هذا هو الإسلام؟؟



الشيخ / محمد حسان – موقع الشيخ


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شري; له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران: 102.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء: 1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب: 70 ، 71.

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فحياكم الله أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفضليات وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنا في هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته ، وأن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته إنه ولى ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله:

(هذا هو الإسلام) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الكبير في العناصر التالية:

أولاً: عالمية الإسلام.

ثانياً: أخلاق الإسلام.

ثالثا: من يحمل هم الإسلام.

وأخيراً: المستقبل للإسلام.

فأعيرونى القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يقر الله أعيننا بنصرة الإسلام والمسلمين إنه ولى ذلك والقادر عليه.

أولاً: عالمية الإسلام:

أحبتي في الله! الإسلام هو المنة الكبرى والنعمة العظمى، وهو الدين الوحيد الذي ارتضاه الله جل وعلا لأهل الأرض وأهل السماء، فما من رسول ولا بني إلا بعثه الله جل وعلا بالإسلام بداية من نبي الله نوح الذي قال عنه ربنا حكاية عنه في سورة يونس: { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (72) سورة يونس و سورة النمل (91).

وما بعث الله الخليل إبراهيم لا بالإسلام قال تعالى:{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (130، 132) سورة البقرة .

وما بعث الله يعقوب إلا بالإسلام قال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (133) سورة البقرة.

وما بعث الله نبيه يوسف إلا بالإسلام قال الله تعالى في آخر سورة يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (101) سورة يوسف.

وما بعث الله سليمان إلا بالإسلام وهذا هو كتابه لملكة سبأ والتي قرأته على أتباعها في مملكتها قالت: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (29،31) سورة النمل وما دخلت إلا في الإسلام يوم أن شرح الله صدرها للحق وقالت: { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (44) سورة النمل . وما بعث الله نبيه موسى إلا بالإسلام قال الله حكاية عنه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} (84) سورة يونس.

وما بعث الله نبيه عيسى إلا بالإسلام قال الله تعالى حكاية عنه: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (52) سورة آل عمران . بل وإن دين الجن المؤمنين هو الإسلام قال الله عز وجل حكاية عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} (14، 15) سورة الجن .

وما بعث الله مسك ختامهم إلا بالإسلام قال تعالى لنبيه: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة . وخاطبه الله جل وعلا بقوله {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } (19) سورة آل عمران .

فالدين الوحيد الذي ارتضاه الله لأهل السماء وأهل الأرض لا للعرب فحسب بل للبشرية جميعاً إنما هو دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } ووالله ما أحرق البشرية لفح الهاجرة القاتل، وما جعل البشرية تمشى في التيه والظلام إلا بمحاربتها الإسلام، وإلا باعتدائها على الإسلام، وإلا بانحرافها عن دين الله جل وعلا الذي أنزله للبشرية لتسعد به في الدنيا والآخرة على السواء، فإن العالم كله اليوم محروم من نعمة الأمن والأمان على الرغم من كثرة الوسائل الأمنية المذهلة وعلى الرغم من التخطيط العلمي المذهل المبنى على العلم النفسي والاجتماعي لمحاربة العنف والجريمة في كل مكان، العالم محروم من نعمة الأمن والأمان على الرغم من كثرة أسلحته النووية والبيولوجية والذرية على الرغم من كثرة أحلافهم العسكرية، وعلى الرغم من كثرة منظماته وهيئاته، حرم العالم من نعمة الأمن والأمان بل إن ملايين البشر ينتظرون الموت الآن في كل لحظة ، لأن الوسائل الأمنية التي اخترعتها البشرية البعيدة عن منهج الله تحولت هي نفسها إلى وسائل للإبادة، لإبادة الجنس البشرى بين غمضة عين وانتباهتها، تحولت وسائل الأمن إلى فزع ورعب لملايين البشر ينتظرون الموت في كل لحظة، ضاقت الدنيا كلها في وجوهم رغم اتساع الأرض هنا وهنالك بل واسودت الدنيا فى أعينهم على الرغم من كثرة أضوائها بل لا يجدون لقمة الخبز رغم كثرة الأسواق المشتركة العملاقة، وعلى الرغم من كثرة الأموال بل ولا يشعر العالم كله الآن براحة النفس واستقرار الضمير وانشراح الصدر وهدوء البال.

