سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

لمسات بيانية الجديد 10 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | قالوا : ماذا لو صافحت المرأة الرجل ؟ » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | () الزوجة الصالحة كنز الرجل () » آخر مشاركة: مريم امة الله | == == | مغني راب أميركي يعتنق الإسلام بكاليفورنيا » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

صفحة 1 من 4 1 2 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 37

الموضوع: سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

    بسم الله الرحمن الرحيم

    سيرة وحياة الشيخ العلامة
    عبد العزيز بن عبد الله بن باز
    وما قيل فيه من شعر ونثر

    الجزء الثاني
    المقالات

    جمعها ورتبها واعتنى بنشرها
    إبراهيم بن عبد الله الحازمي
    عفا الله عنه وسدد خطاه


    وأن، وفقنا.. وهدانا:
    حتى أحببنا.. فيه.. الذي عرفنا:
    حباً.. خالصاً.. في الله.. لعبد من عباد الرحمن
    وإلا فالدنيا.. عناء وكدر.. وقيظ وهجير:
    عندما.. لا يعبر بها.. ولا ينزل -وقتاً- في بعض منازلها:
    مثل التقي الزاهد، أبي عبد الله، عبد العزيز بن باز.
    اللهم:
    لقد أحببنا، عبدك التقي الموحد: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، لما نعلمه، من إخلاصه في عبادتك، وجهاده في سبيلك وزهده فيما عند الناس، طمعاً ورغبة ويقيناً، فيما عندك.
    اللهم:
    اشمله برحمتك، جزاءً على: كريم إقامته بيننا، وحسن سيرته فينا، وجميل صنعه معنا، وصدق حبه.
    ورفيق، نصحه لنا.
    اللهم: اجزه.. الغرفة.. بما صبر.. وشكر.. وصدق
    اللهم: ولقه فيها ألا: إن العاقبة للمتقين
    ألا: وإن الحمد، كله، لله رب العالمين.


    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    طبت حيا وميتاً

    د. بسام خضر الشطي
    إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن على فراق سماحة الشيخ العلامة الوالد إمام عصره عبد العزيز بن عبد الله بن باز. لم يأخذ إجازة قط.
    كان مثابراً معطاء، صادقاً مخلصاً، يحب العمل، كان وراء إنشاء الجامعة الإسلامية، وخرّج في عهده طلبة علم مميزين، حملوا راية التوحيد إلى أنحاء المعمورة، بيته مفتوح دائماً، ومائدته ترى فيها الفقراء وطلبة العلم من عدة أقطار وأمصار. حرص على إصلاح ذات البين بين المرء وزوجه، وحرص على وحدة الكلمة بين العلماء وطلبة العلم، تراه في المسجد راكعاً وساجداً ومحاضراً، ونسمعه عبر الأثير يساهم في إصلاح المسيرة الدعوية والتربوية، يشارك المسلمين في أفراحهم وأتراحهم. كانت له حلقات علمية مميزة يجيب على الأسئلة من خلال هواتفه في المنزل وفي مكتبه، لا يعرف الراحة إلا أوقاتاً قصيرة جداً.
    لسانه يلهج بذكر الله عز وجل دائماً.
    صبور على ما أصابه في المرض وعندما فقد حبيبتيه ظل مبتسماً بشوشاً في أغلب أحيانه.
    له مواقف عديدة أذكر منها: عندما أراد الرئيس الصومالي الأسبق
    سياد بري قتل طلبة العلم، اتصل بالأمير عبد الله بن عبد العزيز ليكون شفيعاً للطلبة المميزين، حيث كانوا دعاة مثابرين وقد وشى بهم الواشون، فاتصل ليلاً بالرئيس الصومالي وأفرج عنهم وهاهم دعاة ومن خيرة الدعاة هناك.
    ومن مواقفه النبيلة الاتصال بالرئيس الليبي معمر القذافي وإبلاغه أنه لا يجوز حذف كلمة "قل" من السور بل لا بد من نطقها عندما أمر بحذفها من الإذاعة أثناء تلاوتها ومن المساجد ومن المقررات التعليمية، واقتنع الرئيس آنذاك ورجع إلى الصواب.
    وأيضاً لما اتصل بالرئيس التونسي السابق وبيّن له حكم الله عز وجل في الأضاحي وفي الصيام، وأنهما لا يعطلان المسيرة التنموية والإنتاجية وأعطاه الأدلة المقنعة بذلك.
    وأيضاً كانت نصائحه متكررة إلى الناس كافة، بتقوى الله عز وجل، والحرص على هذا الدين، وأرسل برقيات تهنئة إلى سمو الأمير وولي العهد وهنأهما والشعب الكويتي بتحرير الكويت من طاغية العراق، وأوصاهما بتطبيق شريعة الله والتكرم مشكورين بالسماح بإطلاق اللحية للإخوة العسكريين، ووافقاه مشكورين مأجورين.
    وقبل وفاته بساعات تحدث بوصايا عامة إلى الأمة، وخص الشباب بذلك ومنها تقوى الله، والامتثال لأوامر الله عز وجل والانتهاء عن الزواجر.
    لقد فقدت الأمة إماماً عالماً كرّس كل حياته لخدمة الإسلام والمسلمين، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتغمده برحمته، ويخفف عنه ضمة القبر، وأن يسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين والصالحين، ويرزق الأمة علماء يقومون مقامه، ويواصلون مسيرة العطاء لجمع كلمة الأمة على منهج الإسلام.
    كما أسأله سبحانه ألا يفتننا بعده والحمد لله على قضائه وقدره.*


    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    عبد العزيز بن باز .. العصامي الزاهد
    تركي عبد الله السديري
    انتقل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز إلى رحمة الله بعد أن قدم نموذجاً فريداً في العصامية والنزاهة وصرامة التقشف..
    إن الجميع يعرف مكانته كعالم دين جليل، والجميع أيضاً يعرف شموخ المنصب الذي شغله معظم سنوات حياته العلمية، لكن هناك جوانب في حياته الشخصية هي معروفة دون شك عند خاصته وعند المعنيين بتاريخ من هم أمثاله، لكن هناك في العامة من قد يجهل كيف بدأ الرجل الفذ حياته كدارس، وكموظف، وكعالم جليل، وهي جوانب مشرقة للغاية في تاريخه الشخصي، ويصح أن تكون نموذجاً لأصالة العصامية الصافية التي صنع عملقة نجاحها وبروزها في كل المستويات، منذ بدأ عمله قاضياً في قرية صغيرة وحتى أصبح مرجع الفتوى والقضاء في كل أنحاء المملكة، وحتى حقق أيضاً شهرته الواسعة في الدنيا العربية، وفي كل ساحات العالم الإسلامي. ربما لم يكن أحد بمقدوره قبل ما يقارب السبعين عاماً أن يتنبأ بماذا سيكون عليه ذلك الطفل اليتيم الكفيف البصر عندما يكبر، لأن الإمكانيات التقليدية التي تصنع نجاح الكثيرين في معظم مرافق الحياة لم تكن تتوفر له، لكن

    الشاب الذي تتلمذ على يد المرحوم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وحصن تحصيله الديني على يد أكثر من شيخ متخصص استطاع أن يوفر لذاته استقلالية مبهرة لفتت إليه الأنظار وهو في سن الشباب، وكلما واصل إبهاره الفقهي كانت تتواصل شهرته واتساع معرفة الناس بمكانته العلمية، ورغم أنه قفز سريعاً وبتمكن وجدارة نحو مكانة كبيرة من التأهيل والشهرة ومكانة العمل، إلا أن ذلك لم يعرضه في أي يوم لأي عداوة تنافس مع أي شخص، بل ظل محترماً ومرموقاً بين الجميع.
    لو كتبت عن الشيخ عبد العزيز بن باز الفقيه لكنت كمن يعيد على الناس قراءة كتاب سبق أن حفظوه عن ظهر قلب، لكنني -وقد أشرت إلى عصاميته في بناء ذاته علماً ومكانة- أريد التعرض لجانب فريد ولافت للانتباه في حياته -رحمه الله- أعني بذلك تقشفه وبساطته، وهما ميزتان نادرتان في حياة الناجحين من الرجال.
    لقد حدث قبل عشرين عاماً تقريباً أن كتبت موضوعاً وجدانياً مطولاً على شكل سرد ذاتي لم يرض -رحمه الله- على بعض ما به من سياق، وقد نصحني سمو الأمير سلمان أن أتصل به شخصياً وأشرح له ما أريده من الموضوع، وفعلاً ذهبت إلى بيته وكانت حيرتي التعرف عليه بين الجالسين لفرط بساطته في ملبسه وموقعه بينهم، حتى إذا سلمت عليه أجلسني بجواره، وقضى وقتاً ليس بالقصير يرد على سيل من المكالمات تستفتيه في بعض أمور الدين والحياة ثم شرحت

    لفضيلته أن الموضوع عمل فني في الكتابة لا يعني صلتي الشخصية بالأحداث، فقال لي ما معناه: لا بأس لكن مستقبلاً لا تنسب المواقف إلى نفسك؛ لأن هناك من سيتوهم أنك تكتب عن تجربة ذاتية ثم تمنى لي التوفيق..
    إنه -رحمه الله- لم يكن يتخذ موقفاً لا يقبل المناقشة حيال أي شخص أو موضوع، وهذه فضيلة أفق واسع تمتع به رحمه الله.
    أما البساطة فأمرٌ يكاد يقترب من الخيال لأن الرجل الذي تبوأ أعلى المناصب وأكثرها جلالاً ومهابةً، وتمر ما بين يديه ملايين الهبات والصدقات والمعونات لا يصنف إطلاقاً من بين الأغنياء، فهو قد عاش حياة كفاف بالغة الزهد والعفاف والنزاهة.
    رحم الله الشيخ عبد العزيز بن باز عالماً قد ملأ مكانه بجدارة لا تنكر، وعصامياً نزيهاً احتل أعلى قمم النجاح.*

    ```


    * الرياض: السبت 29 محرم 1420هـ، مايو 1999م - العدد 11282.





