في بيت الصـــــدق و الإيمـــــان

اسمها الذي عرفت به عائشة ، مأخوذ من العيش ، و قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يناديها أحيانا
بـ ( يا عائش ) ففي البخاري عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عائش ، هذا جبريل يقرئك السلام ..... "
وفي الشمائل للترمذي أنه عليه الصلاة والسلام خاطبها بقوله :
( يا موفقة ) وكثيرا ما ناداها صلى الله عليه وسلم بـ ( يا بنت الصديق ،
يا بنت أبي بكر )
وطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تكتني ، فقال :
" اكتني بابنك عبدالله " _ يعني ابن أختها اسماء ( عبدالله بن الزبير ) _ فكانت تكنى بأم عبدالله .
وفي سنن النسائي حديثان يدلان على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يناديها أيضا بـ ( يا حميراء ) ...
والحمراء في خطاب اهل الحجاز هي البيضاء الشقراء و هذا نادر فيهم ولعل الذهبي استدل من وصف السيدة بالحميراء على أنها كانت امرأة بيضاء جميلة ...

نسبهــــــــــا :
عائشة بنت الإمام الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبي بكر : عبدالله بن أبي قحافة : عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية التيمية المكية النبوية أم المؤمنين . .

امهــــــــــا :
ام رومان واختلف في اسمها ، فقيل : زينب وقيل : دعد بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس من بني فراس .. اسلمت قديما كما يدل عليه كلام السيدة : " لم اعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين "
توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم و نزل النبي صلى الله عليه وسلم قبرها واستغفر لها .

إخــــــوتهـــــــــا :
تزوج ابو بكر رضي الله عنه في الجاهلية امرأة اسمها قتلة و قيل قتيلة بنت عبدالعزى واختلف في اسلامها ، فولدت له
( عبدالله و اسماء )
وتزوج ايضا ام رومان وولدت له
( عبدالرحمن ، وعائشة )
و تزوج في الإسلام اسماء بنت عميس رضي الله عنها فولدت له
( محمد )
وتزوج ايضا حبيبة بنت خارجه فولدت له بعد وفاته بنتا سميت ( أم كلثوم )

الأســـرة المهاجرة المجاهــــــــدة :
هذه هي أسرة السيدة عائشة رضي الله عنها ، اسرة مسلمة مهاجرة ، لم تبلغ أسرة من الأسرة المسلمة ما بلغته أسرة ابي بكر في جهادها و تضحيتها في سبيل نشر دعوة الإسلام ، ويكفي هذه الأسرة فضلا في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم التي تعد _ بحق _ اعظم تحول في تاريخ الدعوة الإسلامية ، بل جعلها الصحابة مبدأ التاريخ الإسلامي الحقيقي فأرخوا بها .

ولادتـــــــهــــــــــا :
في بيت الصدق والإيمان ولدت السيدة رضي الله عنها ، فهي ممن ولد في الإسلام ، وهي أصغر من السيدة فاطمة رضي الله عنها بثماني سنين ..
قال الزركشي : لم ينكح النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبواها مهاجران سواها ، وذكر من مزايا السيدة ان اباها وجدها صحابيان ..

طفولتــــها وصباهـــــــا :
فولادتها إذن في السنة السادسة او الخامسة ،وقيل في الرابعة من بدء الدعوة النبوية ،
كانت السيدة في طفولتها كثيرة اللعب دائبة الحركة بلغت التاسعة ولها اتراب وصواحب تلعب معهن ولها ارجوحة تلعب عليها ، وقد حدثت السيدة كيف انتقلت من فوق الأرجوحة إلى بيت الزوجية : " فأتتني أم رومان وانا على ارجوحة ومعي صواحبي فصرخت بي فأتيتها وما أدري ماتريد بي فأخذت بيدي فأوقفتني على الباب فقلت : هه هه حتى ذهب نفسي فأدخلتني بيتا فإذا نسوة من الأنصار فقلن : على الخير والبركة وعلى خير طائر "
ونظرا لحداثة سنها عندما تزوجت بقيت تلعب بعد زواجها لفترة من الزمن مع صواحبها وكان صلى الله عليه وسلم يقدر حداثة سنها فكان يسرب لها صواحباتها يلاعبنها و تقول السيدة في هذا : " دخل علي رسول الله وأنا ألعب بالبنات ،فقال : " ماهذا يا عائشة ؟" فقالت :خيل سليمان ولها أجنحة ، فضحك ...
هكذا كانت طفولة السيدة رضي الله عنها وصباها ، طفولتها في بيت الصديق ، وصباها في بيت النبوة ..

