التفسير المقارن
في بيان
معنى الجِبت والطاغوت
في الآية الكريمة
(( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلاً )) النساء: ٥١
معنى الجِبت والطاغوت
في الآية الكريمة
(( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلاً )) النساء: ٥١
الحمد لله وأزكى الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ..
وبعد .. فهذا بيان مختصر لاختلاف المفسرين واللغويين في معنى ( الجبت والطاغوت ) في القرآن الكريم ..
اختلف المفسرون وأهل اللغة في بيان معنى الجبت والطاغوت وجاء اختلافهم كما يلي:
قال ابن فارس في كتابه مقاييس اللغة: (جبت) الجيم والباء والتاء كلمةٌ واحدة. الجِبْت: السّاحر، ويقال الكاهن.1
وقال الجوهري في كتابه "الصحاح": "الجبت" كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. 2
وفي أصل كلمة الطاغوت قال ابن فارس: (طغى) الطاء والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح منقاس، وهو مجاوَزَة الحدِّ في العِصيان. يقال هو طاغٍ. وطَغَى السّيلُ، إذا جاء بماءٍ كثير. قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الماءُ} [الحاقة 11]، يريد والله أعلم خروجَه عن المقدار. وطَغَى البحر: هاجت أمواجُه. قال الخليل: "الطُّغْيان والطُّغْوان لغة. والفعل منه طَغَيْتُ وطَغَوت.‏ 3

أما المفسرون فقد ذكر ابن جُزَي الكلبي في تفسيره شيئاً من اختلاف المفسرين وتوسّعهم وبيّن أقوالهم كما يلي:
القول الأول: الجِبت هو حُيَي بن أخطَب، والطاغوت هو كعب بن الأشرف
القول الثاني: قال عمر بن الخطاب: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان
القول الثالث: الجبت: الكاهن ، والطاغوت: الساحر
القول الرابع: الجِبت والطاغوت هما كُلُّ ما عبد وأطيع من دون الله . 4
***********
أما العلامة أبو السعود فإنه فسّر الجبت والطاغوت بقوله:
والجبت: الأصنام وكلُّ ما عُبد من دون الله تعالى. وقيل الجبت الساحر بلغة الحبشة والطاغوت الشيطان قيل هو في الأصل كل ما يطغى الإنسان5.
ومن خلال كلام أبي السعود نراه قد أضاف معنى آخر وهو أن معنى الجبت هو الساحر وأن هذه اللفظة قد جاءت على اللغة الفاشية عند أهل الحبشة إذ يطلقون الجبت على الساحر.
************
أما الإمام ابن كثير فإنه بعد أن بيّن معنى الجبت والطاغوت شرع في نسبة الأقوال إلى أصحابها فقال:
أما "الجبت" فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "الجبت": السحر، و "الطاغوت": الشيطان.
وهكذا روي عن ابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والشعبي، والحسن، والضحاك، والسُّدِّي.
وعن ابن عباس، وأبي العالية، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والشعبي، والحسن، وعطية: "الجبت" الشيطان -زاد ابن عباس: بالحبشية. وعن ابن عباس أيضا: "الجبت": الشرك. وعنه: "الجبت": الأصنام.
وعن الشعبي: "الجبت": الكاهن. وعن ابن عباس: "الجبت": حيي بن أخطب. وعن مجاهد: "الجبت": كعب بن الأشرف.
وروى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت" وقال عوف: "العيافة": زجر الطير، و"الطرق": الخط، يخط في الأرض، و"الجبت" قال الحسن: إنه الشيطان.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا إسحاق بن الضيف، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله أنه سئل عن "الطواغيت" فقال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين. 6
*************
وفي بيان سبب نزول الآية قال صاحب تفسير البحر المحيط: أجمعوا أنَّها في اليهود. 7
وعليه فإن المفسرين اتفقوا على أن الآية نزلت في اليهود أما المعنى المراد من الجبت والطاغوت فقد اختلف فيه المفسرون كما تقدم.
وقد ذكر سببَ النزول كل من الطبري وابن كثير وأبي السعود وأبي حيان وهذه هي الرواية التي ذكروها:
روى أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة في سبعين راكبا من اليهود ليحالفوا قريشا على محاربة رسول الله وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه فقالوا أنتم أهل الكتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعو إبليس فيما فعلوا وقال أبو سفيان لكعب أنك أمرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا اهدى طريقا نحن أم محمد فقال ماذا يقول محمد قال يأمر بعباة الله وحده وينهى عن الشرك قال ومادينكم قالوا نحن ولاة البيت نسقى الحاج ونقرئ الضيف ونفك العانى وذكروا أفعالهم فقال أنتم أهدى سبيلا .
************



أما الإمام البغوي فقد قال في تفسيره للجبت والطاغوت ما يلي:
اختلفوا فيهما – أي الجبت والطاغوت - فقال عكرمة: هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله، وقال أبو عبيدة: هما كل معبود يُعبد من دون الله. قال الله تعالى "أن اعبدوا الله واجتنبوا الطَّاغُوتَ"( النحل -36 )، وقال عمر: الجِبْتُ: السحر، والطاغُوتُ: الشيطان. وهو قول الشعبي ومجاهد. وقيل: الجِبتُ: الأوثان، والطاغوت: شياطين الأوثان. ولكل صنمٍ شيطان، يُعبرِّ عنه، فيغترُّ به الناس. وقال محمد بن سيرين ومكحول: الجبتُ: الكاهن، والطاغوتُ: الساحر. وقال سعيد بن جبير وأبو العالية: الجبتُ: الساحر بلسان الحبشة، والطاغوتُ: الكاهن. ورُوي عن عكرمة: الجبتُ بلسان الحبشة: شيطان.
وقال الضحاك: الجبت: حُييُّ بن أخطب، والطاغوتُ: كعب بن الأشرف. دليله قوله تعالى: "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت"8.

************* ******* *************








خلاصة التقرير
إن كلمة الجبت والطاغوت في قول الله سبحانه:
((ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ءامنوا سبيلاً )) قد اختلف فيها اللغويون والمفسرون ، أما عند اللغويين فقد قال ابن فارس:
(جبت) الجيم والباء والتاء كلمةٌ واحدة. الجِبْت: السّاحر، ويقال الكاهن.9
وقال الجوهري في كتابه "الصحاح": "الجبت" كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. 10
وفي أصل كلمة الطاغوت قال ابن فارس: (طغى) الطاء والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح منقاس، وهو مجاوَزَة الحدِّ في العِصيان. يقال هو طاغٍ. وطَغَى السّيلُ، إذا جاء بماءٍ كثير.
أما المفسرون القول الأول: الجِبت هو حُيَي بن أخطَب، والطاغوت هو كعب بن الأشرف
القول الثاني: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان
القول الثالث: الجبت: الكاهن ، والطاغوت: الساحر
القول الرابع: الجِبت والطاغوت هما كل معبود يُعبد من دون الله.
القول الخامس: الجبت والطاغوت صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله.
القول السادس: الجبت: الساحر بلغة الحبشة.
والحمد لله على البدء والختام

الفهارس:
مقاييس اللغة 2 / 183
2 الصحاح 2 / 238
3 مقاييس اللغة 2 / 184
4 التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى [1 /262]
5 تفسير أبي السعود 2 / 188
6 تفسير ابن كثير / دار طيبة 2 /334
7 تفسير البحر المحيط ـ موافق للمطبوع( ادار الفكر ) [3 /221]
8 تفسير البغوي 2 /234
9 مقاييس اللغة 2 / 183
10 الصحاح 2 / 238