بسم الله الرحمن الرحيم

(3-3)
تاريخ شعب الجزيرة بين
جغرافية التوراة اليهودية و" كتبة التاريخ الجدد

أما زعم كتبة التاريخ الجدد أن أسماءً ترد في أسفار اليهود ليس لها وجود في فلسطين فهذا له عوامل تاريخية و ثقافية وسياسية ودينية وقومية...
ومنها إن تغير العقيدة الدينية لمجتمع ما في منطقة ما أو استيطان أقوام آخرين فيها – يؤدي بالضرورة لتغيير كثير من الأمور في حياتهم وفي محيطهم حتى على مستوى أسمائهم الشخصية ومثل هذا لا يحتاج إلى أن نستشهد عليه بأمثلة من التاريخ و"كتبة التاريخ الجدد " هؤلاء يعلمون ذلك جيداً ، لاسيما والمنطقة التي نتحدث عنها هي بلاد الشام و فلسطين التي مازالت منذ أكثر من 5000 عام مضت إلى هذه اليوم منطقة وساحة صراع _ واختلاط - ديني ومذهبي واثني وثقافي وحضاري...
أضف إلى ذلك... ما هو من المعلوم عن سبي لليهود الإسرائيليين من فلسطين أكثر من مرة واستيطان أقوام آخرين مناقضين لهم دينيا ًولغوياً للمناطق التي سكنوا فيها ولا بد أحدثوا تبديلا ً وتغييراً للكثير من أسماء الأماكن والمدن والقرى وأبار المياه بأسماء أخرى جديدة......
أما زعم"كتبة التاريخ الجدد "أن هناك أسماءً في التوراة موجودة في اليمن فذلك من توهماتهم ونحن نعلم جيدا ًكيف يختلقون هذا التشابه والتقارب...
مع أن هذا الأمر (تشابه الأسماء) إن وجد فليس دليلاً على ما يدعون بل هو طبيعي كما قد بينا وقد قال أسامة أبو نجل ((أن الكنعانيين والإسرائيليين لمَّا هجروا موطنهم الأول في غرب شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين، حملوا معهم أسماء مدنهم كنوعٍ من احتفاظ المهاجر الجديد بما يربطه بموطنه الأصلي))[1]
ولكن .......!
مثل هذا التشابه وأكثر منه وأوضح بكثير- الأسماء المذكورة في النقوش الأثرية المسمارية والهيروغليفية وغيرها التي يمكن الربط بينها وبين الجزيرة العربية و شعب الجزيرة وتاريخهم- مما لا علاقة له ببني إسرائيل واليهودية بل بتاريخ تلك الممالك العربية التي قامت في محيط الجزيرة... هذا أمر طبيعي لأن تلك المصادر القديمة(النقوش الأثرية و الأسفار اليهودية...) تذكر أسماء مناطق سميت بأسماء المناطق الأصلية التي كان فيها الآباء والأجداد الأوائل.. أو بألقاب البيوتات (العائلات) أو العشائر الآرامية (********* التي هاجرت كلها (العشيرة أوالعائلة) أو جزء منها في الماضي إلى تلك المناطق ....،ونذكر على سبيل المثال:
(بيت قادش) و(بيت شمس) في الشام وأسماء مناطق في العراق القديم تذكرها النقوش المسمارية مثل(بيت بهياني) و(بيت اغوشي)و(بيت أديني)و(بيت اكيتو)[2] ... هذه الأسماء واضح جدا أن لها علاقة بالجزيرة العربية وشعبها[لا بالشعوب الهندواوربية والقبائل المجهولة الهوية] ومن ذلك أيضا منطقة جبل أو جبال عاملة أو عامل في جنوب لبنان وقد سمي في فترة بلاد بشارة... والأصل كما هو معروف أن أهل تلك المنطقة منحدرون من نسل عاملة بن سبأ بن يشجب [3] والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى.
أما قولهم أن التنقيبات الأثرية في فلسطين وما حولها لم تأت بما يدل على أنه كان هناك وجود لمملكة أو شعب إسرائيل في تلك الحقبة الزمنية في تلك الأرض.....