الخطبــــة المباركـــــــة :
اول مراحل هذه الخطبة المباركة كانت وحيا من الله سبحانه اخبر عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لعائشة : " أريتك في المنام ثلاث ليال ، جاءني بك اللملك في سرقة من حرير ، فيقول : هذه امرأتك ، فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يمضه "

الــــــزواج الميمـــــــون :
السابع عشر من رمضان السنة الثانية من الهجرة كان هذا اعظم الأحداث في حياة السيدة رضي الله عنها ومن اجله أحبت السيدة شهر شوال ففيه اغلى الذكريات وأعزها : " تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال ، وبنى بي في شوال ، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أحظى عنده مني ، وكانت تستحب ان تدخل نساءها في شوال "
قالت أسماء بنت يزيد الأنصارية : كنا فيمن جهز عائشة و زفها قالت : فعرض علينا النبي صلى الله عليه وسلم لبنا ، فقلنا : لا نريده فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تجمعن جوعا وكذبا " وزادت في حديث آخر : أني قينت _ اي زينت _ عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جئته فدعوته لجلوتها ، فجاء فجلس إلى جنبها ، فأتي بعس لبن فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم ، فخفضت رأسها واستحيت ، قالت أسماء : فانتهرتها ،وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأخذت فشربت شيئا ، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " أعطي تربك "

في بيـــــــت النبـــــــوة :
لم يستطع النبي صلى الله عليه وسلم ان يسوي بين زوجاته بالمحبة لأن ذلك منوط بالقلب ، ولاسلطان للإنسان على قلبه . وقد احتلت السيدة عائشة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم منزلة لم يصل اليها غيرها من امهات المؤمنين وعرف الصحابة للسيدة هذه المنزلة ، ففي سنن الترمذي أن رجلا نال من عائشة عند عمار بن ياسر فقال له : " اغرب مقبوحا منبوحا ،أتوذي حبيبة رسول الله"
وقال أنس بن مالك : " اول حب كان في الإسلام حب النبي النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها "
ولذلك كانوا ينتظرون يوم عائشة ليقدموا للنبي صلى الله عليه وسلم هداياهم وهو عندها .
‏ ‏
وداع الحبيب صلى الله عليه وسلم :
نالت السيدة عائشة رضي الله عنها شرف خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وتمريضه في أيام حياته الأخيرة ، وبينت السيدة في حديث آخر كيف خالط ريقه ريقها فقالت : إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي ،وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وان الله جمع بين ريقي وريقه عند موته ، دخل علي عبدالرحمن وبيده السواك ، وانا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرايته ينظر إليه ، وعرفت أنه يحب السواك ، فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم ، فتناولته ،فاشتد عليه ، وقلت : ألينه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم ، فلينته ، وبين يديه ركوة ، او علبة ، فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ، يقول : صلى الله عليه وسلم
" لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات " ثم نصب يده فجعل يقول : " في الرفيق الأعلى " حتى قبض ومالت يده ..

وظلت رضي الله عنها في هذه المرحلة العصيبة التي مرت بها ، رابطة الجأش ثابتة القلب والنفس ، على الرغم من شدة سكرات الموت التي عاناها صلى الله عليه وسلم حتى كانت تقول : " مات رسول الله صلى الله عليه وسلم و إنه لبين حانقتي وذاقنتي - أي على صدرها - فلا أكره شدة الموت لأحد بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

لله درك يا أم المؤمنين ، ثبتك الله بموقف لا يثبت فيه عمالقة الرجال ، وليس ذلك غريبا على بنت الصديق أبي بكر ، فقد ثبته الله سبحانه عندما علم بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم و ثبت به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد ان زعزعتهم شدة المصيبة وهزت كيانهم ..

ودفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة السيدة في المكان الذي توفاه الله تعالى فيه ، ووقع في حجرتها القمر الأول ، وكانت رضي الله عنها قد رأت في نومها كأن ثلاثة اقمار سقطن في حجرتها ، فقال أبو بكر : إن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ، ثلاثة ، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال لها أبو بكر : خير أقمارك يا عائشة ، ودفن في بيتها أبو بكر و عمر ..

تعد السيدة عائشة رضي الله عنها من كبار علماء الصحابة المجتهدين وكان الأكابر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشيختهم كانوا يسألونها فتجيبهم ويستفتونها فتفتيهم حتى ذكر القاسم بن محمد أن عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان إلى أن توفيت رحمها الله .
ولم تكتف رضي الله عنها بما عرفت من احوال النبي صلى الله عليه وسلم وسمعت منه ، بل اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع الجديدة التي لم تجد لها حكما صريحا في الكتاب والسنة ، قال أبو سلمة عبدالرحمن : ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفقه في رأي إن احتيج إليه ، ولا أعلم بآية فيما نزلت ولا فريضة من عائشة .