كل هذا نتيجة انحراف البشرية المنكوبة عن شريعة الله جل وعلا عن هذا الدين الذي ارتضاه الله للبشرية كلها، لتسعد به في الدنيا والآخرة قال جل وعلا : {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (123 ، 127) سورة طـه

هذه النتيجة حتمية، نتيجة عادلة بالإعراض عن منهج الله تبارك وتعالى، من الجهل الفادح والظلم البين أن نتهم الإسلام بالإرهاب وأن نتهم الإسلام بالجمود والتخلف والرجعية والوحشية والبربرية إلى آخر هذه التهم المعلبة التي تقال اليوم للإسلام في الليل والنهار في وسائل الإعلام الغربية التي يتحكم فيها أنجس خلق الأرض، كلاب الأرض من اليهود يتحكمون في كل وسائل الإعلام، بل ويتحكمون في السياسة الأمريكية وليس فقط الإعلامية بل في سياستها الاقتصادية والتعليمية والإعلامية والسياسية، اقرؤوا من يحكم الآن أمريكا لتتعرفوا على الحقائق التي أتحدى أمريكا أن تثبت بالأدلة الدامغة أن المسلمين وراء التفجيرات في نيويورك وغيرها في واشنطن، أتحداها أن تثبت بالدليل الدامغ أن المسلمين وراء هذه العمليات بل هو من صنع اليهود، حقيقة عرفها الكثير منا ويتخذون القرار هناك من صنع اليهود، فاليهود وراء كل مصيبة على وجه الأرض. أرادوا أمام هذا الزحف الإسلامي الهائل في قلب أمريكا نفسها وفى قلب أوروبا- كما سأبين لحضراتكم الآن بالدليل الدامغ وبأقوالهم ليس بأقوالنا- أرادوا أن يوقفوا هذا المارد العملاق الذي بدأ يظهر من جديد وبدأ بزحف إلى قلب أمريكا وإلى قلب أوروبا، وأرادوا أن يضربوه باتحاد العالم بالسلاح الأمريكي.

أو أن أنبه الذين يعلنون الحرب الآن على الإرهاب بأنهم طلائع الإرهاب في العالم ورواد الإرهاب على سطح الأرض اقرؤوا التاريخ لكي تتعرفوا على الحقائق، من الذي أباد ما يزيد على مائة وسبعين ألفا في لحظات في هيروشيما، وبعد ثلاثة أيام في نجازاكى بضربات عسكرية ظالمة عشوائية، وفى ألمانيا قتلت في يوم واحد ما يزيد على خمسمائة وسبعين ألف من المدنيين وجرحت ما قرب من مليون في قصف عشوائي عن طريق الطائرات؟ في فيتنام قتلت أمريكا ما يزيد على أربعة ملايين؟ في العراق قتلت ما يزيد على 2500000 وأكثر مما لا يملكون حيلة ولا سبيلاً في كل بقاع الأرض؟ في السودان والصومال في أفغانستان وقبل ذلك في ليبيا، وخرج عليهم جورج بوش بنفس الطريق التي أعلن بها أبوه ذبح العراق بنفس الطريقة يعلن ذبح أفغانستان هؤلاء العزل الواقعين تحت خط الفقر، لا يجدون خبزاً من أجل فرد، من أجل فرد يعاقب فرد من أجل جريمة لا تغتفر، وقتل شعب برئ من أجل مسألة فيها نظر.

