انتصار الإسلام فى تركيا ! ـ د. حلمى محمد القاعود

د. حلمى محمد القاعود : بتاريخ 24 - 7 - 2007

فى الانتخابات التشريعية التى جرت مؤخراً فى تركيا ( 22/7/2007م ) ، نجح الإسلام ورسبت العلمانية !
الشعب التركى سليل العثمانيين الذين نصروا الإسلام ، بعد هزيمة المسلمين فى الأندلس فى القرن الخامس عشر ، واقتلاع الإسلام من قرطبة وإشبيلية وغرناطة ، وإقامة محاكم التفتيش الوحشية الصليبية لقتل المسلمين أو من كانوا مسلمين وتنصّروا ( الموريسك ) .. هذا الشعب التركى يُعيد للاسلام اعتباره اليوم ؛ كما يقول أهل القانون ، بعد إقصائه لمدة سبعين عاماً على يد شخص " مصطفى كمال أتاتورك " الذى أعلن وفاة الخلافة الإسلامية ، وإلغاء الإسلام واللغة العربية واتخذ من العلمانية والحروف اللاتينية أساساً للدولة التركية بدءًا من عام 1924 ، وفرض على الأتراك ارتداء القبعة الأوروبية بدلاً من الطربوش أو العمامة ، وعلّق علماء الإسلام على أعواد المشانق فى ميادين المدن والقرى ، وجعل ولاءه الكامل والشامل للغرب الصليبي الاستعماري ، لدرجة أنه – وهو يحتضر – طلب من السفير الإنجليزي فى الآستانة ( اسطنبول ) أن يتولى حكم تركيا بعد هلاكه !
الشعب التركى المسلم ( 99%) صوّت فى الانتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية الإسلامى الذى يقوده " رجب طيب رضوان " وحصل على نسبة 48% من الأصوات بزيادة تقرب من 14% عن الانتخابات السابقة ، ووجّه رسالة واضحة ودقيقة لخُدّام الغرب الصليبى من أتباع أتاتورك واليسار المتأمرك ، مفادها أنه مازال شعباً مسلماً يرفض ثقافة الغرب الصليبى وقيمه المتوحشة !
من المؤكد أن نجاح حزب العدالة والتنمية ، قد أكد للغرب بصفة عامة ، وخدّامه فى تركيا ، والبلاد العربية خاصة ، أن الإسلام متجذر فى النفوس والقلوب ، وأن الشعوب الإسلامية لا ترضى بغيره بديلاً ، مهما اتخذ خصومه من تهديدات وإغراءات وأكاذيب لا تتوقف ولا تنتهى .
قبل شهور ، كان من الضرورى إجراء انتخابات رئاسية فى تركيا ، ورشح حزب العدالة والتنمية الذى يمثل حزب الأغلبية وزير الخارجية التركى الحالى " عبدالله جول " للرئاسة ، ولكنه لم يحصل على أغلبية الثلثين وفقاً للدستور العلمانى ، تغيّب النواب العلمانيون الذين يمثلون المعارضة عن حضور جلسة التصويت ، بحجة أن المرشح زوجه محجبة ، ولا يجوز أن تكون فى قصر الرئاسة التركى زوجة محجبة ، لأن هذا يُخالف العلمانية ، مع أن زوجة مصطفى كمال أتاتورك – نفسه – كانت محجبة ، وتظهر فى الصور التى التقطت لها فى عشرينيات القرن الماضى بالحجاب !
تقدمت الحكومة التركية التى يقودها حزب العدالة والتنمية بقانون يجعل انتخاب الرئيس عن طريق الاستفتاء الشعبى أو الاختيار الشعبى المباشر ، بعد أن استنفدت الوسائل التى تجعل أطراف اللعبة السياسية تتوافق على اختيار رئيس جديد ، عقب انتهاء مدة الرئيس الحالى .. ولكن الرئيس الحالى – وهو علمانى متعصب – رفض القانون بعد أن حصل على أغلبية البرلمان ، وكان صراع قانونى بين الحكومة والرئاسة ، ولكن الرئيس – مع حكم المحكمة الدستورية العليا لصالح القانون – أصرّ على الرفض ، وستكون معركة الرئاسة أولى مهام الحكومة الجديدة بعد انعقاد المجلس الجديد للبرلمان .