    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    وداعاً ابن باز


    توفيق بن عبد العزيز السديري
    إن من أصعب اللحظات على الإنسان أن يُنعى إليه شخص عزيز عليه ذو تأثير على نفسه وكيف إذا ما اجتمع مع ذلك أن تكون محبة هذا الشخص وتقديره مكان إجماع السواد الأعظم من الناس.
    لقد كان لنبأ وفاة سماحة والدنا وشيخنا العالم الزاهد العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وقعٌ كبير على نفسي وأنا من هول الصدق ما سمعت. وأخذ شريط الذكريات يستعرض ما اختزنه عن هذا الرجل العظيم لقد عرفت سماحة الشيخ منذ الصغر حيث عرفته من خلال جدي -رحمه الله- ووالدي -حفظه الله- وبعض أقاربي حيث كانت تربطه بجدي وبعض أقاربي علاقة معرفة وصداقة ولا زلت أذكر بعض المواقف التي جمعتني بسماحته؛ هذه المواقف التي تؤكد على ريادة هذا الرجل وعلمه وفضله وزهده وإنسانيته.
    وأذكر ذات مساء وكنت ابن ستة عشر عاماً تقريباً وكنا في مناسبة اجتماعية فاستأذنت من الشيخ وقرأت بين يديه حديث: ((بدأ الإسلام غريباً)) وذكرت بعض ما يدل عليه هذا الحديث وربطته بالواقع المعاصر للمسلمين فسر الشيخ كثيراً بالرغم من حداثة سني وتقبل

    بصدر رحب ما قلت وعلق عليه تعليقاً لطيفاً مفيداً ولم يستنكف وهو العالم الكبير أن يلقي بين يديه فتى غر ليس له من التجربة العلم ما يؤهله لحضور مجلس الشيخ فضلاً عن الكلام بين يديه بل أنَّ -رحمه الله- اغتبط بذلك ودعا لي وحثني على المواصلة في طلب العلم.
    وكم من المواقف التي رأيتها أثناء حضوري لدروس سماحته ومحاضراته سواء في الجامع الكبير في الرياض أو في غيره مع طلبة العلم وغيرهم وتحمله -رحمه الله- الكثير من العنت والأذى في سبيل ذلك وهو لا ينفك عن النصح والتوجيه والملاطفة والدعاء بالصلاح والهداية.
    إن الشيخ ابن باز علم من أعلام هذا القرن ومن مجدديه، قد سلك -رحمه الله- نهجاً علمياً مؤسساً على النهج الأصيل للدعوة السلفية المباركة التي أحياها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإن أثر الشيخ ابن باز -رحمه الله- في نشر هذه الدعوة في أصقاع الأرض أثر كبير حتى أنك لا تصل إلى بلد من بلاد الدنيا إلا وتسمع ذكر الشيخ وعلمه وفضله..
    وإن لمدرسة الشيخ أثراً كبيراً في نشر السنة والاهتمام بحديث رسول الله e، ولقد تأثر طلبة العلم المعاصرون والجامعات الإسلامية بنهج الشيخ ومدرسته في الاهتمام بتحقيق الآراء والفتاوى واعتمادها على السنة الصيحة المأثورة من رسول الله e.

    كما أن للشيخ فضلاً كبيراً في صد كثير من الفتن التي عصفت بهذه الأمة خلال حياته -رحمه الله- كما كان له يد طولى في توجيه شباب المسلمين الوجهة الشرعية السليمة والنأي بهم عن مزالق الغلو وانحراف الجماعات والأحزاب والفرق الضالة.
    وقد كان دؤوباً على النهج والتوجيه وبيان المنهج الحق بكل ما أوتي من قوة وبكل ما استطاع من وسيلة، وإذا نظرت إلى وقته -رحمه الله- وكيف أن الله سبحانه بارك فيه فإنك ترى العجب العجاب حيث يصرف وقته كله في سبيل الله كتابةً وقراءةً وسماعاً وإجابة سائل في الطريق وفي المسجد وفي السيارة وعلى الهاتف في مكتبه ومنزله وفي جميع الأوقات.
    إنَّ الحديث عن الشيخ وفضله لا يمكن أن يستوفى في مقال أو حتى في كتاب فالشيخ -رحمه الله- ظاهرة فريدة تستحق المزيد والعديد من الدراسات والبحوث ولكنها كلمة حرة خرجت من قلب مكلوم بهذا المصاب الجلل والخطب الفادح وإلا فالحديث عن علم الشيخ وزهده وورعه وثباته في المحن والقبول الذي أعطاه الله له في الأرض وما واجهه من كيد أعداء الإسلام الذي لم يزده إلا ثباتاً وقوة وصبراً ومصابرة ومرابطة وجهاداً في سبيل الله.
    إن الحديث عن ذلك كله يحتاج إلى وقت كبير وحسبي في هذه العجالة أن أشرت إلى جانب من ذلك.

    رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته وأمطر عليه شآبيب رحمته وجزاه عما قدمه للإسلام والمسلمين خير الجزاء وخلف الأمة من بعد بالعلماء الصالحين المسلمين.
    ونحن إذا نعزي أنفسنا في سماحة والدنا نقدم العزاء إلى إمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وإلى أسرة الشيخ المكلومة وإلى الأمة الإسلامية كافة.. وصدق رسول الله e إذ يقول ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء)) )إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(.
    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    من الفاجعة إلى التصرف


    بقلم: د. حسن بن فهد الهويمل
    عندما رأى سماحة الشيخ الفقيد عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- في موقف أو في مؤتمر أو في لقاء مع قادة البلاد أو رجالات العالم أحس أنني أمام مخلوق بسيط متواضع يشع بجلال العلم وجلال الورع، وحين يتكلم لا يقول شيئاً غريباً ولا قولاً جديداً ولكن ينفذ إلى أعماق قلبك، ويجري منك في كل شرايينك ويحملك على الإصغاء، ويترك أثره في أعماق مشاعرك، إنه الصدق، الإخلاص وقول الحق وصدق من قال: الآية هي الآية ولكن الشخص غير الشخص، هذا الإنسان يذكرني بعمرو بن عبيد الذي لا يطلب إلا صيد الآخرة كما يقول أحد الخلفاء.
    لقد كف بصره فلم ير الدنيا ولم يحف بمباهجها وأبصر قلبه فعبد الله كأنه يراه، وأخلص لدينه وأمته ونصح لولاة الأمر، فكان ملء سمع الدنيا وبصرها تتعقد المشاكل فيحلها وبحلمه وعلمه، وتتأزم الأمور فينفس كربتها بأناته وتبصره، تحتدم المشاعر وتدلهم الأمور فيأخذها باللين واليسر ونبل المقاصد وصدق العزائم، فيرضي كل الأطراف المتنازعة ويعود الناس إلى بيوتهم آمنين مطمئنين، بذل جهده ووقته


    للعلم تعلماً وتعليماً، وقضى على راحته نصحاً وتوفيقاً وإصلاحاً بين الناس، صنع المجد والجاه والعز والتمكين من قلوب الناس ولم يرثه عن أب ولا عن جد، وتلك مواقع كالأرض لا يرثها إلا عباد الله الصالحون، يسارع في الخيرات فكان أن كتب الله له الحب في نفوس الناس والذكر الجميل، والله الغفور الرحيم مرجو أن يكتب له أجره مرتين: أجر الدنيا بهذا الجاه والمكانة والتغير والحب والذكر الجميل.
    ونعمة الآخرة ليكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولماذا لا نطمع أن يدخله ربه مع القوم الصالحين وقد أجمع الناس على حبه وإجلاله والناس شهود الله في أرضه. والله عند حسن ظن عباده به.
    لقد آمن بربه، وخاف من لقائه وعمل صالحاً نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، والله المنعم المتفضل وعد الصالحين بقوله: )فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ()وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ()فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً()فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى()وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى( ورحمة الله قريب من المحسنين، وسماحته كان كذلك.
    لقد بذل جهده ولم يخلد إلى الأرض ولم يتبع هواه فكان أن رفعه الله مكاناً علياً وصدق الله )نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ(، لقد كان رحمه الله ساعياً في حاجات الناس سعيداً


    بهذا السعي متمتعاً به ولم يكن متصنعاً ولا متعملاً.
    لقد فجع الناس بموته، وانتابهم شيء من الذعر والله غالب على أمره، ودين الله باقٍ والعلماء الناصحون باقون والخيرية باقية ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق)). وما علينا وقد نزعه الله من شغاف قلوبنا إلا أن نستلهم سيرته ونقتفي أثره ونتفحص أخلاقه فنأخذ منها ما نقدر عليه لنسد فراغه ونسعده في قبره )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ(، فهل نحن من أولئك الشراة أم سنظل بكائين، إنّ علينا أن نحمد الله ونشكره ولا نقول إلا ما يرضيه، فله ما أخذ وله ما أبقى لقد وهب لهذه البلاد في ظروف عصيبة رجالاً رعوا أمانتهم وعهدهم حق الرعاية، وهذا العالم الجيل الذي كان مرجعاً لولاة الأمر في كثير من الأمور جزء من رعاية الأمانة والعهد، فهو من أهل الذكر الذين ندب الرجوع إليهم وسؤالهم، وكان منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله معلماً وقاضياً وواعظاً ومسؤولاً لا على المستوى المحلي بل على المستوى الإسلامي، لقد أجهش علماء الآفاق بالثناء عليه والدعاء له وذكر محاسنه وأفضاله ولينه ومراعاته لأموال المسلمين وما اعتراهم من ضعف ووهن ومحن.
    لقد كان فقيهاً واقعياً يعرف ما آل إليه أمر العالم الإسلامي فلا يشط ولا يعنف ولا يثور، تراه ليناً هيناً لطيفاً يدعو بالهداية ولا يعدوا بالعقوبة ويسأل الله أن يهدي ضال المؤمنين، قال عنه مفتي لبنان: إنه


