بسم الله الرحمن الرحيم

الإتيان بجمع قلة فى موضع جمع الكثرة

منشأ هذه الشبهة:

أما منشأ هذه الشبهة فهو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياماً معدودات ) (1).

والشاهد ـ عندهم ـ هو قوله عز وجل " معدودات " لأنهم يفهمون جهلا ـ أن " معدودات " جمع قلة ، وأن " معدودة " جمع كثرة ، وأيام الصيام فى شهر رمضان ثلاثون يوماً. فهى أيام كثيرة يناسبها جمع الكثرة عندهم وهو " معدودة " ولكن القرآن أخطأ فوضع كلمة جمع قلة عندهم ، موضع " معدودة " وهى جمع كثرة عندهم كما تقدم. ثم عقبوا على هذا فقالوا : وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة ، حيث أن المراد جمع كثرة ، عدته ثلاثون يوماً ، فيقول: " أياماً معدودة ".

الرد على الشبهة:

سبق أن عدوا الأربعين جمع قلة ، وهنا جزموا بأن الثلاثين يوماً الرمضانية ، أو التسعة والعشرين يوماً جمع كثرة ، وأن القرآن أخطأ مرة أخرى حين عبَّر عنها بجمع القلة " معدودات " أليست هذه نادرة من نوادر الدهر ؟ كيف تكون الأربعون أقل من الثلاثين أو التسعة والعشرين ؟ هل هذا يصدر عن عاقل على وجه الأرض ؟

وما عدوه خطأً فى هذه الآية ، وهو قوله تعالى: " معدودات " فهو عين الصواب لغة وبياناً ، وقد أشرنا من قبل إلى أن معاملة غير العاقل معاملة العاقل أسلوب بلاغى رفيع المستوى ، وهو عند البلاغيين استعارة ، شبه فيها غير العاقل بالعاقل لداعٍ بلاغى ، يراعيه البليغ فى كلامه.

وكلمة " معدودات " فى وصف أيام الصيام أتى بها القرآن لخصوصية بيانية ، هى تعظيم شأن تلك الأيام ، حتى لكأنها لرفعة منزلتها عند الله عز وجل صارت من ذوى العقول ، وهى أوقات لا روح فيها كالأحياء العاقلين.

فليس المدار فيها اعتبار قلة ، أو كثرة ، بل المراد التنويه بفضلها ، وعلو منزلتها عند الله تعالى.

أما القلة فتفهم من سياق الكلام ، الذى حدد أيام الصيام بالشهر الواحد:

(شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) (2).

ولهذا التنزيل مواضع أخرى كثيرة فى القرآن الكريم وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق.

المراجع

(1) البقرة: 183-184.

(2) البقرة: 185.
___________