الدعوة إلى الله بين سلامة المنهج ومنهج السلامة




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..



الدعوة إلى الإسلام ونشره وتعليمه هي الهدف المعلن لكل التجمعات الإسلامية المعاصرة ، لكن يتساءل المرء أحياناً وهو يتأمل في المناهج والبرامج المشهورة والمعلنة لبعض تلك التجمعات الإسلامية من جماعات وجمعيات ومعاهد ومؤسسات - يتساءل : هل تتوه بعض البدهيات العقلية والمسلمات الشرعية أحياناً عن أذهان من يتبنَّون تلك المناهج ؟

إننا نضطر للإجابة بنعم عندما نلمح أن هناك تركيزاً ظاهراً عند وضع تلك المناهج أوتطويرها أو تعديلها يعطي أولوية للطريق الآمن قبل الطريق الصحيح إذا كانت تحفه بعض التبعات والمخاطر ، صحيح أن تأمين الطريق مطلوب ، ولكن قد يكون الطريق آمناً ولا يوصل للغاية ، في حين أنه قد تعتريه أنواع من الشدائد بينما لا يوصل إلى الغاية غيره ، والغاية التي نتحدث عنها هي إعلاء كلمة الله والتمكين لدينه كما أراد وأمر سبحانه وتعالى .

دعونا نسأل بصراحة : هل يمكن أن توجد دعوة صحيحة وسليمة تبتغي العمل للإسلام ونصرته ونشره وهي مع ذلك لا تضحي ولا تنتظر أن تبتلى أو تواجه الشدائد والمحن أو تدخل في صراعات مع الباطل ؟

نجيب من خلال نقطتين :

الأولى : سنن الله الكونية



إن الصراع بين الحق والباطل قائم دائماً ، موجود ما وجدت البشرية ، قال تعالى : " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " ، فهو إذاً سنة الله في خلقه ليميز الخبيث من الطيب والصادق من المدَّعي ، قال تعالى : " فليعلَمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " ، وقال : " وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك " ، وقال : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " .

الثانية : دراسة تاريخ الدعوات عبر العصور:

لقد فهم حَمَلَة الدعوات والرسالات أن طريق الجنة محفوف بالمكاره ، ومن ثم فإن الطريق إلى نصرة الدين لا يعبر بدون تضحيات ، فهموا هذه الحقيقة القرآنية من قوله تعالى : " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون "

وهاكم بعض النماذج من الدعوات عبر التاريخ :

أبو الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام في دعوته لقومه :
لماذا صدع بدعوته في وجه الباطل معرضاً نفسه – وهو لم يزل في سن الشباب – إلى مخاطر الصدام مع قوم شداد أقوياء ظالمين من المشركين الذين منهم أبوه وأهله وقبيلته ؟
لماذا فاصل الباطل معلناً البراءة منه ومن أتباعه ، ألم تكن أمامه طريق أخرى يمضي فيها بدعوته حفاظاً على شبابه وأتباعه ومصلحة دعوته ؟
لماذا لم يكتف بذم الأصنام وسبها أو وعظ عابديها وإقناعهم حتى يهدموها بأنفسهم ؟ لماذا لم يختر الطريق الأسلم ويبقَ مقيماً بين أهله دون أن يضطر إلى قطع الصحارى والقفار مهاجراً من العراق إلى الشام ؟؟
إن إبراهيم عليه السلام إختار المنهج الصحيح ثم تحمل تبعاته ، ولهذا انتصرت دعوته وبقي في العالمين ذكره ، قال تعالى : " إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين ، شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم " ، إنه سلك الطريق المستقيم ولم يكتف بالطريق الآمن .

وهذا موسى عليه السلام:
يقوم في قومه بالدعوة إلى الله ومع ذلك يسلك طريقاً مملوءاً بالصراعات مع طغاة الأرض فرعون وهامان ، ويصدع بالحق في كل مكان ، ويتحدى ويقبل التحدي ، ويصبر على المكاره ويُصَبِّر أتباعه : " استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " ، ويمضي في طريق المواجهة مع الكفر ، فإذا ما هلك فرعون وجنوده ، استعد لمرحلة أخرى : " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين " .

إن الطريق التي سلكها إبراهيم وموسى عليهما السلام سلكها جميع الأنبياء والرسل - عليهم صلوات الله وسلامه - ، وخليل الرحمن إبراهيم أعطى المثل والقدوة الحسنة في كيفية سلوك الطريق الأقوم ، قال تعالى : " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً ، وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون ، وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " ، ويمضي سياق الآيات مبيناً أن السبيل التي سار فيها الأنبياء لنصرة التوحيد هي نفس الطريق التي سلكها إبراهيم ، قال تعالى : " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ، نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ، ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين ، ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم " ، ثم يؤمر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم بأن يسلك الطريق نفسها ، قال تعالى : " ذلك هدى الله يهدي من يشاء ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ، أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ، أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين " .

لقد امتثل قدوة الداعين وإمام المجاهدين محمد صلى الله عليه وسلم للأمر واهتدى بهدي الأنبياء قبله ، فأمضى عمره في بذل دائم وجهد وجهاد لنصرة دعوة الإسلام ، حتى تنزل الوحي يبشره بثمرة جهده في آخر عمره ، قال تعالى : " إذا جاء نصر الله والفتح ... " ، ألا نستطيع القول بأن النصر لهذه الأمة ولهذه الدعوة عبر التاريخ لم يتم إلا بعد سلوك طريق شاق محفوف بالمكاره ، كله بذل وتضحية ؟
بديهي أن نجيب بنعم ،
ومن شك بذلك يجيبه ابن القيم رحمه الله بقوله : "يا ضعيف العزم : أين أنت ؟ والطريق تعب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورمي في النار الخليل ، وأضجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضر أيوب ، وزاد على المقدار بكاء داود ، وسار مع الوحش عيسى ، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنت تزهو باللهو واللعب " .

وإذا عبرنا تاريخ دعوات الأنبياء لننظر في سير أتباع الأنبياء وأفضلهم صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم فإننا سنرى عجباً :

أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرسل منادياً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوم ليُتِمَّ بعث أسامة ، وينفذ الجيش الذي أعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ليبدأ ملاحم الإسلام الكبرى ضد مشركي الروم بعد إنهاء المعركة ضد مشركي العرب ، ثم يستعد أبو بكر في الوقت نفسه لدخول حرب مريرة على مستوى الجزيرة ليرُدَّ من ارتدَّ ، ويؤدب من ظن أن دعوة التوحيد كلأ مباحاً لكل مستهتر عابث .. لم يكن أبو بكر الصديق هيَّاباً من النتائج ولا وقَّافاً أمام المصاعب ، لم يشأ أن يستمع إلى نصيحة من أشاروا عليه بالانحناء للعاصفة حتى تمر ، لكنه عصف بالعاصفة ، ثم انطلق يجهز الطلائع لفتح بيت المقدس وإعادة مسجده إلى كنف التوحيد ، لقد كان طريقاً صعباً لكنه سهَّل المهمات على من جاؤوا بعده .

أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يكن أسهل مراساً من سلفه الجاد المجاهد ، لم يقل دعنا نرتب أوراقنا داخل الجزيرة أولاً ، أو ننكفئ على بناء الذات والحفاظ على المنجزات ، لا ... لقد سيَّر الجيوش شرقاً وغرباً ، ليحضِّر لأكبر معركتين ضاريتين يكسر بإحداهما قرون الأكاسرة ، وبالثانية يزلزل عروش القياصرة وقد كان له ما أراد بمعونة الله ، فانطفأت نيران فارس ، وانكسرت صلبان الروم في أرض الشام ، وتم تطهير المسرى الشريف من شرك الرومان ، ولم تكن تلكم الخدمة العظيمة لدعوة الإسلام لتتم دون فداء ودماء وشهداء .

وإذا قال قائل : تذكرون الأنبياء وهم لا يخطون خطوة إلا بوحي ، وتذكرون الصحابة وهم خير القرون حكاماً ومحكومين ، فأين نحن في زمن الأزمات من أيام العز والتمكين تلك ؟ أقول : سأضرب أمثلة أخرى من أزمنة مختلفة كانت الأمة تعاني فيها أيضاً كزماننا هذا :

هل ننسى شيخ الإسلام ابن تيمية أيام المغول والتتار حيث استفاضت في العالمين سيرته الجهادية إلى جانب حياته العلمية والدعوية العامرة ؟ لقد عاش زمن أزمة مستحكمة لا في بلاده – الشام - فقط ، بل عمت العالم الإسلامي بأسره ، ولم يكن استيلاء التتار على ذلك العالم في أوضاع صحية أو ظروف سوية في الأمة بل كان الضعف والتمزق والشتات مستشرياً في جنباتها ، بدليل أنه لم يصمد شعب في أرض أمام الاجتياح التتري .. لم يؤثر ابن تيمية السلامة والبقاء بعيداً عن المخاطر، لم يتذرَّع بالأعذار التي يلقيها مشايخ اليوم .. لم يقل : دع الخلق للخالق فأنا رجل علم لا رجل جهاد ، وكان يمكنه أن يقول : إن الزمان زمان فتنة والتتار الكفار قد استولوا على كل الديار وما باليد حيلة ، أنخالف الأقدار ؟ أم نصلح الكون ؟ ..