لقد خرج الآن هذا الفرد المشبوه المشتبه فيه الأول، تصور رائدة الحضارة في العالم تعاقب شخصاً مشتبها فيه لا تقدم الأدلة الدامغة، وتعاقب شعباً كاملاً من أجل فرد بدون أدلة، رائدة الحضارة في العالم تتهم الإسلام بالإرهاب ثم لماذا غضت الطرف عن إرهاب أعزلاً من المدنيين بأحدث الأسلحة الأمريكية؟ لماذا غضت الطرف عن هذا الإرهاب؟ لماذا غضت الطرف عن إرهاب الصرب ضد المسلمين في البوسنة؟ وما تدخلت لإنقاذ المسلمين إلا من الخوف على مصالحها في أوروبا خوفا من أن يظهر هذا المارد العظيم في قلب أوروبا، فهي الآن تريد السيطرة على المنطقة والسيطرة على منطقة بحر قزوين، لأنها المنطقة المؤهلة الآن لأكبر احتياطي نفط في الأرض كلها بعد تناقص احتياطي النفط في الخليج، فهي تريد السيطرة باسم القضاء على الإرهاب على بحر قزوين، والقضاء على الإسلاميين في أفغانستان، فلقد خرج بقصيدته التي تسمى إكليل الجبل والتي تقول كلماتها:

سلك المسلمون طريق الشيطان

بل بخسوا الأرض وملؤوها رجسا.

فلنعد للأرض خصوبتها ولنطهرها من تلك الأوساخ.

ولنبصق على القرآن ولنقطع رأس كل من يتبع دين الكلاب ويتبع محمداً

فليذهب غير مأسوف عليه.

لماذا غضت الطرف عن هذا الإرهاب؟ لماذا غضت الطرف عن هذا الإرهاب لقد اتخذ مجلس الأمن ضد إسرائيل خمسين قرارا لم تلزم أمريكا طفلتها المدللة بقرار واحد.. في الوقت نفسه الذي أصرت أن تنفذ فيه عن طريق مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة قرارا واحدا اتخذه مجلس الأمن ضد العراق، وضربت العراق بالصواريخ وتضرب في كل أسبوع تقريباً.

من هو الإرهاب؟ وأين الإرهاب يتهم الإسلام بالإرهاب، وهم رواد الإرهاب في الأرض، لأنهم يملكون إعلاما خبيثاً يعمل على قلب الحقائق، أما الأمة – حتى الإعلام- لا تملك الأمة إعلاما يعرض قضيتها بوضوح بل يحبس كل صوت صادق أبى حر يبين الحقائق بلغة الأرقام بدون العويل والصراخ، أما الإسلام فهو دين الرحمة دين التسامح دين الوفاء بالعهود حتى للأعداء.

وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز: أخلاق الإسلام:

وأنا لن أتكلم عن أخلاق الإسلام بين المسلمين لا أتكلم عن أخلاقه العملية ولا عن أخلاقة التعبدية ولا عن أخلاقه الطبيعية، ولا عن أخلاقه مع أفراده بين المسلمين بل أتكلم عن أخلاق الإسلام مع غير المسلمين، تعلمون جميعاً أن اليهود ما ذاقوا طعم الأمن والأستقرار إلا في ظل الإسلام، وما تعرض اليهود للأذى إلا يوم أن نقض اليهود العهود مع النبي في المدينة، وما عرف الصليبيون والنصارى الأمن والسلام إلا في خلال الإسلام.

اقرؤوا بنود العهدة العمرية التي منحها عمر بن الخطاب لأهل إيليا لأهل بيت المقدس يوم أن جاء من المدينة، ليتسلم مفاتيح بين المقدس.

أعطاهم عهداً بالأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، ومن أراد أن يخرج منهم من أرض إيليا فلابد أن يعطى الأمان حتى يبلغ مأمنه، ومن أراد منهم أن يبقى في الأرض لا يؤخذ منه شئ من المال حتى يحصل خراجه.