فأقول:لا داعي لوصف"كتبة التاريخ الجدد"بالأغبياء لأنهم صدقوا ما يدعيه الصهاينة من عدم العثور على أدلة أثرية تثبت أن فلسطين قامت عليها في الماضي مملكة حكمها النبيان داوود وسليمان عليهما السلام وغيرهما...
إن كثيرا ًمن العرب والمسلمين يظنون أن الصهاينة حريصون على أن يجدوا أثاراً تدل على أن بني إسرائيل كانوا في فلسطين لكي يثبتوا للناس حقهم التاريخي في الأرض ولكن الأمر بخلاف ذلك...
إن الصهاينة يهمهم إخفاء وطمس كل اثر للأنبياء والرسل و قد نخلوا ارض فلسطين نخلاً و إن كل ما عثروا عليه من نقوش ومخطوطات لن يظهروا منها إلا ما كان في مستوى تلك اللقى من بعض مما يسمونها بـ(لفائف البحر الميت)[ أسفار توراتية قديمة] وما شابهها وحتى هذه لا يفصحون إلا عما يريدون منها فقط،أما النقوش والألواح والمخطوطات ذات الأهمية– وعلى سبيل المثال[نسخ للتوراة أو الإنجيل الحقيقيين وأثار ملك سليمان التي أشار إليها القران] وما شابه ذلك- فلن يظهروها لأن الصهيونية حريصة على إبقاء التاريخ في عقول اليهود والمسيحيين كما هو مكتوب في ما يسمونه {الكتاب المقدس}،ولأن ترك المعلومات الأثرية مباحة للجميع يعني فضح أكاذيب اليهود وتلفيقاتهم وتلفيقات آخرين غير اليهود وغير الصهاينة... ثم من قال أن الصهاينة بحاجة لأدلة أثرية لإثبات أن لليهود حق تاريخي في الأرض؟ ولمن سيقدمون هذه الأدلة؟ لنا نحن العرب والمسلمين؟! أصلاً كتاب التاريخ العربي تشهد بأن بني اسرائيل كانوا في تلك الأرض فهل أنكرنا ذلك في الماضي حتى ننكره اليوم...أم لليهود أم للمسيحيين وهم في قبضة الصهيونية والامبريالية؟! أم للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الدولية ؟! التي تعترف لهم ليس بحق في الأرض فحسب بل يرون أن من حقهم سفك دم العرب وقتل أطفالهم وتشريدهم عن بيوتهم وما هو أسوء من ذلك....
دولة الكيان الصهيوني ومن ورائها الغرب الذي أنشأها لأهداف استراتيجية هم يملكون دليلا ًواحداً على أن لليهود حق في الأرض وهذا الدليل هو القوة....والقوة فقط ونحن ليس لنا قوة لاستردادها مادام بيننا أمثال هؤلاء الذين يفتعلون أسباب الخلاف والفرقة بيننا لتحقيق أغراض سياسية ضيقة والداعمين لهم.....
مخادع أو مخدوع كل من يتحدث عن قضية فلسطين مرتكناً في حديثه على" خزعبلة الحق التاريخي" والجدل العقيم الذي لن يقدم ولن يؤخر ..إن الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود لا حدود من لم يقتنع بعد من العرب و المسلمين إلى اليوم بهذه الحقيقة فهو يخادع نفسه.... دعونا يا"كتبة التاريخ الجدد" من التفكير في كيفيةٍ لإزالة دولة الصهاينة أو هزيمة إسرائيل بدون حرب سِيروا على آثار ميشع
فالمجد للسيف ليس المجد للقلم ِ
فالسيف أصدق إنباءً من الكتب ِ
وما هي إلا كما قال بن قيس الرقيات:
كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة ٌ شعواء ُ
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي عن براها العقيلة العذراءُ
أنا عنكم"خدام صهيون" مزور و أنتم في نفسي الأعداءُ
فدعونا يا "كتبة التاريخ الجدد"من نفاقكم المقرف....!
* * * *
المصيبة أن الذين يتحدثون في قضية فلسطين اليوم بناء على خزعبلة الحق التاريخي ويظهرون أن هذا في صالح القضية العربية ولهم فيما يكتبونه أهداف أخرى مناقضة لما يبدو أنه نفي حق تاريخ للصهاينة في فلسطين وأنها عربية 100% [مع أنها أرض وقف إسلامي وليست خاصة بالعرب فقط]....هؤلاء أنفسهم بينما ينفون أي حق لليهود في أرض المسلمين والعرب:أرض فلسطين..... فإنهم بكل حماس يشهدون- قبل أن يدعي اليهود أنفسهم- أن لهم حق في ارض عربية– ليس في أطرافها بل في جوف الجزيرة العربية: الأرض الممتدة من المدينة المنورة مكة المكرمة إلى صنعاء إلى ظفار عمان..