    العالم المجاهد الذي قضى حياته في خدمة كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله محمد e وفي خدمة قضايا الأمة العربية الإسلامية والحفاظ على حقوقها والتمسك بتعاليم الإسلام وقيمه السامية. ووصفه زعيم حركة حماس بأنه عالم المرحلة، ووصفه شيخ الأزهر بأداء الرسالة في خدمة دينه وأمته على الوجه الأكمل.
    وقال عنه مفتي سوريا إنه كان ركنا صادقاً في النصح وأداء المشورة لأهلها لا يرغب ولا يرهب هادفاً الذود عن حياض الإسلام.
    وهكذا تتدفق شهادات العلماء والقادة والمفكرين، وفي النعي الرسمي للمملكة تجلت فاجعة البلاد بتعبير قادتها عن فداحة المصاب.
    إنه بحق درع البلاد أمام سهام الشبهات، رجل لا يهتم بأضواء المسؤولية ولا ببوارق الجاه ولا رنين المال، يقول كلمة الحق لا يخش بذلك لومة لائم، اعتمدت الدولة عليه في كل المحافل الإسلامية وندبته لمواجهة الأعاصير واحتمت به أمام أمواج التغريب وسهام التبدلات السريعة، وفقدت بفقده ركناً قوياً حمالاً من أركان الدولة، وخفت ومن ورائها الأمة للصلاة عليه والدعاء له وصلت عليه جموع المسلمين في كل أنحاء المعمورة داعية مترحمة باكية شاكية إلى الله خلو موقعه القيادي في ظروف عصبية.
    إن أملنا كبير في الصفوة الطيبة من علمائنا الأجلاء أن يكونوا خير خلف لخير سلف، وبلادنا والحمد لله مليئة بالكفاءات العلمية،


    وبالرجال الصادقين الناصحين، ولن ترتبك البلاد ولن يخور عزمها ولن يقل عطاؤها الدعوي بفقد علم من أعلام البلاد، إذا طل منا سيد قام سيد، ومحمد e حين لحق بالرفيق الأعلى ارتبك الناس وهدد عمر، ولما عاد أبو بكر أخذ الأمور بالعزم والأناة والثقة وبلغ الناس بوفاة رسول الله e، وسارت الأمور على يد خلفائه كما لو كان حياً، والله الذي تعهد بحفظ دينه وحمله إلى الأجيال الآتية قادر على أن يعوض البلاد من يسد الثغرة ويرث المسؤولية، وما علينا إلا أن ننهض بالمهمات الجسام التي نهض بها الفقيد وتحملها بحزم وعزم وعلم وورع وكرم ولين وطيبة قلب.
    اللهم اجبر مصابنا واجعل في علمائنا وقادتنا الخلف الصالح والوريث المحسن، والدين باق والخطر على المخاذلين والقانطين، رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وجبر مصاب الأمة به وألهمنا الصبر والسلوان.. )إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(.

    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    الشيخ ابن باز كما عرفته

    بقلم الشيخ/ حمد الجاسر
    لا شك أن الأمة الإسلامية فقدت بوفاة حضرة صاحب السماحة العلامة الإمام الجليل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز علماً من أعلامها، ومكافحاً عن نهجها الحميد، وناشراً لمأثور علمها الصحيح، المستقي من كتاب الله، وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومنهج السلف الصلاح، وسائراً على ذلك النهج، ولا سيما في الدفاع عن العقيدة الإسلامية الصاقبة، التي دعى إليها سلف الأمة، وجددها الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وسار على نهجه أبناؤه وأحفاده وتلاميذهم حتى عهد الشيخ ابن باز -رحمه الله-، وسيستمر مذهب السلف منصوراً إلى أن تقوم الساعة كما ورد في الحديث الشريف.
    والمقام ليس مقام تفصيل وإيضاح لما يتصف به من الفضائل، وما امتاز به من الصفات، التي من أبرزها العفة والزهد، وتقوى الله سبحانه وتعالى، ومراقبته في السر والعلن، والعطف والرعاية، والتفقد لأحوال المسلمين، وسد خللهم بقدر ما يستطيع، والإسهام والمساعدة في إنشاء مراكز الدعوة والإرشاد في مختلف أقطار العالم الإسلامي.


    وقد كان أحد الإخوة في يوم الخميس 27 من شهر المحرم 1420هـ فاجأني بعد صلاة الظهر بإخباري بنبأ وفاته، فتأثرت حقاً، ولكنني استرجعت واستغفرت له، ثم طلب مني الأخ إملاء كلمة تأبين، وكنت في حالة من الارتباك، إلا أنني تمالكت نفسي، فأمليتها، غير أنني لما رأيتها منشورة استغربت فيها بعض التعبيرات التي لا أتصور صدورها مني، ولقد كنت أملي الكلمة -لأنني ضعيف السمع- بمسمع من أهلي، فبعد انتهائي لم يلاحظ أحد منهم حدوث ارتباك أو خلل في كلامي هذا شيء فات، والفائت لا يمكن رده.
    والشيخ عبد العزيز -رحمه الله- أجلُّ وأوسع علماً، وأرفع مقاماً من أن توفيه المقالات مهما طالت وكثرت جانباً من حقه.
    ولا شك أن تلاميذه ومحبيه سيتناولون سيرته ومَجْرَيَات حياته بالدراسة والبحث والتأليف، وأنهم سيمدون القراء بما هو مفيد لهم من علوم الشيخ وآثاره وفتاواه.
    وإنما أردت مشاركتي بهذه الكلمة مُعَبِّراً بها عن تأثري بفقد هذا العالم الجليل.. مبتهلاً إلى المولى جل وعلا أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يلحقه بالرفيق الأعلى من صالح عباده إنه على كل شيء قدير.
    كانت معرفتي بالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- سنة 1346هـ حين قدمت الرياض، والتحقت بطلبة العلم فكنت أراه -رحمه الله- وهو يتمتع ببصيص من النور، من طلاب الحلقة الأولى لدى الشيخ


    محمد بعد صلاة الفجر، إذ كنت من طلاب الحلقة الثانية.
    ثم بعد ذلك، ما زلت أسمع من أخباره، ومن تقدمه في العلم ما ينطبق عليه قول الشاعر:
    كانت محادثة الركبان تخبرني




    عن جعفر بن فلاح طيب الخبر


    ثم التقينا فلا والله ما سمعت




    أذني بأصدق مما قد رأى بصري


    كان ذلك عندما قال لي: (مطوع) مسجد الخرج (الشيخ) ابن شبريْن: الشيخ ابن باز حضر، أتود أن تذهب للسلام عليه، فسررت فاجتمعت به، وقد أنزله ابن سليمان في ضيافته، وشاهدت من طلابه إذ ذاك الأستاذ الشيخ راشد بن خنين، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العزيز آل الشيخ، الذي أصبح فيما بعد محلقاً ثقافياً في مصر وغيرها.
    سررت حقاً من لطف الشيخ، ودقة مساءلته فيما يتعلق بالتعليم في المدرسة من العلوم، وتوصيته لي بأن أعني بالدروس الدينية، وخاصة التوحيد.
    وتدور الأيام وأتولى الإشراف على التعليم في نجد، وأفكر في فتح معاهد منظمة للدراسة في بعض أمهات المدن، ومنها مدينة (الدلم) فكتبت إليه كتاباً أوضح الغاية من هذا المعهد، وما سيدرس فيه من


    العلوم، ومن سيتولى في ذلك ممن يوثق بعقيدته وعلمه، فيسارع -رحمه الله- بالكتابة إليّ محبّذاً الأمر، ومتمنياً أن يكون وسيلة من وسائل نشر العلم النافع.
    وبعد فترة أنقل للعمل في (المعهد) الذي أنشأه الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- ووكل إدارته لأخيه الشيخ عبد اللطيف وعينت مساعداً له، وينضم الشيخ ابن باز -رحمه الله- إلى مدرسيه، حتى تخرج منهم عدد من الطلاب، مما استلزم إنشاء (كلية للعلوم الشرعية) وأخرى (للغة ********* فتسند إدارة المعهد إلى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بن الشيخ محمد بن إبراهيم ليتفرغ عمه لمعاونة والده الرئيس العام للمعاهد والكليات، وتسند إلي إدارة الكُلّيتين المذكورتين، ومن مدرسي الأولى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- وعدد من العلماء الآخرين كالشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وغيرهم -تغمد الله الجميع بواسع رحمته-.
    وكان أكثر أساتذة الكُلّيتين من إخواننا من المصريين المتخصصين في اللغة والأدب وغيرها من العلوم، فكان الشيخ محمد بن إبراهيم عندما يقع خلاف في توزيع الدروس على الأساتذة، يكل إليَّ وإلى الشيخين عبد العزيز بن باز وعبد الرزاق توزيعها، وقد يحدث من بعضهم مالا يرتضى مما يُسند إليه، إلا أن الشيخ -رحمه الله- يقنعه وتسير الأمور على ما يرام، وحين فكرت بإصدار صحيفة "اليمامة" واستشرته


    -رحمه الله- حبذ الفكرة وحثني على المسارعة بتحقيقها، ولما هيأت مواد العدد الأول لشهر ذي الحجة 1372هـ افتتحته بمقال بعنوان "سبيل الدعوة إلى الحق" وكان إذ ذاك مدرساً في (معهد الرياض العلمي) وافتتح العدد الثالث الصادر في شهر صفر سنة 1373هـ بمقال عنوانه "خلاصة الدعوة النبوية" واستمر -رحمه الله- يوالي إرشاداته ونصائحه وتوجيهاته لي، وقد كنت أبعث المجلة إليه، وحين أصبحت "اليمامة" جريدة كان فيها زاوية نسائية تتولى الإشراف عليها السيدة حصة الفضل زوجة الأستاذ محمد سعيد باغفار -رحمه الله- فينشر في العدد الصادر من اليمامة بتاريخ 11/3/1385هـ كلمة حول "تعدد الزواج" من كاتب مجهول وقع كلمته بـ "ابن السراة" رأى الاقتصار في الزواج على واحدة، دفعاً لما يحدث من مشكلات وتمزيق في شمل الأسرة، إلا أن الشيخ عبد العزيز لم يرتض هذا، فعلمت بتأثره حين بعث إلى الصحيفة مقالاً بتاريخ 6/4/1385هـ فكتبت له معتذراً عن نشر مقال "ابن السراة" مستوضحاً إذا كان يرى إغلاق هذه الزاوية، فكتب إليّ بتاريخ 21/4/1385هـ بما نصه أثبته كاملاً: (من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الأستاذ الشيخ حمد الجاسر سلمه الله، وتولاه، آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فقد وصلني كتابتكم الكريم المؤرخ 12/4/1385هـ وصلكم الله بهداه وجميع ما شرحه فضيلتكم حول مقال "ابن السراة" كان معلوماً، والحمد لله لم يصدر هذا المقال عن رضاكم ولا بحضرتكم، ولا شك