وأيا كانت النتائج ، فإن المعركة ليست معركة سياسية على برامج سياسية بين أحزاب مختلفة ، ولكنها معركة بين الإسلام والغرب الصليبى . وهذه المعركة لم تحسم بعد على المستوى العام ، بسبب المناورات السياسية ، ومعطيات الواقع الاجتماعى الذى يجعل الشعب التركى مسلما بفطرته ومشاعره ، وترتدى أغلب نسائه الحجاب ، ويذهب مئات الألوف من الأتراك سنويا إلى مكة والمدينة لأداء فريضة الحج والعمرة ، والزيارة .. لا يملك غير إيمانه ومشاعره فى مواجهة مؤسسات مدججة بالسلاح ، وتمنع كل من يرفض العلمانية وشروطها التركية من تولى المناصب الكبيرة والوظائف العامة ، وهو ما جعل " رجب طيب رضوان " يُعلن المرة تلو المرة أنه ليس ضد العلمانية ، وأنه يؤيد الدستور التركى والقوانين التركية ويعمل من خلالها ، ومع ذلك فإن من يسمون أنفسهم بالعلمانيين يُشكّكون فى كلامه ، ويرونه مناورة لقيام دولة دينية (!!).ويضعون فى طريقه العراقيل التى تخالف العلمانية ذاتها ومفاهيمها التى يُروّجون لها .
لقد سيّروا مظاهرات مليونية قُبيل الانتخابات لإثبات أو استعراض قوة العلمانيين ، وشنوا حملات ضارية ضد الإسلام والإسلاميين ، وحرموا ابنة " عبدالله جول " وزير الخارجية الذى كان مرشّحاً للرئاسة من شهادة تخرجها لأنها حضرت حفل التخرج وهى ترتدى الحجاب .. مع أن هؤلاء الجبناء لا يستطيعون الاعتراض ولو بالإشارة على حجاب الراهبات المسيحيات !
لم يردّ حزب العدالة والتنمية على ما فعله العلمانيون بالمثل ، ولكنه فضل أن يترك لهم الساحة الدعائية التى أوهمتهم أن لهم اليد العليا . وجاءت الانتخابات التشريعية لتثبت العكس وتعطى الإسلاميين فوق ما أخذوا فى الانتخابات الماضية ، وتطرد أغلب أحزابهم التى لم تحصل على الحد الأدنى من الأصوات 10% ، وهو ما أثار الارتباك فى صفوف هذه الأحزاب ، ودفع بعض رؤسائها إلى الاستقالة !
مشكلة العلمانيين فى تركيا والعالم الإسلامى أنهم بنسون أن الإسلام ليس فيه كنيسة ! الكنيسة موجودة فى الغرب وحده ! والعلمانية تفصل بين الحكومة والكنيسة . فهل يُريدون الفصل بين الإسلام والكنيسة ؟ المسألة مختلفة تماماً !.
المسجد فى الإسلام لا يملك تأثيما ولا تطهيرا ، ولا حرمانا ولا غفراناً .. العلاقة مباشرة بين العبد وربّه ، ولكن الشريعة وضعت أسساً للتعامل ، وقيما للسلوك ، ومنهجاً للعمل يظهر فيه الحق والباطل ، والصواب والخطأ .. وهذا المنهج يعرفه أولو العلم المؤهلون بالدرس والوعى والأهلية .
ويبدو أن القوم فى بلادنا الإسلامية يُصرّون أن يجعلوا المسجد كنيسة ، وأن تكون السياسة غربية الهوى والسلوك ، ولكن حزب العدالة والتنمية حاول فى إطار ما وضعه العلمانيون أنفسهم من قيود وسدود ، أن يُطهّر الحكومة التركية من الفساد ، وأن يصلح الاقتصاد ، ويزيد معدل التنمية ، وهو ما جعل الشعب ، حتى فى أقوى معاقل العلمانيين – يُصوّت له ولحزبه .. ويعلن انتصار الإسلام فى تركيا


http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=36427&Page=7&Part=1