بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


إنهيار الأيديولوجية الصهيونية بقلم: د.نضال الصالح

تاريخ النشر : 5 / 12 / 2010م

تقوم الأيديولوجية الصهيونية على ثلاث مقولات متخيلة وهي:
أولا: الإدعاء بالنقاء العرقي اليهودي و بأن اليهود في جميع أنحاء العالم هم قومية واحدة ذات أصول عرقية واحدة تعود إلى إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . وهذا يعني أن اليهودية قومية كغيرها من القوميات الأخرى المعروفة في هذا العالم بغض النظر عن الدين أو العقيدة ، بمعنى أن اليهودي الصيني و الروسي و اليمني واليهودي الفلاشا الأفريقي وغيرهم ينتمون جميعا لقومية واحدة وأصول عرقية واحدة، ترجع أصولها إلى الإسرائيليين التوراتيين الذين أقاموا ، حسب الأسطورة التوراتية ،في فترة تاريخية معينة في منطقة الشرق الأوسط وبنو لأنفسهم في فلسطين تاريخا وكيانا أسطوريا وحضارة أسطورية. بل إن زعماء الصهيونية يدعون بأن اليهود هم أكثر الأعراق نقاوة في العالم.
ثانيا: الإدعاء بأن اليهود طردوا من بلدهم الأصلي فلسطين في عهد الإحتلال الروماني ومن ثم بعد الإحتلال الإسلامي لفلسطين، وعاش اليهود في المنفى أو ما تدعوه الصهيونية الديسبورا منعزلين عن المجتمعات التي عاشوا فيها في غيتوات غير مختلطين ولا متزاوجين مع أهل هذه المجتمعات، منتظرين العودة إلى الوطن الأم فلسطين.
ثالثا: الإدعاء بأن الديانة اليهودية هي ديانة غير تبشيرية لم يدخلها ولم ينتم إليها على مر العصور إلا العنصر اليهودي ولذلك بقي العنصر اليهودي نقي النسل وبقيت اليهودية حكرا على هذا العنصر.
لم يجر في التاريخ الحديث تزويرا لتاريخ أي جماعة كما جرى تزوير تاريخ اليهود وتاريخ فلسطين والفلسطينيين وكافة تاريخ الشرق الأدنى. لقد جرى صرف ملايين بل مليارات الدولارات من أجل زرع بذور الأيديولوجية الصهيونية ومقولاتها السابقة الذكر في العقول. لقد إستخدمت آلة رهيبة من الدعاية الإعلامية اشتركت فيها صناعة السينما في هوليود و مجموعات ضخمة من الكتاب والسياسيين و رجال الدين إلى جانب المؤرخين وعلماء الجينات الذين وضعوا أسماءهم تحت هذا التزوير المشين، ضاربين عرض الحائط بالأمانة العلمية المحايدة. لقد قام الصهاينة ووأصدقاءهم بتلفيق تاريخ منطقتنا وحملت وسائل الإعلام المسيسة هذا التلفيق وزرعته في الوعي البشري حتى صار دارجا على ألسنة العامة والمختصين. لقد وصل هذا التزوير إلى فكر كثير من الأحزاب اليسارية والشيوعية التي كانت تعتبر الصهيونية حركة تحرر وطني وكنا نواجه معهم في هذا الموضوع جدالات عقيمة، وكانت التنظيمات الشيوعية التابعة للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، حيث كانت إقامتي، مثل إتحاد الطلاب ونقابات العمال وإتحاد الشبيبة ترفض أن توقع معنا على بيانات مشتركة تستنكر الإمبريالية الغربية وعميلتها إسرائيل. تغير هذا الموقف بعد إحتلال إسرائيل للأراضي العربية في عام 1967 ورفضها لقرارات الأمم المتحدة بالإنسحاب من الأراضي المحتلة. كان بيان الإتحاد السوفيتي الذي صدر بهذه المناسبة واستنكر الإحتلال الإسرائيلي بإعتبارة إحتلالا إستعماريا نقطة الإنطلاق لجميع الحكومات و الأحزاب الشيوعية في الدول الإشتراكية لإعتبار الصهيونية فكرا عنصريا وقد أقرت هيئة الأمم المتحدة بذلك وجرى إلغاء القرار بعد سقوط المعسكر الإشتراكي وإرضاءا لأمريكا الحليف الأساسي للصهيونية واإسرائيل.
يعتمد الصهاينة في صياغة أيديولوجيتهم، مع أنهم يدعون العلمانية، على القصة التوراتية، و لقد قام المؤرخون الصهاينة وأصدقاءهم من علماء الآثار الغربيين بتأويل المكتشفات التاريخية والأثرية تأويلا يتلائم مع القصة التوراتية, ولقد جرى في كثير من الأحيان إجبار اللقى الأثرية على النطق بما ليس فيها وصل حد تزوير تاريخ المنطقة من أجل أن يتطابق منطوقها مع أحداث الرواية التوراتية.