    أن ذلك أقل تبعة وأسلم من الإثم، وإن كان الواجب عليكم العناية بالصحيفة، وتولية الثقاة عليها شهدتم أو غبتم، لأن ذلك هو طريق النصح للأمة، والسلامة من التبعة، والحيطة للدين والعرض، وقد أحسنتم في قفل الزاوية، ونشر المقال حتى يطلع عليه من كان اطلع على مقال "ابن السراة" ونسأل الله لنا ولكم ولسائر المسلمين التوفيق لما يرضيه، والعافية من مضلات الفتن إنه على كل شيء قدير.
    أما الزاوية النسائية فلا بأس ببقائها إذا تولاها ثقة بصير بالدين؛ لأنه قد ينشر فيها ما ينفع الرجال والنساء في الوقت الذي قل فيه التفات الناس إلى التناصح، ومطالعة الكتب المفيدة، وأسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا مفاتيح خير، ومغاليق شر، وأن ينصر دينه وحزبه، ويخذل الباطل وأهله، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
    وأعيش فترة من الزمن مضطراً خارج البلاد في (لبنان) وأثناء حوادثه عدت مستمراً بإصدار مجلة "العرب" وصلتي بالشيخ -رحمه الله- على خير ما يرام.
    والشيخ ابن باز -قدس الله روحه- من أبرز صفاته طيب القلب وحسن الظن، وهما من صفات المؤمن، ولكن بعض الناس قد يتخذون منها وسيلة من وسائل المكر والخديعة (والمؤمن غير غافل) ولهذا فكثيراً ما يحدث للشيخ من هذا، وخاصة ممن يظن بهم الخير وما أكثر ما


    يظن الخير بأناس يخدعون بمظاهرهم، والله سبحانه وتعالى العالم بالخفيات.
    ويحدث أثر من ذلك بالنسبة لما بيني وبين الشيخ، إلا أنه سرعان ما زال، إذ زرته فأبدى لي تأثره مما حدث من ذلك، وبأنه يحمل لي من الود والتقدير ما كان يدفعه لي أن يدعو إليّ بالتوفيق في غيابي، وأنه سُرَّ حين قابلته، وأبديت له حقيقة الأمر.
    ولعل من أبرز صفاتي أنني شديد الانقباض عن الناس، وما هذا إلا طبيعة في نفسي، وإلا فأنا أدرك أن هناك من ذوي الحقوق ممن تجب زيارتهم، ولكنني قد أتضايق من مقابلة آخرين، يبدون لي شيئاً من الجفوة.
    من هنا فكنت قليل الزيارة للشيخ ابن باز ولغيره من مشايخي، وأكتفي بمقابلتهم لمِاَماً، وأثق ثقة تامة أنه -رحمه الله- وغيرهم ممن يدرك طبيعتي فيعذرونني.
    وإنني لا أنس له ما حييت ما شملني من عطفه وحنوه ورعايته، حين زارني وأنا مريض في (مستشفى الملك فيصل التخصصي) في شهر رمضان سنة 1416هـ فأجلست على كرسي بجواره، فصار يتحسس يدي ووجهي بيمناه الكريمة، ويسارع بأن ينفث علي بريقه، ويرقيني بآية الكرسي، والمعوذتين وبسورة الإخلاص، ويدعو لي بأن يجمع الله لي بين الأجر الجزيل والشفاء العاجل، وقد أحسست من أثر


    ذلك كثيراً من الراحة والاطمئنان، ولعل منشأة الثقة بأن هذا العالم الجليل -تغمده الله بواسع رحمته- لي في قلبه هذه المنزلة الكريمة ولم يبق أي أثر لما حدث في الماضي، مما كان لذوي الظنون السيئة اليد فيه.
    ثم بعد ذلك كان -قدس الله روحه- يواصلني بإمدادي بما قد احتاجه من مطبوعات ويبعث إليَّ فتاواه ورسائله، منذ أن صدر الجزء الأول منها، حتى بلغت اثني عشر مجلداً، ومع كل مجلد كتاب منه، يدعو لي بالخير والتوفيق كما يبعث إلي بمجلة "البحوث الإسلامية" بصفة مستمرة، مما كان له في نفسي أعمق الأثر وأطيبه، فضلاً عما أكن له من الحب والإجلال والاعتراف بالفضل، بما يتلاءم مع مكانته العلمية، وقيامه بواجبه بجد واجتهاد، ومقامه في خدمة الإسلام والمسلمين بعلمه ونصحه وجهاده، وما استطاع من عمل بحيث أبقى الله له في ذلك في جميع الأقطار الإسلامية من خالد الذكرى، مع ما يرجى له من ثواب الله، وجزيل مغفرته على هذه الأعمال النافعة التي أراد بها وجه الله تعالى والدار الآخرة.
    أبتهل إلى المولى أن يتغمده بواسع مغفرته، ويسكنه فسيح جنته، ويجمعنا به في دار كرامته، إنه على كل شيء قدير.*


    * الرياض: الاثنين 9 صفر 1420هـ، 24 مايو 1999م - العدد 11291.


    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    فقدنا جسدك ولم نفقد علمك


    بقلم: د. حمود البدر
    الأمين العام لمجلس الشورى
    أثر عن الرسول e القول: ((إن العين تدمع والقلب يحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزون)).
    ونحن نتأسى برسولنا في ذلك. فلقد رزئنا بفقدك يا أبا عبد الله. ولا نملك من أمرنا شيئاً غير أن نقول: )إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ( فلله ما أعطى وله ما أخذ، فلم يكن الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- شخصا عادياً في سلوكه، بل كان قمة من حيث طلب العلم رغم الظروف الصحية التي مرت به في صباه وشبابه من مرض في العيون أدى إلى فقد البصر، فلم يكن هناك قراء كثيرون يمكن أن يستعين بهم، وإن وجدوا فلم يكن لديه المال الكافي لاستقطابهم، ولم يكن هناك أشرطة يستعين بها، ولا كتب متاحة بطريقة اللمس تساعده على التغلب على مشكلته، ومع ذلك جد في طلب العلم حتى استحوذ على القدر الكافي لأن يتسنم وظيفة القضاء، وكان جريئاً في الحق حيث أذكر أنه أفتى لشخص طلق زوجته ثلاثاً في كلمة واحدة فاعتبرها الشيخ عبد العزيز طلقة واحدة، في مخالفة لما كان سائداً وقتها


    لدى مشايخه، وتلك كانت نقلة أتاحت فسحة لبعض المشرعين في إيقاع الطلاق نتيجة ضغوط نفسية أو أسرية أو اجتماعية.
    ولم يكن الشيخ عبد العزيز شخصاً عادياً في سلوكه الوظيفي، فقد كان متواجداً طوال العام للخاص والعام، فلم يؤثر عنه أنه أخذ إجازة كما يفعل الموظفون الآخرون، ولم يؤثر عنه أنه تغيب عن المستفتين أو المسترشدين، أو المنتدين، بل كان في متناولها حسبما تتسع لذلك عملية توزيع الوقت منهم.
    كما لم يؤثر عنه ادخار رواتبه التي كان يتسلمها بل كان يرفد بها طلاب العلم والمحتاجين، بل إنه كان واسطة خير بين بعض المحسنين وبين المستحقين.
    وعندما تسنم منصب الفتيا والدعوة وتلك أخذت من عمره فترة طويلة، أصبح الناس يتهافتون عليه من داخل المملكة وخارجها، في محاولة للوصول إلى فتوى تريحهم من عناء ما يمرون به من مواقف، وكانت إجاباته تتسم بسعة الصدر ورحابته مع عدم البخل عليهم بالدليل من الكتاب والسنة على ما ذهب إليه مما جعل فتاواه تتحول إلى أسلوب تعليمي متميز وقد نشر منها الكثير والحمد لله.
    كما لم يؤثر عنه أنه استشاط في وجه أحد، أو قاطع متكلماً، بل


    كان يتيح للسائل والمستوضح الفرصة للتعبير عما ما لديه ثم يقوم الشيخ رحمه الله بالرد عليه بأسلوب أبوي عطوف، اقتداء بما كان يفعله سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام في تعامله مع من يفدون إليه مهما كانت جلافتهم، وسوء تصرفهم، وهكذا كان الشيخ مع من يفدون إليه، ويتصلون ممن لا يخلو بعضهم من جلافة.
    كما أن الشيخ لم يكن يعتمد على المساعدين في تلقي الأسئلة، وحتى الاتصال بمن يريد أن يستوضح منه عن موضوع أو قضية بل كان يتولى ذلك بنفسه، وأذكر أنني عندما كنت في وكالة جامعة الملك سعود أتلقى منه المكالمات مباشرة ودون وسيط كلما بلغه شيء عن الجامعة، أو عن أسلوبي في التعامل مع بعض القضايا، ولم أشعر يوماً أنني كنت تحت ضغط عندما يناقشني في القضية مثار البحث، بل كنت أشعر أنني أمام والد يهمه مصلحة أبنائه، ولعل الكثيرين يشاركونني هذا الرأي خاصة أولئك الذين كانت مواقعهم تجعل سماحته يستقصي بعض القضايا الشرعية التي بلغته محرفة أو مختزلة، إذ أنه لا يستعجل حتى يستوضح من طرف القضية المطروحة جميع جوانبها.
    هذه بعض الخواطر التي عنت لي عندما هممت بكتابة هذا التقريض المختصر لسماحته الشيخ الوالد، رحمه الله رحمة والسعة وعوضنا فيه خيراً.. و)إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(.

