرحلات يجد أن هذا النوع من الكتابة قد تراجع عما كان عليه في العصور الماضية، رغم أن عصرنا الحالي يعتبر عصر الرحلة والسفر! وربما أن قدرتنا على الملاحظة والتحليل قد قلت، أو أن أسباب السفر قد تيسرت، أو أن تقدم وسائل الإعلام كان له أثر في قلة هذا النوع الثري من أنواع أدبنا المجيد.





الوطن أون لاين - السبت 15 يناير 2011