هي أرض تفيض عسلاً ولبناً لـ "جلجامش" لو صدقتم وليس لبني اسرائيل يا مزوري التاريخ !

وأعود إلى صلب الموضوع وأقول:
إننا حين نتحدث عن بني اسرائيل لا نعني دولة الكيان الصهيوني الحالي ولا جمع اللفيف المستوطن المحتل لأرض فلسطين اليوم بل نعني ما عناه القرآن وأشارت إليه الأحاديث النبوية والروايات التاريخية العربية فقط ...
فإذا كان الصهاينة لم ولن يـُظهروا أي شيء من الكم الهائل من الأثار التي يعثرون عليها كل يوم في فلسطين وما حولها خاصة تلك التي تثبت أنها ارض عاش فيها ومر منها العشرات من أنبياء الله ورسله وإنها كانت مقر(مملكة إسلامية) قوية– خصوصا في عهد داوود عليه السلام وفي عهد النبي سليمان عليه السلام أعظم ملك في تاريخ البشرية..أقول
إن كانوا لم ولن يظهروا من تلك الآثار شيء ...
فهناك أدلة أثرية عثر عليها بالصدفة أو قل أفلتت من أيادي الصهاينة الممتدة كالإخطبوط إلى خارج فلسطين والشام بمسافات بعيدة....ومن تلك الآثار التي تؤكد أن بني اسرائيل كانوا في فلسطين إضافة إلى النقش الفرعوني الذي يذكر اسم[إسرائيل] يوجد أيضاً ما هو أقدم منه وأوضح ، هذا الدليل الأثري هو نقش حجرة أو مسلة الملك "ميشع"[4 ] ملك مملكة مؤاب التي قامت في وسط الأردن وقد عثر على النقش فيها- وليس في اليمن ولا داخل الجزيرة ..
ومملكة مؤاب هذه كانت مجاورة لمملكة إسرائيل في ذلك الزمان حيث يخلد الملك العربي ميشع في هذا النقش انتصاره التاريخي على مملكة إسرائيل وأنه افتتح مدينة إسرائيلية وقام بذبح كل من فيها وقد تكلم ميشع في بداية النقش عن اضطهاد ملوك اسرائيل للمؤابيين وأن ذلك ما دفعه للتحرر منهم ومحاربتهم.....
زمن هذا النقش يعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد وهناك نسخة منه محفوظة في متحف اللوفر بباريس ونسخة أخرى في متحف الكرك بالأردن....ومن الطريف أن المملكة المؤابية هذه كان اسم عاصمتها (ذيبان) وهذا الاسم معروف جداً في اليمن فذيبان جزء أو فخذ من قبيلة أرحب البكيلية الهمدانية السبئية العربية.
وهذا ما يؤكد ما ذكرناه سالفاً من أن عرب الجزيرة الذين خرجوا من موطنهم الأول في موجات متتالية عديدة كانوا يطلقون على المناطق التي يستوطنونها والمدائن التي يبنونها أسماء القبائل أو البطون أو العشائر التي جاءوا منها.