هذا هو الإسلام، وفى صحيح مسلم قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- : ما منعني أن أشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبى حسيل رضي الله عنه إلا أننا خرجنا فأخذنا المشركون فقالوا لنا: أتريدون محمداً؟ قلنا: لا بل نريد المدينة، فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة ولا نقاتل مع رسول الله ، فقال حذيفة: وانطلقت أنا وأبي حسيل إلى رسول الله فأخبرناه بما قاله لنا المشركون، وبما قلنا نحن للمشركين اسمع ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال حرب قال لحذيفة وأبى حسيل:" انصرفا- أي لا تشهدا معنا المعركة- - نفى لهم بعهدهم، ونستعين بالله عليهم". ([1]) . ائتوني بأبلغ أهل الأرض يجسد هذا الوفاء، هذا

ديننا هذه أخلاق نبينا فالمسلم له عندنا معاملة، والجاني له عندنا معاملة، والعدو له عندنا معاملة، والحبيب والقريب له عندنا معاملة.

لقد وضع الإسلام القواعد والضوابط كلها وبين كل شئ: أنصرفا – في حال حرب- نفى لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم".

وهذا جندي ولا أقول هذا قائد من قادة المسلمين، بل جندي يعطى عهداً بالأمان لقرية في العراق بقيادة أبى عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه- وأخبر الجندي قائدة أبا عبيدة فأرسل أبو عبيدة بن الجراح كتابا لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- على الفور ليخبره، وليتلقى منه الأوامر اسمع ماذا قال عمر – رضي الله عنه- أرسل عمر رسالة إلى أبى عبيدة بن الجراح- رضي الله عنه – وقال فيها بعد حمد الله والثناء عليه: إن الله عز وجل عظيم الوفاء، ولا تكونوا أوفياء حتى توفوا لهم بعهدهم، وتستعينوا بالله عليهم. وأود أن أقف لاستخراج أمرين من هذه الحادثة:

الأول: أن عمر بن الخطاب أراد أن يبين كرامة الفرد حتى وإن كان جنديا امتثالاً عملياً من عمر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري:" المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم على أعلاهم"([2]) ..

فلقد بين كرامة الفرد حتى وإن كان جندياً أعطى لقرية أو أهل بلد، فيجب على المسلمين وقائد هذا الجيش أن يفي بعهد هذا الجندي لأهل هذا البلد.

الأمر الآخر: لقد أثبت عمر أن أخلاق الإسلام ليست حبيسة الأوراق وليست حبيسة الأدراج كما فعل في الثورة الفرنسية أو كما فعل في إعلان الحقوق العالمية للإنسان في أمريكا أو في هيئة الأمم، لقد ظلت هذه القيم النظرية حبيسة الأدراج والأوراق، نعم ففي اليوم الذي أعلنت فيه الثورة الفرنسية مبدأ لحقوق الإنسانية وأمن الناس جميعاً، سواء استبعاد القانون الفرنسي نفسه قرابة ما يزيد على نصف الشعب الفرنسي من التصويت في الانتخابات، لأنهم يعتبرون المواطن الفقير مواطنا سلبيا، ولما أعلنت أمريكا مبدأ حقوق الإنسان بنص القانون أبقت أستعداد الجيوش قرنا آخر من الزمان بعد إعلان هذا القرار النظري.

الإسلام لا يقدم مثلا نظرية بل يقدم مثلاً ربانية نبوية للتألق في دنيا الناس سمواً ورفعة وجلالا وروعة وجمالا، لا لقد تحولت هذه المثل في دنيا الناس إلى واقع أعلنها المصطفى مدوية:" وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".([3]) ..

أعلنها المصطفى صلى الله عليه وسلم مدوية في بغى من البغايا لبنى إسرائيل أدخلها الله الجنة في كلب لأنها رحمت كلبا أو أحسنت إليه ([4]) وأعلنها مدوية أن امرأة دخلت النار في هرة ([5]) .