يؤكد المؤرخون اليوم أن "التوراة " ليس تاريخا على الاطلاق. التوراة، تصنع تاريخا رديئا، فما نعرفه حول هذا التاريخ وما يمكننا إعادة بنائه من الأدلة الأثرية يظهر تاريخا لسورية الجنوبية مختلفا جدا عن القصص" التوراتية". إن قصص الكتاب المقدس "التوراة" وأناشيده لا تخبرنا عن ما حدث في فلسطين في أي عهد، بل تخبرنا كيف كان الناس في هذه المنطقة يفكرون ويكتبون إنه مليء بالأمثولة وقصة العبرة، إنه لاهوت. ويمكننا أن نقول الآن بثقة كبيرة أن " التوراة " ليست كتابا تاريخا لماضي أحد . (توماس طومسون الماضي الخرافي: التوراة والتاريخ، ترجمة عدنان حسن ، راجعه زياد منى، نشر : قدمس للنشر والتوزيع، دمشق ، ط1، 2001 )
إن التاريخ مع كل وثائقه التفصيلية إلى حد كبير لا يذكر في وثائقه على الإطلاق، ولو إشارة لنبي أو أمير أو قائد باسم موسى ،أو لصبي من بني إسرائيل تبنته ابنة فرعون وربي في القصر الفرعوني وصار له شأن . كما لا يوجد أي ذكر لفرعون غرق وجيشه في البحر. على أهمية حدث من هذا النوع. كما لا يوجد اي إشارة أو ذكر لخروج موسى على رأس الآلاف من الإسرائيليين من مصر إلى سيناء.
التاريخ كعلم بوثائقه المتنوعة في مصر و بين الرافدين و في فلسطين والشرق الأدنى لا يعرف عظيما باسم ( شاؤول ) وحد القبائل الاسرائيلية و أقام لإسرائيل مملكة في فلسطين . وهذا العلم لا يعرف شيئا عن محارب أو ملك أو نبي باسم ( داود ) أقام لإسرائيل مملكة عظيمة أو حتى صغيرة، ولم ترد في وثائق هذا العلم على كثرتها في المنطقة أي إشارة لملك حكيم حاز شهرة فلكية باسم ( سليمان ) كان من أشهر ملوك العالم ، وكان الملوك يأتونه من جميع أرجاء الأرض ولا عن مملكة أسطورية عظمى في المنطقة باسم دولة أو مملكة سليمان التي بلغت مساحة أراضيها حسب الرواية التوراتية من الشام إلى مصر والاردن.
حتى في حالة وجود الدليل على أن التوراه قد جمعت وأعادت استخدام حكايات قديمة جدا من الماضي، فإن ذلك لا يثبت تاريخية هذه القصص، بل على العكس تماما، إنه يثبت تقديم التوراة لها بوصفها حكايات تخيلية عن الماضي.( الماضي الخرافي: ص: 54 ،60 )
أن جميع القصص التي تسبق أصول إسرائيل في شخص إبراهيم ، هي جزء من مثيولوجيا، مثلما تبين ذلك جيدا من مواز ياتها الرافدية.( جان بوتيرو بابل والكتاب المقدس،ترجمة روز مخلوف، دار كنعان دمشق، ط1 ،2000 ص: 226).

لقد وصل الباحثون الجادون في العوام الأخيرة أمثال توماس تومسن، كيث وايتلام، ن.ليمكة، جيفاني جيبريني، ف.ديفس،إنجريد هيلم،م. بريور، أ.ألكالي وغيرهم كثير، إلى قناعة بأن إسرائيل قصة يعقوب الذي تصارع مع الرب والذي كان الأب لاثني عشر ولدا، أصبحوا جميعا بدورهم آباء قبائل إسرائيل الأثني عشرة، إنما هي شخصية من وحي الخيال، قائمة على الوجود المزعوم لإسرائيل بأسباطها الأثني عشر، وقليل من الباحثين يشكون اليوم في ذلك.

التاريخ كعلم بحفائره و آثاره الشاهدة يعرف تاريخ مصر جيدا، وقد انتهى إلى ترتيب تاريخها الزمني عبر أسرات ودول من( مينا) موحد القطرين مرورا ببناة الأهرام حتى الشناشقة والبطالمة. فأرض مصر تفيض بالحفائر والآثار والوثائق والمعلومات.

لقد ترك لنا المصريون القدماء مئات الألواح والرسومات والوثائق التي تتحدث بالتفصيل عن تاريخ مصر وملوكها وعلاقاتها الخارجية وحروبها مع الدول المجاورة. فاللوحة التي وجدت في معبد سيتي الأول و رمسيس الثاني تحدثنا بلغة هيروغلافية واضحة عن أسماء 76 ملكا مصريا والتي تبدأ بالفرعون (مينا) و تنتهي بالفرعون رمسيس الأول. أما اللوحة الثانية، من أيام رمسيس الثاني فإنها تحتوي على 48 اسما لفراعنة مصرين . هذا إلى جانب عدد كبير من لفائف البردى المتعددة الحجم والتي تحتوي على سجل بأسماء الملوك خاصة لفائف تورين التي تحتوي على أسماء خمسين ملكا مصريا من الأسرة الأولى إلى الأسرة الثانية عشرة. إلى جانب ذلك فلقد وجد العديد من الوثائق التي تتحدث عن مدد محددة من تاريخ مصر، وتتألف من نقوش على المباني والمعابد والمسلات المصرية القديمة وعلى الأعمدة التذكارية والحاجات الشخصية وعلى الصخور وخاصة في البلدان التي غزاها المصريون و احتلوها وأيضا على شواهد قبور القادة والنبلاء ، كثير منها يحتوي على معلومات مفصلة لدرجة أنها تحتوي إلى جانب أسماء الملوك المحبوبين و كذلك أسماء كلابهم . ( فويتيخ زامورسكي: آلهة و ملوك مصر القديمة ،نشره باللغة السلوفاكية بيرفيكت- براتسلافا عام 2000 ، ص: 1-18 )