وهنا أجد من الضروري التعليق على هذا النقش الأثري المهم والنادر: فمن ناحية نجد أن هذا الحدث الذي يحكيه نقش ميشع يرد في سفر الملوك الثاني[الأصحاح الثالث:4- 25]حيث يذكر اسم الملك ميشع ملك مؤاب أنه تمرد على يهورام [بن أخاب بن عمري] ملك اسرائيل أمتنع عن دفع الإتاوة أو الجزية من المواشي إليه وما عناه ميشع في النقش بالاضطهاد .. ولكن كتبة الأسفار اليهودية صوروا الحدث بعكس ما يحكيه النقش إذ تحكي أن ملك مؤاب أنهزم وأنه استبيحت مدن مؤاب لجيش ملك يهوذا وملك اسرائيل وملك أدوم الذين تحالفوا ضده وهم الذين عناهم ميشع بقوله[في السطر الرابع من النقش] "لأن كموش[معبود مؤاب] أعانني على قهر كل الملوك, و لأنه أشمتني بكل أعدائي المبغضين "
وواضح تماماً أن هذا النقش قد حمل الحقيقة التاريخية لهذا الحدث فلو كان الأمر كما تذكر أسفار اليهود ما بقي لهذا النقش وجود فهو عبارة عن شبه مسلة وهذا ما يثبت كذب أسفار اليهود وأنها ليس هي التوراة الحقيقية كما يسمونها بل إن هذه الأسفار يمكن أن نصفها بكتاب تاريخ ألفه اليهود كما يهوون و رووا فيه الأحداث كما يشاؤون.. في حين يتم تصويره لعامة اليهود والمسيحيين في العالم على أنه كلام الرب الذي لا يكذب ....
فمن هنا ندرك السبب الحقيقي الذي يدفع الصهيونية للحرص الشديد على إخفاء وسرقة كل الآثار التي تحكي عن تاريخهم ولو من بعيد ليس في فلسطين والشام فحسب بل على طول وعرض المنطقة العربية والحبشة وما حولها لأن ما سيتم كشفه من تلك الآثار سيخبر العالم بأمور كثيرة تتناقض مع ما تحكيه أسفارهم وتؤكد ما يرد ذكره في القرآن الكريم ولهذا اختفت من اليمن وغيرها نقوش الملكة السبئية بلقيس لأنها ارتبطت بسيرة وتاريخ سليمان(ع) الذي هو وآل داوود جميعاً مكروهين لدى اليهود..

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن هذا النقش عثر عليه قبل أكثر من 120عام من الآن بمعنى أنه موجود ومترجم وفي متناول أي باحث في التاريخ وعلى رأسهم "كتبة التاريخ الجدد" فلماذا تجاهلوا هذا النقش ولماذا لا نجدهم تحدثوا عنه في كتبهم و مقالاتهم ومواضيعهم التي ملئت المكاتب والأزقة والأكشاك وشبكة الانترنت والصحف....
ألا يدعون أنهم يريدون لقى أثرية...! فها قد وجودوها هذا نقش ميشع لقية أثرية أفلتت من الأيادي الأخطبوطية الصهيونية فصارت في متناول العاجز في متحف الكرنك بالأردن...! فمالهم لا ينظرون إليها ولما لم يخبروا الناس في كتبهم بوجودها؟
في الحقيقة هم لا يهمهم هذه المواضيع لا يهم إثبات شيء ما أو نفيه بل لهم هدف ما يسعون إليه فما اعترضهم في سبيله تجاهلوه لكن ما دمنا قد ذكـَّرناهم بهذا النقش الذي يتناسونه.. ولفتنا أنظار الناس إليه..فإذن لا نستبعد بعد تاريخ هذا المقال أن تظهر كتابات لهم تتحدث عن النقش كي لا يقال أنهم مضللون ولكنهم سيتحدثون عنه بحسب الخريطة التاريخية التي يريدونها أي أننا سنجدهم قد جعلوا مملكة مؤاب أيضاً في اليمن مثلا ً في بيت بوس أو حزيز أو ربما حتى في داخل غرقة القليس أيضاً لكن سبق أن وضعوا فيها الهيكل فلعلهم سيضعون مؤاب هذه في"شارع المطيط"على مبعدة ٍأقل نصف كيلو متر من "الهيكل" غرقة القليس...أقول ذلك فقط سخرية من منطقهم الداعي للسخرية.
لكن إذا كانوا أذكياء فسيحددون موقع مؤاب في شمال أو وسط الجزيرة العربية وعليهم أن يقولوا أنها كانت جنباً إلى جنب هي والفراعنة وبني اسرائيل......
لا نستبعد منهم ذلك إطلاقاً فقد فعلوها من قبل إذ صرفوا ما تذكره النقوش الأثرية المصرية من أسماء أماكن قام بالغزو إليها شيشنق- من بلاد الشام وجعلوها داخل الجزيرة العربية واليمن بالذات... واعتبروا أن الملك شيشنق الحميري الأمازيغي الليبي المصري الذي حكم مصر وليبيا في عهد بلقيس قد غزا إلى مناطق في عمق الجزيرة العربية واليمن [أنظر(جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة( تأليف/أحمد عيد]
هذا فعلاَ ما فعلوه ولأنهم كذلك فقد صنعوا ما شاءوا- و قالوا تشابهت الأسماء...