هذا هو الإسلام هذا هو إسلامنا، عمر بن عبد العزيز يوم فتح الإسلام والمسلمون مدينة سمرقند وعرف أهل سمرقند، أن فتح سمرقند باطل، سبحانك ربى! لماذا؟ لأن المسلمين دخلوا المدينة عنوة دون أن يعلموا أهلها الإسلام إما أن يقبلوا أو يدفعوا الجزية أو يدافعوا بالقتال هكذا علمهم سيد الرجال ، ولكنهم ما فعلوا ذلك فأرسل أهل سمرقند رسالة لعمر بن عبد العزيز- طيب الله ثراه- وأخبروه أن فتحهم الإسلامي لمدينتهم فتح باطل وبينوا له ذلك، فما كان من هذا العملاق الذي تربى في نبع النبوة أن أرسل أوامره إلى جيشه الفاتح في سمرقند بالانسحاب فورا، فخرجت الألوف المؤلفة بين يدي هذا الجيش المنتصر المنسحب شاهدة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

صلاح الدين يوم أن فتح القدس وقدم يومها مثالاً عمليا للصليبيين الحاقدين من أعظم دروس التسامح يوم أن أرسل بطبيبه الخاص وبدواء من عنده لعلاج عدوه اللدود ريتشارد قلب الأسد.

وهذا محمد الفاتح يعلم الدنيا كلها درساً آخر من دروس التسامح الإسلامي مع غير المسلمين يوم أن فتح ودخل القسطنطينية ودخل كنيسة آيا صوفيا هذا تاريخ مسطور، ويقول المفكر الشهير دى بيول ليظهر الحق قبل أن ينصف الإسلام والمسلمين ليعلنها صريحة في التاريخ: أمة منتصرة فاتحة متسامحة كأمة الإسلام هذه حقائق الإسلام دين التسامح دين الرحمة، يكفى أن نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحديث رواه البخاري والنسائي في السنن وصححه شيخنا الألباني المجلد الثاني من صحيح الجامع من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا".([6])

هذا الإسلام هذا هو الإسلام وودت لو أنى أسمعت كل الغربيين هذه الحقائق وأنا أعلم يقيناً أنهم يعرفونها لكنه الحقد الذي أنطقهم بأنها حملات صليبية جديدة، وشاء الله جل وعلا وقدر أن يظهر المنافقين على زلات ألسنتهم وصفحات وجوههم لابد أن يعرف المسلمون أعداءهم في لحن القول بعد ذلك من أقوال في تيار السياسات الخادعة الماكرة أو من منطلق السياسة الكافرة لكن يشاء الله جل وعلا ليظهر لأهل البصائر من أهل الإسلام حقائق أهل الكفر والغدر للمؤمنين بالله العزيز الغفور قال الله تبارك وتعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } (109) سورة البقرة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (118) سورة آل عمران {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة قال الله تبارك وتعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } (120) سورة البقرة.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ } (1) سورة الممتحنة .

أيها الموحد بالله جل وعلا أيها المسلم! يا من تدعى حب الله وحب رسول الله الكل يتقدم الآن بما يملك من كلمة رقراقة، من شريط هادف، من رسالة نافعة، من مساهمة مادية لإخوانه من هنا وهناك المهم أن تحمل الآن هم الإسلام، فإن لم تحمل الآن هم هذا الدين فمتى؟ فمتى ستحمل هم الإسلام؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود:" ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"([7])

فهل أنت من حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم تدافع عن هذا الدين وتتحرك له؟ وظف منصبك، وظف طاقاتك كلها، استخدم مكانتك بالاتصال بالمسؤولين هنا وهناك لتبين هذه الصورة المثلى الرائعة المشرقة، لأن الإسلام متهم شئنا أم أبينا، الإسلام متهم بالإرهاب والتطرف، نريد أن نظهر قوة الإسلام المشرقة لا بالألسنة فحسب، بل بأقوالنا وأعمالنا وقلوبنا ، ما من أحد إلا وشهد الإسلام بلسانه، لكن من منا شهد الإسلام بكماله وجلاله وأعماله؟ إن أعظم خدمة نقدمها اليوم للإسلام هي أن نشهد شهادة عملية على أرش الواقع بعد ما شهدنا له من قبل جميعا شهادة قولية بألسنتنا.