مصر تعج كذلك بالوثائق المكتوبة والتي تمكننا من فهم فنون مصر القديمة، مثل التماثيل و الرسوم والنقوش والمسلات ،و من بين أقدمها نصوص " أهرام ملوك الدولة القديمة" . و من الدولة الوسيطة نجد نصوص توابيت ما بين الطريقين من المقبرة التي تقع بجانب بيرشي غير بعيدة عن إشمونة، أما من الدولة الحديثة فلقد عثر على نصوص تحتوي على معلومات تفصيلية عن مختلف جوانب الحياة المصرية في تلك الفترة، كثير منها وجد في مقابر عاصمة الدولة الحديثة " واسط "، و من بين الوثائق المهمة و ذات القيمة التاريخية والفنية " كتاب الأموات " الذي يحتوي على مجموعة من النصوص تشرح تصور المصريين القدماء عن الحياة والموت و مملكة العالم السفلي.( زامورسكي : سبق ).

إلى جانب كل ذلك فإن مصر تعج بمئات الوثائق التي تحتوي على نصوص أدبية وفنية وعلمية وتعليمية ، تتحدث عن علم الحساب والطب والفلك و التجارة والاقتصاد والادارة وأخبار الحروب والفتوحات والقادة العسكريين والمفتشين والمحاكم مما ساعد علم التاريخ الحديث على رسم صورة دقيقة لتاريخ مصر القديم.. ( نفس المصدر) . كل ذلك دفع بالباحث زامورسكي للقول بأننا اليوم نملك صورة واضحة لتاريخ مصر القديم أوضح وأدق بكثير من الصورة التي لدينا عن تاريخ ممالك أوروبية مثل المملكة المورافية الكبيرة" في القرن التاسع الميلادي" . ( نفس المصدر)

إن هذا التاريخ مع كل وثائقه التفصيلية إلى حد كبير، لا يذكر في وثائقه على الإطلاق، ولو إشارة، نبي أو أمير أو قائد باسم موسى ،أو لصبي من بني إسرائيل تبنته ابنة فرعون وربي في القصر الفرعوني وصار له شأن . كما لا يوجد أي ذكر لفرعون غرق وجيشه في البحر. على أهمية حدث من هذا النوع. كما لا يوجد اي إشارة أو ذكر لخروج موسى على رأس الآلاف من الإسرائيليين من مصر إلى سيناء.

لم يجد الباحثون كذلك أي ذكر في وثائق المنطقة لقائد اسمه يشوع دخل على رأس بني إسرائيل إلى فلسطين ودمر مدنها وقتل نساءها وأباد نسلها وزرعها. ولقد اعتبر المؤرخون شخصية يشوع من الشخصيات التوراتية الأسطورية الغير تاريخية، ولم يستطع التوراتيون حتى إثبات حقيقة الغزو البدوي الإسرائيلي إلى فلسطين، ولم يوجد في أثار المنطقة أي أثر على مثل هذا الاكتساح والتهديم والابادة .( بريتشارد .ي . ب : تاريخ جيبون في ضوء الحفريات ، أكسفورد ، 1959 .عن توماس ل تومسون :التاريخ القديم: نفس المرجع)
رغم الهوس الحفائري لحكام إسرائيل الحالية، ورغم الجهود المضنية لعلماء آثارها المحليين والأصدقاء الأوروبيين والأمريكان ، نجد الأرض قاحلة بأي معلومات ذات شأن عن إسرائيليي التوراة في فلسطين .
يؤكد طومسون أن البيانات المستخلصة من الأركيولوجيا تقدم أدلة واضحة ضد وجود أي بنى سياسية غير إقليمية في مرتفعات فلسطين وبذلك ترفض وجود أي دولة قومية إسرائيلية في فلسطين.(نفس المصدر، ص: 211 ) . و يؤكد ذلك أخبار حملات الملك المصري شيشنق على فلسطين في أواخر القرن التاسع ق.م حيث لم يرد أي ذكر فيها ليهوذا ولا أورشليم (القدس) أو أي عاصمة أخرى محتملة في المرتفعات الوسطى تستدعي اهتمام شيشنق. وكانت التوراة قد ذكرت في نصوصها أن الفرعون شيشنق قد قام بحملة على دولة يهودا في فلسطين حيث أخذ خزائن بيت الرب ، وخزائن الملك ، وأخذ كل شيء. سفر الملوك 1 /14 . وهو ذات الفرعون الذي قالت التوراة، أنه كان صهر الملك سليمان، وأن سليمان طلب منه مساعدته للاستيلاء على مدينة جازر الفلسطينية الساحلية ، فأرسل إليه شيشنق بضعة كتائب مصرية احتلتها له و قدمتها له هدية . ولكن تاريخ الفرعون شيشنق المكتوب يذكر أخبار الحملة التي قام بها على فلسطين ، ويذكر جدول بالمدن التي هاجمها ، ولكن دون أن يذكر كلمة إسرائيل إطلاقا ولا يذكر كذلك كلمة يهوذا ولا حتى أورشليم . ( طومسون : التاريخ القديم، نفس المصدر. )

يبين الباحث نيلز لمكة، أن عصر مملكة داود وسليمان المتحدة، هي أسطورة عن ماض ذهبي لم يكن له وجود أبدا (من مقال لمكة من كتاب: الجديد في تاريخ فلسطين، ص: 138 ).

