قرن الإسلام

محمد الباهلي


الملاحظة الجوهرية من خلال استكشاف تجارب وقصص الأشخاص الذين دخلوا الإسلام واعتنقوه وبخاصة في الغرب، أن هناك قاسما مشتركا يجمعهم رغم اختلاف الأيديولوجيات والثقافات والتفاصيل بينهم.

وأعني بهذا القاسم المشترك، طريقة دخولهم واعتناقهم للإسلام، إما من خلال دراستهم للإسلام وتعمقهم فيه، أو التأثر بسلوك وشخصية صديق مسلم أو شخصية مسلمة أو زيارة إحدى البلاد الإسلامية والتأثر بثقافتها الإسلامية. والأمر الأهم هو أنهم لا يكتفون بالتوقف عند محطة الدخول إلى الإسلام واعتناقه خاصة العلماء والمفكرين منهم، حيث تتحول حياتهم كلها من لحظة دخولهم الإسلام لخدمة الإسلام ودراسته والدعوة إليه والعمل على نشره وتصحيح صورته المشوهة في الغرب، وعمل الدراسات والأبحاث عنه وخوض المعارك للدفاع عنه في كل المحافل الدولية. نجد هذه الصورة واضحة عند الدكتورة لينا لارسن رئيس المجلس الإسلامي الأسبق بالنرويج، التي اعتنقت الإسلام منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً ونذرت نفسها للدعوة والدفاع عن الإسلام داخل النرويج، وفي كل المحافل الدولية، حيث تقول: "نذرت حياتي للدعوة إلى الله تعالى وتعلمت اللغة العربية من أجل قراءة الكتب والمؤلفات العربية من المصادر الثقافية الإسلامية، كل شغلي الشاغل هو تبليغ الدعوة الإسلامية التي كرست لها حياتي منذ أن اعتنقت الإسلام، لأن الدعوة إلى الله تعالى هي مهمة الأنبياء".

ونجد ذلك الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي الذي كرس حياته منذ لحظة اعتناقه للإسلام لخدمة هذا الهدف، حيث قدم العديد من المؤلفات والأبحاث التي تتصل بموضوع الإسلام، وهذا أيضاً ما يفعله المفكر الألماني المسلم د. مراد هوفمان الحاصل على شخصية العام الإسلامية لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم لعام 2009، حيث عمل منذ لحظة إسلامه على نشر الإسلام في الغرب، وتصحيح صورته المشوهة وقدم للمكتبة الإسلامية الكثير من المؤلفات التي تتحدث عن الإسلام بوصفه البديل عن كل النظم الوضعية التي أورثت العالم مشكلات كثيرة، وبوصفه دينا وحضارة عالمية مميزة، وهذه الموضوعية التامة في البحث عن الحقيقة نجدها أيضاً عند الطبيب الفرنسي المسلم موريس بوكاي، الذي قدم العديد من الدراسات كان أهمها كتاب "القرآن والتوراة والإنجيل - دراسة في ضوء العلم الحديث".

إن الأهمية الفكرية لطروحات هؤلاء العلماء تبرز من خلال الخلاصة العلمية والفكرية التي اكتسبوها في مجتمعاتهم والتي تحولت بعد إسلامهم إلى صناعة فكرية مضافة إلى النسيج الإسلامي، تطرح الإسلام كبديل لرؤية الغرب العلمانية وكملخص لأزمات الغرب المادية والاجتماعية والروحية، حيث نجد ذلك واضحاً في فكر البروفيسور" روبرت كرين" مستشار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون للأمن القومي، والذي أشهر إسلامه عام 1980 وسمى نفسه فاروق عبدالحق، والذي لخص منظومة هذا الفكر في الندوة التي جمعته مع المفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي في دمشق عندما سمعه يتحدث ويهاجم الرأسمالية حيث يقول: "كلانا كان يدعو إلى نظام يدعو إلى إنتاج وإعطاء العدالة للجميع، لذلك وجدنا أن الإسلام هو الحل الوحيد، فهو يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليات والجزئيات والضروريات، مؤكداً أن تفعيل معرفة أهداف الشريعة ومقاصدها يعتبر أحد الأسباب المهمة في تراجع الحضارة الإسلامية، فالمفتاح إلى الإسلام هو استعمال العقل والمتابعة للوصول إلى الحقيقة".

وهذه الرؤية تقترب مما قاله "جيم موران" عضو لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأميركي الذي طالب الشعب الأميركي في أن يعبر الجسر الممتد بين الشعب الأميركي وبين الثقافة الإسلامية، وأن يعمق في معرفتها على نحو أفضل ويتعرف على جوانب العظمة التي يتمتع بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والذي اعتبره أعظم إنسان عرفه التاريخ، مطالباً أيضاً المهاجرين الذين يذهبون إلى الولايات المتحدة من العالم الإسلامي ألا يتخلوا عن دينهم وثقافتهم ولغتهم وأن يعملوا على نشر دينهم الإسلامي وثقافتهم ولغتهم، مشيراً إلى أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الإسلام والثقافة الإسلامية وهذا ما سيحصل.



تاريخ النشر: الجمعة 27 أغسطس 2010