أيها الفاضل! الأمة كلها مطالبة أن تتحرك بكل بطولة وبكل صدق وأن تستعد بكل طاقاتها وبكل الإمكانيات، وعلى جميع الأصعدة وفى كل الأماكن والمستويات، لتبين الصورة المشرقة للإسلام، إن كنت تعرف صديقا في أمريكا فأرسل إليه رسالة أو أرسل له شريطاً كهذا الشريط، المهم أن تفعل شيئاً للإسلام إن كنت من الصادقين، فلن تعدم لنفسك دوراً لتخدم من خلاله دين الله تبارك وتعالى، والذي يؤلمني غابة الألم أنى أجد :كثيرا من المسلمين يسأل عن دوره بعد خطبة كهذه أو بعد محاضرة كهذه من المهم أن تعيش لدينك قبل المحاضرة وقبل الخطبة ومع كل نفس من أنفاس حياتك كما تخطط لمستقبلك، ومستقبل أولادك، ولمستقبل أسرتك لابد أن تخطط لهذا الدين، وأن نعيش لهذا الدين وأن تنام وعيونك مليئة بالدموع بل والدموع تنهمر على خديك لهمك الذي يحرق قلبك إما على ما يفعله اليهود الكفرة في فلسطين، أو ما يفعله عباد البقر في كشمير، وأما يفعله الملحدون المجرمون في الشيشان ، ما سيفعل بإخواننا في أفغانستان، فإن لم تحمل هم الإسلام الآن، فمتى تحمله؟ إن لم يحترق قلبك الآن على هذا الدين فمتى سيحترق قلبك؟ إن لم تتحرك الآن بكل ما تملك من عقل وفكر وقلب وقلم وولد ومال وجاه وطاقة وراحة وحركة لهذا الدين فمتى ستبذل لهذا الدين؟

إن الأمة كلها يجب عليها أن تبذل أقصى ما تملك لدين الله تبارك وتعالى وهى على يقين مطلق أن الكون لا يتحكم فيه الأمريكان ولا يدير دفته الأوربيون الآن، الذي يدبر أمر الكون هو ملك الملوك سبحانه، لابد أن تمتلئ القلوب ثقة مطلقة في الله لابد أن نعلم أن الذي يدبر أمر الكون هو الله، ولا يقع شئ في الكون إلا بإذنه وعلمه وحكمته وقدره وإرادته، لا تظن أن الله قد خلق الخلق وقد غفل عنه حاشا لله! إنه لا يقع في كونه إلا ما يريد {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (59) سورة الأنعام.

روى مسلم في صحيحه([8]) من حديث أبى هريرة أن حبرا من أحبار اليهود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: يا محمد، كنا نجد مكتوبا عندنا في التوراة أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع والجبال والشجر على إصبع، ثم باقي الخلائق على إصبع ثم يهزهن ويقول: أنا الملك، أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً منه لقول الحبر وتلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر

يا لها من معية لو عرفت الأمة قدرها! فمعها القوى الذي لا يغلب، ومعها الحي الذي لا ينام، ومعها الهادي الذي لا يضل، ومعها الغنى الذي لا يفتقر، ومعها العزيز الذي لا يذل، يا لها من معية كريمة! إنها معية الله جل جلاله الله هو الاسم الذي ما ذكر في قليل إلا كثره، الله هو الاسم الذي ما ذكر عند كرب إلا أمنه، الله هو الاسم الذي ما ذكر عند خوف إلا أزاله، الله هو الاسم الذي ما تعلق به فقير إلا أغناه، الله هو الاسم الذي تستجاب به الدعوات، الله هو الاسم الذي به ولأجله قامت الأرض والسماوات: الله الله مالك الملك وملك الملوك وجبار المساوات والأرضين، أين عاد؟ أين ثمود؟ أين فرعون؟ أين قارون؟ أين هامان؟ أين أبرهة؟ أين أصحاب الفيل؟ أين الظالمون؟ أين التابعون لهم في الغي؟ بل أين فرعون وهامان؟

أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهـم

هــــل أبقى المـــوت ذا عـــــــز بعزتــــه

لا والذي خلـق الأكــــوان مــــن عــــــدم

فــــــــي الــــــورى ظــلـــــم وطغيـــــان

أو نجـــــــا منـــــــــه بالسلطان إنســـان

الكـــــل يفنـــــــى فـــــلا إنس ولا جـــان

قال الرحيم الرحمن: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (6 ، 14) سورة الفجر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} (1-5) سورة الفيل .