أن الدارس الإسرائيلي يعد الأفكار المتناقلة من العهد القديم تاريخا، لأن هذه القصص تسوغ وجوده الخاص، أي ادعاءه بأنه لكونه من سلالة الإسرائيلين ، فهو يمتلك الحق في أن يكون فردا في الدولة اليهودية في فلسطين.(نفس المصدر، ص: 134 ) ويؤكد انه من وجهة نظر تاريخية ليس لليهودية الحديثة أي حق في امتلاك أرض فلسطين. وادعائهم أنه كان لهم ارتباط عاطفي مع "بلادهم القديمة" ليس لها أي وزن قانوني. إنها التسويغ الذاتي لليهودية لا أكثر ولا أقل. ( لمكة:سبق، ص: 137 )

في القسم الثاني من كتابه "التاريخ" كتب المؤرخ الإغريقي "هردت" عن عادة ختان الذكور الآتي:
"إن الشعوب الوحيدة التي تمارس ختان(حرفيا بتر)أعضاءها التناسليةهم الكلخ والمصريون والأثوبيون. لكن الفنيقيين وأولئك السوريين الذين يقطنون فلسطين يعترفون بأنهم تعلموا ذلك (أي الختان)من المصريين.وفيما يتعلق بأولئك السوريين الذين يعيشون على ضفاف نري ثرمدون وبالرثنيس، وكذلك جيرانهم المقرونيون فإنهم يقولون إنهم تعلموه من الكلخ.
ومن المعروف أن المؤرخ الإغريقي الذي عاش في القرن الخامس قبل التاريخ الشائع، والذي يعرف باسم "أبو التاريخ"، قد زار مصر انطلاقا من بلاده اليونان،عبر بلاد الشام، وانطلق من هناك إلى بابل ، وكتب كتابه اعتمادا على ما رآه بنفسه وما سمعه من أهل البلاد والأقاليم التي مر بها. وكما رأينا فإن المؤرخ حتى في كتابته عن الختان الذي يمارسه اليهود اليوم لم يذكر أي كلمة عن الإسرائيليين أو العبرانيين أو اليهود، مما يدل دلالة قاطعة أنه أثناء طوافه في البلاد لم يلتق بهم ولم يسمع عنهم ولو كانوا وجدوا لذكرهم. ولكننا نرى أنه لم يقم على ذكرهم إطلاقا بدلالة عدم وجودهم.
لقد اعترف بعض علماء الآثار والتاريخ في إسرائيل بهذه الحقيقة وعلى رأسهم عالم الآثر والمؤرخ الإسرائيلي إسرائيل فنكلشتاين الذي أكد في كتابه " التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" والذي قام بتاليفه بالإشتراك مع المؤرخ ألأمريكي نيل سيلبرمان وترجمه إلى العربية سعد رستم وصدر عن دار الأوائل في دمشق عام 2005. يقول الكتاب أن رواية التوراة لحياة الآباء هي قصة فلسفية عن العلاقة بين الله والبشر, عن الإخلاص والطاعة،عن الإيمان والتقوى، عن الحق والباطل،عن الفسوق والفجور. ولكن البحث عن الآباء التاريخيين بقي بلا نتيجة وأثبت في النهاية إخفاقه. وان التاريخ الذي جرى بنايته، تم إسقاطه على حياة الآباء الأسطوريين في ماض أسطوري . ويؤكد الكتاب أن قصة الخروج الإسرائيلي من مصر كما تصفه التوراة يتناقض مع علم الآثار ولم يتم اكتشاف حتى شقفة فخارية واحدة وحيدة في سيناء لتدل حتى على جماعة صغيرة جدا من الهاربين.
أما ألدتور شلومو ساند البروفيسور في جامعة تل أبيب فإنه في كتابة الأخير " متى وكيف اختلق الشعب اليهودي، ترجمه إلى العربية سعيد عياش،صدر عن دار الأهلية" والذي ضرب رقما قياسيا في مبيعاته يؤكد أن القومية اليهودية هي ميثولوجيا ولقد جرت فبركتها قبل مئة عام من أجل تبرير إقامة الدولة الإسرائيلية . ويؤكد أن اليهود لم يطردوا من الأراضي المقدسة و معظم يهود اليوم ليست لهم أي أصول عرقية في فلسطين التاريخية.وأن الشعب الفلسطيني وخاصة فلاحيه، هو المالك الحقيقي لأرض فلسطين الذي بقي في أرضه ولم يطرد منها في أي زمن إلا في زمن الدولة الإسرائيلية الحديثة.
أن مقولة نقاء النسل الإسرائيلي الذي ظل، حسب الفكر الصهيوني، محتفظا بالبذرة الاسرائيلية مئات من السنين إلى يومنا هذا لا يقبلها العقل السليم ، حتى ورغم محاولات دعم هذا القول بأن اليهود حافظوا على هذا النقاء بالعيش في غيتو منعزل و بعدم اختلاطهم بالمجتمعات التي عاشوا في ظلها. إن الحقائق على أرض الواقع تثبت بطلان هذه المقولة. حتى إن الحكاية التوراتية الأسطورية ذاتها، وهي المرجع الرئيسي للأيديولوجية الصهيونية، ومع رفضنا القاطع لتاريخيتها، تناقض هذا القول وتقول عكس ذلك وبأن الاسرائيليين منذ ظهورهم الأسطوري على المسرح التوراتي تزاوجوا وتناكحوا مع كل شعوب المنطقة التي تواجدوا بينها سواء في فلسطين أم في مصر، " فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفريزيين والحوريين واليبوسيين واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم " ( قضاة: 3/ 5 – 10 ). ولعل حقيقة أن العديدين من أصحاب نظرية نقاء العرق اليهودي إبتداءا من هيس مرورا بنورداو وإنتهاء ببوبر كانوا متزوجين من غير يهوديات لأكبر دليل على بطلان أكذوبة النقاء العرقي اليهودي.( شلومو ساند، سبق)
كان مصطلح " اليهودي " قبل ظهور الصهيونية الهوية الخاصة لمعتنقي الديانة اليهودية، وهذه الهوية كانت دينية بالدرجة الأولى . اليهود ذاتهم على لسان حاخاماتهم وصفوا ذاتهم بأنهم أمة دينية، أمة التوراة، وبدون التوراة لا يوجد أمة يهودية ،ولم يشددوا على الأصول العرقية. ( باول جونسون: تاريخ الأمة اليهودية، 1987 ، ترجمه إلى اللغة التشيكية فيرا و يان لامبير وصدر عن روزملوفي عام 1995 )

