المختصر / زياد أبوغنيمة...
وأخيرا ، رضخ حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية العلمانية لإرادة غالبية الشعب التركي وأصدر بيانا تراجع فيه عن معارضته لدخول الطالبات المحجبات إلى المدارس والجامعات التركية معلنا بذلك هزيمته أمام الحجاب بعد 85 عاما من إقدام مؤسسه أتاتورك على حظر الحجاب في الخامس من أيلول من عام م1925 لتندلع منذ ذلك اليوم معركة بين الحجاب وبين العلمانية بدأت بنزع زوجة أتاتورك فاطمة هانم لحجابها ، وحقق أتاتورك ومن بعده خليفته عصمت إينينو نجاحا كاملا في القضاء على ظاهرة الحجاب الإسلامي في تركيا بين الفتيات طوال العقود الأربعة التي تلت صدور قانون حظر الحجاب ( 1925 ـ 1965 م ) ، فقد خلت شوارع هذه المدن ومدارسها وجامعاتها ومؤسساتها الرسمية والأهلية من أية متحجبة ، ولا أبالغ حين أقول إن"جامعة إسطنبول"كانت طوال فترة إقامتي في إسطنبول أثناء دراستي فيها ( 1958 ـ 1965 ) تخلو فعلا من أية مُحجَّـبة ، واستمرت رياح المعركة تهب في صالح حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي كان يؤجج أوار المعركة ضد الحجاب حتى بدايات السبعينيات عندما شهدت مهرجانات البروفيسور نجم الدين أربكان الإنتخابية في مدينة قونية عندما خاض الإنتخابات النيابية التي جرت في عام م1969 كمرشح مستقل أول ظهور ملفت للنظر للآلاف من المحجبات من نساء مدينة قونية ، وكان طبيعيا أن يستفزَّ هذا الإنتشار المتصاعد للحجاب الإسلامي أعصاب العلمانيين فأصدرت محكمة أمن الدولة العليا قراراً في عام 1971 م بحلًّ حزب النظام الوطني الذي أسسه أربكان بعد فوزه بتهمة انتهاك الدستور العلماني بوقوفه خلف ظاهرة إنتشار الحجاب ، وعندما أعاد تشكيل حزب جديد أطلق عليه إسم "حزب الرفاه"حصل الحزب علـى ( 185 ) مقعداً في الانتخابات النيابية التي جرت في شهر كانون الأول من عام 1996 ليصبح الحزب الأكبر في البرلمان التركي فتسلم أربكان في 8 ـ 6 ـ 1996 م تكليفاً خطياً من رئيس الجمهورية التركية سليمان ديميريل لتشكيل حكومة جديدة فشكـَّـل حكومة ائتلافية برئاسته وبشراكةْ مع حزب الطريق القويم بزعامة تانسو شيلر ليصبح أول رئيس حكومة في الجمهورية التركية العلمانية ترتدي زوجته الحجاب لتعود مسألة الحجاب الإسلامي لتفرض نفسها من جديد على الساحة السياسية والإجتماعية حيث تحرَّك جنرالات المؤسسة العسكرية التركية التي تعتبر نفسها حامية للعلمانية فوجهوا رسالة في 28 ـ 2 ـ 1997 م تحمل عباراتها التي صيغت بلهجة الإنذار والوعيد لرئيس الوزراء أربكان تطلب منه تنفيذ عدد من الإجراءات في مقدمتها منع الحجاب الإسلامي في المؤسَّـسات الرسمية والجامعات والمدارس ، ولكن أربكان ردَّ على إنذار جنرالات العلمانية من خلال تصريح للصحافة قال فيه إن العلمانية لا تعني قلة الدين ، وفي مواجهة عناد أربكان أصدرت المحكمة الدستورية تحت ضغوط العسكر حكماً بحل ( حزب الرفاه ) فقام عدد من أنصاره بتأسيس حزب جديد أطلقوا عليه إسم"حزب الفضيلة" ، وعادت مسألة الحجاب لتوتير الأجواء من جديد عندما تمكـَّـن الحزب في انتخابات عام 1997 م من إيصال نائبة شابة محجبة إلى المجلس الوطني الكبير ، وجُـنَّ جنون العلمانيين عندما دخلت النائبة مروة