لا يتحكم في الكون أحد إلا الواحد الأحد لماذا اختل اليقين في القلوب؟ لماذا ضعفت الثقة فى ربنا؟ لماذا أصبحنا لا نؤمن إلا بالماديات قلنا قبل ذلك: ندعو على أعداء الأمة، فينظر إلينا البعض بنظرات تحمل من المعانى ما الله به عليم، يقولون: ما الذي يقوله هؤلاء الدروايش؟ وما الذي ينتظرونه؟ فشاء الله جل وعلا أن يضمد جراح القلوب القلقة، وأن يذهب شك القلوب المتشككة، وأن يعلم أهل الأرض أن الذي يتحكم في الكون هو الله وحده، ولا تستطيع أي قوة على وجه الأرض أن تقضى على دين الله، لأن الذي وعد بحفظ هذا الدين هو رب العالمين.

هذا ما سنتعرف عليه في عنصرنا الأخير وذلك بعد جلسة الاستراحة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته وافتقى أثره إلى يوم الدين

أما بعد..

فيا أيها الأحبة الكرام المستقبل للإسلام! أنا ألمح هبوب رباحا عاتية من القنوط والبأس والشك والخوف على الإسلام في هذه الأيام المقبلة لا ! بأعلى الصوت، وبملء الفم: لا! لا توجد قوة على وجه الأرض ولن توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تطفئ نور النور {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (8 ، 9) سورة الصف لو حورب دين على وجه الأرض بمثل ما حورب به الإسلام ما بقى له على وجه الأرض من سبيل، لو حورب دين على وجه الأرض من الأديان الباطلة بمثل ما حورب به الإسلام ما بقى له على وجه الأرض من سبيل ، من أول لحظة والإسلام محارب لكن الله أهلك كل من وقف في طريق الإسلام وأبقى الله الإسلام وبقى الإسلام شامخاً وسيبقى بموعود الله وبموعود الصادق رسول الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} مليارات {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} سورة الأنفال (36) هل تصدقون رب العالمين؟ {ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} قال الله عز وعلا: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (171 ، 173) سورة الصافات قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف . قال تبارك وتعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} (111) سورة آل عمران . قال تعالى: { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (47) سورة الروم .

اللهم ارزق الأمة الإيمان لتستحق نصرتك ! يا أحكم الحاكمين! ويا رب العالمين! آيات كثيرة، قال الصادق الذي لا ينطلق عن الهوى كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان:" إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها"([9]) .. روى الإمام أحمد في مسنده والطبراني بسند صححه الألباني من حديث تميم الداري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، وما يترك الله بيت وبر ولا مدر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز اله به الإسلام وذلا بذل الله به الكفر"([10]) .. وتدبروا معي هذا الحديث الذي ربما يسمعه الكثير منكم لأول مرة مع أنه في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوما قال:" تعرفون مدينة جانب منها فى البحر وجانب منها في البر؟" قالوا: نعم يا رسول الله، وهذه المدينة هي القسطنطينية قال:" تعرفون مدينة جانب منها في البحر وجانب منها في البر، قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق.. فإذا جاؤوها لم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، وغنما يقولون في المرة الأولى: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الذي في البر ثم يقولون في المرة الثانية: لا غله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولون في المرة الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفتح لهم فيدخلوها"([11])

قال الحافظ ابن كثير في تعليقه على هذا الحديث الجليل قال: وبنو إسحاق في هذه النبوءة النبوية هي سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم وهؤلاء هم الروم، والروم بلغتنا هم الأوربيون، قال الحافظ ابن كثير: فالنبوءة النبوية تنص على أن الروم سيسلمون في آخر الزمان قبل قيام الساعة، وسيكون فتح القسطنطينية على أيديهم بإذن الله، تدبروا ما تقوله الكلمات الأوروبية، لأن كثيرا لا يصدقون الوحي إلا إذا كان من أوروبا، قرأت في مجلة (التايم) الأمريكية وسأنقل لحضراتكم أيضاً من جريدة (الصنداى) البريطانية وسأخبر بخبر من مجلة (لودينا) الفرنسية..