من المعروف أن يهود اليوم سواء في داخل إسرائيل أو خارجها ينقسمون إلى طائفتين:وهما الطائفة الأشكنازية وتتألف من يهود أوروبا وخاصة شرقها وقسم كبير من يهود أمريكا وتمثل هذه الطائفة قمة الهرم في الحركة الصهيونية وفي المؤسسة الحاكمة في إسرائيل على مختلف مستوياتها. والطائفة الثانية تدعى" السفراديم" وتتألف من اليهود الشرقيين وخاصة اليهود العرب ويهود العالم الاسلامي. وتنظر الطائفة الأولى إلى الثانية بعين الاحتقار والاستعلاء والغطرسة العنصرية.

الكاتب اليهودي البريطاني الجنسية أرثر كويستلر، الذي ولد عام 1905 في بودابشت- المجر، أثبت في كتابه الذي صدر عام 1976 بعنوان القبيلة الثالثة عشر،( The Thirteenth Tribe) أن معظم اليهود الأشكناز وخاصة يهود أوروبا الشرقية،هم من أحفاد الخزر .
الخزر شعب من أصول تركية عاش في القرون الوسطى واعتنق حوالي عام 740 م الديانة اليهودية. وسبب تحول شعب الخزر إلى اليهودية غير معروف لحد الان ، ويعتقد أن هذا الشعب الذي وقع بين قوتين عظيمتين هما الامبراطورية البيزنطية المسيحية من جهة والخلافة الاسلامية من جهة أخرى قرر اعتناق ديانة ثالثة هي اليهودية، وأن ملك الخزر وحاشيته اعتنقوا الديانة اليهودية تحديا لضغوط المسيحيين في بيزنطة وضغوط المسلمين من الشرق . تختلف المصادر في تعليل الأسباب ولكن حقيقة اعتناق الخزر لليهودية هي فوق الشك. . ولقد ذكر المؤرخون العرب دولة الخزر اليهودية في كتبهم، فنجد ذكر لهم في كتاب الفهرس لابن النديم ، كما ذكرهم المسعودي والدمشقي والبكري وغيرهم واجتمعوا على أن الخزر اعتنقوا الديانة اليهودية وكانوا يستعملون حروف الهجاء العبرية.
يعتقد المؤرخون أن دخول الخزر في الديانة اليهودية لم يأت بين يوم وليلة ولكن جاء على مراحل،وذلك بتأثير اليهود الذين هربوا أو جرى ترحيلهم من العاصمة البيزنطية بسبب وطأة الحكم البيزنطي والاضطهاد الديني في عهد الأباطرة يوستنيانوس الأول وهرقل وليو الثالث وليو الرابع ورومانوس. لقد فر اليهود من بيزنطة إلى بلاد الخزر، لكونها كانت معروفة بسعة الأفق ولم تعرف الاضطهاد الديني .