    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    الإمام العلامة ابن باز

    مواقف ومشاهد ولمحات من أخلاقه وسجاياه
    بقلم/ خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
    أحد تلاميذه بمدينة الرياض
    الحلقة الأولى
    وفاة الشيخ -يوم الخميس في حياة الشيخ- جديةٌ وإنتاج وهمةٌ تعانق الثريا:
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
    فهذه الخطبة كان سماحة والدنا وشيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يفتتح بها كثيراً من دروسه ومجالسه، وكأني بصوته المحبب إلى النفوس وهو يتردد في مسامعي، فما أعذبه من صوت، وما أصدقها من لهجة.
    تسألني أيها الأخ الكريم عن الشيخ وسجاياه، فماذا عساي أن أقول إنسان هو البحر درراً ولؤلؤاً، إنسان تمثلت فيه أخلاق الإسلام

    وسماحته، إنه صورة حية وواقعية لأخلاق السلف الصالح التي تبهر قارئها عند قراءة سيرهم في الكتب، حتى إنه ليخيل له أن ذلك من الخيال والأساطير، وقولنا في شيخنا ليس تألياً على الله، ولكن ذلك من باب الشهادة له بما علمنا، وبما نتيقن أن الله يجازي به عباده المتقين، هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحداً، ولأخبار الأجواد والنبلاء من الناس وذكر سيرهم وسجاياهم أثر عظيم في النفوس للتخلق بأخلاقهم والسير وفق منهاجهم.
    وها هي الدنيا تظلم برحيل ذلك الشيخ المبجل والشيخ الأجل: عبد العزيز بن باز، وذلك فجر يوم الخميس 27/1/1420هـ، نعم والله قد ذهب رونق الحياة، فالدنيا متاع كما وصفها المصطفى e، ومتاعها ذلك متفرق في عدد من الأشياء، لكن بعد أن أسلم الشيخ ابن باز روحه لبارئها لم يبق لأي من متاع الدنيا بهاء ولا حسن ولا رونق، فقد كان الشيخ مثل دوحة غناء يتروح المرء في ظلالها، وتعبق روحه بعبيرها، وتسمو نفسه بمناظرها، ويتجدد نشاطه بجناها، فماذا عسى الأمر أن يكون حين يتبدل ذلك كله بصحراء مشمسة، قفراء مجدبة لا ظل فيها ولا ماء، فهكذا صارت الحياة برحيل الشيخ. قال الله تعالى: )أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا..( قال جمع من المفسرين: نقصها بذهاب بركاتها وذلك بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير فيها.

    يا أيها الأخ الكريم: تسألني عن سجايا الشيخ، فما عساي أن أذكر، وكم سأدع، فالخاطر مكدر، والنفس مكلومة، والمصاب جلل، والفكر مشتت، والحبر يسبقه الدمع، لكني سأتجاوز ذلك من خلال واحدة من صفات الشيخ وهي الجدية في كل حين ومهما كان العائق فلا بد من العمل والإنتاج. يصحب ذلك همة عالية تعانق الثريا رفعة وتوقداً.
    تلكم الخصلة كانت من أبرز ما يميز الشيخ، ومن لا حظ الشيخ لمس خصالاً فيه عظيمة تتجلى في تعامله اليومي، وأسأل الله أن ييسر لي إلقاء الضوء على شيء من ذلك بما يسعف به الذهن براً بشيخنا ونشراً لفضائله، ولكم كنت أعجب ويعجب غيري من تلك الهمة العالية والنشاط الدؤوب الذي كان عليه الشيخ في كل أحيانه وفي جميع مراحل عمره وحتى آخر يوم في حياته المباركة.
    ودعني أنقلك من بين هذه الأسطر إلى مجلس من مجالس الشيخ: فهذا هو فجر يوم الخميس وها نحن في المسجد الجامع الكبير، حلقة علمية تجللّها السكينة ويحفها الوقار، والشيخ منتصب على كرسيه: شامخاً بوقاره وعلمه، وكمال خلقه، وحسن تربيته، وروعة طرحه وعرضه، ويتحلق حوله طلبة العلم على اختلاف أعمارهم وجنسياتهم ومستوياتهم العلمية، مع إجلال بالغ للشيخ عظيم وكمال أدب معه ومعرفة لمنزلته وتلطف في الحديث معه وطرح السؤال عليه،

    حيث يقرأ على الشيخ في ذلك الدرس ما يزيد على عشرة كتب، ليتولى التعليق والشرح والبيان، وإذا تكلم في الفنون الأخرى علمت أنك أمام فكر متقد وعقل حصيف وبديهة حاضرة وموسوعة علمية لا نظير لها يستمر ذلك الدرس بعد صلاة الفجر ما يقرب من ثلاث ساعات، ولا أبالغ إذا ما قلت: ما من واحد من الحضور إلا وتأتيه سنة من نعاس، أو شرود فكر، لكن الشيخ حاضر بكل قواه وبدقيق المتابعة فلا تقرأ كلمة إلا وقد أحاط بها وتأملها، حتى إنه ليوقف القارئ على الأخطاء المطبعية، ولتواضعه واحتياطه يقول: ضع على هذا الموضع علامة ولتراجع الأصول والنسخ الأخرى، وذلك حتى لا يفتح الباب للتشكيك في الكتب.
    ومن العجيب حقاً أنه ومع طول مدة الدرس إلا أن الشيخ لا يتململ ولا يمل ولا يغير جلسته، لكننا نحن الحاضرون لا تكاد تمر ربع ساعة إلا ويغير الواحد منا جلسته من التربع إلى القرفصاء إلى الاحتباء إلى غير ذلك، مع أن منا عدداً كبيراً في سن الشباب، فإذا انتهى الدرس قام الشيخ لأداء السنة بعد أن طلعت الشمس وارتفعت، وكأني بالشيخ -رحمه الله- وهو واقف يشوص فمه بالسواك، فيبادره بعض طلبة العلم ببعض الأسئلة خلال هذه الفترة الفاصلة فإذا أجاب عن عدد منها شرع في أداء السنة، ويا لله ما أخشعها وما أكملها من صلاة، وما أن يسلم الشيخ عن يساره ويستتم قائماً للخروج من المسجد حتى يحتف به طلبة العلم عن يمينه وعن يساره ومن خلفه

    وأمامه ومع بعضهم أجهزة التسجيل، فذلك يستوضح مسألة في الدرس يريد لها إيضاحاً، وذاك يسأل عن مسألة وقعت له، وهذا يستشير الشيخ في منكر لاحظه.. فيجد الجميع جواباً شافياً مقروناً بالدليل الشرعي، فيبادره شخص: يا شيخ حدث كذا وكذا من الأمور المنكرة، فيجيبه الشيخ: اكتب لنا ونعالج الأمر مع المسؤولين -بإذن الله- لا بد من التعاون، السكوت ما ينبغي فيبادره آخر: يا شيخ طلقت زوجتي وأنا (جايك) من مكان بعيد والزوجة معي، فيبادره الشيخ: تأتينا في البيت أنت والزوجة بعد ساعتين وننظر في أمرك بما ييسر الله.
    وها هو الشيخ يصل باب المسجد فيلبس نعليه -ومع كثرة الجمع الذين حوله والأسئلة المتوالية- فإنه لا ينشغل عن السنة فتسمعه يذكر دعاء الخروج من المسجد، وإذا ركب في السيارة وأخذ مكانه فيها، وكأني أنظر إليه -أسكنه الله الفردوس- يذكر دعاء الركوب ثم ينتظر كعادته بعض الدقائق ليجيب عن أسئلة أخرى، ثم يقول: من كان عنده حاجة أو شيء يمرنا في البيت الساعة العاشرة، فسبحان من أعطاه ذلك الجلد والتحمل والهمة التي لا تعرف الكلل، ثم ماذا؟!
    يتوجه الشيخ بعد ذلك للبيت ليستكمل رسالته من موقع آخر.. ولن أطيل فقد لا يتسع المجال فها هو مجلس الشيخ مكتظ بالزائرين ولا أبالغ إذا ما قلت: إن مجلس الشيخ في كثير من الأحيان فيه أشخاص ينتمون إلى قارات الدنيا وعشرات الدول، فهذا أمير زائر

    وذاك عالم دارس وهذا سفير إلى سائل وهذا غني وذلك فقير وهذا سائل وذاك مستفت وهذا داعية أو مندوب مركز إسلامي. مجلس يفيض حباً وبراً وإحساناً.
    وبينما الجميع في هذا الجو المفعم بالأخوة الصادقة، أنصت الجميع لصوت الشيخ وهو قادم ولم يروه بعد.. لكن تسبحه وتحميده كان علامة مجيئه من داخل البيت إلى المجلس العام فتبهرك تلك الطلعة البهية التي يزينها الوقار وعلائم السنة، فيرحب الشيخ بالجميع وتدار القهوة والشاي والطيب، وعن يمينه أحد المشايخ وهو الشيخ محمد الموسى -مدير مكتب بيت سماحة المفتي- وقد تأبط الأوراق ونشر المعاملات واستعد بمحابره، وبينهما جهازان للهاتف لا يتوقف رنينهما بالاتصالات من كل صقع في الدنيا، ثم ينظر الشيخ حاجات الحاضرين وفي المعاملات، ويسأل عن أحوال الزائرين كيف فلاناً وكيف أهلكم، لعل فلان خرج من المستشفى، ثم بطلب رقم فلان من الناس من الكتب ليعزي أهله، وبين لحظة وأخرى يملي الفتاوى، وبينما نحن كذلك يقوم الشيخ إلى المجلس الآخر -مع أن المشي كان يكرثه في بعض الأحيان خصوصاً بعد سقوطه على ركبته قبل بضع سنين- وفي المجلس الآخر يوجد بعض النساء اللاتي جئن بصحبة أزواجهن للاستفتاء عن طلاق وقع بينهم، فيسأل الشيخ المرأة ويسأل زوجها ويراجعهما في الكلام ويتوثق من صحة كلام كل منهما والحال التي وقع فيها الطلاق، ثم يفتهم كتابياً بما يقتضيه الشرع المطهر،