لم يقل : إن الأمة تستحق ما يحدث لها لتفريقها فدعوها تتعلم ! ..

لم يقل : إن الله يعاقب الناس بتسليط حكام الجور والكفر عليهم وكما تكونوا يُوَلَّ عليكم ..

لم يقل : ضاع العلم وضاعت التربية والآن يجب أن ننشغل بنشر بعض العلم ونتربى على بعض أنواع التربية التي لا تشكل خطراً على أعداء الله التتار أو الصليبيين أو المرتدين ..

لم يقل : هذا الجيل جيلٌ تافه لا علم عنده ..

لم يقل : ما لنا وللسياسة التي تفسد الدنيا أقبلوا على شأنكم معاشر طلاب العلم ، فمن الكياسة ترك السياسة لأهل النجاسة .. لم يقل : إن العزلة واجبة لفساد الزمان ، ولا حل إلا بمجيء المهدي ..

لم يقل : شغر الزمان عن خليفة ولا جهاد إلا بخليفة ..

لم يقل : سقطت الدولة الشرعية والرسول صلى الله عليه وسلم لم يبدأ الجهاد إلا بعد إقامة الدولة ،

لم يقل : فلنتغلغل في أوساط التتار ونلتحق ببعض المراكز لنحقق من خلالها بعض المصالح وندرأ بعض المفاسد ..

لم يقل : كيف نقاتل التتار وفيهم من يعلن الإسلام ويصوم ويصلي ، وهو وإن كان يتحاكم إلى الياسق ويحارب دونه ويحميه ولكنه موحد يقول لا إله إلا الله ودمه حرام ..

لم يقل : نحن أمة دعوة فلندعُ الكفار ولا نتكلم بفضح من له شوكة أو قدرة على أذيتنا إنما نتكلم بالكفار البعيدين أو السابقين ..

لم يقل : دار الزمان كهيئته يوم كان المسلمون مستضعفين في مكة فنحن مستضعفون والتكاليف ساقطة عنا لنصرة الدين وأهله ..

لم يقل : لا قدرة لنا على مواجهتهم فعلينا بالمسايرة والمداهنة والتنازل عن بعض ثوابت الدين كالكفر بالطاغوت أو الولاء والبراء أو إثبات الحاكمية المطلقة لله وحده وعدم الإقرار بأي حكم غير حكم الله ...

إن شيخ الإسلام ابن تيمية وأتباعه الصالحين لم يقولوا شيئاً من هذا ولكنهم حملوا أعباء الدعوة كاملة وكانت دعوتهم نبراساً لكل العاملين الصادقين يضيء الطريق أمام الباحثين عن سلامة المنهج لا منهج السلامة .

وها هو أبو بكر النابلسي عليه رحمة الله ، ذلكم الزاهد يوم ملك الفاطميون الروافض بلاد مصر وفعلوا بأهل السنة ما فعلوا ،.. فاستدعى المعز أبا بكر النابلسي فقال : بلغني عنك أنك قلت : لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت الفاطميين بسهم ، قال : لا ، فظن أنه رجع عن قوله ، قال : كيف ؟ قال : قلت ينبغي رميكم أيها الفاطميون بتسعة ورمي الروم بالعاشر ، فأرغى وأزبد ، وأمر بضربه في اليوم الأول ، ثم أمر بإشهاره في اليوم التالي ثم أمر بسلخه حيا في اليوم الثالث فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن حتى أشفق عليه فلما وصل في سلخه إلى قلبه طعنه بالسكين ليلقى ربه فكان يسمى بالشهيد .... إنها سلامة المنهج تتجلى في أبهى صورها لتبين أنها النبراس في ظلمات الحياة ومتاهاتها ، أنها النور في حوالك الأيام والليالي ... أن التمسك بها يسير على من يسره الله عليه ، سهل على من سهله الله له ... نسأل الله الثبات .

