بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد
مدخل في علم التاريخ :
يعرف علم التاريخ بانه دراسة الماضي البشري على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهدف الوصول الى معرفة أحوال الطوائف ورسومهم وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم ووفياتهم وسيرة ملوكهم وتاريخ بلادهم واخبار ايامهم ومعاركهم والتاريخ سرد للماضي من سير الانبيا وايامهم وحوادث ازمانهم وما وقع من اخبارهم وهو فن عظيم جليل لمعرفة حوادث الزمان ووقائع الايام
والتاريخ هو السبيل لاخذ العبر والدروس من الامم الغابرة والدول الهالكة وهي السبيل لمعرفة سنة الله في الخلق و الاكوان .
وفي الصحاح للجوهري التأريخ: تعريف الوقت. والتوريخ مثله. وأرخت الكتاب بيوم كذا .
وفي المصباح المنير لاحمد المقرى أَرَّخْتُ:
الكتاب بالتثقيل في الأشهر والتخفيف لغة حكاها ابن القطّاع إذا جعلت له تاريخا وهو مُعَرَّبٌ وقيل عربي وهو بيان انتهاء وقته ويقال "وَرَّخْتُ" على البدل و"التَّوْرِيخُ" قليل الاستعمال و"أَرَّخْتَ" البَيّنَةَ ذكرت تاريخًا
وفي المعجم الوسيط لمحموعة من المولفين ( أرخ ) الكتاب حدد تاريخه والحادث ونحوه فصل تاريخه وحدد وقته ( التاريخ ) جملة الأحوال والأحداث التي يمر بها كائن ما ويصدق على الفرد والمجتمع كما يصدق على الظواهر الطبيعية والإنسانية ( مج ) ويقال فلان تاريخ قومه إليه ينتهي شرفهم ورياستهم
( التأريخ ) تسجيل هذه الأحوال ( مج )
( المؤرخ ) عالم التاريخ
وفي لسان العرب لابن منظور ( أرخ ) التَّأْريخُ تعريف الوقت والتَّوْريخُ مثله أَرَّخَ الكتابَ ليوم كذا وَقَّته والواو فيه لغة وزعم يعقوب أَن الواو بدل من الهمزة وقيل إِن التأْريخ الذي يُؤَرِّخُه الناس ليس بعربي محض وإِن المسلمين أَخذوه عن أَهل الكتاب وتأْريخ المسلمين أَُرِّخَ من زمن هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كُتِبَ في خلافة عمر رضي الله عنه فصار تاريخاً إلى اليوم
وفي مختار الصحاح للرازي أ ر خ : التَّأريخُ و التَّوْريخُ تعريف الوقت تقول أرَّخَ الكتاب بيوم كذا و ورَّخَهُ بمعنى واحد
قال السيوطي في الهمع: التأريخ: أي هذا مبحثه وهو عدد الأيام والليالي بالنظر إلى ما مضى من السنة والشهر وما بقي وفعله أرخ وورخ وكذا يقال تاريخ وتوريخ
قال أبو حيان في الارتشاف: التأريخ عدد الليالي والأيام بالنسبة إلى ما مضى من الشهر أو السنة وإلى ما بقي منهما وفعله أرخ وورخ تأريخا وتوريخا لغتان
لذلك تولدت لدى النفس البشرية التوق لمعرفة ما كان عليه أسلافه، وكيف كانت امورهم وما حصل معهم ، والأحداث التي أثرت على حياتهم وغيرت مجرياتها؛ لذلك تولد علم التاريخ بفروعه المختلفة واقسامه المتنوعه .
وهو من العلوم القديمة قدم الخليقة، نقل بالرواية حتى عرف الإنسان الكتابة فدونه، واهتمت به الأمم فلا تجد أمة تحيا من دون تاريخ.
يقول ابن الأثير«لقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية، ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية يحتقر التواريخ ويزدريها، ويعرض عنها ويلغيها ظنا منه أن غاية فائدتها إنما هو القصص والأخبار، ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار؛ وهذا حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره، ومن رزقه الله طبعا سليما وهداه صراطا مستقيما علم أن فوائدها كثيرة ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة».
ويقول ابن خلدون: «إن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروم أحوال الدين والدنيا».
