بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إبطال ديدات عقيدة ألوهية المسيح من نصوص العهد الجديد

و قدكان دأب الشيخ في نقده لهذه العقيدة، هو إبطالها من خلال إبطال نصوص العهد الجديد التي يستدل بها على ألوهية المسيح، حيث اقتبس أهل كتاب العهد الجديد مجموعة من النصوص كحجج لإثبات ألوهية المسيح، و من ذلك : إطلاق الأناجيل على المسيح لفظ ابن الله/ المسيح من فوق و ليس من هذا العالم/ ما ورد أن المسيح و الآب واحد/ رؤية المسيح رؤية لله/ لأنه في الآب و الآب فيه/ خروج المسيح من عند الله/ إطلاق لفظ الإله و الرب على المسيح/ (التعميد) باسم الثلاثة/ ظهور المعجزات على يد المسيح .

و قد كان سبيل الشيخ ديدات في إبطال هذه العقيدة على ثلاثة أوجه :

1- إيراد الأدلة النقلية التي تنفى عقيدة ألوهية المسيح، و تفرق بين صفات الله و صفات المسيح عليه السلام :

و هي عديدة نذكر منها : أعمال الرسل (2 : 22)، إنجيل يوحنا: (13 : 18)، (17 : 3)، (19 : 10)، (12 : 49)، (14 : 28)، (20 : 17)، (30 : 31) ( 8: 40)، إنجيل مرقــس (13 : 32) . فرغم تنوع هذه النصوص، إلا أن أغلبها كان من إنجيل يوحنا، الذي يرى زعماء المسيحية أنه الإنجيل الذي صرح بألوهية المسيح.كما أورد الشيخ في كتابه ( هل المسيح هو الله ) مجموعة النصوص الصريحة، التي تثبت عدم مشاركة المسيح لله في صفات الإلوهية و الربوبية، إذ أن النصوص تثبت صفاتٍ للمسيح لا يمكن أن يتصف بها الإله، يقول الشيخ :" أن القول بيسوع هو المسيح ليس فقط استهزاء بالإلهية و لكنه أيضا من أحط مراتب الكفر و سب للذكاء الإنساني !" ، و عن كيفية إيراد العناوين يقول :" أشرنا في رؤوس العناوين و تمت الرؤوس إلى يسوع بلفظ الجلالة موضوعا بين قوسين هكذا (المسيح) لكي تظهر سخافة ادعاء بأن يسوع هو الله!". ومن هذه العناوين :
- ميلاد ( الله ) استخرجه من النصوص : ( الرسالة أهل رومية 1 :3 )، (أعمال الرسل 2 :30 ) ، ( متى1 :1 ) ( لوقا 2 :21 )، ( رؤيا يوحنا 12 : 2 )، ( لوقا 11 :27)، ( متى 2: 1 )، (متى13 :55 )، (يوحنا 12 :14) (متى 11 :19)، (لوقا 7 :34 )...
-عائلة (الله ): ( يوحنا 1 : 45)، (متى 13 :54 – 56 )...
-نشأة (الله ):(لوقا 2 :52 ) ، (لوقا 2 :41 - 42)، (يوحنا 5 :30 )، (مرقس 13 – 32 ) ، (مرقس 11 :12 – 13 ) ، (يوحنا 7 : 14 – 15 )...
-(الله) الذي ليس مثل الإله: (يوحنا 19 : 28) ، (مرقس 4: 38)، (لوقا 92 :20) ...
(الله ) الهارب:(يوحنا 7 :11) ، ( يوحنا 10 : 39 ) ، (يوحنا 8: 59 )...
- نهاية ( الله) المفترضة(مرقس 15 : 37)، (يوحنا 19 :33)، (متى27 :59)... ثم يبين الشيخ نتيجة النصوص قائلا: "... و لكن طبقا للاقتباسات المستخرجة من الكتاب المقدس، و التي سقناها فإننا نجد أن عيسى لم يشارك طبيعة المسيح، و لا هو من كل جهة مثل المسيح لذلك فإنه قطعا ليس هو الله..." ومنه اتضح الفرق بين طبيعة الإله وطبيعة المسيح عليه السلام وصفاته، و بهذا يكون الشيخ قد أبطل ألوهية المسيح عليه السلام بالأدلة النقلية من العهد الجديد.