قاوقجي بحجابها إلى قاعة المجلس لتكون أول محجبة تطأ المجلس منذ عام 1925 م ، وقابلها النواب العلمانيون بالتطبيل على الطاولات والسباب والشتائم والتهديد والوعيد ، ومنعوها من أداء اليمين الدستورية ، وما زالوا يكيدون لها حتى أصدرت المحكمة الدستورية في 21 ـ 9 ـ 1999 م حكمها بتجريدها من جنسيتها التركية ، ولم يمض طويل وقت حتى أصدرت المحكمة الدستورية في 22 ـ 6 ـ 2001 م قرارها بحلًّ حزب الفضيلة ، وبعد حل الحزب تأسس حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيـًّـب أردوغان وعبد الله غول ، وحقق الحزب في الانتخابات النيابية التي جرت في 3 ـ 11 ـ 2002 م فوزا أذهل الساحة السياسية التركية والعالمية بحصوله على 365 مقعدا من أصل 550 وتمكـَّـن بأغلبيته المريحة من تشكيل حكومة بمفرده ليجد الحزب وحكومته نفسه في مواجهة مع رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزار المتشدًّد في علمانيته وفي عدائيته للحجاب لتدخل مسألة الحجاب منعطفا حادا استمرَّ طيلة رئاسة سيزار ( 16 ـ 5 ـ م2000 ــ 28 ـ 8 ـ 2007 م ) ، وبدأ الرئيس سيزار حربه على الحجاب الإسلامي باتخاذه قرارا يقضي باستثناء زوجات النواب والوزراء الأتراك الملتزمات بالحجاب الإسلامي من قوائم القصر الرسمية للدعوات للإحتفالات واللقاءات التي تقام في القصر ، وشهد عهد الرئيس سيزار تشدُّدا في تطبيق قانون منع ارتداء الحجاب في الجامعات والمعاهد والمدارس وفي المؤسَّـسات الحكومية والمؤسَّـسات العامة وفي المستشفيات ، وتجاوزت حملة الرئيس سيزار ضد الحجاب كل الحدود عندما طالب بطرد أي موظف في الحكومة التركية ترتدي زوجته أو بناته الحجاب الإسلامي بمن في ذلك الوزراء ، وعندما جرت انتخابات مبكرة في 22 ـ 7 ـ 2007 م خرج منها حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان فائزا بأغلبية مريحة مكـَّـنته من تشكيل حكومة بمفرده برئاسة أردوغان ، ومكـَّـنته من انتخاب عبد الله غول رئيسا للجمهورية لتنتهي معركة كسر العظم بين التحالف الثلاثي المؤسَّـسة العسكرية حامية العلمانية ورئيس الجمهورية العلماني المتشدًّد سيزار المنتهية ولايته وحزب الشعب الجمهوري وبين الحجاب الإسلامي نهاية لم يكن يتوقعها أكثر الإسلاميين تفاؤلا ، فقد انتهت المعركة بالضربة القاضية بخروج عدو الحجاب من القصر الجمهوري ليدخله الرئيس عبد الله غول في 28 ـ 8 ـ 2007 م وإلى جانبه زوجته المحجَّـبة ، وهكذا أصبح على رأس الدولة رئيس جمهورية زوجته محجـَّـبة ، ورئيس حكومة زوجته محجـَّـبة ، ورئيس مجلس نواب زوجته محجبة .
وها هي معركة الحجاب تقترب من نهايتها ، نصرا للحجاب وهزيمة للعلمانيين ، وما بيان حزب الشعب الجمهوري بتراجعه عن إصراره على منع المحجبات من دخول المدارس والجامعات إلا الصفحة قبل الأخيرة في قصة الحجاب في تركيا ، وأكاد أجزم أن هذا الحزب الذي أسسه أتاتورك العدو الأول للحجاب سيتراجع قريبا أمام ضغط غالبية الشعب التركي عن إصراره على منع توظيف المحجبات في دوائر الدولة ، بل سيتراجع عن إصراره على منع وصول نائبة محجبة إلى مجلس النواب ، والأيام بيننا .
المصدر: الدستور الأردنية....
اسألكم الدعاء.. فلعله آخر لقاء..
أخوكم : رامى بن أحمد الجمل..