مذاكرة للشيخ أحمد بن مصطفى العلوي المستغانمي رضي الله عنه

ما أحوج المؤمن لأخيه المؤمن في عصر ضعف فيه الإيمان وقل ناصروه


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

هذا هو عصر النور وعصر المدنية أيضا كما يقولون, عصر أصبح فيه المركز الديني على خطر عظيم, هكذا تجد المروءة تتسلل, والإيمان يتحلل يوما فيوم, فما أحوج الدين لأبنائه, وما أحوج المؤمن لإخوانه. كيف يصح استغناؤه عنهم وهم الأقلون عددا المهددون, وهو مهدد مثلهم بما أحيط بهم من الدواهي, إلا إذا تداركهم الله بلطفه وحفهم بنصره, وان الله على نصرهم لقدير.




ليس فينا من يجهل ما ترمي إليه تلك النوازع التي هي لا تعتبر غريزية, ففي الشبيبة العصرية أبناء المستقبل "اللذين" كان يعلق عليهم الإسلام آماله, والإسلام يخيلهم على مستوى عرشه قائمين على أمره ونهيه, يمثلون ما كان عليه سلفهم الصالح, اللذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, فلم يشعر الإسلام إلا وأبنائه تعتبر أبوته ليست شرعية, وحقوقه عليهم ليست واجبة, وهكذا يقلب الله السمع والأبصار, ويكور الليل على النهار.

فليختر المسلم لنفسه ما شاء أن يختار, فالظروف والله حرجة, والعصور متحرجة وهذا العصر يصدق فيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر", فلا محالة يتوقع طرح ما في يده يوميا, وهذا حال القابض على دينه, وأما سواه فقد نفض كفيه من الجمر وترابه, وما يبلغنا عن الكثير من أبناء جنسنا من أبناء الملة في مختلف الأصقاع الآمر الذي يقضي باندهاش الشجاع في المستقبل الواقف موقف المدافع عن الدين الذي يريد من عمله ترميم ما انصدع من صروح الدين؟

كل هذا يدركه من تتبع نشريات الصحف السيارة من جهة ما يروج من أنباء عن أبناء العالم الإسلامي, اللذين كنا نراهم بلامس يفدون أحقر الحقير من مكملات الدين بكل نفس ونفيس, ولكن الله غالب على أمره حاكم لا معقب لحكمه يقول "من أحسن من الله قيلا" إلى قوله "ولو شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا". "

وها نحن نترك الاندهاش من جانبنا, ونقول لأبناء الإسلام الخالص ما دمنا نعتقد في الوجود مسلمين أن يختاروا لأنفسهم ولأبنائهم البقاء على دينهم ولو كان خرافيا -حسب قول البعض من المعاصرين- خيرا لهم من لا دين, وان يقدسوا خرافاتهم وما أجدرها بالتقديس كلما كانت لهم حائلا عن ذلك التيار العظيم والسيل العرم الذي إذا حل بساحة قوم لا يبقي ولا يذر, ولو بقية من صبغتهم الدينية وعوائدهم القومية, حسب ما يشهد به الواقع ويثبته العيان.

على أننا لا نرضى للمسلم أن يكون خرافيا, ولكن اختار لهم خير الشرين, فدين خرافي خير من لا دين وهنا نحن نختم هذا الفصل بما كنا قد وقفنا عليه في بعض الصحف الشرقية "إذا كان قصد بقية المسلمين من الرقي والتقدم والتمدن التماشي على روح الإسلام فهم إخواننا لنا ما لهم وعلينا ما عليهم, وان كان قصدهم التفرنج فنحن نفضل البقاء على عيشة البادية على هذا التمدن الذي يسلب الدين والإيمان والله الموفق لما فيه الخير والصواب .

المصدر: جريدة البلاغ الجزائري عدد (2). 1927.06.24.
منقول