    ويوصيهما بتقوى الله والحذر من التلاعب بألفاظ الطلاق، ثم يعود الشيخ إلى مجلسه العام ويستمر على ذلك حتى صلاة الظهر فإذا أذن خرج إلى المسجد مباشرة، حيث أنه يتهيأ للصلاة بالطهارة قبل مجيئه لمجلسه.
    ولم ينته الأمر بعد، فبعد الصلاة يعود الشيخ إلى بيته فيؤدي السنة الراتبة في البيت كما هي السنة، ثم يجلس في مجلسه مرة أخرى ليستقبل من يفد إليه، فهذا داخل وهذا خارج، وما جلس أحد في مجلسه إلا ودعاه الشيخ للغداء كبر قدر وعمر ذلك الشخص أو صغر، ويمكث على ذلك، حتى وقت الغداء، ووقت الغداء ثابت ومحدد، وإذا كان الشيخ صائماً دعا إلى التوجه للغداء كبر قدر وعمر ذلك الشخص أو صغر، ويمكث على ذلك، حتى وقت الغداء للناس واعتذر هو عن مشاركتهم، وإذا حضرت صلاة العصر خرج الشيخ من حين الأذان، وعقب الصلاة درسه اليومي في رياض الصالحين أو بلوغ المرام أو كتاب التوحيد، حيث يعلق على ذلك باختصار مفيد. وبعد أن يلتقط الشيخ أنفاسه براحة يسيرة عقب العصر، يخرج قبل المغرب إلى الجامع حيث الندوة العلمية الأسبوعية، والتي يعلق عليها الشيخ -رحمه الله- ويجيب فيها عن أسئلة الحضور، فيا لله ما أبلغ تواضع الشيخ وما أعظم همته، فالشيخ يجلس مع المستمعين بذهن حاضر لم يوهنه ذلك المجهود المتتابع منذ بواكير الصباح؛ وبعد صلاة العشاء يتفضل الشيخ بالتعليق وما أجمل تلك العبارات الرصينة الناصعة، وكأني بالشيخ

    يمهد للتعليق بعد حمد الله تعالى والصلاة على نبيه e فيقول: "أما بعد: فقد استمعنا إلى هذه الندوة المباركة عن... والتي تفضل بإلقائها أصحاب الفضيلة.. وقد أبانوا ما ينبغي بيانه في هذه القضية، فجزاهم الله خيراً وضاعف مثوبتهم ووفقنا وإياكم وإياهم لما فيه الخير" ثم يشرع الشيخ بتلخيص الموضوع والتأكيد على بعض المواضيع وإيضاح المشكل.. إلخ، ثم يبهرك ذلك الترتيب العلمي في الإجابة عن الأسئلة مقرونة بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وكأنما الشيخ يقرأ من كتاب بين ناظريه.. إنه والله نور العلم والبصيرة والتوفيق من الرحمن.
    وقد يُدعى الشيخ لبعض المناسبات الاجتماعية لأسرته أو لأهل العلم أو لطلابه فيجيبهم الشيخ ويشاركهم تلك المناسبة، وفي مجلس الشيخ تتوق النفوس إلى كلمة توجيهية من الشيخ فيجيبهم إلى ذلك ويتكلم بما يناسب المقام ويزجي النصح والتوجيه، وكأنما لم يسبق مجلسه هذا بذلك المجهود الحافل.
    وإذا لم يرتبط بموعد فالعودة إلى البيت بعد الندوة، للراحة أم لأي شيء؟!
    ها هو الشيخ يدخل المكتب أو المكتبة ويؤدي السنة الراتبة، ويجلس مع بضع المشايخ في مكتبه فيتناول القهوة مع بعض التمر، ويدعو جلساءه لمشاركته القهوة" تقهووا، اقعدوا، بارك الله فيكم، قربوا

    لهم التمر.." ويستعرض الأسئلة أو المكاتبات الشخصية التي تلقاها في الندوة ويوجه فيها بما يسر الله، فلو كانت خمسين مكاتبة فلا بد أن يستعرضها الشيخ جميعها، فيا لله ما أحرصه على الخير وما أعظم نصحه وما أعلى همته!! وكأني أنظر إليه يتخفف من شماغه ويخرج تلك المكاتبات من جيبه تمهيداً لقراءتها، وربما كان من ضمن ذلك مظاريف تحوي مبالغ مالية من الزكوات أو الصدقات سلّمها له بعض الحاضرين في المسجد لعلمهم أنها إذا وصلت للشيخ فقد وصلت إلى مستحقيها، فيملي الشيخ على الكاتب بتوجيهها إلى ما يناسبها.
    ولم ينته الأمر بعد! فالشيخ ما زال مستعداً للعطاء فها هي المعاملات يقرؤها اثنان، واحد عن يمينه وآخر عن شماله، وهاهي إحدى المكاتبات من أحد الدعاة الذين يكفلهم الشيخ يشكو إليه فيها بعض الحاجة، فيملي الشيخ على الكاتب رسالة موجهة إلى المسؤول عن الدعاة في تلك الجهة: (.. فإن الداعية.. قد جرت عليه وعلى أهله بعض الظروف الخاصة فإذا وصلكم كتابي هذا فيسلم له مبلغ(...) من حسابنا.. والسلام...).
    وبينما الشيخ يملي على كل منهما، يطلب من أمين مكتبته العامرة بالبحث عن حديث، فبحث وشاركته البحث، قلنا: يا شيخ لم نجده قال: ابحثوا في المسند -مسند الإمام أحمد بن حنبل- فبحثنا من خلال الفهارس فلم نجد الحديث، ثم بحثنا من خلال الحاسب الآلي،

    وقلنا: لم نعثر على شيء يا شيخ، فقال -رحمه الله- تأكدوا، الحديث في المسند، ابحثوا في كتاب كذا، في المجلد الفلاني، فرجعنا إلى حيث ذكر لنا الشيخ، فإذا بالحديث فيه، ثم بدأ بدراسة إسناده... فعجبنا من حفظ الشيخ وقوة استحضاره، وما زلت أذكر ذلك الحديث بمتنه وموضوعه.
    ثم جاء من يخبر الشيخ بأن العشاء جاهز وتوجهنا معه، وحين انتقلنا إلى غرفة الطعام وأثناء الأكل وعند غسل الأيدي قبل وبعد الطعام وفي العودة مرة أخرى إلى المكتبة نسأل الشيخ ويجيبنا بنفس نشاطه وعطاء دفاق، وبعد العشاء قرأت على الشيخ الجزء المقرر في كتاب يتولى الشيخ مراجعته وتصحيحه، ثم طرح عليه الأخ الفاضل فهد البكران مندوب مجلة الدعوة الأسئلة الأسبوعية وأملى الشيخ إجاباتها، ثم يسأل الشيخ عن الوقت وكم هي الساعة وها هي تقترب من العاشرة والنصف، حينها يستسمحنا الشيخ بأدب أبوي وخلق سام بأنه سينصرف من المكتبة إلى داخل البيت تمهيداً للنوم ثم ينصرف الشيخ بخطاه الوئيدة ذاكراً لله حامداً له موصياً لنا بالهمة العالية والحرص على الخير والمبادرة إليه. وهذا الخميس يتكرر بهذا الجدول في الشهر أربع مرات، أقصد أن العمل والإنتاج متتابع وكل يوم له برنامجه، والشيخ مستمر على ذلك عشرات السنين في الرياض والطائف ومكة، بل قد تزيد بعض الأعمال في مثل موسم الحج وغيره

    بل حتى في مرض الشيخ الأخير استمر على هذه الطريقة.. عظم الله مثوبته.
    أتظن أيها القارئ الكريم أن هذا اليوم عرضي في برنامج الشيخ؟ كلا. فأوقات الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز مباركة ونتاجه مثمر ونشاطه متواصل وحرصه على الخير عظيم، فجعله الله مفتاحاً لخيرات كثيرة وكبيرة في أصقاع الدنيا. ومن كان له بعض ملاحظة للشيخ وهديه فقد كان يلاحظ أنه -رحمه الله- لا يفتر لسانه عن الذكر أبداً، شغوفاً بتلاوة القرآن والاستماع إليه، فكان يحافظ على حزبه اليومي من القرآن، فيتلوه في كل مناسبة تواتيه ماشياً أو راكباً قاعداً أو مضطجعاً.
    وقد شهدت مجلساً قد دُعي الشيخ إليه في إحدى الولائم بعد العشاء، فلما أخذ الشيخ مكانه في المجلس وسأل عن أحوالهم وتعرف عليهم، قال الشيخ: من يسمعنا شيئاً من القرآن؟ فكأن الحاضرين تواكلوا على بعضهم فلم يردوا جواباً، فقال الشيخ: سبحان الله، لماذا لا ترغبون في الأجر؟ فقرأ أحد الحاضرين وشرع الشيخ بعد القراءة في بيان فضل التلاوة، وفسر الآيات التي تليت، ثم استمع الشيخ إلى بعض الأسئلة وأجاب عنها، ثم طلب أن يقرأ أحد الحاضرين ثانية وثالثة والشيخ يفسر تلك الآيات حتى وضع الطعام.
    ومن جدية الشيخ ذلك الترتيب والجدولة الدقيقة للأعمال، بحيث

    لا تتداخل أو يهمل شيء منها. ومن العجيب حقاً أن الالتزام بهذا البرنامج يشق على الشاب أن يسير عليه برغم همة الشباب وعنفوانه، لكن الشيخ برغم تقدمه في العمر وضعفه البدني فقد كان يحمل همة لا تعرف كللاً ولا مللاً.
    فسبحان من آتاه ذلك، ورحمه الله وأعلى درجاته في الدنيا والآخرة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.