تقول مجلة (التايم) الأمريكية: وستشرق شمس الإسلام من جديد ولكنها في هذه المرة ستعكس كل حقائق الجغرافيا، فهي لا تشرق من المشرق في العادة ولكنها ستشرق هذه المرة من الغرب من قلب أوروبا تلك القارة العجوز التي بدت المآذن فيها تناطح أبراج الكنائس في باريس ولندن ومدريد وروما، وصوت الأذان في كل يوم في هذه البلاد خمس مرات يشهد أن الإسلام يكسب كل يوم أرضا جديدة وأتباعا وجدوا فيه الطريق. جريدة (الصنداى تلجراف) البريطانية تقول: إن انتشار الإسلام مع نهاية هذا القرن ومطلع القرن الجديد ليس له سبب مباشر إلا أن سكان العالم من غير المسلمين بدأوا يتطلعون إلى الإسلام وبدأوا يقرؤون عن الإسلام، فعوفوا من خلال الاطلاع أن الإسلام هو الدين الوحيد الأسمى الذي يمكن أن يتبع، وهو الدين الوحيد القادر على حل كل مشاكل البشرية؟!

ومجلة (لودينا) الفرنسية وتعمدت أن أختم الخطبة بهذا الخبر، لأنه استراتيجى عن خبراء استراتيجية عسكرية، دراسة قام بها متخصصون تقول الدراسة- تدبر معي: مستقبل العالم سيكون دينياً، وهذا واضح لنا جميعاً، الآن حرب في الشيشان دينية، الحرب في كوسوفا دينية، والحرب في كشمير دينية، والحرب في البوسنة دينية، الحرب في فلسطين دينية، الحروب التي ستشن الآن على أفغانستان دينية، كل الحروب دينية، تقول الدراسة: مستقبل نظام العالم سيكون دينياً وسيسود النظام الإسلامي على الرغم من ضعفه الحالي، لأنه الدين الوحيد الذي يمتلك قوة شمولية هائلة، إنه دين الله الذي لم ينزله للعرب فحسب بل للبشرية كلها، بل للأمريكان وللعرب وللأوروبيين للبشرية كلها، إنه دين الله الذي رضيه لأهل السماء ولأهل الأرض، إن الدين عند الله الإسلام لتسعد البشرية في الدنيا والآخرة، أسأل الله جل وعلا أن يقر أعيننا بنصرة الإسلام.

هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو ذلل أو نسيان فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه...

-------------------------------------------

(1) رواه مسلم في الجهاد (1787 / 98).

(2) رواه البخاري في الجزية والموادعة (3172) وفى الفرائض (6755) وفى الاعتصام (7300) ومسلم في الحج (1370 ، 1371) وأبو داود في الجهاد (2751) وفى الديات (4530).

(3) رواه البخاري في الحدود (6788).

(4) رواه مسلم في السلام (2245).

(5) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3482)، ومسلم في السلام (2242 ، 2243)، وفى البر والصلة والآداب (2619 / 135).

(6) رواه أحمد (5/223 ، 224 ، 437)، وابن ماجة في الديات (2688)، وفى الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

(7) رواه مسلم في الإيمان (50 / 80).

(8) رواه البخاري في التفسير (4811)، ومسلم فى صفات المنافقين (2786).

(9) رواه مسلم في الفتن واشرط الساعة (2889 / 19).

(10) رواه أحمد (4 / 103)، والطبراني في الكبير (12802)، وابن حبان (1631 ، 1632) والحاكم (4/430 ،431)، وقال الهيثمي في المجمع (6/14): رجال أحمد رجال الصحيح.

(11) رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2920).




نسخة مجهزة للطباعة