فقهيــات دعويـــة


ما أحوج الدعاة والإسلاميين إلى مراجعات مستمرة في فقه الدعوة، للخروج بمزيد من الأفكار والاجتهادات التي من شأنها تفعيل الدور الدعوي، ولتكون الدعوة والدعاة على مستوى الإسلام كما على مستوى العصر.
الدعوة وظيفة الأنبياء :
ابتداءً لابد من التأكيد على أن الدعوة وظيفة الأبرار والأخيار والمصطفين والمجتبين، فضلاً عن أنبياء الله أجمعين، وبذلك يتحقق استمرار العطاء الرسالي في المجتمعات البشرية، وإن خُتمت الرسالات السماوية ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى" للعالمين(90) (الأنعام)، كما بذلك تبقى حجة الله على عباده قائمة في كل زمان ومكان ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى" تكليما 164 رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (النساء).
والقيام بهذه الوظيفة الرسالية يُعتبر صمام أمان المجتمعات البشرية، والمكبح الذي يقيها عوامل الانحراف والسقوط والانهيار، وصدق الله تعالى حيث يقول: وما كان ربك ليهلك القرى" بظلم وأهلها مصلحـون 117 (هود).
والإسلام هو مادة الدعوة ومضمونها، وهذا ما يفرض أن تكون الدعوة للإسلام وللالتزام بمبادئه وأحكامه، وأخلاقه وآدابه وقيمه.
بل هذا ما يفرض على الدعاة أن يكونوا على جانب كبير من الفقه في دين الله حتى لا يَضِلّوا ولا يُضِلُّوا، مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً، ولكن ينتزعه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً، فسُئِلوا، فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا".
والغرض من التنظيمات الإسلامية هو تنظيم القيام بالوظيفة الدعوية حتى يكون دورها فاعلاً وليس بديلاً عنــها .
والدعوة يجب أن تكون للإسلام، حيث تتحقق العبودية لله تعالى في كل جانب من جوانب الحياة، وهي الغاية التي لا غاية قبلها ولا بعدها: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين162 (الأنعام).
وقد يظن البعض أن ميدان الدعوة لا يتعدى خطبة الجمعة، ودروس المسجد، ومحاضرة المنتدى، وما يتصل بذلك من قريب أو بعيد، مما أدى ويؤدي إلى تغييب الدعوة عن واقع الحياة ومرافقها ومنابرها المختلفة، وجعلها حبيسة مساحة ضيقة من الأماكن والمناسبات.
إن الدعوة كمنهج رباني لصناعة الحياة، يجب أن تأخذ دورها الكامل والفاعل في كل مرافق الحياة لتحقق صياغتها وفق النسيج الإسلامي المميز والفريد، فالدعوة ليست دوراً مصطنعاً، أو وظيفة جانبية، أو مهمة مؤقتة هامشية، أو إطلالة موسمية، وإنما هي حالة حضور فاعل في كل زمان ومكان، وكل مقام ومقال، وموقع ومجال، وبذلك تتكاثر المنابر الدعوية حتى تغطي مساحة الحياة كلها.
فالمساجد، والمنتديات، والنقابات، والمعاهد، والجامعات، والمؤسسات الاجتماعية والخيرية، ودور النشر، والمكتبات، وبرامج السياحة والمخيمات، ومراكز التطبيب النفسي والعضوي، والمؤسسات المصرفية الإسلامية، والمجالس البلدية والنيابية، والنقابات العمالية والمهنية، ووزارات الأوقاف وإدارات الشؤون الدينية، ودور الفتوى، ونوادي الفروسية والرياضة، والمؤسسات الإعلامية، وصناعة الأفلام، إلى ما لا يحصى له عدّ، ويعتبر من المواقع التي يمكن أن تُسخّر كمنابر دعوية هادفة، في ضوء كل ذلك، بات من الضروري إمعان النظر، وإشغال الفكر في إطار تطوير وتحديث الفقه الدعوي ليغطي الطرح الإسلامي الساحات والمساحات، وليساهم الدعاة في صناعة الحياة في كل جانب من جنباتها.

بقلم : د. فتحي يكــن