ولدراسة التاريخ وقراءته فوائد كثيرة بينة لعل اعظمها واوضحها فائدة الا وهي عظمة الله سبحانه وتعالى في تدبير الكون فمن قرأ التواريخ وجد أن مصرفها عظيم حكيم يدع الظالم؛ فإذا أخذه لم يفلته وإن طال الزمان وكاد اليأس يدخل أهل الإيمان، كما أنه ـ سبحانه ـ رتب سننا كونية فيها حكم بالغة، وعبر لا تتبدل بتبدل الزمان والمكان بل تعيد نفسهاومن هذه الفوائد ايضاء حفظ هوية الأمة إن هذا السبب من أهم أسباب دراسة التاريخ في هذا الزمان؛ فهذا التاريخ يحفظ هوية الأمة؛ فمن ليس له تاريخ فهويته مبتورة و تاريخه غير معروف وليس له جذور والشجرة التي ليس لها جذر تقلعها الرياح
وكذلك من ليس لهم تاريخ تدثرهم الايام وتنساهم الازمان .
ومن فوائد قراءة التاريخ ودراسته تقلب الدنيا باهلها وتبدل احوالهم يقول ابن الأثير إن العاقل اللبيب إذا تفكر فيها ورأى تقلب الدنيا بأهلها وتتابع نكباتها إلى أعيان قاطنيها، وأنها سلبت نفوسهم وذخائرهم، وأعدمت أصاغرهم وأكابرهم، فلم تبق على جليل ولا حقير، ولم يسلم من نكدها غني عشقها وذاب فيها، ولا فقير زهد فيها وأعرض عنها وأقبل على التزود للآخرة، ورغب في دار تنزهت عن هذه الخصائص».
ومن فوائد التاريخ سنن الله في الكون والاحداث وتغيرها فنرى في التاريخ الامبراطوريات تنهار والدول الصغيرة تكبر وتمتد ويتكرر المشهد وتستمر سنة الله في الكون حتى يرث الله الارض ومن عليها
يقول ابن الأثير«إنه لا يحدث أمر إلا تقدم هو أو نظيره».
توقيت العرب قبل الاسلام
كان العرب يوقتون بالقمر قبل الإسلام، والشهر القمري هو المدة التي يتم فيها القمر دورة كاملة حول الأرض. وتقاس عادة من مولده إلى مولده التالي. ويتعين المولد بوقوع القمر بين الأرض والشمس في خط مستقيم. أعطى العرب قبل الإسلام أسماء خاصة للشهور غير التي نستخدمها الآن قبل أن يستقروا على الأسماء المعروفة بها الآن.
أما الشهور التي نستخدمها الآن، فقد استقرت أسماؤها في مستهل القرن الخامس الميلادي على الأرجح.
ويقال إن أول من سماها كعب بن مرة الجد الخامس للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وقد جعل العرب فيها خمسة أشهر تدل أسماؤها على الفصول، وإن كانت دلالتها عليها لم تعد قائمة كما نعرفها الآن؛ ذلك لأن التقويم القمري لا يتفق مع التقويم الشمسي إلا مرة واحدة في كل 33 سنة على وجه التقريب. فرمضان لا يقع دائما في فصل الصيف، ولا الجماديان في الشتاء. فرمضان اشتق اسمه من الرمضاء؛ أي اشتداد الحر، وجمادى الأولى والآخرة سميا كذلك لأنهما حلا في الشتاء في وقت جمدت فيه المياه، ومحرم لأنه أحد الأشهر الحرم الأربعة، وصفر لأن الديار كانت تخلو فيه من أهلها بخروجهم إلى الحرب بعد المحرم؛ ومعنى أصفرت الدار خلت. وسمي الربيعان الأول والثاني لأنهما وقعا في الربيع وقت التسمية . ورجب أي الشهر الموقر لأنهم كانوا يعظمونه بترك القتال فيه، فهو من الأشهر الحرم، ويقال رجب الشيء أي عظمه وخافه. وسمي شعبان لأن القبائل كانت تتشعب فيه للإغارات بعد قعودهم في رجب، وشوال لأن الإبل كانت تشول فيه
ابتداء التاريخ الهجري
كان ذلك في خلافة عمر رضي الله عنه وسبب ذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تأريخ ، فجمع عمر الناس للمشورة ، فقال بعضهم : أرخ بمبعث النبي ، وقال بعضهم :- بمهاجرة رسول الله ، فقال عمر :- بل نؤرخ بمهاجرة رسول الله ، فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل ) قاله الشعبي,وقال ابن كثير في البداية والنهاية :-
وقد ذكرنا سببه في سيرة عمر ، وذلك أنه رفع إليه صك مكتوب لرجل على آخر دين يحل عليه في شعبان ، فقال : أي شعبان ؟ أمن هذه السنة ؟ أم التي قبلها ؟ أم التي بعدها ؟ ثم جمع الناس فقال :- ضعوا للناس شيئا يعرفون فيه حلول ديونهم ، فيقال أنهم أرد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم, كلما هلك ملك أرخومن تاريخ ولاية الذي بعده ، فكرهوا ذلك ، ومنهم من قال :- أرخوا بتاريخ الروم من زمان ابن اسكندر, فكرهوا ذلك ،
وقال قائلون :- أرخوا من مولد رسول الله ، وقال آخرون :- من مبعثه علية السلام ، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون :- أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث ، فاستحسن ذلك عمر والصحابة . فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كان فاجتمع مع أهل المشورة واتفقوا على جعل الهجرة النبوية بداية هذا التوقيت، لأن الهجرة هي أعظم حدث كان في بداية بناء كيان الأمة الإسلامية وتميزها ووضع قواعد التشريع وانطلاق دعوة الإسلام إلى الآفاق. لكنهم لم يجعلوا بداية السنة الشهر الذي كانت فيه بداية الهجرة "ربيع الأول"، فجعلوا شهر الله "المحرم" بداية السنة لأن فيه قضاء الناس مناسك الحج ورجوعهم لحياتهم العملية من جديد، فكانت الهجرة هي بداية التأريخ الإسلامي، وسمي التأريخ الهجري لذلك. وجعلوا بداية السنة بمحرم من الأشهر الحرم ونهايتها بذي الحجة وهو من الأشهر الحرم وهذا المشهور من الاقوال قال ابن عساكر :- والمحفوظ أن الآمر بالتأريخ عمر وقال ابن الأثير :-والصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب أمر بوضع التأريخ , وروى ابن خثيمة من طريق ابن سيرين قال :- قدم رجل من اليمن فقال : رأيت باليمن شيئا يسمونه التأريخ يكتبونه من عام كذا وشهر كذا ، فقال عمر هذا حسن فأرخوا
وقال ابن كثير في البداية والنهاية :- قال الواقدي وفي ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة ست عشرة كتب عمر بن الخطاب التأريخ ، وهو أول من كتبه
اهمية التاريخ الهجري
1- العمل بالتاريخ الهجري دين يتقرب به العبد إلى الله لارتباطه بالهلال الذي ترتبط به الكثير من العبادات والأحوال الشخصية والمعاملات كالصوم والعيدين ووجوب الزكاة ، والبلوغ والتكليف وعدة المطلقة والإجار ومواعيد الديون وغيرها
2-لإجماع الصحابة على العمل بهذا التأريخ ولا تجتمع الأمة على ضلاله ، وينبغي أن يلاحظ في إجماعهم عدة أمور :- أن الصحابة سموه تأريخا إسلاميا ، واعتبروه رمزا إسلاميا ولذلك ربطوه بيوم الهجرة العظيمة ، وإنهم كرهوا تواريخ الأمم الأخرى ومن ضمنها التأريخ الميلادي
3- لأنه من وضع وأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وسنته ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :- فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) رواه أحمد أبو داود الترمذي
4- أن الأمة الإسلامية بسلفها وخلفها وأئمتها وأعلامها تعاقبت على هذا التأريخ جيلا بعد جيل ، ولم تعمل بالتأريخ الميلادي إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية ودخول الاستعمار الصليبي لبلاد المسلمين عام 1340 من الهجرة.
5- لارتباط هذا التأريخ بحدث عظيم له تأثير الكبير على قيام دولة المسلمين وعزهم واستقلاليتهم عن المشركين
6- لأنه سبب كبير في عز الأمة واستقلاليتها وتميزها عن باقي الأمم الكافرة ، ومما يؤكد ذلك أن أول الأعمال التي قام بها من قضوا على الخلافة العثمانية في تركيا هو :- إ حلال التأريخ الميلادي النصراني محل التأريخ الهجري الإسلامي .
7- لأن للتأريخ الهجري تأثيرا كبيرا على عقيدة الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين
8- لسهولة التأريخ الهجري ويسره ووضوحه ، والله تعالى يقول ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ويقول ( ما جعل عليكم في الدين من حرج )
9- لارتباط التاريخ الميلادي بعقيدة النصارى ودينهم، وهو ولادة المسيح ابن الله في زعمهم وعقيدتهم وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
10- لأن التأريخ الميلادي الشمسي يقترن بتمجيد اثني عشر إلها مزعوما من آلهة الرومان الأسطورية

يتبع ان شاء الله ...