التلميذة النبويـــــــة :
ثمة عدة عوامل مكنت السيدة ان تتبوأ هذه المكانة العلمية الرفيعة اهمهـــــــا :
* حدة ذكائها وقوة ذاكرتها وحافظتها ، وحسبك لهذا الأمر كثرة ماروت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إلى جانب العدد الكبير من الأشعار والأمثال التي كانت تستشهد بها في كل مناسبة تعرض لها .
* زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم في سن مبكرة ، وحياتها في كنفه ورعايته مدة بلغت ثماني سنوات وخمسة أشهر ، وكان صلى الله عليه وسلم خلال هذه المدة حفيا بها ، كثير الاهتمام بتعليمها وإرشادها ..
* كثرة مانزل من الوحي في حجرتها حتى سميت ( مهبط الوحي )
* لسانها السؤول ،فقل ان تسمع شيئا تستشكله او ترى امرا لا تعرفه الا وتسأل مستفسرة عنه ، واشتهرت السيدة بذلك ...
فهي معلمة العلماء ..
وهي السيدة المفسرة ..
والسيدة المحدثة ..
والسيدة الفقيهة ..
و لم تقتصر رضي الله عنها على علوم الدين فقط ، انما كانت على اطلاع واسع على علوم اخرى كعلم الطب والأنساب والشعر ...
مامن احد سمع السيدة عائشة رضي الله عنها او قرأ كلامها الا وبهرته فصاحتها ، و سحرته بلاغتها ، وادهشته عارضتها ، وحسبنا في هذا ماقاله معاوية بن أبي سفيان بعد ان التقى بالسيدة عائشة وخرج يتكىئ على عبدها ذكوان ويقول : والله ماسمعت قط أبلغ من عائشة ، ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
واخرج الترمذي عن موسى بن طلحة أنه قال : ما رأيت أحدا أفصح من عائشة .
وكان الشعبي يذكرها فيتعجب من فقهها وعلمها ثم يقول : ماظنكم بأدب النبوة ..


فضائل السيدة عائشة :
خص الله السيدة عائشة بكثير من الفضائل والمزايا حتى نالت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزلة الرفيعة بعض فضائلها رضي الله عنها :

¤ هي بنت الصديق أعز أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والإسلام وفي بعض الأحاديث نوه بحبها لكونها بنت ابي بكر .
¤ اهتم الوحي بها كثيرا فقد نزل بصورتها على صلى الله عليه وسلم وقوله عليه الصلاة والسلام :
" ... انه والله مانزل علي الوحي و أنا في لحاف امرأة منكن غيرها "
و سلام جبريل عليها و نزول براءتها بآيات قرآنية كريمة و بسببها نزلت آية التيمم .
¤ و هي البكر الوحيدة التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم و اصغر أمهات المؤمنين سنا .
¤ يضاف الى ذلك كله ذوقها الرفيع وأدبها البديع و فصاحة لسانها و علو بيانها .
¤و فوق كل ذلك حرصها على ان تظهر أمامه صلى الله عليه وسلم بأجمل مظهر و اكمله فلقد كانت شديدة الحرص على الا يرى منها النبي صلى الله عليه وسلم الا ما يسره وفي الحديت قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق
( خواتيم كبيرة من فضة ) فقال :
" ماهذا يا عائشة " فقلت : صنعتهن اتزين لك يا رسول الله،
قال : " أتؤدين زكاتهن ؟ " قلت : لا ، او ما شاء الله ، قال : " هو حسبك من النار "
وقد كانت السيدة حريصة على تزيين حجرتها ايضا ، ويبدو انها اشتهرت بين نساء المدينة بحبها للزينة وذوقها الرفيع فيها ، لذلك كان نساء المدينة يستعرن بعض ثيابها ليلبسنها عرائسهن ليلة زفافهن ، يدل على ذلك أنه لما رفضت جاريتها ان تلبس ثوبا من ثيابها قالت السيدة : كان لي منهن درع على عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فما كانت امرأة تقين - تزين لزفافها - بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره.

الزهـــــــد :
لقد أحبت السيدة هذه الحياة وعشقتها ، لأنها الحياة التي عاشتها معه صلى الله عليه وسلم وهي الحياة التي تجعلها تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أوصاها قائلا : " إذا أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب ، وإياك ومجالسة الأغنياء ، ولا تستخلقي ثوبا حتى ترقعيه " قال عروة : فما كانت عائشة تستجد ثوبا حتى ترقع ثوبها
و تنكسه ...
وحرصت رضي الله عنها طيلة حياتها على البقاء على معيشتها التي عاشتها مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى تلحق به ، رآها جابر وعليها ثوب مرقوع ، فقال لها : لو ألقيت عنك هذا الثوب ، فقالت له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن سرك أن تلقيني ، فلا تلقن ثوبا حتى ترقعيه ، ولا تدخرن طعاما لشهر " فما أنا بمغيرة ما أمرني به حتى ألحق به إن شاء الله ...
لذلك كانت كلما اهدي لها شيئ تذكرت معيشة النبي صلى الله عليه وسلم فتغلبها دموعها وتبكي ، ثم تتصدق به ...

