في مقالة بعنوان : ( من الذبيح إسماعيل أم اسحق ؟ ) نُشرت في احدى مواقع التنصير لكاتب اكتفى بأن يوقع عليها باسم : ( الشيخ المقدسي ) دون أن يعرفنا بنفسه اكثر . نفاجأ بموجة عارمة من الهجوم الضاري على الأسلام و المسلمين لا لشيء إلا لأنهم يقولون ربنا الله ! ؛ فيقول الكاتب في صدر مقالته : " كما احترف الإسلام العنف و الإرهاب هكذا أيضا احترف المسلمون التزوير . لم يشهد التاريخ أمة احترفت التزوير مثل أمة الإسلام ، تزوير الحقائق و طمس المعالم صفة أساسية تميز بها الإنسان المسلم . " ( !! )
حقا لقد جانبه الصواب بمقولته و تهجمه و سبابه ، فإن كان يخاطب بني دينه من النصارى فالبعض لن يرضوا بهذا السباب العلني منهم لأنه يتنافى مع رسالة المسيح عليه السلام الذي يقول : (أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ ‏إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ . ‏) متى 5 - 44 .
هذا حقا إن كان المسلمون أعداءكم و يسيئون إليكم و يطردوكم و لا يتعايشون معكم في سلام على أرض وطن واحد ! و إذا كان يخاطب الناس كافة من مسلمين و نصارى و يهود دفاعا عن قضية معينة ، أو حق يرى أن المسلمين قد سلبوهم إياه ، فقد أخطأ مرة ثانية بسبابه و هجومه الذي يسلبه كل الحقوق بل و ينفر منه قرّاءه و يبعد عنه من ينظر للموضوع بعين الحياد !!

• ما هو الموضوع ؟
و يورد الكاتب بعد ذلك مسألة ورد ذكرها في الكتب السماوية و تناولتها أقلام المفسرين المسلمين من قبل من بين مرجِّح أو غير مكترث ؛ ألا و هي : ( من هو الذبيح اسماعيل أم اسحق ؟ ) ، و يورد بعد ذلك دراسة مستفيضة في كتب المسلمين كذكره الأيات الكريمة التي وردت في هذا الموضوع في القرآن و بيان ذكر مرات اسماعيل من ذكر اسحاق عليهما و على نبينا الكريم افضل الصلاة و السلام محاولا اثبات تكريم القرآن لإسحق عن اسماعيل عليهما السلام ، و ذكر أيضا أراء المفسرين مع بيان ما وصلوا اليه من خلاف عندما تناولوا هذا الموضوع بالدراسة محاولا ايضا اثبات أن من ذكروا اسماعيل كذبيح بدلا من اسحق انما يبدل حقيقة ساطعة كالشمس ، و ذكر كذلك بعض من أراء المفسرين اليهود التي وردت فـي ( المدراج ) بل و ذكر رأي الشعراء العرب القدامى كالفرزدق و جرير و غيره ، لا لشيء إلا ليثبت للقاريء أن معظم الفقهاء بل و عامة الناس يؤيدون رأيه و الذي اعتبره من صميم عقيدة النصارى ؛ و هو أن الذبيح هو اسحق دون اسماعيل عليهما السلام !
و اورد رأيي الشخصي في هذا الموضوع كمسلم ، فأقول : إن الذبيح إذا كان إسماعيل أم إسحق عليهما السلام فالأمر لن يختلف كثيرا ؛ فكلاهما نبي كريم و ابن نبي كريم و نحن جميعا نؤمن بكل الأنبياء و برسالاتهم دون تفرقة بين احد منهم لقولع تبارك و تعالى : ﴿ آمَنَ الرّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ ( البقرة- 285) ، فالأمر اجتباء و تشريف من الحق سبحانه و تعالى و كلاهما أهل له . و لم يرد في هذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم فنستند اليه و ينتهي الأمر ؛ هذا لأنه لا يؤثر في العقيدة و لا دخل له بالإيمان . فالمسلم الحق لا يبحث كثيرا في هذا ! و كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين سئل عن هذا : إن هذا الشيء ما كنت لأنظر فيه ( قصص الأنبياء – ابن كثير ) .

• نظرة على القرآن الكريم :
و لكن اذا تناولنا أيضا الموضوع بالدراسة في ظل القرآن الكريم نرى الحق تبارك و تعالى يورد قصة الذبيح فيقول : ﴿ وَقَالَ إِنّي ذَاهِبٌ إِلَىَ رَبّي سَيَهْدِينِ ¤ رَبّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينِ ¤ فَبَشّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ¤ فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ قَالَ يَبُنَيّ إِنّيَ أَرَىَ فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىَ قَالَ يَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيَ إِن شَآءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ ¤ فَلَمّا أَسْلَمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ ¤ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَإِبْرَاهِيمُ ¤ قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيَآ إِنّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ¤ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ ¤ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ¤ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ ¤ سَلاَمٌ عَلَىَ إِبْرَاهِيمَ ¤ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ¤ إِنّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ¤ وَبَشّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ ¤ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىَ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرّيّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لّنَفْسِهِ مُبِينٌ ﴾ ( الصافات- 99 : 113 ) . فنرى أن النص القرآني يورد قصة الذبيح ثم يورد : ﴿ وَبَشّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ ﴾ و كأنه يقول : و من بعد هذا جاءت البشرى بإسحق عليه السلام . فمن يكون الذبيح ؟ إنه جدٌّ يكون الأمر متكلّفا اذا كان حديث الذبيح عن اسحق عليه السلام دون أن يسميه ، ثم يسميه بإسمه ، و يبشر أبيه به كنبي و من الصالحين . فهذا يتعارض مع بلاغة النص القرآني . و الله تعالى أعلى و اعلم .
و نورد أيضا رأي ابن كعب القرظي إذ يقول : يقول الحق تبارك و تعالى : ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ (هود-71) فكيف تقع البشارة بإسحق و أنه سيولد له يعقوب عليهما السلام ، ثم يؤمر أبيه بذبحه و هو صغير قبل أن يولد له ؟ ( نفس المرجع السابق ) .
و ما سبق نورده للكاتب لا نريد به اقصاء الأمر عن احدهما دون الأخر عليهما السلام جميعا ، و لكن لنثبت له أن استعمال العقل و التفكير في نصوص قرآنية ثابتة لن يبلغك ما تريد من زرع بذرة الشك في نفس القاريء المسلم بل على العكس انه شيء مردود عليه و من نص القرآن فكلمة الله تتكلم عن نفسها .

• و ماذا تقول التوراة ؟
و ليسمح لي الكاتب هنا بدراسة الموضوع كما تعرضه التوراة و لنقرأ النص معا : ( وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». ) تكوين 22 : 1-2.‏
فنجد النص يسمي اسحق بأنه ابن ابراهيم الوحيد ! و واقع الأمر أن اسحق لم يكن أبدا ابنا وحيدا لأبراهيم عليهما السلام في أي لحظة من حياته ؛ لأنه عندما ولد كان لإسماعيل عليه السلام أربعة عشر عاما – بنص التوراة - فكيف يكون اسحق وحيده ؟ هل الرب مثلا لا يعترف بزيجة ابراهيم و هاجر لكونها جارية ؟ و الإجابة : لا ! لأن الترواة أيضا تقول : (وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ ) تكوين 21 : 13 . حقا أنه يعترف في مواضع اخرى بأنه بإسحق يدعى لإبراهيم نسلا ( تكوين 17 : 19 و 21 : 12 ) و لكن ليس معنى أن يتبرأ منه . و إن كان قد نبذه و امه في البرية فما انقطعت صلته به أبدا و لا صلته بأخيه من بعده بدليل ما تقصه التوراة عن موت ابراهيم فتقول : (‏ وَدَفَنَهُ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ ابْنَاهُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ‏ ) تكوين 25 : 9 ، و بذلك فلم يكن اسحق الوحيد أبدا !
فالنص بهذا لا يكون معقولا عند التفكير فيه . فإذا حُذِفت من النص كلمة ( وحيدك ) يكون المعـنى معقول و مقبول ! أو تُستبدل ( اسحق ) بـ ( إسماعيل ) فيكون ايضا كذلك !
و لا نريد بهذا أيضا أن نفاضل بين أنبياء الله - كما أسلفنا – ولكن لأثبت للكاتب أنه إذا أردت اخراج دليلا عقليا من التوراة لما تريد فهو موجود !

و في النهاية أقول للكاتب : إن المسلمين لا يكترثون بمسألة الذبيح و لا يفاضلون بين أنبياء الله فما هكذا علمنا ديننا ، و لا يدخلون في نزاع و لا تفاخر بالأجداد مع اليهود أو حتى مع الفرس الذين جعلهم الكاتب من نسل اسحق و قد جانبه الصواب في ذلك أيضا فهم ليسوا من بنى اسرائيل و لا من بني سام من الأصل كما هو وارد في كتب التاريخ و كما يعرف العرب الذين جعلهم يحرفون التوراة الذين لم يعرفوها من اجل صراعهم القادم مع الفرس !!
أيضا قد أنزل الله عز و جل القرآن على نبيه صلى الله عليه و سلم هدى و نور لمن يقرأه و يتدبره و ليس لمن ينظر له بعين السخط و الحقد و الكراهية . فالكاتب و غيره ممن يوجهون الشبهات للقرآن يوما بعد يوم لا يدرسونه دراسة مستفيضة و تبحث أعينهم في كل حرف منه عن نقص أو عيب أو تأويل محرّف و ذلك لكي يرضوا غرورهم و ظنهم أنهم قد نالوا منه ، و حقيقة الأمر أنهم لو حكَّموا العقل المجرد و الفطرة السليمة لوجدوا عكس مايقولون .
اللهم اهدنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .

كتبه الأخ / طـارق
engi_build@hotmail.com