إبليس والصليب
نقلاً عن كتاب ((المسيح دراسة سلفية للشيخ رفاعي سرور))
تفسير العلاقة بين إبليس والصليب.. لا يكون إلا بفهم معنى الصليب..
الصليب وثن.. هذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم..
عن عَدِيّ بن حاتم، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: ((يا عدي.. اطرح هذا الوثن من عنقك!)) قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [التوبة: 31] قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: ((أليس يُحرِّمُون ما أحل الله؛ فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله؛ فتحلونه؟!)) قال: قلت: بلى. قال: ((فتلك عبادتهم))( ).
ومعنى الصليب –كشكل- يفسره قول الله عز وجل: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم} [الأعراف: 16] وهذا المعنى يكمن في العلاقة بين الصليب والصراط..
ونبدأ بهذا الحديث..
عن عبد الله، قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا، فقال: ((هذا سبيل الله)) ثم خط عن يمين ذلك الخط وعن شماله خطوطًا، فقال: ((هذه سُبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها)) ثم قرأ هذه الآية: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}( ) [الأنعام: 153].
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رسم خطًّا ليعبر عن معنى صراط الله المستقيم في تفسير هذه الآية.. فإن التعبير عن قول الله عز وجل: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم} [الأعراف: 16] سيكون رسم خطٍ مستقيمٍ يمثل صراط الله المستقيم، وخط يقطعه ليمثل كلمة {لأقعدن} أي: لأقطعن.. ليكون الشكل النهائي: خطًّا يقطع خط وهو الصليب..! الذي يمثل الصورة الرمزية لقعود إبليس للناس على صراط الله سبحانه وتعالى.
ولكن قطع إبليس لصراط الله المستقيم ليس له أثر على حقيقته عند الله، ولكن القطع أمرٌ متعلق بالبشر الذين أضلهم إبليس؛ ولذلك أثبت القرآن حقيقة الصراط بعد قَسَم إبليس بإضلال البشر؛ لتكون حقيقة الصراط بعد قسم إبليس هي عجزه عن إضلال عباد الله المخلصين، وإدخال الضالين من البشر إلى الجحيم: {وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين* قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين* قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون* قال فاخرج منها فإنك رجيم* وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين* قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين* إلى يوم الوقت المعلوم* قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين* قال هذا صراط علي مستقيم* إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين* وإن جهنم لموعدهم أجمعين* لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} [الحجر: 28-44].
فيصبح الصليب رمزًا جوهريًّا لمن اتبع إبليس من الغاوين في جميع الوثنيات، ابتداءً بالفرعونية التي كان يُعبَّر فيها عن الصليب بمفتاح الحياة.. وانتهاءً بالنصرانية المحرَّفة التي تَعتبر هذا الرمز الفرعوني إرهاصة تاريخية للصليب الذي يعبدونه، حتى أطلقوا على صليبهم نفس اسم الصليب الفرعوني.. «مفتاح الحياة».
ومن الغريب حقًّا أن يعتبر النصارى أن هذا الشكل الفرعوني دليلًا على الجذور التاريخية للصليب (!!) دون أي حساسية من الوثنية الفرعونية الواضحة التي يكون الإله فيها هو (الجعران يلعب بروثه!) ويلبس الناس فيها على وجوههم أقنعة القطط والكلاب..!!
ولكن إبليس لم يتوقف بالصليب عند هذا الحد الرمزي، بل زاده وضوحًا، وذلك عندما قذف في عقول النصارى أن المكان الذي صُلب عليه المسيح -حسب بدعتهم- هو المكان الذي دُفن فيه آدم، ويسمونه (الجلجثة) وهي كلمة آرامية معناها: الجمجمة «أي: جمجمة آدم» وبذلك يؤكد إبليس على معنى الخط المقطوع، وهو الصراط الذي ترسمه حياة جميع الأنبياء، ابتداءً من آدم عليه السلام..
ومن هنا قال الإمام السيوطي: {صراط الذين أنعمت عليهم}: أي طريق الأنبياء، {غير المغضوب عليهم} قال: اليهود، {ولا الضالين} قال: النصارى.
ووسوسة إبليس إلى النصارى بفكرة «الجلجثة» تؤكد الدلالة المطلوبة من البدعة، وهي أن الصليب رمز لقطع صراط الله المستقيم؛ أي: طريق الأنبياء ابتداءً من آدم عليه السلام، ومن هنا أصبح الصليب عند إبليس هو الشكل المقابل لصراط الله بكل صفاته..
فكما ارتبطت عبادة الله بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم كما في الفاتحة التي تقرأ في كل صلاة.. ارتبطت عبادة النصارى بالصليب دون التفكير في هذه العبادة التي لم ترد قطعًا عن المسيح في حياته؛ لأنه لم يكن -بحسب زعمهم- قد صُلب بعد..!
وبتفسير معنى الصليب يأتي الإحساس الشرعي الواجب تجاه هذا الشكل، حيث تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يترك في بيته شيئًا فيه تصليب إلا قضبه).
وكان بعض أئمة الإسلام إذا رأى صليبًا أغمض عينيه عنه، وقال: لا أستطيع أن أملأ عيني ممن سب إلهه ومعبوده بأقبح السب..!