يبين كويستلر أنه بعد تدمير امبراطورية الخزر في القرن الثالث عشر ميلادي على يد المغول ، هجر اليهود الخزر إلى أقطار أوروبا الشرقية وخاصة روسيا و بولندة ، حيث نجد في مطالع العصر الحديث أعظم تجمعات لليهود، وبهذا فإن فريقا لا يستهان به من اليهود الشرقيين، وربما معظمهم وكذلك من اليهود في العالم وخاصة الولايات المتحدة حيث هاجر اليهود الشرقيين إليها خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، هم من أصول خزرية وليست سامية.

الدكتور ألفرد لينتال من الشخصيات المعروفة في الأوساط السياسية الأمريكية والعالمية، فرغم أنه يهودي إلا أنه من المناضلين المعروفين ضد الصهيونية و معتقداتها النظرية ومسلكها العملي. لينتال في كتابه "الصهيونية: ترجمة تشيكية صدرت عن دار أربيس في براغ عام 1989 ص:284 )يقول : أن ما أثبته كويستلر في كتابه عن اليهود الخزر والأصول الخزرية لليهود الشرق أروبيين، ليس بشيء جديد على الاطلاق. إن حقيقة الأصول الخزرية للأكثرية اليهودية في العالم كانت معروفة منذ زمن طويل . ولكن كويستلر من سماهم القبيلة الثالثة عشرة.
لينتال في كتابه( أي ثمن إسرائيل؟ what price Izrael ) الذي صدر عام 1954 أي ثلاثة وعشرون عاما قبل صدور كتاب كويستلر، يتحدث عن الأصول الخزرية ليهود شرق وغرب أوروبا. المؤلف تحدث عن اعتناق الخزر للديانة اليهودية وكيف رحل اليهود الخزر بعد تدمير بلدهم إلى أوروبا الشرقية ومنها إلى سائر أوروبا، و ذكر كذلك كيف أن الصهيونية عملت كل ما في وسعها لاخفاء هذه الحقيقة لأنها تشكل خطرا حقيقيا على مطالبها بعودة الشعب اليهودي إلى فلسطين.
يؤكد لينتال أنه لا يوجد علاقة أونتروبولوجية( عرقية) بين زعماء الصهيونية ومعظم يهود العالم وبين فلسطين. فلسطين التي يدعي الصهاينة أنها وطنهم ويرغبون العودة إليها لم تكن وطنا لهم ولا لأجدادهم ولا يوجد لهم أي علاقة عرقية بها. ( نفس المصدر)

من الطبيعي أن ما قاله كويستلر و لينتال وغيرهم لم يعجب الصهاينة أبدا، لأنهم أظهروا للعالم ما لم يرغب الصهاينة في أن يظهر. ما قاله لينتال وكويستلر ينهي أسطورة الشعب اليهودي الواحد ،و يقوض مطالب الصهيونية المزعومة بعودة الشعب اليهودي إلى وطنه الأم فلسطين.
يقول شلومو ساند في كتابه "إختراع الشعب اليهودي": إن شبح الماضي الخزري يقلق زعماء إسرائيل، فالجزع العميق من المس بشرعية المشروع الصهيوني في حالة معرفة أن الجمهور اليهودي المستوطن ليس وريثا مباشرا "لبني إسرائيل" جاء مصحوبا بالخوف من أن تمتد هذه الاشرعية لتقوض بصورة تامة حق دولة إسرائيل في الوجود.(نفس المصدر، ص: 303)