عبادتهـــــــا :
تأثرت السيدة كثيرا بعبادة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجه فيها ، لأنها كانت ألصق الناس به صلى الله عليه وسلم ، واكثرهم اطلاعا على عبادته الخاصة به عليه الصلاة والسلام ، والسمة البارزة في منهج عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ثبانه على عبادته ودوامه عليها دون انقطاع ، وكثيرا ما كانت السيدة تقول إذا سئلت عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم : كان عمله ديمة ، و أيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع ، وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه ...
ولذلك كانت رضي الله عنها تداوم على نوافل العبادات وبخاصة صلاة الليل ، فكانت لاتدعها وتنصح بالمداومة عليها ..
أخرج احمد بن عبدالله بن قيس قال : قالت لي عائشة : لا تدع قيام الليل ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه ، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا ...
وكانت السيدة تطيل الصلاة كثيرا كما كانت كثيرة الدعاء والتضرع في صلاة النافلة ...
اما عبادتها في الصوم فقد كانت شغوفة به جدا حتى كانت تسرد الصوم ، فقد أخرج ابن سعد عن القاسم انها كانت تصوم الدهر و تتحمل الصوم في ايام الحر الشديد مهما بلغ منها الجهد والتعب .
أخرج أحمد أن عبدالرحمن بن ابي بكر دخل على عائشة يوم عرفة ، وهي صائمة ، والماء يرش عليها ، فقال لها عبدالرحمن : أفطري ، فقالت : أفطر وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إن صوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله "
اما الحج ، فقد حجت واعتمرت مرات كثيرة ، حجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وحجت واعتمرت رضي الله عنها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة ...

الـــــــورع :
وهو اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات ،وهو من ثمار المعرفة لله سبحانه ، ولا شك أن السيدة عائشة رضي الله عنها ، بما هيأ الله لها من البيئة الصالحة والنشأة الطيبة ، كانت على مقام رفيع في المعرفة والخشية والورع ، وقد اتصفت رضي الله عنها بصفة الورع في جميع مراحل حياتها ، هاهي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تمنع عمها من الرضاعة من الدخول عليها حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لها : " فليلج عليك " ومع ذلك تستفسر قائلة : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل ، فيعود صلى الله عليه وسلم ليؤكد لها " إنه عمك فليلج عليك "


وفاتها رضي الله عنها :
في شهر رمضان المبارك من السنة الثامنة والخمسين للهجرة مرضت السيدة عائشة رضي الله عنها مرض الوفاة ، فأوصت الا تتبعوا سريري بنار ، ولا تجعلوا تحتي قطيفة حمراء .
ولما اشتد المرض عليها استأذن عبدالله بن عباس رضي الله عنهم ، فأكب عليها ابن اخيها عبدالله بن عبدالرحمن ، فقال : هذا عبدالله بن عباس يستأذن عليك ، فعرفت أنه يريد ان يثني عليها ويزكيها .. فقالت : دعني من ابن عباس فإنه لا حاجة لي به ولا بتزكيته .
فقال : يا امتاه إن ابن عباس من صالحي بنيك يسلم عليك ويودعك ، قالت : فأذن له إن شئت ، فلما أن سلم وجلس قال : ابشري ، قالت : بم ؟ قال : مابينك و بين ان تلقي محمدا صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا ان تخرج الروح من الجسد ، كنت أحب نساء رسول الله إلى رسول الله ، ولم يكن رسول الله ، يحب إلا طيبا ، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء ، فأصبح رسول الله ليطلبها حين يصبح في المنزل ، فأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله ان تيمموا صعيدا طيبا ، فكان ذلك من سببك وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة ، وانزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين ، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيه إلا هي تتلى فيه آناء الليل والنهار .
فقالت : دعني منك يا ابن عباس فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا .
وفي رواية ثانية أنه قال لها : ماسميت أم المؤمنين إلا لتسعدي وإنه لاسمك قبل أن تولدي .

وتوفيت رضي الله عنها ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من شهر رمضان ، ودفنت من ليلتها بعد صلاة الوتر ، وهي يومئذ بنت ست وستين سنة وصلى عليها ابو هريرة رضي الله عنه ، فاجتمع الناس ونزل أهل العوالي وحضروا فلم تر ليلة اكثر ناسا منها ، ونزل في قبرها عروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وعبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر ، وعبدالله بن عبدالرحمن .

ودفنت في البقيع ، وقد اوصت ان تدفن فيه ، فقد قالت لعبدالله بن الزبير : لا تدفني معهم ، وادفني مع صواحبي بالبقيع ، لا ازكى به أبدا .

ولما علم عبيد بن عمير بوفاتها قال : أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه .

وقالت ام سلمة حين علمت بوفاتها : لقد كانت أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أباها .