وقولهم هذا- لكثرة ما تردده ألسنتهم- قد يشعرنا أحيانا ًأن تشابه اسمين أو أكثر عندهم يعني أنهما لابد لشيء واحد فيمكن على منطقهم هذا أن يكون عبد الحليم حافظ هو نفسه عبد الحليم خدام...

لكن الواقع هو انعدام التشابه في الأصل إنما التشابه مفتعل وهو يتولد بفضل عملية الطرق والسحب والماكياج التي يجرونها على الكلمة الواحدة لتخرج بعد ذلك موافقة لما يريدون...!
ولا عتب على مثل هؤلاء فهم باحثون....عن لقمة العيش من بيع الكتب لا باحثين في التاريخ عن الحقائق ..
لا لوم عليهم لأنه ربما أن الواحد منهم ليس إلا عبداً مأمور أو عاملاً مأجوراً... فهم في أحسن حالاتهم موظفون عملهم يقتصر على ترقيع جغرافية وخياطة تاريخ وسباكة اللغة وغسل عقول المراهقين للخروج بشيء ما..يوافق مطالب وأهداف الصهيونية والماسونية..
هذا بالتعاون طبعاً مع قيادات قومية قطرية لأحزاب سياسية قد انمحت ملامح وجوهها لكثرة ما وطأتها نعال سنين الدهر جيئة وذهوبا...فما لنا نلوم أناساً أمرهم في يد غيرهم..!
فإن لم يكن هذا حالهم...فمركب النقص مرض نفسي يدفع الإنسان ليفكر ويتصرف تصرفات بعيدة عن المنطق والأخلاق فيدعي ما ليس له و ينكر ما هو لغيره....
والإنسان المريض أولى الناس بالمعذرة كما قال المتنبي رحمه الله ..!
وعلى كل حال فإنه مع كثرة الأدلة الأثرية وغير الأثرية يصر"كتبة التاريخ الجدد"هؤلاء على سخافاتهم ويربطون أسماء توراتية قديمة بمناطق في اليمن والجزيرة حتى وإن كانت أسماء حديثة لا يتعدى عمرها مائة عام أو أقل، وذلك بعد أن يجروا على الكلمة عملية(طرق وسحب وشد ومــد..)كي تصبح مشابهة لما يريدون إذ يعتمدون أساساً على ظاهرة الإبدال والقلب الحرفي بشكل مفرط ويبالغون في ذلك ويكثرون الكلام إلى درجة تنسينا الأسماء الواردة في أسفار اليهود وكتب النصارى الكثيرة الواضحة التي تؤكد أن بني إسرائيل و مملكتهم الغابرة (وليس دولة اليهود الصهاينة الحالية)- لم يكونوا ولم تكن إلا في الشام وكانوا من قبل في مصر... ومن تلك الأسماء على سبيل المثال:دمشق ـ لبنان– مصر– صور-الفلسطينيين–رعمسيس- بير السبع– صيدا– الناصرة– الأردن– مؤاب– سيناء– وبابل...... آشور- أور الكلدانيين...الخ
كثيرة لا مجال لسردها والجميع يعرفها، ثم لا حاجة لنا في مثل هذا الأسماء التي ذكرت للقلب أو الإبدال لخلق التشابه واستيحاء التطابق بهدف شقلبة التاريخ برمته رأسا ًعلى عقب... فالتطابق هنا واضح...
فلماذا لا يتكلمون عن هذا التطابق الوافر قبل الحديث عن التشابه النادر؟؟!!
من المؤكد أن هناك توجهاً إعلامياً مركزاً ومخططاً ومقصوداً ويحظى بالتشجيع- لفصل الجزيرة العربية (الموطن الأول للحضارة) وتاريخ شعبها العظيم- عن الحضارات الفرعية المحيطة والممالك التي أقاموها من حولهم في المنطقة العربية – وفي المقابل ربط شعب الجزيرة ومنطقة البيت الحرام والمدينة واليمن خاصة ًوالجزيرة عموما وتاريخها فقط باليهود والأسفار اليهودية والفراعنة وبني اسرائيل ومملكتهم الغابرة دون غيرهم إلا بحسب الحاجة....
وكم يعجب المرء من هؤلاء إذ يشتغلون على هذه النغمة منذ سنوات حتى يخيل لنا أن نقوش المسند مليئة بأسماء إسرائيلية وأخبار يهودية[ 5] !
والغريب أيضا أنهم لا يرون لما يتوهمونه أو يختلقونه من ألفاظ توراتية– أيةَ علاقة بأي منطقة في العالم إلا اليمن والجزيرة ، كما لا يجدون علاقة لشعب الجزيرة وتاريخه إلا ببني إسرائيل واليهود وأسفارهم المحرفة... وإلا بالحملات التأديبية التي كان يشنها من يعتبرونهم ملوك تلك المناطق في الرافدين والشام ومصر على شعب الجزيرة العربية الذين يصفونهم بالبدو اللصوص وقطاع الطرق و الشواذ المنبوذين من المجتمعات الحضارية هؤلاء الذين كما أوشك أن يقولها بصريح العبارة فراس السواح أنهم أسلاف شعب الجزيرة اليوم .[أرام دمشق وإسرائيل بداية الفصل الأول]
أما البعض الآخر منهم فصاروا ينشرون كتابات تبحث فيما إذا كان أهل اليمن والخليج عرباً[من الجنس الأبيض] أم إنهم من (الجنس الأسمر) كما ابتدع احدهم [ 6]
والمشكلة أن رسائلهم الإعلامية المكثفة هذه موجهة في الغالب لنا نحن المسلمين بالدرجة الأولى كأن المقصود هو إقناع المسلمين بهذه الفكرة المتضمنة بالتأكيد أن المسجد الأقصى في منطقة أخرى وليس هو الذي يحوم الصهاينة اليوم لهدمه(وسيفعلون ذلك بمجرد أن تشيع وتنضج الفكرة الجديدة في عقول المسلمين لغرض تخفيف ردة فعلهم عند مباشرة الهدم... فاغلب العرب حينها سيكونون منشغلين بالبحث عن الأقصى في عسير وما حولها أو في حضرموت أو داخل غرقة القليس أو في قصر الكدم في مدينة صنعاء القديمة أو ربما في قدس أو الجحملية بتعز ....).
أم يا ترى ما الذي يتوهم هؤلاء؟
هل يتوقعون أنهم إذا اقنعوا العرب والمسلمين والعالم بفكرتهم هذه- فسيبادر العدو الصهيوني بالانسحاب من أرض فلسطين ثم يقدم لنا اعتذاراً رسميا ًعلى احتلاله وسفكه لدمائنا وهتكه لأعراضنا طيلة سبعين عاماًُ ... لأن ما حصل كان نتيجة تشابه أسماء و أخطاء مطبعية..
بالطبع ليس هذا ما يتوقعه"كتبة التاريخ الجدد" بل ولا حتى قضية فلسطين تهمهم بالمرة..!
إنما القضية على الأرجح كما أشرت تتعلق بالمسجد الأقصى من جهة، وبتاريخ شعب الجزيرة العربية من جهة أخرى.
أما بالنسبة لتاريخ شعب الجزيرة....
فالأرجح أن هؤلاء القوم(؟) يحاولون لشيء قد نعلم جيداً ما هو وربما الدواعي اليوم تتوافر لإثارته.... لا سيما وقد صار الأمر يمس عقيدتنا نحن المسلمين وهويتنا نحن عرب الجزيرة بالذات ،

لكن للأسف الشديد أن المختصين والأكاديميين اليمنيين خاصة ومن أبناء شعب الجزيرة وحكوماتهم أغلبهم مازالوا في غفلة عن ماضيهم وعلاقته الحيوية المباشرة بحاضرهم ومستقبلهم.. برغم أن هذه القضية إذا تركت هكذا بلا رادع من أهل الاختصاص ومن المسئولين في الجهات الحكومية ذات العلاقة في دول الجزيرة بالذات فالأمر لن يطول حتى تؤثر هذا المسألة على الأوضاع السياسية فعلاً ...