يؤكد شلومو ساند أن سكان مقاطعة يوديا في فلسطين لم يتعرضوا للنفي من بلدهم وأنه لم تجر عملية نفي للسكان عند خراب الهيكل. كما يؤكد أن الباحثين يتفقون على أنه بين خراب الهيكل عام 70 ميلادية وبين الإحتلال الإسلامي ظلت أغلبية نسبية من السكان الأصليين بين نهر الأردن والبحر المتوسط. كما أنه لم يحدث تغيير حاسم في التركيبة السكانية ولا تتوفر أي معلومات تدل على إنكماش سكاني أدى لتغيير شعب.
حتى كتاب صهاينة إعترفوا بهذه الحقيقة فيسرائيل بلكيند(1861-1929) يقول: إعتاد كتبة التاريخ اليهودي القول أنه بعد خراب أورشليم على يد تيتوس تبعثر اليهود في كل بلاد الكون ولم يواصلوا العيش في بلدهم. ولكننا نقف أمام خطأ تاريخي يجب إزالته وإبانة الأمور على حقيقتها. الذين غادروا هم الطبقات العليا والحاخامات وعلماء التوراة لكن الفلاحين ظلوا مشدودين إلى أرضهم. ويؤكد أنه ينبغي طرح إفتراض منطقي جدا وهو أن الفلاحين في أرض فلسطين هم الأحفاد المباشرون لبقايا المستعمرات الزراعية اليهودية والكنعانية، مع إضافة مزيج من الدم العربي، إذ من المعروف أن العرب، المحتلين الفخورين ، إختلطوا قليلا جدا في أوساط جماهير الشعب في البلدان التي إحتلوها. (عن كتابه العرب في أرض إسرائيل ورد في كتاب شلوموساند ص:، 240-239). يقول ساند أن بلينكد لم يكن منفردا في وجهة النظر التاريخية هذه فالزعيم النظري ألأسطوري لليسار الصهيوني بار بورخوف لم يفكر بطريقة أخرى. كما أن المؤرخ أبراهام بولاك وهو صهيوني حتى النخاع كتب يقول أنه وعلى مدار آلاف ومئات السنين لم تكن تقريبا أي مجموعة سكانية في العالم ، وخاصة في ممر مركزي مثل البقعة الممتدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط ، إلا واندمجت دائما مع جيرانها ومحتليها أو الواقعين تحت إحتلالها. فقد أتى إلى المنطقة في مراحل تاريخية يونانيون وفارسيون وعرب ومصريون وصليبيون، وجميع هؤلاء إندمجوا وذابو في السكان المحليين، كما أن بولاك إفترض أن إحتمالية تأسلم اليوديين( سكان يوديا) كبيرة للغاية(شلومو ساند ص: 238). ويؤكد ساند أنه حتى الزعيمان الصهيونيان، ، دافيد بن غوريون ويتسحاق بن تسيفي الذان ترأسا رئاسة الوزارة الإسرائيلية، أكدا في كتابهما " أرض إسرائيل في الماضي والحاضر": أن أصل الفلاحين (في فلسطين) ليس من المحتلين العرب الذين سيطروا على إسرائيل وسورية في القرن السابع الميلادي. المحتلون العرب لم يبيدوا السكان الزراعيين الذين وجدوهم في البلاد. لقد قاموا فقط بطرد الحكام البيزنطيين الغرباء ولم يمسوا السكان المحليين بسوء. ويؤكد بن تسيفي أنه بديهي أنه لا يصح القول أن جميع الفلاحين( في فلسطين) هم من أحفاد اليهود القدماء، الحديث يدورعن أغلبيتهم أو جزء كبير منهم. ويعتقد بن غوريون وبن تسيفي أن الفلاحين اليهود القدماء إعتنقوا الإسلام و أن الدين الإسلامي ، خلافا للمسيحية، كان دينا ديموقراطيا لم ير في جميع المتأسلمين إخوة وحسب ، بل ألغى جميع القيود السياسية والمدنية وسعى إلى محو الفوارق الإجتماعية.( ساند،سبق، ص: 242-243 ).
يؤكد شلومو ساند أن مقولة " أرض بلا شعب" موعودة ل" شعب بلا أرض"، التي تحولت بصيغها المختلفة إلى مقولة شعبية شائعة في الحركة الصهيونية، كانت برمتها ثمرة متخيل تاريخي يكمن النفي في صلبه. وعلى الرغم من أن غالبية المؤرخين المهنيين أيقنوا أنه لم تحدث قط عملية إقتلاع بالقوة ل" الشعب اليهودي" إلا أنهم تركوا الميثة المسيحية التي تدحرجت إلى التقاليد اليهودية تصول وتجول كما تشاء في الدهاليز العامة والتعليمية التربوية للذاكرة اليهودية من دون القيام بأية محاولة لكبحها. في المقابل فإن التهود الجماعي ، المسؤول عن نشوء تجمعات يهودية كبيرة في أرجاء البحر الأبيض المتوسط، لم يترك تقريبا أي أثر في التاريخ اليهودي. لقد مال المؤمنون اليهود أنفسهم بشكل دائم إلى طمس أصلهم وتمويههن، أما أحفادهم فبالكاد عرفوا، أو لم يريدوا أن يعرفوا ،بأن آباء آبائهم كانوا في السابق وثنيين مخلصين تقربوا من جماعات يهودية في الخارج وتهودوا. فضلت أن ترث بالذات البعد الإثني المختلق من التراث الطويل وعجنته جيدا في مختبراتها الأيدولوجية.( ساند، سبق ص: 244-245).