وها هو الشيخ عبد الحميد الجزائري رحمه الله كما ورد في تاريخ الجزائر أن المندوب الفرنسي أيام الاستعمار كان يقول بكل صراحة : جئنا لطمس معالم الإسلام ، واستدعى الشيخ عبد الحميد وقال له : إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار وإلا أرسلت الجنود لقفل المسجد وإخماد أصواتكم المنكرة ، فقال الشيخ بثبات المؤمن : إنك لن تستطيع ، فاستشاط غضباً وأرغى وأزبد وقال كيف ؟، قال الشيخ : إن كنت في حفل عرس علمت المحتفلين ، وإن كنت في اجتماع علمت المجتمعين ، وإن ركبت سيارة علمت الراكبين ، وإن ركبت قطاراً علمت المسافرين وإن دخلت السجن أرشدت المسجونين وإن قتلتموني ألهبتم مشاعر المسلمين وخير لكم ثم خير لكم ثم خير لكم ألا تتعرضوا للأمة في دينها فوالله ما نقاتلكم إلا بهذا الدين ... عزة وأي عزة ! والله لا يشعر بها إلا من وفقه الله لسلامة المنهج لأنه حر بأفكاره طليق بمبادئه لا يكبله خوف حاكم ولا تقيده مداهنة سلطان ...

أما فاقد المنهج السليم ، اللاهث وراء الدنيا ، بل ربما اعتلى أرقى المناصب في الدنيا باسم الدين والدعوة .. فهذا لن يتذوق طعم العزة - ولو مرة واحدة - في حياته ، لأنه أبى إلا أن يعيش ذليلاً لأسياده يعجز أن يقول كلمة الحق ولو كانت واضحة وضوح الشمس ... لا تجده إلا مادحاً لأربابه .. مقدساً لأفعالهم وكأن العصمة كتبت لهم .. ملتمساً لهم كل عذر .. إذا ذكر أحدهم بسوء أمامه انتفض أنتفاضة الأسد .. أما إذا ذكر أهل الحق بسوء .. وانتهكت حرمات الله أمام عينيه .. لم تسمع له حساً.. وإذا ذكر الجهاد وأهله في مجلسه فتراه كمن نهشته حية .. يتفلسف أمامك ويطرح الحجج بأن هؤلاء هم أصل البلاء وسبب الضراء .. وكأن الأمة كانت بألف خير لولا أفعالهم البغيضة هذه !!... أما جرائم الأعداء فهي أخطاء يسيرة وزلات يجب غفرانها !! .. فنحن مستضعفون والضعيف ما عليه إلا أن يتلقى الضربات ويتحمل اللكمات !! .. في شؤون الآخرة متثاقل كسلان أما في متاع الدنيا وزينتها فهمَّة تناطح السحاب .. مناصبه دائماً في ارتقاء .. وأمواله أبداً في ازدياد .. إذا أراد الثناء على أسياده وأفعالهم فهي الكلمات الرنانة والأقوال البليغة والخطب العصماء .. أما إذا اضطر للحديث عن ظلم الأمة ومآسيها كان التلبيس والخلط والتأويل والتمييع والتزييف ... كذبوا والله وما صدقوا ..

إني أدعو إلى إعادة النظر في مفهوم نصرة الدين ، ثم إعادة النظر في برامج التحرك من أجل تلك النصرة ، بشكل متوازن وصادق مع الله ثم مع النفس ، لأن الله قال عن أقوام ادعوا الصدق في نصرة الدين " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين " ، إننا في حاجة أن نطالب أنفسنا كدعاة وطلبة علم ومنتمين إلى هذا الدين حقيقة أن نعيد قراءة تلك الفصول من تاريخ الدعوة ثم نقيس عليها مناهجنا لنرى الفرق بيننا وبينهم ، فالسلف وأتباعهم كانوا كثيراً ما يقولون : لا نعدل بالسلامة شيئاً . ولكن مفهوم السلامة عندهم كان يعني نجاة الآخرة ، أما عند كثير من المشايخ والجماعات والجمعيات الإسلامية اليوم فهو نجاة الدنيا وسلامة المرتب والوظيفة والمنصب والجاه والمال والمركز والجسد ، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن معنى الوهن الذي يتسبب في غثائية الأمة ، قال : " حب الدنيا وكراهية الموت " ، وفي رواية صحيحة أخرى : " حب الدنيا وكراهية القتال" ، وحب الدنيا هو أول فصول منهج السلامة ، نسأل الله العفو والعافية .

"منقول"
كتبه أبو معاوية الشامي