والكلام هنا محسوب عليا وأنا المسئول عنه فهذه التلفيقات الصهيونية من كتبة التاريخ الجدد وإمعاتهم ستكون سبباً لنبش أمور كثيرة ونشوب نزاعات حدودية ومشاكل لن يكون حلها ولا التحكم في مجراها بأيدي الوساطات ولا الحكومات إطلاقا بل سيكون بأيدي الجماعات الدينية المتشددة والقبائل المجاورة للحدود وما حولها والتي نعلم جيداً نسبة الأمية بين أبناءها...
وسيذكر هذا الكلام غداً من يقرأه اليوم...
****
ثم أنهي هذا الموضوع واسأل أصحاب هذه النظرية الصهيونية التي يـُروج لها أكثر مما يـُفكـَـر فيها - اسألهم بعض الأسئلة...
- أين هو المسجد الأقصى(أولى القبلتين وثالث الحرمين)؟
- هل هو الذي في القدس أم قد قفز إلى عسير أم في حضرموت وأين بالضبط ؟ هل في داخل الحدود السياسية لليمن أم للملكة أم لعمان ؟
وسؤال أخر
- هل المطلوب منا اليوم البحث عن المسجد الأقصى أم حمايته وتحريره أم الخوض في جدل حول المسلمات والبديهيات أم ماذا؟ ما هو المطلوب بالضبط ؟
- وأين هي مصر التي تحدث عنها القران الكريم وتحدث عنها رسول الله صلوات الله عليه واله وسلم ؟
وبالنسبة للعبة تقليب الحروف أوجهُ لأبي الحروف كمال صليبا وكذا تلميذه التاجر الذكي زياد منى وزمرتهم وأشبالهم وجماعة الإمعات والمراهقين الذين يحبون هذه اللعبة–أوجه إليهم هذه الأسئلة– ألا يوجد شبه بين كلمة اليمن والتيمن؟
- ألا يوجد شبه بين كلمتي (ميتان) و(تيمان)؟ وبين(شمس عاد) و(شمس أدد)؟
- " " " " " ( باران ذو رياش) و( بورنابورياش )؟
- " " " " " (ثيبوس) و(ذي بوس)؟
ويوجد غير ذلك كثر جداً لكن هناك سؤال أخير هو الأهم لهؤلاء وغيرهم:
لماذا كان يقوم اللص وتاجر الأثار الأردني سمير حماد بصياغة الذهب الحميري القديم الذي يسرقه في أشكال ورموز يهودية كهيكل سليمان ونجمة داوود وغيرها؟
ولمن يا ترى كان يبيعها ؟
أم أنه لم يكن يبيعها بل كان يخبؤها لوقت الحاجة؟
وهل يا ترى ما كان يقوم به هذا اللص وغيره - هو الجانب العملي لنظرية :
(اليمن والجزيرة موطن بني إسرائيل والفراعنة ومنبع اليهودية)
وهل الآثار المزورة هي الخطوة التالية التي يمهد لها "كتبة التاريخ الجدد"
وكم عدد الموظفين المبعوثين إلى اليمن من أمثال سمير حماد؟
لاشك أنهم ليسوا بعدد أصابع اليد فقط ...
فحادثة سرقة مخزن آثار مدينة براقش تكفي لتدل على مدى نفوذ تلك العصابات في هذا البلد.
فاليمن في مجال الآثار والتاريخ قد صارت مغنماً لكل السفلة من الداخل أو الخارج على حدٍ سواء ...


الهوامش:
[ 1] - مقالة"نظرية الدكتور كمال الصليبي وتاريخ فلسطين القديم د. أسامه محمد أبو نحل - رئيس قسم التاريخ كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الأزهر-غزة - نت
[ 2] - انظر 495 و 564 طه باقر المقدمة في تاريخ الحضارات القديمة جـ1
[3 ] - انظر على الزين – للبحث عن تاريخنا صـ 15 عن الكاتب:السيد العلوي في موقع أنصار حزب الله
[ 4]- ترجمة النقش على موقع المعرفة- د /فواز احمد طوقان (نقش مسلة ميشع).
[5 ] "هل اليهودية ذات منشأ يمني "May 26, 2008:Facebook.com
[ 6] (( الساميون و العرب هل هم من العراق والشام أم من الجزيرة )) سليم مطر 0- موقع عراق الغد ..