2- بيان عدم صحة تأويل النصوص التي بنيت عليها عقيدة ألوهية المسيح:

و أما رده على تأويل النصوص و إبطال الاستدلال بها على عقيدة ألوهية المسيح، فكان تركيزه على نصوص هي :
- إبطال تأويل ما ورد بإنجيل يوحنا : (في البدء كان الكلمة و الكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله) (يوحنا 1: 1):
و هو من أهم النصوص التي يلجا لها النصارى للتدليل على مساواة المسيح بالله و إننا نلمح ذلك جليا في كلام القس ستانلي شوبيرج مناظر الشيخ أحمد ديدات، و هو يوضح ما يعنيه الإنجيل عندما يقول أن المسيح مساو لله ويستشهد قائلا : " و ها هو إنجيل يوحنا يخبرنا (في البدء كان الكلمة...) فلقد كان الابن مع الله، كل شيء خلق بقدرته و بدونه لم يكن شيء مما خلق ليخلق و الكلمة صار جسدا... ذلكم هو يسوع المسيح الابن الوحيد المولود لله ".

و لنتأمل رد الشيخ ديدات على هذا الدليل إذ يقول :"... فماذا يقول يوحنا في بداية إصحاحاته؟ هل يقول على لسان عيسى :( أنا اله ) أو (عبدوني)؟ كلا إنه يقول (في البدء كان الكلمة، و الكلمة كان عند الله و كان الكلمة الله)، فما قصة هذه العبارة ؟ من أول من تفوه بها؟ إن أدل من قالها هو (فيلون اليهودي )، الذي كان أول من صاغ هذه العبارة ( في البدء ... ) و تلك العبارة هي التي استفتح يوحنا إنجيله بها ".

فبادي ذي بدء بين الشيخ أن العبارة ليست من كلمات عيسى عليه السلام، بل هي من كلام فيلون اليهودي حيث اقتبسها يوحنا و صدر بها إنجيله. ثم يواصل الشيخ ديدات نقده مع التسليم بالعبارة السابقة قائلا: " إن الكلمة اليونانية التي تعني ألوهية ( هوتيوس Hotheos)، و لكن عندما يكون الإله لا يستحق أن يعبد فاليونانيون يستخدمون لفظة ( توثيوس Tontheos) و عندما ترجم إنجيل يوحنا من اليونانية القديمة إلى الإنجليزية في أول عبارة، قام المترجمون باستخدام الحرف الكبير عند ترجمتهم عبارة ( و كان الكلمة الله)، في حين أن الكلمة في الأصل اليوناني هي : (Tontheos) وليست (Hotheos)، و كان من الضروري والملزم أن تكتب الكلمة التي تدل على لفظ الجلالة god و ليس God كما فعل ذلك المترجمون دون أي وجه حق ". فالشيخ هنا ميز بين الإله المعبود بحق و الإله غير الجدير بالعبادة كما بين أن كلمة المسيح الواردة في النص قد وردت في الكتب اليونانية بـ (Tontheos) أي الإله الذي لا يستحق العبادة . و منه فإن اللفظة هنا لا تدل على المسيح؛ المعنى الذي ينسبه المسيحيون للمسيح عليه السلام و في هذا يقول الشيخ في ذلك" أن هذا ما تريدون اعتقاده للناس و تريدونه لأنفسكم أيضا أن هذه ليست ترجمة دقيقة للمعنى المراد".

فالشيخ قد بين من النصوص الصريحة للإنجيل معنى كلمة (الله) الواردة في بداية إنجيل يوحنا و بين أثر التلاعب في ترجمة الأصول، و تأويل معناها حتى تخدم المعتقد المراد .