    * الدعوة: العدد 1692 - 5 صفر1420هـ، 20 مايو 1999م.




    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    طبت حيا وميتاً أيها الشيخ العلاّمة

    خالد بن عبد الرحمن بن حمد بن الشايح
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فسبحان من بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله وسبحان من فضّل بعض عباده على بعض، فجعل لهم من القبول والمحبة في قلوب الناس ما لا يستطاع تحصيله بمال ولا بجاه: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً(.
    عبد العزيز بن عبد الله بن باز: الإمام الأجل، والشيخ المبجل. يسلم الروح لبارئها... أحقاً هذا الأمر.. أصدقاً هذا الخبر؟! )إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(.
    ألا ما أعظم رزية الأمة بهذا المصاب الجلل، وما أكبر النقص الذي يكون بوفاة شيخنا ووالدنا عبد العزيز بن باز علامة الدنيا وشيخ الإسلام في عصرنا.
    يقول الله تعالى: )أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا..( الآية من سورة الرعد، قال جمع من المفسرين: نقص الأرض بذهاب بركاتها، وذلك بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير.


    الشيخ الإمام ابن باز.. من ذا الذي لا يعرفه علماً وورعاً.. زهداً وتقى.. جوداً وكرماً.. تواضعاً وتبسطاً.. دعوة إلى الله وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وغيرة على حرمات الله ونصرة ومحبة للمسلمين.
    هو -أسكنه الله الفردوس- طيلة حياته بقية السلف وقدوة الخلف. فقد اختط وارتسم طريقاً يبغي به دلالة الخلق على الخالق واقتفاء آثار المصطفى e، لتتحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة.
    فعمَّر جميع أوقاته بكل نافع للإسلام والمسلمين، وبذلك نفسه ووقته وماله وكل ما يستطيع لتحقيق ذلك ابتغاء مرضاة الله، بهمة عالية تواقة لا تعرف مللاً ولا كللاً إلى آخر يوم في حياته.
    لقد أكرمني الله تعالى بالتتلمذ والدراسة بين يدي الإمام العلامة عبد العزيز بن باز فرأيت في سمته ومنهجه في جميع أمور حياته ما لم يجتمع لأحد سواه، وحيث كنت قد قرأت بين يديه عدداً من الكتب في منزله فقد مكنني ذلك من الوقوف عن كثب على أمور عجيبة لا يطلع عليها أكثر الناس. ولن أستطيع حصر بعض ذلك في مثل هذه العجالة التي يختلط بها حبر القلم بدمع العين، والفكر مستغلق لوجوم النفس وتكدر الخاطر، غير أني أقول:
    كنت -والله- أخرج من عند الشيخ بعد القراءة عنده وتناول العشاء معه بنفس وروح غير التي دخلت بها، فشتان بين من همته


    كهمة أكثر الناس في أمور الدنيا وما جاور الثرى، وبين من همته وأمانيه تعانق الثريا، وإن نسيت، فلا أنس كلمات للشيخ ختم بها مجلس القراءة بعد أن قرأ عنده -بعد صلاة العشاء ثلاثة قبلي، ولما قرأت وأطلت شيئاً- قال وهو داخل إلى أهله: عليك بالهمة العالية، فالناس يحتاجون للهمِّة العالية وأصحابها.
    ثم قف على واحد من أيام الشيخ الحافلة بالنشاط الدؤوب والجهد المتواصل بل هو برنامج الشيخ كل يوم تقريباً:
    الاستيقاظ قبل صلاة الفجر بنحو ساعة للتهجد، ثم صلاة الفجر، يعقبها درس في أكثر من خمسة كتب، ثم الرجوع للمنزل، يعقبه التوجه للعمل الذي يطوف به من خلال الأوراق في أرجاء الدنيا لمعالجة قضايا المسلمين وفتاواهم من هناك، ثم الرجوع للمنزل قريب وقت العصر حيث الغداء، ومائدة الشيخ عامرة بوجوه الناس على مختلف طبقاتهم.. عالم ووجيه، وخادم وموظف في مكتبه، وصانع الطعام وسائل لحاجة، وعابر سبيل.. إلخ. ثم صلاة العصر في المسجد المجاور يعقبها درس يومي، ثم الراحة فترة العصر، وبعد صلاة المغرب درس أو محاضرة أو استقبال في منزله، إلى صلاة العشاء، حيث يجلس بعدها لكتابة الفتاوى والنظر في المعاملات المتنوعة، وتسجيل البرامج الإذاعية، أو الزيارات المناسبة زواج أو غيرها من الدعوات، وقد جلست على مائدة العشاء بمنزل سماحة الشيخ مرات


    كثيرة، فما من مرة إلا وأزدادُ إكباراً وإجلالاً للشيخ ولعظيم تواضعه وبعده عن مظاهر السرف والتكلف.
    وبعد أن يمضي الشيخ نحواً من ثلاث ساعات بعد صلاة العشاء في تلك الأعمال يدخل إلى أهله ليتابع ويرعى ويتفقد الحاجات ويلبي الطلبات. هذا على وجه الإجمال والاختصار، وللتفصيل مقام آخر.
    ويا لله.. كيف بلغ إجلال الشيخ أقطار الدنيا، وهو لم يسافر خارج المملكة مطلقاً، لكنه والله هو العلم والورع.. كنت في بعض البلاد الأوروبية في دورة شعرية، وبعد انتهاء المحاضرة طلب الحاضرون ذكر شيء من سيرة الشيخ وبرنامجه الحياتي، فأجبتهم لذلك ولم أكد أشرع في ذلك حتى علا بكاؤهم، وفاضت أعينهم بالدمع.. شوقاً وإكباراً لسماحة الشيخ. ويا لله.. ما أعظم توقير الناس للشيخ ولعلمه.. رأيت أحد كبار السن على خطأ شرعي فقلت له في ذلك، فلم يبد أي استجابة، فأعدت عليه وقلت: هذا الأمر أفتى فيه ابن باز، فما أن سمع اسم الشيخ حتى استجاب قائلاً، حباً وكرامة... نحن لم نبلغ علم الشيخ ابن باز.. علمه أعظم من علمنا.. ويا لله ما أبلغ جدية الشيخ وحرصه على النفع في كل أحيانه، حتى في ممازحته، كنت يوماً أقرأ على الشيخ في مجلسه العام في البيت، ولما حضرت القهوة وقدم التمر، قال لي الشيخ يا خالد لم لا تأكل، أما تحب التمر؟ فأجبت الشيخ، وليؤانسني قال: أما تعرف نوع هذا التمر، قلت: أحسن الله


    إليك، لا أعرفه. قال: هذا خلاص، الله يرزقنا وإياك الإخلاص. ثم دار حوار وبحث في المفاضلة بين التمر والعنب عطفاً على ما ذكره ابن القيم في مفتاح دار السعادة، فكان ترجيح الشيخ: أن العنب يقوم مقام التمر في البلاد التي لا تمر أو لا نخل فيها.
    ويا لله.. ما أعظم مسارعة الشيخ لكل نافع للإسلام والمسلمين، لقد حضرت كثيراً من مجالس الشيخ الكتابية، فتاوى وشفاعات لأشخاص محتاجين أو للإصلاح بين متخاصمين أو دعوة لنصرة المسلمين، أو توصية بالخير وتيسيره... وليس ذلك محصوراً في داخل المملكة، بل في كل أرجاء الدنيا، وإن تحدثت عن إحدى المدن في الخارج والمركز الإسلامي بها فإذا بالشيخ يسألك عما يتعلق بذلك المركز ويحدثك لتكشف أنه أعلم منك بأحوال المسلمين في تلك البلاد.
    أما فتاوى الشيخ فأنت تلمح سمة بارزة فيها وهي اتباع الدليل مع عناية بالغة بصحة الأحاديث والحكم عليها ولا يتفرد الشيخ -رحمه الله- بقول لم يسبق إليه، بل يتحرى أن يكون له سلف فيما يختاره.
    وإذا وقفت على الحلق العلمية والدروس التي يلقيها الشيخ ويؤمها جموع من طلبة العلم على اختلاف درجاتهم فكأنك ترى حلقة علمية لأحد العلماء من القرون المفضلة، حيث السكينة الإيمانية، والسمت العلمي، والمهابة والتوقير والإجلال الذي يحاط به الشيخ من قبل


    تلاميذه، مع محبة وشغف يفوح عبيرهما في مجلس الشيخ حتى آخر لحظة في الدرس، مع الفوائد التربوية والشذرات الفريدة التي يتحف بها الشيخ تلاميذه، فللّه وما أعظمه من مجلس وما أكثر بركاته.
    وبعد: فهذا ما أسعف به الخاطر المكدر، وفضائل الشيخ يصعب حصرها على مثلي وهي كثيرة وشهيرة، وحق على أهل العلم وطلبته أي يشحذوا همهم لحمل اللواء ومتابعة المسير في طريق الدعوة والذي كفاهم عناء كثير منه سماحة الشيخ عبد العزيز ردحاً من الزمن، والله سائل كل أحد بحسب ما آتاه.
    ووالدنا وشيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن باز قد قدم -بإذن الله- على ما نغبطه عليه، لا تألياً ولكن حسن ظن بالله، إنه يكافئ عباده المصلحين بل يثيبهم بما أعده من النزل العظيم في جنة المأوى.
    ألا ما أطيب ذكر شيخنا وما أعظم بركاته حيا وميتاً. وقد خلف للأمة من العلم والآثار المباركة ما بلغ أقاصي الدنيا، ونشهد الله على حبه وأنه قد قام بالدعوة إليه بالبلاغ والبيان والنصح خير قيام، كما حث المصطفى e ، فجزاه الله خيراً، وأسكنه الفردوس الأعلى.
    وأخلف على الأمة مصيبتها، والله المستعان، و)إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ( وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



    * الجزيرة.




    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    ابن باز رمز السلفية ورائد الإصلاح



    الفقيد والسلفية


    د: خليل بن عبد الله الخليل
    تحلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بالكرم، والحلم والعلم والصبر والجدية، وتعامل مع العوام بحب وإيثار وتواضع، ومع الحكام بصدق وحكمة وثقة، فنال بذلك الريادة وحاز على التأثير والقيادة.
    وهب حياته للعلم والدعوة وخدمة الناس، وأعاد للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الأمل في نهضة إسلامية، وجدد في الفكر الإسلامي مما ربط حياة المسلمين الحاضرة بالماضية، وأعطى الدعوة الإصلاحية التي احتضنته وغذته جرعات قوية للبقاء والانتشار والمزاحمة في عالم احتدام الأيدلوجيات وتنافس الرؤى والمذاهب وتقارع الملل والنحل.
    إنه في الوقت الذي شهد العالم فيه هجمة شرسة على (الدين) أياً كان وحيثما كان وعلى الدين الإسلامي بالذات وعلى (الدعوة السلفية) بشكل أخص، كان الفقيد -يرحمه الله- يعلم الناس ويكتب الكتب، ويعمر المساجد ويشيد المعاهد، ويرسل الدعاة ويرسخ

    الدعوة (السلفية) السليمة المعتدلة التي لم تكن شعارات فحسب، ولم تكن أحزاباً نشطة فقط، وإنما علم وعمل، بناء وعطاء، وتواصل وتكامل، التزام واحترام، عامة وخاصة، تجمعات وحكومات.
    ما هي السلفية؟ هل هي العودة إلى اجتهادات وممارسات حقبة زمنية محددة، وما حدود تلك الحقبة؟ وهل شيخ الإسلام ابن تيمية زماناً من ضمنها؟ أم أنها منهج وأسلوب وقواعد، وتعتبر (سلفية) وإن كانت زماناً وأسلوباً معاصرة؟
    أجاب الفقيد رحمه الله، علمياً وعملياً على تلك التساؤلات، وهو ابن الدعوة السلفية بحكم نشأته في رحم الدعوة الإصلاحية، كما أنه الحامل للوائها في حياته باعتزاز وقوة وانتظام، بدون مزايدات.
    لم تكن تعني السلفية لدى الفقيد الراحل قائمة ممنوعات، ولكن أخذاً وعطاءً، اتباعاً واجتهاداً، ولم تكن تعني شعارات فضفاضة، ولكن شعائر ومشاعر، ولم تكن تعني أحزاباً متناحرة الداخل فيها ناجٍ والخارج منها هالك، ولكن روحاً صادقة مع الخالق والمخلوق، واتباعاً للكتاب والسنة وفق منهج السلف، ولم تكن تعني التعرض للأموات وإحراق الكتب التي لا تعجب أو لوجود أخطاء فيها، وإنما الإعراض عن اللغو والانصياع للحق والدعاء للمسلمين أحياء وأمواتاً، ولم تكن تعني محاربة الحركات الإسلامية ومخاصمة أتباعها وقيادتها، تعني التفاهم والتناصح.. لذلك غير -رحمه الله- قاعدة جماعة (الإخوان

    المسلمين) المصرية التي تقول: (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه) لتكون حسب وجهة نظره السديدة يرحمه الله (ونتناصح فيما اختلفنا عليه)، لم تكن تعني السلفية لدى الفقيد الراحل -رحمه الله- تصيد أخطاء الدعاة إلى الله والقفز على أكتافهم لجمع حطام الدنيا الفانية، ولكن تعني التعرف إليهم والتحبب إليهم وتوجيههم لما فيه خير دينهم ودنياهم ولما فيه خير أوطانهم وشعوبهم ولم تكن تعني التقوقع و(التحوقل) وتحميل (آخر الزمان) مسئولية المذلة والفساد وهجر الدين وإنما تعني (النهوض) للإصلاح والدعوة بعلم ومخالطة الناس بثقة واحترام، لذا كان رحمه الله، يعمل الساعات الكثيرة بلا كلل ولا ملل للتعليم والعمل وإصلاح ذات البين.
    لم تعن السلفية لديه بحال العزلة عن المجتمع ولا إصدار الأحكام الدينية الجائرة على المجتمعات والحكام، ولم تعن الخشونة في التعامل، والحدة عند النقاش، وسوء الظن بالآخرين وتصنيفهم على ضوء الطباع والمزاج، فلقد كان -رحمه الله- كبير العقل واسع الصدر يتحمل الصدمات ويترفع عن الصغائر، يعيش مع الكبير والصغير، ويحترم الحاكم والمحكوم متفائلاً دائماً، يدخل السرور على جلسائه بفضله وحلمه وإشراقة إيمانه.
    إنه لما يلفت النظر للمتأمل في سيرة الفقيد الراحل (شخصيته القيادية) العظيمة. فهو ذو شخصية جذابة محبوبة مهيمنة على المجلس

    الذي يحضره. يدرك ببصيرته اتجاهات الحاضرين ويتحسس بشفافيته مشاعر الجميع حتى لكأنه درسهم فعرف كيف يخاطبهم وكيف يواجههم ويوجههم. لمجلسه هيبة ولوجوده حضور في النفوس بصرف النظر عن السن والثقافة والمنصب فهو يملأ نفوس الحاضرين ويملك عقولهم لذلك عندما يتحدث، ينصت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير.
    لقد فقد المسلمون مجلس الشيخ المعتاد بعد صلاة المغرب من كل يوم، (المجلس) الذي لا يحضره أحد، إلا وأعجب بما يتحلى به الشيخ من أريحية عفوية وحكمة ولطافة وقدرة وقوة في آن واحد.
    ما أصعب أن يجمع أحد السجايا التي جمعها الشيخ إنه بحق (أمة في رجل) كما يقال مما مكنه من (تقريب) حياة السلف النموذجية الضاربة في عصور الزمان لأجيال العصر الحاضر.
    لم يكن ذلك صدف من الصدف، وإنما كان نتيجة إيمان عميق راسخ، وصدق مع الخالق، ونصح للمخلوق وتخفف من الدنيا الفانية، وتوجه صادق للدار الآخرة.
    مع هذا كله لم (يتسلط) ولم يمارس (وصاية دينية) على أحد، ولم يفرض رأيه أو فتواه على إخوانه العلماء في المملكة أو خارجها، وإنما كان يحرص دائماً على اتباع الحق، ويردد دائماً ما معناه (هذا الذي أراه وعلى الإخوان أن يجتهدوا ولا يلزمهم اتباع ما أراه وأفتي به).

    طلب وفد من المسلمين الأمريكيين منه أن يختار لهم كتاباً في الفقه ليكون أساساً لأئمة مساجدهم، فسكت ثم قال يصعب علي أن اختار كتاباً معيناً، ولكن يمكن أن أوصي بعدة كتب بعد التشاور مع بعض الإخوان ممن لهم تجربة وعلم، فاستغربوا من إجابته، وربما أقول لو سألوا غيره لاختار كتاباً من كتبه أو كتاباً من كتب مذهبه أو جماعته.
    فأشار عليهم به. أقنعهم ذلك الجواب غير المنتظر بالشيخ أكثر وأكثر وبدد من عقولهم ما كانوا يسمعون عن علماء المملكة من دعاية مغرضة.
    عاش -رحمه الله- شبابه ومنتصف عمره وآخر سنيه وأيامه متوجهاً إلى الله غير آبه بالنصب والتعب، بل كان يتلذذ بالعمل الطويل، يرى فيه متعته صابراً محتسباً. لم تكن لديه إجازة عن نشر العلم واللقاء بالناس والسعي في مصالح المسلمين.
    لذلك كان محل احترام وحب الصغير والكبير، احترمته القيادة التي عرفت قدره، واحترمه العلماء وطلاب العلم الذين عاشوا أكثر من نصف قرن وهم يرجعون إليه، ويلوذون به عند الخطوب، وعظمه الدعاة في العالم الذين يرون فيه القدوة للعالم الرباني المخلص، وقلده العامة الذين رأوا فيه التواضع والسخاء والعلم والعمل.
    من ذلك ومن غيره، كان يرحمه الله (رمز السلفية) الحقة (وحلقة) قوية فريدة من حلقات الدعوة الإصلاحية الحديثة التي بزغ

    فجرها في الجزيرة العربية فأضاءت العالم وما زالت ولله الحمد.
    لقد حمى -رحمه الله- الدعوة السلفية من جمود المقلدين، وجموح الجاهلين، كما أنه بذر البذور المخلصة لتأسيس مؤسساتها في العالم، حولها من شعارات إلى مؤسسات، ومن غربة إلى أمر واقع مألوف، وكان من حسن حظ المسلمين أن الدعوة السلفية التي حمل الفقيد الراحل لواءها بحزم وعزم وعلم وعمل، كانت تقف خلفها "بقناعة" و"اختيار" دولة ذات إمكانات سياسية واقتصادية كبيرة سخرت من أجل امتداد رقعة تلك الدعوة الإصلاحية وتثبيت قواعدها، وبناء مؤسساتها. فرحم الله الفقيد، ووفق المسلمين للاتباع والاجتماع وللاجتهاد والجهد. وإلى الحلقة القادمة في هذه السلسلة بعنوان (الفقيد بين المحلية والعالمية).


    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

صفحة 1 من 4 1 2 ... الأخيرةالأخيرة

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 16-11-2010, 03:48 PM
  2. شرح كتاب الطهارة من الروض المربع الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله الدي يقرا
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-05-2009, 07:23 PM
  3. التعليق على تفسير ابن كثير الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمها هدية لجميع اخواننا
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-05-2009, 07:20 PM
  4. شرح كتاب الطهارة من الروض المربع الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله الدي يقرا
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 14-04-2009, 01:56 PM
  5. الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله آل باز -رحمه الله
    بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى منتديات الدعاة العامة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2005, 02:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر

سيرة وحياة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز وما قيل فيه من شعر ونثر