لقد اعتنق الديانة اليهودية شعوب مختلفة وأفراد من شعوب مختلفة، مثل الشعب العربي في اليمن، وبعض العرب في نجد والحجاز، كما اعتنق اليهودية كثير من اليونان والبلغار والمجر . كما انتشرت الديانة اليهودية في مختلف أركان الامبراطورية الرومانية حتى وصلت فرنسا وإسبانيا، ولقد نقل التجار اليهود عقيدتهم إلى الهند والصين . ويظهر أن اليهودية أيضا تأثرت ببعض الأفكار البوذية الهندية والكونفوشية الصينية التي كانت قد ظهرت في عهد ظهور اليهودية وتأثر بها اليونان ونقلوها إلى شعوب الشرق الأدنى كما تأثرت اليهودية بالديانة الزرادشية الفارسية التي احتكوا بها احتكاكا مباشرا. ( بيرنارد لويس : الشرق الأدنى : 2000 عام من التاريخ منذ نشوء المسيحية، نشر عام 1995 ، ترجمه إلى التشيكية: سوسانا راوسوف ، نشر: ليدوفي نوفيني ، براغ عام 2000 ) .
لقد أكد المؤرخ العربي ياقوت الحموي أن يهود بنو قريظة وبني النضير هم من القبائل العربية في الجزيرة واعتنقوا الديانة اليهودية. ( ياقوت الحموي : معجم البلدان، ج الرابع ، ص : 385 و 460 ) ويؤكد هذا القول اليعقوبي في تاريخه ويقول أن القبائل اليهودية في المدينة من العرب من قبيلة جذام ، و يقول ولفنسون وهو يهودي في " تاريخ اليهود في بلاد العرب " نقلا عن غراتز أنه هناك شهادات من يهود مدينة دمشق وحلب في القرن الثالث بعد الميلاد ينكرون فيها رحيل يهود من فلسطين إلى الجزيرة العربية، أي أن التجمعات اليهودية في الجزيرة العربية لم تكن من يهود فلسطين.( موسى على الغول من تعليقه في هوامش كتاب دي لاسي اوليري، سبق ، ص: 190 ) هذا مما يؤكد قول ياقوت واليعقوبي وغيرهم أن يهود الجزيرة هم عرب اعتنقوا الديانة اليهودية ولم يكونوا من أصول إسرائيلية ولا فلسطينية .
لقد انتشرت اليهودية في بقاع مختلفة من جزيرة العرب ووصلت جنوب الجزيرة حيث كانت قبائل عربية بكاملها تتحول إلى اليهودية. وكان من أهم الذين دخلوا هذه الديانة "ذو نواس" وهو من العائلة اليمنية المالكة وكان يسمى "زرعة" ويلقب بذي النواس أي ذي الشعر الجعدي، ولقد أصبح ملكا على اليمن وحمير وأعلن اعتناقه لليهودية وسمى نفسه يوسف وفرض على عرب اليمن اعتناق اليهودية، وإليه يعزى قتل وحرق نصارى نجران ، حيث خيرهم بين اعتناق اليهودية أو القتل فرفضوا اعتناق اليهودية فحفر لهم أخدودا وحرق من حرق بالنار وقتل من قتل بالسيف. ولقد شكى من نجى منهم فعل ذي النواس إلى قيصر الروم النصراني فطلب هذا من حليفه ملك الحبشة الذي كان أيضا نصرانيا أن يقوم بعقاب ذي النواس واليهود على فعلتهم فسير لهم حملته المعروفة بقيادة رجل اسمه أرياط وكان في جنده أبرهة الحبشي الذي عرف فيما بعد" بالأشرم". فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن وسار إليه ذو النواس في حمير ومن أطاعه من قبائل اليمن ، فلما التقوا انهزم ذو النواس وأصحابه . فلما رأى ذو النواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه إلى البحر ثم ضربه فخاض به وغرق وكان آخر العهد به. ( تهذيب سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون ، المجمع العلمي العربي الاسلامي، ص: 27 ).
وهكذا نرى أن جميع الأركان التي تقوم عليها الأيدولوجية الصهيونية قد إنهارت وأثبتت الوقائع على الأرض أنه ليس لها أي مصداقية وأنها متخيلة و مختلقة من أجل تبرير أطماعها في فلسطين. فالإدعاء بالنقاء العرقي اليهودي و بأن اليهود في جميع أنحاء العالم هم قومية واحدة ذات أصول عرقية واحدة، ثبت بطلانه بشك فاضح، فالبذرة اليهودية ليست نقية وإنما تتكون من خليط كبير من الأصول، من خزرية وسلوفانية ومجرية وألمانية وفارسية وهندية وأفريقية وعربية وغيرها كثير وأن الأكثرية العظمى من اليهود ليس لهم على الإطلاق أي جذور أنتروبولوجية أو أثنية أو عرقية في فلسطين وإدعاء قادة إسرائيل بالحق التاريخي في فلسطين هو حق مختلق وليس له أساس من الصحة. ولقد رأينا كيف أن شعوبا وجماعات من مختلف الأجناس، التي ليس لها أي جذور في فلسطين التاريخية، قد تهودت وعاشت بين شعوبها الأصلية وأن مصطلح الديسبورا أو المنفى اليهودي هو مصطلح مختلق ليس له أساس من الصحة.
كما بطل بطلانا فاضحا القول أن يهود فلسطين أو التعبير الأدق اليوديون أهل مقاطعة يوديا أو غيرهم من سكان فلسطين مثل سكان مقاطعة إسرائيل ومقاطعة الجليل وغيرها من المقاطعات، قد طردوا من أرضهم على يد الرومان ومن ثم على يد العرب المسلمين. لقد ثبت أن أهل فلسطين التاريخية بقوا في أرضهم، بعضهم تهود وبعضهم تنصر، وبعد دخول العرب المسلمين إلى فلسطين، ذاب هؤلاء في المجتمع الفلسطيني ولقد أسلمت الغالبية العظمى لشعب فلسطين، وبقي جزء على نصرانيته ولم يبق على يهوديته إلا عدد قليل منهم. لقد أعطى العرب المسلمون أبناء فلسطين اللغة العربية، لغة القرآن، وتبناها الشعب الفلسطيني بدلا من لغته الآرامية وهي شبيه جدا بالعربية.
لقد آن الأوان لكي ندحض الإدعاءات الصهيونية بإستعمال كل الوسائل الإعلامية المتاحة لنا والموجهة خاصة للغرب وليكون ذلك جزءا لا يتجزأ من مشروع المقاومة ضد الإغتصاب الصهيوني لأرضنا .

د. نضال الصالح/فلسطين





دنيا الرأي - إنهيار الأيديولوجية الصهيونية بقلم: د.نضال الصالح