- إبطال تأويل ما ورد بإنجيل يوحنا ( الإصحاح الثامن) : ( الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن ) (يوحنا 8 : 58)
يفسر القس ستانلي النص قائلا: " إن هذا لمثير للاهتمام أن الإنجيل يخبرنا أن يسوع مساو لله لقد قرر يسوع أن يصبح إنسانا ". فالقس يستشهد بالنص على وجود عيسى غير الإنساني حيث كان قبل وجود إبراهيم ـ عليه السلام ـ و هذا الوجود بسبب مساواته لله و يشرح الشيخ ديدات صفة هذا الوجود قائلا: " و هو ذلك يقول لهم أن المسيح الذي خلق إبراهيم و خلق كل الخلق قد أوجد المسيح قبل أن يولد في عالم الجنس شأنه شأن كل مخلوقاته ..."
و بيَّن الشيخ أن الفهم الخاطئ هو من سوء فهم اليهود للمسيح عليه السلام :" و إذا كان الإنجيل يعيب على اليهود سوء فهمهم الذي أودى بهم إلى الخلط بين وجود المسيح كمشيئة الله، و بين الوجود الحسي، فمن المستحيل أن يكون حملة الإنجيل اليوم لهم نفس إدراك يهود الأمس و فهمهم لكلمات المسيح عندما يفترضون جدلا أن وجود المسيح الجسمي كان سابقا للوجود الفعلي لإبراهيم، لكي يصلوا في النهاية إلى أن عيسى إله، و ينسبوا إليه الألوهية "، فالشيخ هنا يبين طبيعة الوجود، و أنه وجود مشيئة لا وجود حسي جسماني، و يوضح أن التصور بأن عيسى نفسه جسما وروحا كان موحدا مع الله، قبل بدء الخلق ثم ظهر في بدء العام الأول للتاريخ الميلادي تصور غير منطقي .

- إبطال تأويل قوله (أنا و الآب واحد) في إنجيل يوحنا الإصحاح العاشر:
و لطالما ألحَّ الشيخ في سؤاله " أين ادعى عيسى أنه إله !؟ "، و قد كان ذلك أيضا في محاورة له حول (ألوهية المسيح)، إذ وجَّه السؤال للدكتور موريس ( و هو رجل إنجليزي من كندا، وخادم للكنيسة البروتستانتية، و هو حاصل على درجة الدكتوراه في اللاهوت المسيحي)، فأجاب موريس قائلا: "( أنا و أبي شخص واحد )" لكي يبرهن أن المسيح و عيسى واحد؛ نفس الشخص". يقول الشيخ ديدات معلقا عن هذه الإجابة :" و عيسى هنا في نظره - يدعى الألوهية لنفسه- و كان هذا النص الذي اقتبسه معروفا جيدا لدي، و لكنه كان مقتبسا من سياق معين، و لم يكن يحتمل بأي حال المعنى الذي كان يقصده الدكتور، و لذلك سألته و ما السياق ؟ " ، و لقد طرح الشيخ هذا السؤال على رجال كبار من حملة الدكتوراه في اللاهوت المسيحي، حيث سألهم عن السياق و عن المعنى المقصود بهذه العبارات. ثم يوضح الشيخ السياق الذي يدل بوضوح على معنى قوله ( أنا و الآب واحد)، و هو: "أنا و الآب غرضنا و هدفنا واحد، و هو هداية البشر إلى المعتقدات السليمة نحو الله، و ليس معناه الإتحاد و الاندماج بالله و مشاركته في وحدانيته، و لا يدل على مشاركته في علمه اللانهائي، و هو يعني الوحدة في القصد ". و أتبع الشيخ توضيحه هذا بنص آخر ليوحنا يبين معنى التوحيد في القصد هو (ليكون الجميع واحد كما إنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحد فينا.." (يوحنا 17: 20 -22 )، و من هذا النص يفهم أن ليس عيسى وحده الذي خص بهذا التوحد، فلماذا خص بالتأليه دون سائر المؤمنين. و هكذا أقر الشيخ التأويل الخاطئ للنص قائلا :" أين و متى تنتهي المغالطات المسيحية ؟ إن تعبير (أنا و الأب واحد) كان بريئا كل البراءة، و لا يعني أكثر من الاتفاق في غرض ما مع مشيئة الله ".
-: